|
كواكب الكرات الأرضية
عدنان يوسف رجيب
الحوار المتمدن-العدد: 4765 - 2015 / 4 / 1 - 12:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كواكب الكرات الأرضية (تعليقات ظريفة من وحي إكتشاف وكالة ناسا الأمريكية لآلاف الكواكب المشابهة لأرضنا، ومركز الكون دينيا). عدنان يوسف رجيب إفرحوا وإترحوا ومن ثم ترنحوا
أخبار سارة ومبهجة ينبغي الإحتفال بها لآماد طويلة. نحن الآن لدينا جيران كواكبيين أرضيين بقدر يزيد على سبعة عشر ألف كوكب ... كثير منها تحاكي خصائص أرضنا: الهواء والماء والجاذبية والتكوين الجيولوجي والحجم الكلي. يعني هذا، إن الواحد منا على أرضنا حينما يغضب على زوجته (أو هي تغضب منه) أو هو على مدير العمل أو حتى على الحكومة.... هنا يقوم هذا الواحد، بعد الغضب، بطوي حقيبته بأقل الحاجيات و يولي بوجهه شطر واحدة من هذه الكواكب..... فهناك لا غربة ولا تغريب ولا ضياع في دروبها وحاراتها وقصباتها. كل كوكب كأنه، بل هو، أرضنا بقضها وقضيضها. بل لعل الفرد منا يجد الأجواء هناك أفضل في الزواج أو العمل أو حتى الديمقراطية الإجتماعية أو في الحكم. أي بواحدة من المعاني، يتم حل مشاكل كثيرة يعاني منها ناس أرضنا .... يدعي بعضنا عنها كأنها السجن .... سجن كبير لابد منه لنا.
حسنا، تساءل صديقنا الجالس في ركن الغرفة: لكن بربكم يا أصدقائي كيف هي الأجواء مع المتدينيين هناك .... يعلق صديق آخر، وهو يبرم خرزات سبحته ليقول : صحيح ... هذا صحيح، كوننا سنتواجه هناك (في كل الكواكب الأرضية)، بما يشابه أديان يحيى وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، أيكون متدينيهم هناك على غرار ما هم عليه في أرضنا هنا ؟!!. إنبرى صديق بجلس في مؤخرة الغرفة : من أدراك! ... قد يكونون أخيارا وينفعون الناس من حولهم. هنا يرفع صديق يقف قرب الشباك يده للتهدئة ويعلق: نعم ... نعم... هؤلاء المتدينون أخيار، أليسوا قريبون من الله طالما كانوا في العلو منا!!. ينبري للجواب صديق فيزيائي يجلس على كنبة عالية: لكن من قال إنهم أعلى و أقرب للرب منا؟! .....هل ياترى عرشه فوق أم تحت!!. لكن يبادر صديق مفترشا الأرض: صحيح ... أين موقعنا نحن من الكرات الكوكبية الأخرى في مجرة درب التبانة!.
