|
قوى المعارضة السرية في الاسلام
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 4768 - 2015 / 4 / 5 - 14:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتكون قوى المعارضة السرية في الاسلام من التنظيمات السياسية التي نهجت العمل السري لمواجهة تسلط الحكومات الثيوقراطية من اموية وعباسية التي عدلت عن الحق ، وحادت عن جادت الصواب ، واستعملت الدين ووظفته في خدمة انظمتها وعشيرتها والمقربين منها . وقد استهدفت هذه المعارضة تبرير مشروعية العمل السري كأسلوب نضالي على اساس نبل الغاية وسمو الهدف من ناحية ، وضراوة القوى المتسلطة في قمع الثورات الجماهيرية المطالبة بعدالة الاسلام من ناحية اخرى . ان كل محاولة لإثبات هذه الحقيقة عبر التاريخ الاسلامي ليست بالأمر السهل ولا الهيّن . لان جميع كتابات السلف الصالح او الطالح ، وفي الغالب الاعم ، تتفق وتتواتر على تبرير النظام الملكي الهرقلي الاموي ، والحكومة الكسروية العباسية ، ومن ثم تتحامل بلا هوادة على كافة الحركات والثورات الاجتماعية المعارضة . فتصورها سياسيا على انها تطاول على اولي الامر وتمرد وفتنة ، وتصورها اجتماعيا على انها هبّات العوام والرعاع والشّمكرة والأنذال والأسافل . وتصورها من الناحية الدينية على انها مروق وكفر وزندقة . وتصورها من الناحية الايديولوجية على انها محاكاة للفكر الوثني والإسرائيلي . لذلك فالصورة الراسخة في اذهان العوام عن قوى المعارضة السرية في الاسلام ، كالخوارج والشيعة حزبا اليسار ، والمعتزلة والمرجئة حزبا الوسط إن صح اقتباس مصطلحات العصر الحديث ، هي صورة مشوهة زائفة تمثل وجهة نظر اليمين ، او هي التاريخ الرسمي الذي يُكتب في البلاطات والقصور ، اي وضعته المؤرخة المملوك على حد قول ابن عربي . ان من اكبر المعيقات التي تعترض البحث العلمي لتنظيمات اليسار الاسلامي ، ان الملوك الامويين والعباسيين احرقوا كبتهم ومخطوطاتهم ، لذا فان اغلب المراجع المتداولة هي من كتابات معارضيهم من فقهاء السلاطين والقصور ، لذا لا غرو ان نجد تعمدا وتشويها لهؤلاء قصد تسفيههم ، وتشويه سمعتهم ، ودفع العامة للنفور منهم والابتعاد عنهم . امّا ما يوجد من كتب ، وهي على رأس الاصابع في معالجة الاحزاب السرية المعارضة في الاسلام ، فهي تبتعد عن الحقيقة ، لأنها زاخرة فقط بالأساطير والخرافات والخوارق التي تفقد البحث العلمي اهميته ويقينيته . ومما يزيد المشكل صعوبة وتعقيدا ان من طبيعة العمل السري الكتمان و التخفي ، مما يمكن القوى اليمينية المعارضة لهم ، بالتشكيك في عقائدهم ونظم وأشخاص القائمين عليهم . والواقع ان معظم المؤرخين الرسميين كانوا ولا يزالون موالين للحكام سياسيا ، سُنيّي المذهب ، ينتمون الى هل القلم او الكتاب ، اي ( العلماء ) العملاء المشتغلين بالدواوين ، المتمتعين بالاكراميات والإنعامات ، والحائزين للإقطاعيات . ولا غرو فقد اسرفوا وتطرفوا في تقريظ اولياء نعمتهم وتبرير اعمالهم ، بالقدر الذي اشتطوا فيه في احكامهم على خصومهم من قوى المعارضة . ومن هنا لا يجب التسليم بصحة كتاباتهم ، فكلام الأقران في بعضهم ببعض لا يعبأ به ، ولا سيما إذا لاح انه لعداوة او لمذهب او لحسد كما ذكر الذهبي . وفي نفس المعنى قال المقبلي : " وقد صار كل فريق يحكي الشر عن مخالفه ويكتم الخير ، بل يروي الكذب والبهت " ولا غرو ، فقد انتحلت الاحاديث النبوية ، ولُفّقت المأثورات عن السلف الصالح خدمة لأغراض اولياء النعمة من حكام وملوك وسلاطين " . اما قوى المعارضة التي تُكون اليوم ما يسمى باليسار ، فكانت اكثر التزاما بتعاليم الاسلام