مروان عبد الرزاق
كاتب
(Marwan)
الحوار المتمدن-العدد: 1326 - 2005 / 9 / 23 - 08:43
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
سوريا على مفترق طرق (1من3)
(( أمريكا – لبنان – سوريا ))
أولا:المشهد القديم وبداية" الزلزال"
لقد دشن اغتيال رفيق الحريري في لبنان مرحلة جديدة في كل من سوريا ولبنان.وأصبح للتدخل الأمريكي المباشر دور هام في رسم المشهد السياسي الجديد داخل البلدين,والعلاقة بينهما. لكن كيف يمكن رؤية هذا المشهد ؟وخاصة فيما يخص سوريا ,والعلاقات السورية- الأمريكية. وكيف يستجيب/أو يواجه النظام السوري الضغوط الأمريكية التي تتزايد بكثافة في المرحلة الراهنة. وهل سينهار النظام السوري في المرحلة الراهنة أمام هذه الضغوط كما يخيل للعديد من الراغبين بذلك.؟ وكيف قرأت المعارضة السورية المشهد الجديد.؟ إنها أسئلة صعبة افرزها المشهد الجديد,ومن الضروري مقاربة الإجابات عليها.
1- سوريا في لبنان (المشهد القديم):
دخل الجيش السوري إلى لبنان في 13/أيار/1976/ استجابة لنداء الجبهة اللبنانية (والتي كانت تضم آنذاك سليمان فرنجية, وبيير الجميل , و كميل شمعون , و شربل قسيس رئيس الرهبانية اللبنانية المارونية) , بعد عام من بداية الحرب الأهلية اللبنانية , و ذلك بهدف إيقاف أو ردع الحركة الوطنية اللبنانية والتي كانت تضم ( الحزب التقدمي الاشتراكي والمنظمات والأحزاب اليسارية اللبنانية) بقيادة كمال جنبلاط , و المتحالفة مع منظمات المقاومة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات , ومنعها من السيطرة على كامل لبنان , و تأسيس دولة جديدة . و قد تم تغطية دخول الجيش السوري بموافقة عربية تجسدت بالقمة العربية الثامنة التي انعقدت في القاهرة في / 25 تشرين الأول 1976 / و التي سميت "قمة لبنان" والتي شكلت قوات الردع العربية التي دخلت لبنان في / 10 ت2 1976 /, والتي سرعان ما تقلصت إلى قوات سورية فقط . و كذلك تم دخول الجيش السوري بموافقة أمريكية , رغم المعارضة السوفيتية , و التي رفضت التدخل السوري ضد الحركة الوطنية اللبنانية و المقاومة الفلسطينية .إلا أن الحرب الأهلية لم تتوقف بسرعة,و بقي لبنان ساحة للصراع الطائفي و السياسي اللبناني-اللبناني و ساحة للصراعات العربية-العربية , تحت مظلة الحرب الباردة والتي كان يشكل قطبيها الرئيسيين :أمريكا و الاتحاد السوفيتي .
وكان لبنان ساحة للصراع اشترك فيها كل الطوائف و الإيديولوجيات و التيارات السياسية و السلطات العربية و المعارضات العربية والأقطاب الدوليون , و قد ساهمت مجموعه من العوامل في تحويل لبنان الى ساحة لهذا الصراع المختلط و الشامل في المنطقة العربية ومن أهمها :
- البنية الطائفية للمجتمع اللبناني , و التي أفرزت الطائفية السياسية , و شكلت ما يسمى "بالديمقراطية الطائفية" التوافقية والتي تعتمد بالدرجة الأولى على توافق الطوائف والمذاهب الدينية المختلفة على اقتسام السلطة , و حين يصيب الخلل هذا التوافق تبرز الحرب الطائفية كبديل عن التوافق الطائفي. و رغم ذلك كان لبنان البلد الوحيد في العالم العربي الذي وجدت على أرضه الحريات السياسية و الثقافية , وكان ملجأ لكل المعارضة العربية وبكافة اتجاهاتها.
