هاله ابوليل
الحوار المتمدن-العدد: 4768 - 2015 / 4 / 4 - 21:36
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
قراءة في رواية " حياة معلقة " للكاتب عاطف أبو سيف
" هي فعلا حياة!!! ؛ حياة معلقة بكف عفريت "
وهل من لا يعرف العفريت المرعب , الصهيوني البغيض
العفريت الخارجي هؤلاء الذين سيقو إلينا من بولندا وهولندا والمجر, وبحر الخزر , واثيوبيا ليحلوا محل سكانها الأصليين
هؤلاء الذين يخطفون الشباب من أمهاتهم ويودعونهم السجن طيلة الحياة .
" "دخل الشرير الى الحانة أطلق النار على كل من فيها بومضة عين ومضى, وكأنه لم يزعج أحدا " (صفحة 26 )
هي رواية حكي بالمفهوم الشعبي , بمعنى أن كل ذلك السّرد المكثّف للشّخصيات يتجمع حولك , وتكاد تراه في كل مخيّم فلسطيني في دول الشتات .البارحة قمت بزيارة سريعة لمخيمنا , فرأيت نعيم والحاج خليل, يلعبان الورق أمام البيت , وبجانبهم صينية الشاي بالميرمية , والخال يوسف يجلس أمام بقالته , يسلّم بتحيّته وحركة يده على المارّين , يدعوهم للجلوس معه لتبادل أطراف الحديث ,
هم أنفسهم أبطال الرواية ما زالوا موجودين ,أحياء يرزقون , تجد لهم شبيها في كل مخيم . لأن كل فلسطيني لا بد أن يمر على المخيم أن لم يعش فيه فجدّه وجّدته , عاشا هناك
صدقا ,,, كل فلسطيني سيقرأ الرواية سيشعر انه يعرف الأبطال , ربما يكون نصر أو ياسر أو سليم و ربما أكون أنا يافا
سوف يتذكّر الطبلية , و دكانة الحّي و إمام المسجد والزقاق الضيق والبيوت المتراصة , واحاديث العودة والوطن المسروق .
..هذه هي حياة الفلسطينيين المعلقة فعلا ما بين الشتات وحلم العودة وما بين الترحال والسفر و ما بين الأسّر والحرية ومابين البطولة والموت والحياة ,,, كلها محطات يقف فيها الفلسطيني, متهما و مدانًا , حتى بدون تصريح لفظي حتى يثبت للعالم براءته من العنف المضاد و أنه مقتنع بحظه من هذه الدنيا البائسة التي جعلته رحّالا يجوب آفاق الدنيا حاملا وطنه في قلبه.
... الّسرد فيها, بدأ بإيقاع هادىء , ومن ثم تصاعد لدرجة إحساسنا بأنّنا في ماراثون سباق الجّري وكأن الأبطال يريدون انهاؤه ولو بشق الأنفس .
كان السرد في البداية , ينساب بسهولة وبعفوية ,وبلغة عادية جدا ,مألوفة ومسموعة في عالم استمع للقصّة ذاتها على مدار ستين عاما ونيف
فهل هناك أطول من هكذا حياة معلقة
سردية ,لا تنتهي ولن يكتب لها الإنتهاء ,فالعالم الذي ينمو بتسارع ملحوظ يحتاج لضحايا كل يوم لكي تصبح لنشرة الأخبار نكهة التشويق .وهل هناك شعب أفضل ممن أدمن الجِراح والتشتت غيرهم
حاول الكاتب الفلسطيني عاطف أبو سيف وهو في غمرة سرده الحكائي لوي خصر اللغة لتتناسب مع الخط الروائي بكون اللغة المستخدمة على لسان الراوي أدبية نوعا ما
فلجأ الى تطعيمها بالكثير من التشبيهات
(" يحس أن أحرف اللّغة كلّها لا تقوى على إطلاق مدفع لسانه ليقولها ")
(" لا يرغب في دخول نفق التجربة مرة أخرى " (ص, 192 )
مثل هذه التشبيات بالذات تناسب اهل غزة (الأنفاق والمدفع وغيرها ) الكثير الذي يشي بطبيعة الحياة هناك
ولكّنها , في سرده المتتابع لم تفلح تلك اللغة أن تسكن في ظل واقع لمدينة حياتها معلقة على حبل الغسيل المنشور في كل فضائيات العالم ,
فهي مدينة ممهورة بالعزة والشجاعة التي أكتسبتها بصمودها وخروجها عدة مرات من حروب دامية, ألقيت على رأسها أطنان من الفوسفور الأبيض والكيماوي وخرجت مثل طائر العنقاء , كأحد مدن العجائب الصامدة في زمننا هذا .
