هفال عارف برواري
مهندس وكاتب وباحث
(Havalberwari)
الحوار المتمدن-العدد: 4763 - 2015 / 3 / 30 - 22:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعيداً عن الخلفية العقدية المشوهة لدى شريحة من المسلمين الذين يختزلون الدين وتطبيق الشريعة الإسلامية في إقامة الحدود وكأن الشرع ماهو إلا إقامة الحدود ؟ وهذا التحيف الفكري يظهر عندما يقومون بتصويرها ونشرها وكأنهم يتقربون بها الى الله زُلفى ؟ وهي حالة يصاب بها المتطرفون , ولاشفاء لهم سوى دحض أفكارهم بالفكر والمنطق والعقل والمقاصد العليا للدين لكن لايتم ذلك إلا في أجواء سياسية صحية مستقرة فهذه المشاهد تعتبر من أقصر أنواع الإستنفار للدين ؟
طبعاً يقابله المتنطعين في الدين الذين يركزون على هذه المفاهيم لكي يصوروا الإسلام على أنه ظلم في حق الانسانية وهو اضطهاد لحقوقه , وهذه المقاطع ماهي إلا هدية مجانية لهم ؟ مع أن الاسلام جاء أصلاً لإعطاء كل ذي حق حقه ولإقامة العدل فهو القائل في محكم كتابه
( إن الله يأمركم بالعدل والإحسان )
فالحدود إن كانت فلا يمكن التشهير بها مطلقاً فهي لم توضع للتشفي من الذي إقترف الجُرْم ولا لبث الرُعب في المجتمع وإظهار العنف , بل هولإصلاح المجتمع وتقويم الناس وتخويفهم من التفكير في أن يتجاوزوا على حقوق الآخرين , ولحمايتهم من شر المنحرفين منهم، وتوفير الأمن لهم، ولترسيخ المنظومة القيمية للإسلام وتحقيق مقاصد الدين.
ويجب معرفة أن هذه العقوبات والاحكام الجارية على االجاني يجب أتتم فيها ثبوت تام ، فلا يجوز أن يقضي القضاة في هذا الأمر بالظن أو لديهم أدنى شك وإن كان فالعقوبات تكون أقل وهي متروكة تقديرها الى ولاة الأمر حسب ظروف ذاك العصر
فمن الطبيعي أن هناك عقوبات في القرآن فكل قانون ونظام لها قوانين وعقوبات وقصاص وكما يقول المولى المتعال ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) 179 سورة البقرة ,,
فمن المعلوم أن القصاص مهم جداً فبدونها لاتدوم الحياة لكن حتى العقوبات لها حدود وهناك تفاصيل موجودة بوضوح في القرآن خاصة العقوبات الكبرى
بل أن الإحكام المبينة في القرآن هي خمسة فقط وهي التي تسمى بالعقوبات الكبرى :
1- حكم القتل المتعمد
2- حكم الزنية والزاني
3- حكم قذف المحصن
4- حكم الحِرابة
5- حكم السارق
ورغم جُرمها إلا أن الله بيًّن أن من تاب وأستغفر فإن الله غفور رحيم , أي بمعنى مقتضى الشرع هو إصلاح المجتمع وإرتقاءه الى مستوى خُلُقي فاضل .