- وجود لبنان على حدود إسرائيل (العدو التاريخي للعرب) . و تمركز المقاومة الفلسطينية العسكرية على أرض لبنان ,بعد أن تم تهجيرها من الأردن إثر أحداث/مجازر (أيلول 1970 ) , إلى أن جاء الغزو الإسرائيلي في 1982 و احتلاله الجنوب اللبناني , و محاصرة بيروت , حيث تم إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان إلى تونس باتفاق/مؤامرة عربية و دولية . و كانت تلك النتيجة الأولى والأكثر أهمية للتدخل السوري في لبنان .
وقد أستطاع الأسد الأب , و بمعرفته الاستفادة من الوضع الدولي و العربي , أن يلعب دوراً هاماً في لبنان وساعده وجوده في لبنان, على أن يلعب دوراً هاماً أيضا على المستوى العربي و الدولي .
1- لقد أستطاع( الأسد الأب) ليس ردع الحركة الوطنية اللبنانية و إضعافها فقط , بل عمل على ردع و إضعاف كافة القوى اللبنانية من كافة الطوائف , بحيث استطاع السيطرة على كل لبنان . و خاصة بعد خروج المقاومة الفلسطينية و تقسيمها إلى تيارين كبيرين : تيار برئاسة ياسر عرفات , و آخر برعاية سورية و خاصة بعد الانشقاق داخل حركة فتح (المنظمة الأقوى في منظمة التحرير الفلسطينية ) .
2- و تم دعم حزب الله ليصبح أكبر الأحزاب و أكثرها أهمية في الجنوب (و ضمن الطائفة الشيعية) , بعد أن تم تنقية الجنوب من كافة الأحزاب الوطنية واليسارية الأخرى و التي كانت تقاوم إسرائيل بحيث أصبح دورها هامشياً بالمقارنة مع حزب الله .
3- و أستطاع الأسد اِثر اتفاقيات كامب ديفيد 1977 أن يشكل جبهة عربية واسعة ضد السادات مستفيداً هذه المرة من دعم السوفييت له ( بعد أن تم أخراجهم من مصر ) في وجه الأمريكان . بحيث ظهرت سوريا الدولة القوية و الوحيدة القادرة على قيادة الجبهة العربية القومية ضد إسرائيل و أمريكا .
4- و تم إسقاط اتفاق 17/أيار/1983 . و منع إمكانية أن يكون لبنان مستقلا في مساره تجاه إسرائيل . و تم فرض ما سمي بوحدة المسارين السوري اللبناني تجاه الصراع مع إسرائيل .
5- وأستطاع الأسد أن يلاحق و يعتقل كافة المعارضين للنظام في سوريا من كافة الاتجاهات و الفئات : الإسلاميين و اليساريين من الداخل السوري , و أنصار حزب البعث العراقي و أنصار عرفات , و المعارضين اللبنانيين في الداخل اللبناني .
6- و منذ أتفاق الطائف في 1989الذي عبر عن المصالحة الوطنية بين القوى و الطوائف اللبنانية المختلفة , ووضع حداً للحرب الأهلية . بدأ لبنان يستعيد الهدوء , و كان عقد التسعينيات بالنسبة لسوريا , عقداً مظفراً و هادئاً , فالوضع اللبناني الداخلي أصبح هادئاً , بعد اٍتفاق الطائف و تصفية المعارضة اللبنانية و الفلسطينية في الداخل اللبناني و لم يعد هناك من يستطيع أن يشكل أية قوة ليطالب سوريا بالخروج من لبنان (خلال ثلاث سنوات) حسب أتفاق الطائف . كما تمت تصفية المعارضة السورية في الداخل السوري , و الإمساك بخناق عرفات من خلال سيطرة سوريا على جزء هام من المقاومة الفلسطينية . . و هذا كله ساعد الأسد ليدخل محادثات السلام في مدريد 1974 , و هو يشعر بالقوة و يمتلك أوراقاً مهمة و خروجه من المحادثات دون أن يوقع اتفاقاً مع إسرائيل , و حتى فيما بعد قدرته على الانسحاب من لقاءه مع كلينتون في جنيف في عام 2000 قبل وفاته بأشهر قليلة .