فغزة هي المكان الأرحب الذي جال فيه الكاتب ورصد حركة أبطاله
والمخيّم والتلة المقابلة له تحديدا ؛ هو المكان الضيق الذي انحشر فيه الأبطال كحيوات في منطقة اقامتهم ليتحركوا منها الى الفضاء الأرحب , يسردون قصّة حياة
ليس سوى حياة معلقة على كف عفريت كما تحكي الأحداث
فهم معرضون في أي وقت للقصف الجوي والوخز الفضائي للمجال الأرضي ( رصاصات بيد قنّاص )
والإذلال اليومي في الوقوف لأيام عدة عند المعابر والإنتهاك الحياتي المتمثل بدخول الجيش الإسرائيلي في أي وقت ومداهمتهم للبيوت ,لألتقاط الشباب من أسرتهم
والزج بهم في السّجون .
فغزة ومخيماتها مثل باقي مخيّمات الشّتات " المخيمات مثل خناجر تدمي ذاكرته (ص 105)
ولكن غزة تختلف كوْنِها جرى تشبيهها كفرن مشتعل يخرج الأحداث والأخبار السّاخنة , كرغيف خبز يقبل الجميع عليه
؛ منطقةعلى أهبة الإنفجار , قد تشتعل في أي لحظة , والموت هناك مجاني وليس له ديّة , والشهداء يرحلون بدون أن يكون لهم إرادة في موتهم
؛ فقد يموت أحدهم بطلقة من قنّاص كما حدث لبطل القصة نعيم , الذي إبتدات الرواية معه وهو يسرد باستخدام تقنية تيار الوعي استرجاع ذكرياته منذ ولادته, وتشرد عائلته اليافاوية سنة 1948 ولجوئها في كل دول الشتات
حتى استقرار مركب خاله في غزة مع والدته
وصولا لمقتله برصاص قنّاص , حتى معنى اسمه الذي يشير للنعيم الذي تركه هناك ولم يراه .
( حياة مؤجلة لم يقدر لنعيم أن يعيشها لكنها ظلت تعيش فيه (ص,167)
ثم جاءت محاكمة البوستر الذي استهلك فيها الكاتب فصلا كاملا ليقيم حوارا حول جدلية الموت والضحية والشهادة و البطولة . يقول نصر: " ان مجرد بقاءنا في غزة هنا ,هو بطولة كبيرة " (ص 79)
كل ذلك كان مُساعدا كضرورة من ضرورات الحكي التي تشتهر بالّعادة في التّجمعات المكتضة , ليخرج بعدها السارد الى الحيّ وسكّانه , والتّلة وقصّتها الدّرامية التي رفعت من الخط البياني للتشويق كحدث ألتمّ الجميع لمناهضته في بناء سردي ممتد على طول خط المقبرة حيث يودعون أمواتهم هناك .
يمتد زمان الرواية كما فهمنا ما قبل وما بعد صفقة شاليط
وخاصة انه ذكر مراحل الانتقال في السلطة ما بعد اوسلو وحتى ترك غزة للسّلطة المحلية
وذلك استكمالا لشرح اوضاع الاسّرى , وانتظار الناس لصفقات التبادل لكي تكتمل فاجعة المكان .