************ *********** ************
البداية :
إن الآية القرآنية المشارة الى قطع يد الســـارق مبينة في سورة المائدة قال تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) المائدة 38
وهناك أحاديث تبين أن النبي قد حكم على السارق بقطع اليد وأشهرها الحديث الذي أورده البخاري في كتابه عن المرأة المخزومية وكيف أن قريش حاولوا عن طريق أسامة بن زيد أن يشفع النبي لها بعدم قطع اليد وقول النبي لهم ( إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد , وايم الله : لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )
نقول كما بينا في مجالات سابقة أن أي حكم لايمكن تطبيقه إلا في حدود تطبيق شمولية الشريعة الاسلامية كأي تشريع آخر, و لا يمكن الفصل بين منظومته القيمية وفلسفتها , ومن أهمها توفير الحقوق والعدالة وكفالة ضروريات وحاجيات المجتمع في الرقعة التي يتم فيها تطبيق الشريعة فتجزئة الحكم على جزئية من جزئيات أي عمل لا يجوز فكل حكم وضعه القرآن يجب أن يمر عبر سلسلة من القوانين وسلسلة من الواجبات وإحقاق الحقوق المكفولة من قبل المنظومة , مع التأكيد على مآلات العصر ,حينها له الحق في تطبيق قانون الردع وهكذا,,,,
لذلك فأشهر خليفة عبر التاريخ والذي اشتهر بعدله المطلق تقريباً وهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لم يُطَبَّقْ عقوبةَ السرقة على من سرق في عام المجاعة ( الرمادة ) لأنه رأى أن تعريف السارق لا ينطبق على من سرق في حالة المجاعة كون من الصعب تصنيف صفة السارق أثناء الكوارث الإقتصادية التي تتعرض له الدولة وبذلك أخطء من قال أن عُمَر أوقف حكم الله فلا يحق له ذلك لكنه رأى أن صفة السارق وتعريفه لايطبق على من سرق وهو في حالة المجاعة التي تعصف بالدولة فطبَّق ماسمّاه العلماء بعد ذلك بـ ( تحقيق المناط )والتي تعني الإجتهاد في نصوص قطعية ,لا في ذات النص, وليس لكي يردَّها أم يعطّلها , بل ليتحقق في ما ينوطه اليه الحالة هل هو ما أراده النص وهل النص يطبق على هذه الحالة وهل هو المعنّي أم هي حالة مختلفة ؟
************* ************ *************
وعلينا معرفة أن قطع اليد كان من المسلمات في الأُمم الغابرة والديانات السابقة وكان معمولاً به كما هي موثقة في كتبهم .. بل نجد أنه حتى في الدول العصرية كالدولة البريطانية قد نفذ فيها بالفعل عقوبة قطع اليد قبل مايقارب من 500 سنة , أما الدول الاشتراكية يوم ظهورها كانت تقتص من السارق لا بقطع اليد بل بقتله ؟وكذلك عندما ظهرت الولايات المتحدة الامريكية كانوا يشنقون من يتم الأمساك بتهمة سرقة الجياد المستعمل للنقل كونها كانت تعتبر حينها رأس مال الناس حيث يعتبرالسرقة عبر الزمان من الجنايات التي من الصعب القضاء عليها فهي من أعم العقوبات التي تكون بمثابة الوباء على المجتمعات ومن تجارب الدول فأن أحكام السجن لايفيد بل يكون في كثير من الأحيان مدرسة للإجرام وتكون أشد قساوة في كثير من الحالات من قطع اليد فتصور الذين سجنوا نتيجة السرقة وماترتب عليه من سجن مؤبد أو الأعمال الشاقة فلا شك أنها عقوبات أكبر قساوة من قطع اليد ومردود تأثيرها في إصلاح المجتمع أقل بكثير!!
وكذلك الغرامات المالية لاتحل هذه الإشكالية التي تهدد كيان المجتمعات لذلك أقدم هذه الدول قديماً الى استخدام وسيلة القتل ؟
أما في التاريخ الاسلامي فلم يعمل بقطع اليد إلا بعد قوانين صارمة من قبل القاضي بحيث يعترف الجاني بجرمه أو الشهود العدول وبعد تحقيق دقيق وشامل للسرقة وملابساتها وإقرار القاضي بعد دراسة متأنية لملابسات كل حالة ثم الإقرار بحكمه .