وعند بداية التسعينيات, كانت الدولة اللبنانية في أضعف حالاتها.و كانت الساحة خالية أمام النظام في سوريا لكي يعيد بناء الدولة اللبنانية من جديد . و إن انفراد سوريا في تقديم الدعم لإعادة بناء مؤسسات الدولة والجيش والأمن , هو الذي جعل العديد من المفكرين و السياسيين في لبنان يعترف بدور سوريا الإيجابي في إعادة هذه المؤسسات للحياة بما فيها الجيش والأمن ,وتحقيق السلم الأهلي بين الطوائف. لكن بالمقابل فالدولة اللبنانية الجديدة , تم بناؤها وفق العقلية الأمنية السورية . حيث كان الأمن السوري في لبنان هو الجهة الأقوى في لبنان . يختار من يشاء و يبعد من يشاء عن مؤسسات الدولة و يتدخل في الانتخابات . و في كل الحياة السياسية الداخلية و حتى اختيار الرؤساء اللبنانيين (النواب, و الوزراء ,و الجمهورية ) كان لا يتم إلا بموافقة سورية . . . الخ .و إن تدخل الأمن و دوره الكبير في إنشاء الدولة اللبنانية الجديدة , و تدخله في الحياة السياسية . هو الذي جعل من الدولة اللبنانية اشتقاقاً هزيلاً عن بنية النظام السوري الأمني . و رغم وجود العديد من الأصوات اللبنانية التي كانت تعارض هذا البناء و التدخل الأمني , إلا أنها لم تكن قادرة على تشكيل أية قوه في وجه النظام السوري الذي كان القوة الأكبر في لبنان , والمدعوم عربياً و دولياً .
2- اغتيال رفيق الحريري " الزلزال" (14/شباط/2005) :
لقد وصف اغتيال الحريري بحق " بالزلزال " الذي دشن مرحلة جديدة للبنان و سوريا , و العلاقات اللبنانية السورية والتي ستكون مختلفة كلياً عن المراحل السابقة . إلى حد أن البعض بالغ بتشبيه الحدث بأحداث /11 أيلول 2001 / في نيويورك و أهميتها بتدشين مرحلة جديدة على مستوى العالم و التي ما زالت مستمرة حتى الآن .
و بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على هذا الاغتيال , يبدو أن معرفة من اِغتال الحريري أو معرفة "الحقيقة" كما هو شعار المعارضة اللبنانية أقل أهمية من الآثار التي ترتبت على هذا الاغتيال . و على الأرجح لم يكن في ذهن الذين نفذوا الاغتيال بأن حدثاً كهذا يمكن أن يدخل سوريا و لبنان في مرحلة جديدة مختلفة عن المراحل السابقة .
و أبرز الآثار التي نجمت عن الاغتيال : نهوض الشعب اللبناني , و الانسحاب السوري من لبنان , و تدويل المسألة اللبنانية.
أولاً : نهوض الشعب اللبناني:
والذي ضم أغلبية الشباب اللبناني الجديد , الذي كسر جدار الخوف و خرج للشارع , ليشكل ما سماه اللبنانيون بانتفاضة "الاستقلال". وقد وجدت المعارضة السياسية الفرصة مناسبة لقيادة هذا النهوض الشعبي و استثمار الغضب و احتقانه, و مستندة أيضاً للدعم الأمريكي و الأوربي و توجيهه ضد سوريا و السلطة اللبنانية . و تمت المتاجرة بدم الحريري و تحويله إلى الزعيم الوطني الأوحد على طريقة الزعماء العرب .و قد استطاعت المعارضة , بفضل هذا النهوض المجتمعي , و اتفاقها على برنامج مرحلي اتفق عليه كل اللبنانيين و تحت راية العلم اللبناني , و ليس أعلام الطوائف , تمثل بمجموعة من المطالب و هي : إسقاط الحكومة , والأجهزة الأمنية , والخروج السوري من لبنان , و تشكيل لجنة تحقيق دولية . استطاعت تحقيق برنامجها بالكامل . و عاد الحراك السياسي إلى لبنان من جديد . ولم يكن هناك خلال الانتفاضة من يريد التنبؤ بما سيفرزه المخاض السياسي الجديد .
