|
بعيداً عن الإسلام و من أجله
محمد أبيض
الحوار المتمدن-العدد: 1327 - 2005 / 9 / 24 - 07:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إثر التقدم العلمي الغربي و دخول العالم في تيار العولمة التي صهرت في بوتقتها معظم الثقافات و أطاحت بأخريات و كادت أن تذهب بهم، برز الإسلام كأحد التيارات الذي قَبِل أن يكون في وجه السيل، ربما بسبب طبيعته التي تقتضي عولمة من نوع آخر، لسنا بصدد مناقشة تحضّرها أو تخلفها. من جهة أخرى و بسبب سوء الأوضاع السياسية و الاجتماعة و الثقافية و حتى العلمية في بلاد المسلمين، و انتقال شعلة الحضارة من أيديهم إلى الغرب، كان لا بد للمسلمين -الذين وجدوا أنفسهم فجأة في حالة تخلف و ضياع بعد وحدة و حضارة- من مقاومة الانصهار في بوتقة العولمة، تارة بالدفاع عن دينهم و إرجاع الأمر إلى مؤامرات داخلية أو خارجية تُحاك ضدهم، أو إلى إظهار الأمر على أن الإسلام ليس له علاقة أبداً بهذا التخلف، متخذين الهجوم كأفضل و سيلة للدفاع، بدافع من العاطفة و الحب. و لإظهار الصورة المشرقة للإسلام في الغرب، و دفع الشبهات عنه، استُحدِث في هذا الصدد ما يسمى بـ (الإعجاز العلمي بالقرآن و السنة)، و انتشر في الفترة الأخيرة انتشار النّار في الهشيم. لقد كان الإسلام قبل أن هذه الموضة (الإعجاز) منظومة من القيم الروحية السَّامية، تدعو إلى العدل و التسامح و المحبة و الإيمان بعقيدة التوحيد التي تجد في القلب مستقراً رساخاً لها. أما الآن فقد أصبح الإسلام، ممثلاً بالقرآن و السنة، عبارة عن منظومة تعلمية نجد فيها كل العلوم من السياسة إلى الفيزياء و الكيماء مروراً بالرياضيات و ليس انتهاءاً بالطب و الهندسة. فهاهو العالم الفلاني الذي امضى عقداً أو أكثر من حياته و هو يحاول أن يستخدم العمليات الحسابية الأربعة و كل ما أوتي من معادلات رياضية منذ أن خلق الله البسيطة إلى يومنا هذا، ليخرج في نهاية المطاف بما يسمى اعجاز الرقم (7) في القرآن. عالم آخر اضطلع علينا بحكاية جديدة، فقد استنتج بذكائه -اللامتناهي في الصغر- أن أحداث (11- أيلول 2001) لها اعجاز في القرآن، فقد استطاع عبر سلسلة من اللف و الدوران أن يوجد علاقة رقمية-لغوية معقدة، بين ما حصل في تلك الحادثة و بين ما كتب في القرآن الكريم ببعض الآيات. و عالم ثالث يحاول عبثاً هنا و هناك يوجد آية تسقط في مدلولها على نظرية في الفيزياء، محاولاً و بنية طيبة (ليس فيها حماقة) أن يثبت لذلك الشخص (الكافر المعاند) أن الإسلام هو الدين الذي يستطيع أن يقنعك أن البعث حق و أن الحساب حق و أن الثواب و العقاب حق، و أن النار و الجنة حق، بالرياضيات و الفيزياء ...!! يا ترى ما عسى ذلك الشخص (الكافر!) الذي يقرأ في الكتب أن القرآن وُجد فيه معجزة رياضية ثم كيميائة ثم فيزيائية، ماذا عساه يقول إلا: هل لدى هؤلاء المسلمين قرآن روحي و منهج حياة أم لديهم كتاب يجمع الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و الطب في كتاب واحد..؟! و من نافل القول أنّ الإسلام بحاجة إلى تخليصه من هؤلاء الذي يفتحون القرآن، لا من أجل أن يقرؤه و يطيعوا ربهم به، بل من أجل أن يجدو هنا أو هناك إسقاطاً لنظرية علمية على آية قرآنية أو حسابات رياضية تتطابق مع أحداث العصر. لم يأتي النبي محمد (صلى الله عليه و سلم) بالفيزياء و لا الكيمياء، و لم يكن عاملاً أو عالماً فيهنّ، و لو قُدّر له أن يخبرنا عن الفيزياء و الكيمياء و الطب لبُعث طبيباً أو فيزيائياً، و لكان من باب أولى أن يتعلم القراءة و الكتابة قبل أن يلج في بحرٍ لجيٍّ من العلوم الثرّاء. إن الإسلام الذي جاء به ذلك النبي الأُميّ جاء في عهد لم تكن فيه العلوم قد بلغت ربع ما بلغته اليوم، و مع ذلك دخل فيه منذ ذلك الحين أضعاف ما يدخل به الآن بعض الناس عن طريق الإعجاز العلمي وحده. ماذا لو تبين أن إحدى النظريات التي اسقطنا عليها الآية القرآنية هذه أو تلك، هي نظرية خاطئة و استُبدلت بأخرى لا تتماشى مع الآية، ما هو موقفنا يا ترى، و ما هو ردّنا. قد يقوّم الدينُ العلمَ، و يدعمه بقيم أخلاقية تساهم في دفع توجهاته نحو خير البشرية، و لكن لا اعتقد أنه يسايره أو يطابقه تماماً، إذ أنّ العلم هو نتاج البشر، أما الدين (الإسلام في مقالنا هذا) فنتاج الله، و بالتالي فإن العلم يحتمل الخطأ و الصواب، و الدين أسمى من أن يكون في موقع تجارب لدراسة خطئه و صوابه، فكيف يكون لنا أن نطابق بينهما و نوازي مساراتهما. ألمّا يئنِ الأوان لأن نتبنى علمانية تقدس القرآن و السنة و تحفظهما بعيداً عن متناول أيدي العابثين و مستخرجي المعجزات، أليس اللجوء إلى علمنة العلم (فصل الدين عن العلم)، و اتباع الأسلوب العلماني في سبيل الارتقاء بالدين و النهوض به من المستوى المادي البحت الذي وصل إليه إلى ذلك المستوى الروحي الذي يسمو بنا و نسمو به، هو الحلّ الصحيح لهكذا مشكلة... أم أننا سننتظر إلى أن يظهر علينا أحدهم بمعجزة تثبت أن كارثة (تسونامي)و احتلال العراق أحداث ذكرها القرآن، و تم الإشارة إليها فيه بالرموز و الأرقام...!!.
#محمد_أبيض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال
...
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|