بل نرى في عهد عمر بن الخطاب كيف تعامل مع حادثة المملوك الذي سرق ولما رآهم وجدهم وأن أجسادهم هزيلة وضئيلة فلم يعاقبهم بل عاقب مالكهم ؟
لكنه عقاب لابد منه وقد عمل بها النبي , صحيح أنها عقوبة زاجرة وقاسية حتى أن النبي لما شاهدها بكى لكن كما يقال أن الضرورات تتحكم في المشاعر, مع العلم أنه يجب تحقيق العدل قبل تطبيق العقوبات وهو شرط أساسي من الشروط المفروضة على المجتمع الإسلامي فمالم يعمل المجتمع بتحقيق العدل فلا يمكن أن تقيم الحكم على السارق !! , ومن هنا نعلم كيف قام الأقدمون بصناعة فقهية بحيث تكون شروط تطبيقها على السارق دكات تكون مستحيلة تقريباً فمن مواصفات السارق الذي وضعوها هي أن يكون :
1- مكَّلفاً بالغاًعاقلاً
2- أن يكون عالماً أنها تساوي نصاباً- يعلم قيمة الشيء المسروق لا أن يكون جاهلاً بها –
3- أن يكون مختاراً لا مكرهاً .
4- إنتفاء الشبهة بين السارق والمسروق منه فلا قطع لسرقة أب لابيه او بالعكس
5- أن لايكون مضطراً
************* ************** **********
الدخــــول في الموضوع
كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن مفهوم قطع اليد وقيام المجددون بإعطاءها مفهوماً تجعل من معناها أن المراد منها هو المنع دون قطع اليد وتعريف كلمة السارق والسارقة الواردة في القرآن تعريفاً لغوياً وإظهار الجانب الإنساني وحقه في التمتع بأعضاءه ,,, لكنهم أهملوا في الجانب الآخر التفكير في المجتمع ومدى تأثيرالسرقة على إنهيار الأُمم والمجتمعات ....مع الإعتبار لمآلات العصر وماترتب عليه من وجود قوانين عالمية وأنظمة مفروضة على الأمم مع مراعات التأكيد على تطبيق قيم الإسلام السمحة ومنظومته الفلسفية في إدارة الأمة و أن مراد الشرع هو أحقاق الحق والعدل وليس هي مجرد عقوبات مفروضة ؟
لكن مع ذلك لايمكن التفريط في فهم آيات محكمة والله أعلم منا بشرعه لذلك علينا بيان مراد الله في حكم القطع دون النظر لإعتبارات الزمن كنص لا كتطبيق ....فهؤلاء المجددون أستدلوا كما قلنا بتعريف القطع تعريفاً لــغــوياً فقط , دون النظر أنهم قاموا بإخراج الآية من سياقها ودلالاتها وعارضت بذلك منطق القرآن سيما أن هذه الآية محكمة وواضحة فآيات الأحكام الشرعية هي من الآيات المحكمات التي لا تشابهَ ولا مجاز ولا تأويل فيها وكما بيَّنا فإن الأحكام الذي بيَّنها القرآن هي خمسة عقوبات فقط , لذلك علينا التفصيل في الأمر
ولنبدأ في تحليل الآية :
الآية تقول قال تعالى( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)المائدة 38
1- يجب معرفة أن الله بحكمته لم يبين التعريف الدقيق والواضح للسارق لكي يتركه لولي الأمر في أن يبينه في كل زمان ومكان وحسب الظرف الزماني وهو مافعله عمربن الخطاب كولي للأمر وماقرره في عام الرمادة كونه بيَّن أن مفهوم السارق قد تغير في تلك الفترة العصيبة !
لكن مما لاشك فيه أن الله بدأ في الآية بقوله السارق والسارقة ولم يقل الذي يسرق والتي تسرق أو من يسرق ومن تسرق ولها دلالاتها الواضحة حيث جاءت الكلمة على شكل صيغة أسم الفاعل ( السارق والسارقة )والتي تعني أنها مهنة يتمَّرس صاحبها فيها وأصبح بذلك محترفاً ومتعوداً على ذلك وأصبح معروفاً عنه هذه المهنة وهو المشتبه به حسب تعبيرات العصر الحالي وأصبح المقصود في القرآن هم الذين يحترفون السرقة من الرجال والنساء....