لكن كان هناك سؤال هام فرض نفسه وهو : هل كان باستطاعة المعارضة السياسية أن تنقل هذا المجتمع الذي اتحد بكافة طوائفه في الشارع , إلى تجاوز الطائفية , و" الديمقراطية" الطائفية السياسية , إلى الدولة الديمقراطية العلمانية , التي تعتمد على المواطن بدلاً من الطائفة.وخاصة أن الشباب اللبناني الجديد والذي نشأ في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية الطائفية هو الذي شكل جسد الانتفاضة الجديدة والتي قامت تحت راية العلم الوطني اللبناني الذي يتجاوز ويتوج الأعلام الطائفية.؟
إلا أن تسارع الأحداث حمل الجواب سريعا: فالمعارضة السياسية اللبنانية والتي استثمرت الانتفاضة لتحقيق أهدافها إلى ابعد حد,مازالت محكومة بنفس الرموز التي قادت الحرب الأهلية الطائفية,ويبدو انه ليس من مصلحتها الانتقال إلى الدولة الديمقراطية العلمانية,لأنها بذلك تخسر مواقعها الحالية المرتكزة إلى الطائفية.ومن جانب آخر فالشباب الجديد الذي نزل إلى الشارع بمئات الآلاف, لم يفرز بعد قياداته الجديدة القادرة على تجاوز الطائفية السياسية ومصالحها الضيقة ,إلى بناء الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية كبديل حقيقي عن الدولة "الديمقراطية الطائفية"الأمنية الراهنة.
وتأتي أهمية السؤال السابق للاستفادة منه كدرس قد يكون مفيداً لنا – نحن في سوريا - كي نفهم العلاقة بين الاحتلال والطائفية والديمقراطية والمجتمع,كما نراها في التجربة اللبنانية والعراقية,لما في ذلك من أهمية كبيرة في المرحلة الراهنة.وبالنسبة لمستقبل سوريا.
فالمجتمع اللبناني ارتكز في اجتماعه على توافق "الطوائف",وليس على الأفراد الأحرار.وتم تأسيس ما سمي "بالديمقراطية الطائفية",والتي تشكلت على أساسها الدولة اللبنانية.وبعد نصف قرن من الصراع الطائفي,ومرارة الحرب الطائفية المدمرة,خرج المجتمع اللبناني إلى الشارع موحداً تحت راية العلم اللبناني,وليس أعلام الطوائف.وهذه خطوة للأمام ايجابية وهامة جداً.إلا أن الرموز الطائفية المعارضة(إفراد وهيئات وأحزاب) التي تقود العملية السياسية,استفادت من هذا النهوض المجتمعي وحققت أهدافها ,لكن دون أن تلبي مطالب المجتمع - (وخاصة الشباب الجديد الذي ولد ونضج خلال وبعد الحرب الأهلية الطائفية) – المتمثلة بضرورة الارتقاء بالعملية السياسية,عبر إلغاء الطائفية السياسية,وبناء الدولة الديمقراطية العلمانية,بدلا من الدولة الأمنية التي تستند إلى التوافق الطائفي.وبدلا من هذا الارتقاء,فان المعارضة تبني الآن سلطة شبيهة بتلك التي تم إسقاطها.وهذا التوافق الطائفي الجديد يمكن أن ينهار في أي وقت,وعندئذ نجد أنفسنا أمام دورة جديدة من التوافق الطائفي والحرب الطائفية.
وهذا يعني أولا: أن الرموز الطائفية لا يمكن أن تبني الديمقراطية السياسية لمجتمع موحد.لأن مصلحة هذه الرموز تكمن في في بقاء الطائفة موحدة في وجه الطوائف الأخرى,وليس تحول الطائفة إلى أفراد أحرار في المجتمع قادرين على بناء الدولة الديمقراطية العلمانية.حيث أن الديمقراطية العلمانية تفقدهم مراكزهم في قيادة العملية السياسية.