بقي السؤال معلقا لم يستطيع أحدنا أن يفتي فيه شيئا. لكن صديق كان يصغي بجد ظاهر للنقاش أشار: لا فائدة من الذهاب لواحدة من هذه الكواكب إذا كانت فيها دولة أو مجموعة تسعى للهيمنة على غيرها، ولربما يحكمها رجل أصفر اللون الآن. هنا تساءل صديق لازال يلعق حساءه: تقصد إن كان هناك استعمار مثل أمريكا، فالأمر سيان في الظلم. رددنا جميعا تقريبا: صحيح، صحيح، فما فرق تلك الكواكب عن أرضنا ؟!! عاد الصديق الأول للقول: إنتبهوا.... لعل ثمة ربيعا عربيا أفضل... يتجلى الآن في واحدة من تلك الكرات الأرضية... ربيعا لم يسرقه النفعيين أو متدينو تلك الكواكب. ضحك عاليا أحد الأصدقاء، وهو يدخن غليونه، وقال: لا نعرف أي الأديان هي الأقوى هناك، ثم بأي لغة هم يتكلمون، ومظاهراتهم بأي ساحة كانت.... تنحنح صديق جالس في وسطنا وعلق: سيقول العروبيون، لا بد إن لغة أهل الكواكب هي العربية. ضججنا جميعا بالضحك. ثم إنبرى صديق، كان جالسا قرب المدفأة، ليقول: نعم ... نعم إنهم لكذلك دائما.... ألم يملئوا الجو ضجيجا في إن شكسبير هو عربي إبن التاجر شيخ زبير.... وهنا علق صديق آخر مع إبتسامة عريضة: وإن باراك أوباما، إسمه الحقيقي مبارك من عائلة أبو عمامة العربية الإسلامية. وعلى التو، بعد أن سيطر أحد الأصدقاء على إبتسامته الساخرة، أضاف قائلا: إن اللغة الإنجليزية تتقوى ويشتد عودها بسبب تأثير اللغة العربية عليها ! ..... لكن صاح صديق يقف عند الباب: صحيح ... والله صحيح، أحد المتطرفين أعد يوما محاضرة بهذا الغرض. عم ضحك كثير بيننا. هنا إنبرى أحدنا، وهو يبتلع بسرعة قطعة من اللحم المقدد، للقول: مهلا ... مهلا أيها الأصدقاء.... أليس ذلك صحيحا.... الفلاسفة العرب والمسلمين يعج بهم التأريخ، وأعطو الغير الكثير، فكانوا مصدر إشعاع للجميع. هممنا كثيرون لتوضيح الحقيقة، لكن حصل هنا بعض من الهدوء، حيث وضع صديقنا الجالس عند الطاولة كتابه جانبا، ومد عنقه إلينا ورفع رأسه أكثر وإنبرى للقول: هؤلاء الفلاسفة والباحثون والأطباء والكيميائيين وعلماء الإجتماع وغيرهم، ليس فيهم عربي ولا واحد، ربما فقط الكندي. فـمثلا إبن سينا والغزالي وأبن النفيس والخوارزمي وإبن المقفع وأبن طولون وإبن باجة وغيرهم وغيرهم، ليسوا عربا أبدا وحتى إبن خلدون، مثلا، فهو أمازيغي. توقف الصديق السابق عن مضغ اللحم المقدد، وهو مشدوه، ليقول: أكانوا فقط مسلمين إذن ؟ هنا قال صديقنا النشط الذي نادرا ما تراه جالسا: لم يكن هؤلاء الفلاسفة والباحثون مسلمين إلا بقدرما فرض عليهم الغزو الإسلامي لبلدانهم. هنا علق صديق آخر، يهز بقلم بيده: نعم ... هذا كلام صاشب، فقسم كبير من هؤلاء الفلاسفة والأطباء والفيزيائيين تم إتهامهم بالزندقة والمطالبة بقتلهم، مما يدل على الشك بإسلامهم. إنبهر بعضنا لهذه الحقائق التي كان مشبعا بنقيضها. هنا قال صديق بإبتسامته المعروفة: إتركوا المتطرفين والعروبيين لصعقة الوعي.... لحين إكتشافهم الحقيقة الباهرة من تجارب الحياة نفسها ..... ودعونا نعود لكواكبنا الجميلة. نعم ... حقا كنا مستمتعين أيما إستمتاع لأخبار إكتشاف الكواكب الجديدة، لذا حصلت بعد التعليقات السابقة سجالات شتى. ثم تدخلت أنا لتغيير الأجواء وقلت: إذهبوا لزيارة الكواكب وإستجلوا الأمر في أيها الأفضل ..... تجولوا وزورا كوكبين ثلاثة و أريعة أو عشرة وحتى مئات لحين ما تستقروا على كوكب أرضي يرضينا. الصديق الذي حضر توا، قال: لا يهمني كيفية وضع الكوكب الجديد الذي سنسكن فيه، بل المهم أن لا يتواجد في هذا الكوكب متخلفون سذج أو نفعيون إنتهازيون أو إستغلاليون .... هولاء آفات ضد الحياة... أنا أريد أن أستقر في كوكب بدون جراثيم بشرية، وأزور أرضنا هنا أيام عطلتي. لكن، هنا، صرخ الصديق الجالس عند وسط الطاولة الكبيرة: لا ترمي الكلام هكذا على عواهنه .... أقصد دون ملموسية. فعلى الرغم من إني قد أتفق معك، لكنك لم تبين، يا صديقي، كيف ستنشط أنت أو نحن للتخلص من مثل هؤلاء المارقون على الحياة. جرى نقاش مستمر حاد متعدد الجوانب لساعتين كان خلالها قد وفد علينا أصدقاء آخرون، وأصبح جمعنا أربعة وثلاثون صديقا، وكل أدلى بدلوه في شتى الحاجات الثقافية والإجتماعية والعلمية والجغرافية والفنية والرياضية، والمقارنات الأرضية لهذه الكواكب. أخيرا إستقر النقاش على قرار أن يقوم كل إثنين منا بزيارة ألف كوكب أرضي (من السبعة عشر ألف كوكب الفضائية)، ونلتقي في فترة قريبة قادمة وكل مجموعة تعطينا تقريرها عن الكواكب التي زارتها لنقارنها بأرضنا ونختار منها الأفضل. فيما نحن في هذه الجلسة الحاسمة المجلجلة الصاخبة، (التي دق لنا فيها الجيران – إنزعاجا - على الأبواب مرات عديدة)، لكن خيم، فجأة، علينا هدوء شامل .... سببه كان بعد أن وقف في وسطنا صديقنا الأكبر سنا، كان، هذا، طوال الوقت مستمعا فقط ، لكنه الآن ظهر متجهم الوجه قاسي القسمات، شاهرا إصبعه على فمه، ومشيرا بيده الأخرى لأن نصمت تماما. هكذا، بهذا الوضع الشديد، إنتصب بيننا، لكنه كان يلهث بوجه أصفر كمن فيه ضعف من مرض، رغم إنه كان توا جالسا بتراخي ويشرب عصيرا باردا.... قال بتؤدة تامة: يا أحبابي إسمعوا وإصغوا جيدا... لقد فكرت ..... فكرت بعمق، و وصلت إلى أمر مريع.... أمر جلل. ثم توقف عن الكلام برهة، وإضاف ببطأ، كمن ينصح أطفالا صغارا: إننا سنواجه بعد تجوالنا في هذه الكواكب مشكلة من أكبر المشاكل العالمية الكونية ...... بل سنواجه ..... سنواجه، كارثة حقيقية لا يمكن رأبها وحلها بأي وسيلة كانت. ثم تلعثم، صديقنا العزيز، وإزرق وجهه ثم إبيض، وآثر التوقف عن الكلام لفترة وهو مشدوه الفكر والأعصاب.