وقد لاحظ بعض الفقهاء والباحثون أن كلمة السارق وكلمة السارقة وصفان لا فعلان والوصف لا يتحقق في الشخص إلا بالتكرار فلا يقال لمن ظهر منه الجود مرة إنه جواد ولا لمن وقع منه الكذب مرة أنه كذاب ولا للفاسق الذي لا يقول الحق أو المنافق الذي لا يخفى ما لا بيديه إذا صدق مرة إنه صادق أو صدوق إنما تقال هذه الأوصاف لمن يتكرر منه فعلها حتى تكون أسماً له وعنوانا يعرف به.
وهذا مايؤكده القرآن على الذي أرتكبها مرة واحدة في قوله تعالى ( فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة 39 .ولا تكون التوبة النصوح في الغالب ممن يتكرر منه بالفعل بل إنها تكون لمن يرتكب الفعل بجهالة ثم يتوب من قريب ولذلك يقول الله تعالى(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ)
النساء 17
ولمزيد من العلم أن المخزومية التي قطع الرسول يدها قد عرف عنها أنها معتاده السرقة فكانت لا تردّ الودائع التي تودعها ولا العواري التي تستعيرها وبالإضافة إلى ذلك فقد روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه لما أراد قطع يد شاب سرق قالت له أمه "أعف عنه يا أمير المؤمنين فإن هذه أول مرة" فقال لها عمر: "إن الله أرحم من أن يكشف ستر عبده لأول مرة."
2- ويجب معرفة أن مصطلح السارق يختلف عندما نُعّرِّفه تعريفاً لغوياً أو تشريعياً , فالمعنى اللغوي للسارق هو كل من قُبِض عليه متلبساً بسرقة شيء ما مهما كان هذا الشيء ولا علاقة كون هذا السارق مضطر وبحاجة ماسة لها أم لا , أما المعنى الشرعي للسارق فهو الذي تم القبض عليه متلبساً بسرقة وثَبُت أنه يمتهن هذه الفِعلة كحِرفة يتكسب من وراءها ؟
3- ويجب معرفة أن الله تعالى بحكمته لم يبين كيفية القطع الذي هو إبانة بعض الأجزاء لكي يتركه لولي الأمر يحدد ذلك ,,,
ولا يمكن أن نُخرج المعنى من سياقها بأن نبرر أن القطع لاتعني الإبانة والدليل هو في الكلمة التي تليها وهي كلمة ( نَكالاً) وهي تعني قولاً أنني نكَّلتُ بفلان بمعنى عاقبته بعقوبة تنكل غيره أن يقترفها ؟وكلمة ( نَكال) في أي آية قرآنية تعطي هذا المعنى فلا يجوز صرفها عن معناها كما في قاله تعالى(فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ )البقرة66، وتحدث عن عقوبة الله لفرعون فقال (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى)النازعات25 . ، لكي يكون عِبرة لغيره وكذلك الحال في قضية السرقة أيضاً .
4- وللتأكيد على القطع فقد ختمت آية السارق والسارقة بإسم الله (العزيز الحكيم) وهو الذي لم ينتبه إليه المجددين في صرف الآية عن معناها فـ معنى ( العزيز ) يعني القوي الغالب الممتنع والذي لاينال بسوء و( الحكيم ) الذي يضع الأمور في مواضعها المناسبة فهو أدرى بخلقه في ماهو مناسب لهم .
5- وللعلم فنحن نستفيد من الموروث الفقهي التاريخي ونعتبره كنوز ثمينة لايمكن الإستخفاف بها وهي تعتبرتراكمات ثقافية تاريخية عريقة لاتقدر بثمن فمنه يتبين عراقة هذا الدين وكم تعب فحول العلم في بيانه للناس , لكن على المختصين أن يقوموا بغربلة هذا التراث وتنقيحه وهو مانحتاج إليه في هذا العصر لاان يتم تقديسه بالكامل أو بالمقابل نفيه بالكامل من آخرين كونه لايلائم العصرحسب فهمهم ؟ ومنها تعريف السارق عند الفقهاء , فمن المعلوم أن تدوين فقههم كان في فترات متوترة من الناحية السياسية وكيفية إدارة النظام السياسي ولاسيما أن السلاطين والخلفاء كانوا يتتبعون العلماء الأجلاء منهم ليلاَ ونهاراً ولم يتسطيعوا أن يبنوا للعامة التعريف الصحيح للسارق فمن كان يجرء أن يبين سرقة خلفاء بنو أُمية عندما سيطر معاوية على بيت المال وأصبحت سنة من بعده الى أن جاء العباسيون وفعلوا مثلهم ؟ ولذلك تجد بعض العلماء كانوا يشككون بين العوام كون أن سرقة أموال بيت المال ليس سرقة يقينية بل قد يعتريه شبهة أن له فيها نصيب فلا تقطع اليد ؟بل يعاقب فقط ... وهذا هي المغالطة بعينها ,وللأسف أستدلوا بأدلة تخالف روح الشرع ....