وهذا يعني ثانيا: أن "الديمقراطية الطائفية" ليست خطوة متقدمة،كما أنها ليست مقدمة للديمقراطية السياسية العلمانية.لأن "الديمقراطية الطائفية"تعيد إنتاج نفسها,عند كل ترتيب جديد للتوافق الطائفي.إنما بالعكس قد تكون عائقا أمام الانتقال نحو الديمقراطية,لأنها ترسخ دائما القيم الطائفية بدلا من قيم المواطنة. وربما نجد أنفسنا في المستقبل, أمام اتحاد الرموز الطائفية المتصارعة الآن,في وجه الديمقراطيين العلمانيين من كل الطوائف.
وهذا أدى ثالثا: إلى أن" الديمقراطية الطائفية ",كانت بمثابة الأرض الخصبة للتدخل الأمريكي/الفرنسي في لبنان,عبر لجنة التحقيق الدولية.وعلى الغالب فان دولة ديمقراطية علمانية,لا تقبل بوجود لجنة كهذه تعتبر نفسها الآمر الناهي في لبنان(وتحاول ان تكون كذلك في سوريا).لان الدولة الديمقراطية العلمانية هي التي تقوم بمحاكمة أبنائها,وهي الوحيدة التي تملك الحق في التحقيق في الجرائم التي تقع على أراضيها,وضمن المجتمع الذي اختارها.فالخارج(أمريكا الآن)يتدخل تاريخيا في البلدان المتخلفة عسكريا وسياسيا مستفيدا من التركيب الطائفي لهذه البلدان,عبر اللعب على خلافات الطوائف وصراعاتهم.
ورابعا: لقد فجر الاحتلال الأمريكي المجتمع العراقي وابرز تكويناته الطائفية,ويشرف الاحتلال الأمريكي على "الديمقراطية الطائفية" التي يتم تأسيسها في العراق الآن على يد الرموز الطائفية والتي لا تختلف عن تلك التي تم تأسيسها في لبنان منذ نصف قرن.ويترافق هذا التأسيس مع الحرب الطائفية التي تدور الآن على ارض العراق وتحصد عشرات الضحايا يوميا.ويبدو التوافق بين الاحتلال و"الديمقراطية الطائفية" طبيعيا,لان ذلك يسمح باستمرار الاحتلال,ويعطي للرموز الطائفية دور القيادة في الدولة الطائفية,أو الدولة القائمة على التوافق الطائفي.
وتمر سوريا الآن في مرحلة ما قبل تفجرها إلى طوائف,إلا أن هذا الانفجار يترقبه الأمريكان والرموز الطائفية.وفي ظل غياب المجتمع الديمقراطي,أو الديمقراطية الاجتماعية القادرة على إقامة الديمقراطية السياسية العلمانية لكل المجتمع,يصبح خطر الطائفية الذي يأكل لبنان والعراق ممتدا إلى سوريا.وخطر الطائفية السياسية على مستقبل سوريا,ليس اقل من خطر الاحتلال.لان طوائف المجتمع السوري مشابهة لتلك الموجودة في العراق ولبنان.ومن هنا تأتي خطورة الدعوات التي يروج لها العديد من المثقفين،حول الدور الهام الذي يمكن أن تلعبه الرموز الطائفية السورية- مثل الإخوان المسلمين وغيرهم مما ستفرزه الطوائف الأخرى في حال انهيار المجتمع – في بناء الديمقراطية الجديدة في سوريا.!وكذلك خطورة الدعوات التي تراهن على الاحتلال – بدلا من المراهنة على المجتمع – للتخلص من الاستبداد,وبناء الديمقراطية.!
ثانياً : الانسحاب السوري من لبنان :
والذي تم بسرعة قياسية (خلال شهرين). و يخطئ من يظن أن الانسحاب تم بهذه السرعة بسبب الضغط الدولي فقط.إنما تم باجتماع عدة عوامل: الضغط الدولي الأمريكي و الأوروبي من جهة ,والضغط العربي ممثلا بشكل خاص بالسعودية ومصر من جهة ثانية, و إجماع اللبنانيين على ذلك بما فيهم حزب الله من جهة ثالثة. وعلى النقيض من تدخله القوي في 1976 و الدعم الأمريكي والعربي واللبناني لهذا التدخل . أظهر الانسحاب ضعف الموقف السوري بحيث بدا كالهزيمة في لبنان. و ربما يضع هذا الانسحاب بهذه الطريقة نقطة بداية لعلاقات سيئة بين سوريا و لبنان في المستقبل .