بالنسبة لنا بقينا حيارى نريد توضيحا، ولكن صديقنا بدا مصروعا، كأنه يشخر من شدة العزم أو، ربما، الضعف الذي إنتابه. فألححنا، وألححنا كثيرا عليه لكي يكمل. ثم، بعد جهد جهيد، ظل يتكلم بهدوء تام وبصوت واطئ، قال، كأنه يكلم نفسه: إسمعوا جيدا، إن المتدينين الصابئة واليهود والمسيحيين والمسلمين وأتباعهم يؤمنون تماما بما كتب في كتبهم المقدسة ...... يؤمنون إن الله خلق الأرض مركزا لكل هذا الكون الفسيح الهائل. كما خلق فيها آدم وحواء ومنهما النسل والتناسل للبشر كلهم. لكن ... الآن، ينبغي معرفة أي أرض من هذه الكواكب السبعة عشر ألف هي المقصودة بـ مركز الكون ؟!!. ثم تلفت صديقنا حول نفسه كالمرتاب، وأخذ نفسا عميقا وهدأ لفترة وجيزة، بعدها أضاف موضحا : لو قلنا إن أرضنا هذه هي مركز الكون، سيثور علينا المتدينون في كل تلك الكواكب الأرضية الأخرى ويقذفون بنا إلى الفضاء حيث سنتشظى..... سنكون أثرا بعد عين. سكت الصديق برهة رمش فيها جفنية كثيرا، ثم أردف: وإذا قلنا إن أحدى الكواكب الأرضية الأخرى هي مركز الكون، سيمزقنا المتدينون عندنا، في أرضنا هذه، وسوف لا يبقون على أي خلية من خلايانا سليمة.... هنا، كاد صديقنا أن يغمى عليه من الجهد، بعد إنتهاء تصريحاته هذه، فأسعفناه بالليمون والعسل مع العطور المنشطة و المساج التدليكي.
أفاق صديقنا بعد فترة، وقال يجب أن أكمل: المتدينون عندنا يريدون تطبيق دينهم، أو قل ديدنهم بالقوة، وهم يقولون إن دينهم صحيح الى يوم القيامة. ما أن توقف قليلا عن الكلام، حتى بادره صديق كان يجلس أمام الكومبيوتر: أي من المتدينين يقولون ذلك؟! نظر إليه الصديق الكبير وقال: إسمع .....لا يهم، كلهم يقولون ذلك..... كل يدعي لدينه وحده الصواب! ثم إن كل منهم يتوعد الآخرين... يجب أن نعمل شيئا... قال صديق كان توا منهمكا بكتابة مقالته: كلام صديقنا صائب.... أراه يتطبق على خبراتنا في ظلم المتدينين لنا.... أقصد القهر والظلم في كل هذه الكرات الأرضية. أكد شاب كان مطرقا ينقل ناظريه وأذنيه بين الجميع: ألا ترى فيهم سذج كثيرون، بل طائعون بدون تمحيص للأفكار. إبتسم صديقنا الواقف والمتمايل دائما: بل هم كذلك دوما، والأنكى من ذلك إنهم مفسدون وأنانيون. حصل هدوء شديد بيننا كأنه الموت، وجدنا إن أقوال أصدقاءنا صائبة تنطبق على خبرتنا مع المتدينيين في معمورتنا الأرضية... أجلنا النظر، مؤقتا، في إعطاء رأي حاسم لحل مسألة مركز الكون الشائكة المقلقة حقا. قررنا، كرأي جماعي، حسم المسألة لفترة قادمة.
#عدنان_يوسف_رجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق تحت مظلة تقسيم دولي بتنفيذ أداة داعش
-
تداعيات عن إختفاء الطائرة الماليزية
-
بعض الحقائق عن إختفاء الطائرة الماليزية
-
القضية العراقية الراهنة وموقف المتآمرين
-
هكذا هو البعث دائما ... أسد علي وفي الحروب نعامة
-
القومية والدين - الظروف الموضوعية والذاتية
-
إنه البعث الفاشي يا ناس - النظام السوري لا يترك السلطة
-
هل توجد برامج في القرآن تلبي حاجات الإنسان
-
الحضارات والتطرف القومي
-
مظاهرات الحكام
-
فاقد الشيئ لا يعطيه: الحكام العرب يفتقدون للوعي والمصداقية
-
تغيير في مسيرة الشعب المصري
-
الأوضاع العربية الحالية ومؤتمر القمة القادم في بغداد
-
وسقط نظام بن علي الدكتاتوري الهش
-
ملاحظات حول مبادرة السعودية في الشأن العراقي
-
قيمة الإنسان في شيلي وفي منطقتنا العربية والإسلامية
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|