وقد تشَّكل عقلية ثقافية تجعلهم ينحنون هذا المنحى لذلك تجد من الذين قالوا ذلك أيضاً هو قول الحنفية كما قاله ابن الهمام في فتح القدير , قوله : ولايقطع السارق من بيت المال , وبه قال الشافعي وأحمد والنخعي والشعبي !!
فقد كان هؤلاء العلماء إما مجبرين أو كما قلنا هو فكر تشَّكل في أذهانهم كواقع تم فرضه على الأُمة وألِفه الناس ؟ وكان المراد من قبل الكثيرمنهم هوإيجاد مخرج لهؤلاء الحكام والسلاطين ,, أو تبرئة السلاطين وبطانتهم وإستباحة أموال الأُمة على أهلهم وعشيرتهم والمنافقين الذين من حولهم والمتملقين , والحقيقة هذه لاتسمى بالسرقات بل تسمى السرقات المركبة التي تضم سرقة حقوق الأُمة بالإكراه ومنها فتح أبواب الفساد المالي والإداري والتي من خلاله سينتشر الفساد مما يؤدي الى إنهيار المجتمع والقضاء على العدل وهو ما وقع بالفعل ,,,وهو مايناقض مقاصد الشرع في إقامة العدل , لذلك فهي سرقات تفوق السرقات العادية تصل الى جرائم قد تصل الى حكم الحِرابة بمعنى من المعاني لأنه إستباحة لأموال الأمة وتشتيت ثرواتها واستغلال السلطة لمآربهم ,لكن من كان يجرء أن يقول ذلك فبدون ذلك كان هؤلاء الأئمة مطاردين وقد عُذِّب أغلبهم بل مات بعضهم تحت التعذيب ؟ لذلك تجَنَّبَ غالبيتهم فتاوي تمس مصالح السلاطين والخلفاء؟؟
المهم الذي خالفهم في ذلك هو الإمام مالك في قوله على سرقة بيت المال : بل تقطع ,,,,وهو قول حمّاد وابن المنذرلظاهر الكتاب لكنه أيضاً لم يفصل إستباحة الخلفاء لبيت المال .
بل وقف عند هذه الفتوى فقط دون الدخول في التفاصيل !
وكل هذا لا يعنينا ما دام يناقض المقاصد العليا للشريعة الإسلامية .
6- وفي الوقت الحاضر فإن أحقَّ الناس بأن يطلق عليه ( السارق ) هو ذلك الذي يبيح لنفسه أموال وطنه ودولته و قومه ممايؤدي إلى إلحاق الضرر بعدد كبيرمن أفراد المجتمع وهم مايسمون في دولنا الشرقية الآن بناهبي المال العام ، وكلام العلماء قديماً عن شبهةَ النصيب من المال العام هو باطل باطل ، فلا نصيب لأي مسئولٍ كان في المال العام ماعدا راتبه الذي حدده القانون،وما عدا ذلك فهو يعتبر سرقة مهما كانت شكلها ، فالسرقةُ هي السرقة....