*****************************************
* "اهلا بك في مملكة غزة "
جاء هذا الترحيب الساخر , بلكنه عربية مكسرة من فم الجندي الإسرائيلي الذي قام بتنفيذ أمر إبعاد عائلة أبو خليل الى غزة , ليدخل بطل جديد للقصة , واغفل الكاتب ذلك الحادث وكان من الممكن الإشتغال عليها, لإظهار مأساة الهجرة و الأبعاد من وجه نظر رجل ستيني على أبواب القبر ولو بحوار يجريه مع نعيم أو الحاج يوسف ولكنه كان يحشر نفسه داخل الزقاق الضيق وكأنه يقول: إنها ليست وثيقة تاريخية لكي أرصد كل مايجري في البلاد . وهذا من حقّه
... في أي رواية تريد ان تدخل سباق البوكر- أن كان صاحبها يرغب في السباق البوكري- على الكاتب ان يتقيّد بشروط منح الجائزة
وهي ببساطة أن يتحدث عن ثلاثة من التابوهات المحّرمة ( الجنس و الدين و السياسة) ولا نعرف كيف تخلت اللجنة عن شروطها في هذه الرواية , فدخلت السباق بدون منكّهات جنسية أو اشارات سياسية واضحة,ولكن على مايبدو أن غزة تستحق ان تدخل بالسباق فهي دخلت في كل وجدان حرّ و أصيل
الجنس محتشم بشكل مفرط حتى ليبدو وكأن الرواية وصفة لمنع تناسل الإنجاب في مكان كغزّة يتباهون فيه بكثرة الاولاد ,(لمعان عين نتالي وهي ترى الشهوة الطافحة بعينيه وارتباكه : أول مرة ")
أما تابو الدين . فجاء فقط في حادثتين يعرفها كل من عاش في تلك الفترة في المخيمات ,وفي غيرها من الأحياء الشعبية , وهي فرض الحجاب على البنات بدون إرادتهم وعن طريق الضغط الشعبي كتخجيل الأب أو الأبن لفرض الحجاب عليها بالإجبار
" بنتك صارت صبية ياحاج "
"ياجماعة هو منديل يافا بنتي هو الي ضيّع فلسطين "( ص 194)
الاشارة الثانية ؛ وهي في التدين الشّكلي ظهرت في نصيحة خميس لياسر كي يسّهل له اجراءات سفر يورو
هو أن يتردد على المسجد في حارتهم حتى يطمئن قلب الإخوان ولا يقفون في اجراءات سفره .
يلزمك يا يورو أن تصلي صلاة الصبح على الأقل , في الجامع لكي يرضى عنك امير الجامع ويبعث فيك تقريرا يسهل واسطة خروجك من المعبر.
أما الإشارات السياسية عن الدور الذي تلعبه قطر في غزة فجاء بعبارة العميد صبحي عن بناء مسجد على التلة
"سيكون تحفة" وسيبنى بتبرع كريم من أحد أمراء قطر" ( ص 137) .
**********************************************
الحياة في غزة
وصف ادوارد سعيد اتفاقية أوسلو بأنها استسلام وليست سلام و ستحول غزة الى أكبر سجن في العالم .(خيانة المثقفين)
وهذا ماحدث!! تحولت غزة الى سجن
" مسكينة غزة ,لا أحد يريدها, الكل يريد أن يتركها " ص 237 هذا ماجاء على لسان الراوي ولسان احد ابطالها
... فلماذا يريد الجميع ترك غزة باترى ؟! هذا ما تكلمت عنه الرواية
في مدينة معلقة بين حاجزين (حاجز إيريز في الشمال ,وحاجز رفح في الجنوب ... أنت لست في حرية, بل أنت في سجن
,,,, غزة المعابر المغلقة , والإذلال اليومي
غزة الحصار , وحظر التجول , وقطع الكهرباء والماء وغاز الطبخ .
غزة السجناء والأسرى الذين لا يخرجون حتى ولا مع صفقة مع الشيطان ..