واشد حرصا على تطبيقها . فالخوارج والمعتزلة والمرجئة منذ النصف الثاني من القرن الهجري ، اتفقوا جميعا على احقية اي مسلم للخلافة بغض النظر عن اصله او لونه او عصبيته ، فكان فكرهم السياسي مستوحى من ديمقراطية الاسلام التي تقوم على العدالة والمساواة . كما تبنت حركاتهم جميعا ، وبما فيهم الشيعة ، قضية العدالة واستهدفت النضال من اجل اقرارها . فضلا عن غلبة الروح العقلانية على آرائهم الاعتقادية ، وبالذات عند الشيعة و المعتزلة بشكل يسترعي الانتباه . لذلك يمكن القول ان الاسلام لا يتعارض ونشاط المعارضة ولا يبارك سياسة بني امية وبني العباس بوجه عام . وبديهي هنا ان تتذرع قوى المعارضة في نضالها السري المشروع بشتى الوسائل والأساليب ، وقد افادت من التراث القديم في هذا الصدد الى حد كبير . " فدار الاسلام " كانت زاخرة بميراث حضارات شتى من هيللينية ومشرقية الى اسرائيليات ووثيات . والفكر الاسلامي لم يكن ليصُمّ اذنيه او يغلق عينيه عن هذا الميراث الانساني الحضاري الضخم الذي صنعته البشرية في عصور سالفة ، بل انفتح عليه ونهل منه وتمثّلهُ واخذ منه ما لم يتعارض وجوهر الاسلام ، وبفضل هذا الانفتاح كتب له الحصانة ضد طعنات الشعوبيين والزنادقة . لقد تغلغلت العقلية الاسلامية داخل مكتبة الاسكندرية وأديرة وكنائس النصارى وبيع اليهود ومعابد النار الزرداشية ، فكشفت عن اسرار الحكمة والمعرفة وكيفتها مع العصر وأعطتها طابعا اسلاميا . وبديهي ان تكون قوى المعارضة سباقة في الافادة من هذه التيارات الموروثة والوافدة ، سواء في التنظير لمذاهبها واعتقاداتها ، او في ارساء قواعد دعوتها وتنظيماتها السياسية . فالاسرائيليات واضحة التأثير في التنظيمات السرية لقوى اليسار، والهيللينيات والمشرقيات تركت بصماتها على نظمها السياسية والاجتماعية ما دامت لم تتعارض في جوهرها مع الروح الاسلامية . ان الحركات السياسية المعارضة السرية من خوارج ومرجئة وشيعة ومعتزلة وقرامطة وازارقة وفاطمية وباطنية وإخوان الصفا وغيرها قد تركت اثارها في الفكر السياسي الاسلامي الذي جعل قسطا كبيرا من العالم الاسلامي يعرف اليوم هذا التجاذب والتشابك بين ما يسمى باليمين في الاسلام وما يسمى باليسار في الاسلام كذلك .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلف الصالح
-
بحلول 23 مارس 2015 تكون قد مرت خمسة واربعين سنة على تأسيس او
...
-
من افشل حركة 20 فبراير ؟
-
بيان الى الرأي العام الحقوقي
-
المكيافيلية والسكيزوفرانية الفرنسية : هل فرنسا مع الحكم الذا
...
-
بلاد دنيال كالفان . بلاد الظلم والذل والعهر والعار . بلاد هك
...
-
انزلاق المغرب من دولة علم ثالثية متخلفة الى دول ربع العالم ا
...
-
حين تصبح الدواعيش التكفيرية اوصياء على الاسلام
-
إلغاء ام تأجيل لوقفة الائتلاف من اجل التنديد بالدكتاتورية ام
...
-
على هامش الوقفة الاحتجاجية التي نظمها الائتلاف من اجل التندي
...
-
الازمة العامة الحليف الاستراتيجي للمعارضة الحقيقية -- انتفاض
...
-
البوليساريو يقبل بالحكم الذاتي بشروط
-
هل يحيل الامير هشام العلوي نزاع الصحراء الى اتفاق الاطار؟
-
حين يتم جعل السلطة الشخصية المسيطرة سلطة مقدسة -- وظيفة العن
...
-
فرنسا هي كريس كولمان
-
بين التركيز على شخص الشخص والتركيز على النظام
-
بيان اخباري الى الرأي العام الوطني والحقوقي المغربي
-
افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر -- عملاء لا ( علماء )
-
التردي والافول بالعالم العربي والاسلامي
-
من الخائن ؟
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|