ولذلك تجد أن الدول التي تتبع الموروث الثقافي القديم للإسلام ترى أنهم يسمحون للملوك والأُمراء بنهب أموال وثروات الدولة في حين يعيش شعوبهم تحت خط مستوى الفقر وعندما يقترف أحد من هؤلاء الفقراء سرقة شيء صغير جداً تجد أن الحد يتم عليهم فقط !! وهذا هو السر من خوف النبي عندما قال صراحة ( إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد , وايم الله : لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) وكأن النبي يعلم ماسيحدث بعده ؟؟ وقد تم فعلاً ذلك بأن يترك الغني وصاحب النفوذ ويحاكم الفقير فقط , وهو أبعد ما يكون عن المقصد القرآني ومرادات الله في إقامة الأحكام لخلقه ؟
.
7- كان الأجدر بالذين أرادوا إخراج معنى القطع عن سياقها بحجة كونها لاتلائم العصرأن يبينوا أنه ليس كل من سرق يطلق عليه أسم السارق المبينة في القرآن وأن التهمة يتم تحقيقها في الفرد بعد التقصي الدقيق وبعد إحقاق الحق والعدل في المنظومة التي تراعي أُمة القرآن والأهم من ذلك هوالتفكير في الجانب الآخر وهو رعاية سلامة الأُمة في أمنها وأموالها وثرواتها ومن هم ضحايا هذه السرقات وكم من الأبرياء صاروا ضحايا السرقات وماهي التأثيرات التي تثمر جراء إنتشار صفة السرقة على افراد المجتمع قبل التفكير في المجرم وماقام به !!
فالسارق قد إنتهك حقوق إنسان آخر وأباح لنفسه ماله الذي تعب وشقى من أجله ، ثم أن إستمراره على هذا العمل الشنيع سيؤدي الى مزيد من تدهوره نحو الإنحطاط الخلقي وهو ماسيؤدي بالتالي الى خلل مجتمعي يجب وضع حد صارم يزجره عن فعلته ويزجر كل من يفكر أن يفعل فعلته أي تكون نَكالاً لغيره وعِبرة لمن يعتبر وبالتالي يستقيم الأمر ،
ويجب العلم أنه لايقاس السرقة على الكمية بل هو شيء نسبي فقد يؤدي فقدان مبلغ قليل لأحد الفقراء الى تدهور أحواله بل قد يؤدي الى القضاء على مستقبله كونه يعجز عن إسترداده ويكون بحاجة ماسة لهذا المال بحيث كان سيستخدمه لحاجة ماسة قد تؤثر على وجوده في الحياة وبالتالي كان لابد أن يكون الحكم رادعاً .
8- أما تحجج المجددين بأن القطع هو ليس ببترها فللعلم ( البتر )لاتعني قرآنياً القطع؟؟
بل جاءت هذه اللفظة مرة واحدة في القرآن بمعنى الذي لا ذرية له فإذا مات انقطع ذكره كونه لايترك من بعده ذرية وقد بيَّنه القرآن في سورة الكوثر (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) الكوثر3.
9- ويجب العلم أن صفة السرقة يجب أن يتعامل معها بحيث تلائم العصر فمما هو معلوم أن السرقة قد تنوعت مشاربها ولايتم إطلاق السارق والسارقة إلا على الذي تيقن تيقناً تاماً أنه أقترفها بكامل وعيهه وإرادته وقد تمَّرس فيها !وفي حالة الإستقرار الإقتصادي فقط , ويجب تطبيقها على الكل, الفقراء منهم والاغنياء والمسؤلين , فهي عقوبات للعامة والخاصة وهي بالتأكيد وسيلة لإصلاح المجتمع وقصاص يُراد منه أن ينعم المجتمع بالأمن والإستقرار
ونؤكد أخيراً أن هذه العقوبة تعتبرأقصى عقوبة للمحترفين في السرقة كما ذكرنا سابقاَ ويجوز العدول عنه من قبل ولي الأمر في بعض الحالات الى عقوبات أُخرى رادعة من حبس أو نحوه من العقوبات حسب ما يقتضيه أحوال السرقة وتأثيرات ظرف الزمان والمكان والتي تحقق غاية الشرع في الردع الحازم.
#هفال_عارف_برواري (هاشتاغ)
Havalberwari#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