غزة الأنفاق (هل تستطيع تصور غزة بدون انفاق !!! (ص 297) (مجرد غرفة في رفح تصل الى رفح المصرية وهكذا يتم الأمر ؛ بضائع , أجهزة كهربائية, الكترونيات )
غزة الاعتقالات بسبب سوء التفاهم , والتعذيب والمعاناة وسنوات الإنتظار الطويلة داخل السجون و معاناتهم ,والأمل بصفقات تبادل الأسرى ) .
" القبر جدران مغلقة , أما السجن,. فثمة بوابة وسلاسل لكنها يمكن ان تزول (صفحة 19)
غزة التي تتغذى على الأساطير و المعجزات والتبرك بالأولياء الصالحين والتدين الشكلي.
أوضاع الصيادين , وهجوم البلدوزرات الإسرائيلية عليهم وتدمير قواربهم مصدر رزقهم الوحيد .
غزة عرس و وموضة جمعيات التضامن , والمدافعين الأجانب عن حقوق الإنسان
... في النهاية, كان هناك تملصا سافرا من المسائل العالقة في غزة مثل دور السلطة الدينية السياسية ,وتحكمها في الناس وكان هناك هروبا من قضايا الإنقسام (فتح و حماس)
و بقراءة زمن الرواية حتى بعد 2007 وزمن الثورات التي تبعتها في البلدان العربية , يكون الكاتب قد أغفل حصار عرفات و ماتبعها من تبعات
"
,, ألم تجبر أفعال المقاومة والهجمات الإنتحارية التي كانت تقوم بها الحركات الإسلامية في وسط فلسطين المحتلة, في إحراج عرفات , وجعله يوجّه سلاحه اليهم !!!
لن نطيل وسوف نقتبس مما قاله بطل الرواية نعيم , عندما بدأت بمجادلته الصحفية الأجنبية " خلي السياسة للسياسيين" ( صفحة 158)
فبالنهاية الرواية هي رواية غايتها تقديم الحياة بكؤوس شفافة بغض النظر عما بداخل الكاس من مشروب , و الذي قد يكون حنظلا مرّا أو شرابا مستساغا طيّبا مذاقه
وقبل ان أنهي لماذا كل أبطال الرواية من يافا ؟ نعيم , والمختار وصفي , و مدير المدرسة , و ابو خليل وحتى ابو جورج
الأّ يوجد في المخيم لاجئين من حيفا وعكا مثلا
...وأخيرا أثناء تصفحي بالنت , وأنا بصدد البحث عن صورة لغلاف الرواية في محرك البحث الشهير غوغل , قرأت أن كاتب العمل (عاطف ابو سيف) لا يملك نسخة من روايته
ستهتفون مو معقول !!!! وأجيب عنه
ولما يحتاج لنسّخة , فالنسّخة طبق الأصل موجودة في ذاكرته , وبذاكرة أي فلسطيني مازال يتذكر ارضه ووطنه
فالمشهد على الأرض لم ينتهي, فالمخيمات في غزة وفي أراضي الشّتات , ما تزال مخيماتهم شاهدة على الإبادة الجماعية والترحيل التي قامت بها عصابات صهيون بحق الشعب الأعزل " المخيمات مثل خناجر تدمي الذاكرة " وتعري الواقع الراهن وتكشف وجه العالم البشع الذي غض النظر عن كل جرائم اسرائيل .
( " لم يكن نعيم بطلًا , كان ضحية قسّوة الحياة ")
هاله ابوليل -كاتبة فلسطينية
*******************************
تنوية لا بد منه,,,
ورد في الرواية اسم (ابوالليل) كسّجان مخيف كان يتعاون مع الشيطان في تعذيب أهل غزة و كما ترون فأنا أحمل
الليل باسمي, لذا فأي تشابه بينه وبين اسم عائلتنا الفخم / الأصيل, والذي لن تنتقصه أعمال هذا السجان الكريه
الذي سمى نفسه بهذا الاسم , فهو ليس مجرد تشابه أسماء فقط , بل هو مجرد تشابه أسماء
لذا اقتضى التنويه,
#هاله_ابوليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