أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - عبد الجبار الغراز - طفولة قاتلة .. و مقتولة !















المزيد.....

طفولة قاتلة .. و مقتولة !


عبد الجبار الغراز
كاتب وباحث من المغرب

(Abdeljebbar Lourhraz)


الحوار المتمدن-العدد: 4763 - 2015 / 3 / 30 - 22:43
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


يأبى " الإرهاب " ، هذه المرة ، إلا أن يقدم للعالم دراما دموية ، في صورة جديدة ، حيث أظهر ، بنرجسيته المتعطشة للدماء ، الطفولة قاتلة، و في نفس الآن ، أظهرها مقتولة ..
فما معنى أن تكون الطفولة قاتلة و مقتولة في نفس الآن ؟

طرحت على نفسي هذا السؤال بعدما شاهدت الفيديو الصادم الذي يصور مشهدا مروعا لطفل صغير يقتل ببرودة أعصاب رهينة ، بعد أن تسلم مسدسا أوتوماتيكيا من أحد عناصر تنظيم داعش ، ولم أجد لسؤالي هذا، جوابا شافيا يبدد أعاصير تلك النوبة الهيستيرية التي انتابتني . فالمنظر ، لو ندري ، فظيع بكل المقاييس ..

نوبة لم أستطع الخروج منها إلا و في القلب غصة وفي الوجدان جروح أمدتني بحزمة من أسئلة من قبيل:
كيف يصيرسلاح فتاك يدا بيضاء ناعمة إلى يد خشنة جبارة ، لا تعرف غير لغة البطش والفتك وإزهاق الأرواح ؟
وكيف تتحول ،هكذا فجأة ، عينا ملاك رباني ، كانتا تفيضان ببريق البراءة والطهر، إلى عيني شيطان تقذفان الشرر والتوحش والغدر؟
أ إلى هذا الحد يحول الإرهاب سكينة النفوس ، كما شكلتها يد الخالق ، إلى زمهرير في ليلة عاصفة ؟

لقد عودنا الإعلام المرئي ، في عصر طغيان ثقافة الصورة ، أن نرى أجساد الأطفال ، ضحايا الحروب الظالمة ، مرمية في الشوارع ، هنا .. وهناك ، لكننا لم نتعود ، أبدا ، على رؤية طفل ينتحل ، قسرا ، صفة جلاد ليعدم بأعصاب باردة رهينته .

فما أقبحه من سلوك سالب للبراءة وللعفوية هذا الذي قامت به يد " الإرهاب " !!! وما أغربه من سلوك يؤصل العنف والعدوان في جسم الطفولة البريئة !

فقد يموت " الإرهاب"، لكن سيترك فراخه، وقد تلبس شيطان العنف والفتك والقسوة ، التي لا حدود لها ، أرواحها البائسة .
أما كان من الأجدى أن تحمل يدا هذا الطفل المسكين، بدل المسدس ، أقلاما ملونة لترسم بها وطنا متوجا بالغد المشرق الجميل ؟

إن هذا المشهد الرهيب ، يدعونا إلى التفكير في مفهوم الإرهاب لإعادة النظر فيه بقصد إعطائه دلالة أخرى تقودنا إلى معرفة أن لهذا الأخير جذورا تغذت على ثقافة سلبية ما تزال ، للأسف الشديد مجتمعاتنا العربية والإسلامية أسيرة لها .. ثقافة تحكم ، مسبقا ، على الطفولة بالإعدام مع وقف التنفيذ ..


" الإرهاب "، هذا الذي عرفناه ، انطلاقا من وسائل الإعلام ، والذي يتجسد في صورة وجه ملثم يخفي عن الأنظار ملامحه،اللهم إلا من أعين يتطاير منها شرر الحقد والكراهية، أو يتجسد في صورة يد خشنة تضرب الأعناق لتفصل الرؤوس عن أجسادها ، ما هو إلا صورة مظهرية لإرهاب خفي مبثوث في ثنايا الثوب ، قابع في أعماق النفوس الآدمية . إنه، بهذا المعنى الأخير ، بنيةune structure نجدها قد تكونت و تفاعلت عناصرها و تأسست ، أول الأمر، في أسر تشكو من نقص مزمن في فيتامين الدفء الأسري الناعم .. أسر لم ترضع أطفالها ، قبل اللبن ، الحب و الحنان ، ولم تلبسهم ، قبل الكسوة ذات الجودة الرفيعة ، لباس التقوى ، ولم تفطمهم على النبل وتقدير الذات واحترام النفس الذي لا يكون إلا بتقدير واحترام الآخر.

كما قد نجده، ثانيا ، قد تأسس في الحضانة .. في المدارس.. في الاعداديات.. في الثانويات.. في الجامعات وفي الشوارع الحاضنة للوساخة والقبح الرافض لكل ما هو مفيد وممتع و جميل .