ثالثاً : تدويل الأزمة اللبنانية :
تاريخياً كانت لبنان ساحة للصراع الدولي . ومنذ الاحتلال الأمريكي للعراق /نيسان 2003/ كانت الإستراتيجية الأمريكية تعد الملفات الأخرى على نار هادئة ضد : سوريا,والانتفاضة الفلسطينية,والمقاومة اللبنانية,ومع أن هذه الملفات متشابكة ومعقدة وليس من السهل فصلها عن بعضها و كلها تعنى بأمن حدود إسرائيل مباشرة , و تحقيق الاستقرار و الأمن لها , والاعتراف بها كدولة شرعية والأقوى في قلب الشرق الأوسط العربي.إلا أن السياسة الأمريكية تسعى إلى فصل هذه الملفات عن بعضها مثلما تسعى إلى تفتيت داخل المجتمعات إلى طوائف واثنيات كما هو في العراق.
كما أن عدم الاستقرار في العراق , و استمرار المقاومة ضد الاحتلال, أدى إلى بروز وجهة نظر أمريكية أخرى تشير إلى أن إعادة هيكلة سوريا و إيران المناهضتين لأمريكا و المجاورتين للعراق . قد يساعد في تهدئة الصراع داخل العراق .
بهذا المنظور نجد أن اغتيال "ياسر عرفات"- (حيث تشير كل الوقائع و التحقيقات و التحليلات إلى عدم وفاة عرفات وفاة طبيعية مما يفتح الباب واسعاً أمام الشك باغتياله )- أدى إلى بداية مرحلة جديدة مع الرئيس الجديد "أبو مازن" , لتبدأ بوضع حد للانتفاضة الفلسطينية , و تدريجياً تحقيق أمن إسرائيل من الجانب الفلسطيني.و استمرار الضغوط على إيران مستخدمة الملف النووي كسلاح ضد إيران(مع التخمين بأن هناك توافقاً أمريكياً إيرانياً بعدم تحريض إيران للشيعة في العراق ضد الوجود الأمريكي).
وجاء اغتيال الحريري في الوقت المناسب بالنسبة للمعارضة اللبنانية و لأمريكا , و لفرنسا التي تغير موقفها من سوريا منذ التمديد للرئيس لحود . و تم استثمار حدث الاغتيال إلى الحد الأقصى , وتم الدخول الأمريكي إلى لبنان مباشرة عبر "لجنة التحقيق الدولية" , التي ستشكل غطاءً دولياً لوجود الاستخبارات الأمريكية .ورغم أن مهمة لجنة التحقيق هي جنائية وليست سياسية,إلا أن أمريكا ستعمل بكل الوسائل لجعلها قضية سياسية ضد الإرهاب ــ ( كما حصل مع لجنة تقصي الحقائق )ــ واستخدامها في تنفيذ مخططاتها ضد سوريا و المقاومة اللبنانية و الفلسطينية. وبذلك على الأرجح فان استخداماتها لن تختلف عن تلك اللجان التي تم تشكيلها في العراق من أجل البحث عن أسلحة الدمار الشامل, واللجان المهتمة بالملف النووي الإيراني الآن .
والوجود الأمريكي في لبنان بالتأكيد ليس من اجل الحريري,إنما من اجل نزع سلاح المقاومة اللبنانية,وتأمين الأمن للشمال الإسرائيلي عبر معاهدة صلح مع إسرائيل.وكذلك فإن لبنان - كما يقول (جوزف سماحة-السفير /18/3/2005/)- " من وجهة نظر واشنطن ليس غاية في ذاته . إنه بوابة على المسرح الإقليمي و ذلك في مرحلة تتميز بالدعم الأمريكي المطلق لا للأمن الإسرائيلي و إنما للتوسعية الإسرائيلية " إلا أن هذه البوابة هامة جدا لحصار سوريا .
* * *
يتبع :أمريكا والنظام السوري
مروان عبد الرزاق /15/9/2005/
#مروان_عبد_الرزاق (هاشتاغ)
Marwan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