ففي ظل مثل هذه الأوساط الموبوءة ، يعيش الإنسان بلا حس إنساني و اجتماعي و جمالي يحميه من شر نفسه و من شرور غيره ، ،كائنا مغترب الكيان ، متماه مع أفكار شيطانية تجتاحه و تستحوذ عليه وتتلبسه و تفعل به ما تشاء، ليظهر متوحدا معها في جسم ناري حارق حامل لهوية شيطانية ممسوخة ، ويصبح ، في نظر العرف الإنساني و القوانين السماوية والوضعية ، إرهابي بامتياز . وهو ، في حقيقة الأمر ، إنسان غير مسؤول عن أشياء قد ارتكبتها يداه ..

فتدريب أطفال على ذبح الدمى و على حمل السلاح و استعماله في معسكرات التدريب لا معنى له سوى تكريس احترافية القتل و تأصيلها في وجدان طفولة تساق إلى متاهات الإرهاب ، بدل إلحاقها بالفصول الدراسية من أجل اكتساب المعارف والمهارات اللازمة التي ستساعدها على استيعاب الحياة في تركيبتها جد المعقدة ..

فعندما ستصبح هذه الطفولة يافعة و تعوزها القدرة على فهم الواقع ، وقتها سيتسلل الخطاب الديني البسيط و السطحي إلى عقلها ليسحرها، فتنساق ، من حيث لا تدري ، إلى متاهات و دروب الفكر التكفيري الذي يحولها إلى مجرد آلة مبرمجة تأتمر بأوامر أياد تحركها في خفاء .

إنه لشيء مؤسف أن نرى ، بعيون المستقبل الغامض والمجهول ، أجيالا ضائعة من الأطفال ، فاقدة لمعاني الحس الإنساني المشترك ، طامسة لماهيتها ، التي هي إنسانيتها . أجيال تتورط ، و هي في عمر الزهور، من حيث لا تدري ، في حروب و ويلات أكبر منها، بحيث لا يستطيع عقلها الناشئ استيعاب ما يجري لها. فإذا كبر الجسم وشب فيه الكائن ، بقي العقل والوجدان ثابتين لا يتغيران، وقد احتواهما قالب التكفير احتواء، فيمسي الإنسان أسيرا لذلك القالب إلى أبد الآبدين . بعدها، تغدو تلكم النفس التي كانت مطمئنة ، تسرح في ملكوت الطفولة المرحة ، نفسا أمارة بالقتل والحرق و فصل الرؤوس عن أجسادها .. نفسا شخصانية مرضية تكشف عن أورام سرطانية اجتماعية ، لم يعد من الإمكان استئصالها.

فهل سيستطيع ، بعدها ، الأطباء وعلماء النفس والأخصائيون الاجتماعيون معالجة ظواهر، ستظهر على سطح الأحداث بعد حين من الدهر ، وقد تجذرت في أعماق طفولة مغتصبة ، وانغرست كالألغام في قرارها المكين ؟

وقبل الختام ، أوجه خطابي إلى كل سياسيي العالم ، الذي هو بمثابة صرخة مدوية في وجوههم قائلا لهم :
" رجاء أوقفوا هذا النزيف الحاد في جسم الطفولة .. إن صمتكم هو تواطؤ مع هذا الإرهاب ومؤشر دال على موت الإنسان فيكم .
فافعلوا شيئا لأجل هذه الطفولة المسكينة قبل فوات الأوان ".



#عبد_الجبار_الغراز (هاشتاغ)       Abdeljebbar_Lourhraz#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفيلم الوثائقي: - تحت الثلج.. البياض القاتل - للمخرج المغرب ...
- اقرأ .. !!!
- آكادير .. على إيقاع ليلة الورشات الفنية
- إيبولا و داعش .. أيةعلاقة ؟
- فيلم :- أندرومان من دم و فحم - .. قراءة تحليلية لمفارقات الم ...
- وهج الأفكار و الذكريات
- في الحاجة إلى نقد ثقافة الإقصاء
- الربيع العربي .. المبني للمجهول !
- السوسيولوجيا الكولونيالية بالمغرب
- كرنفالات فاتح ماي .. نحو تأسيس خطاب مناهض لعنف الشغل
- أي دور للفلسفة في بناء الإنسان العربي ؟
- المنظومة التربوية المغربية : من المسؤول عن تعنيف نساء و رجال ...
- الأخضر الإبراهيمي كبش فداء ؟
- الرئيس المصري الجديد و أسئلة المرحلة الصعبة التي تجتازها مصر
- الربيع العربي كما يبدو في نسخته المعدلة جينيا
- سنة 2011 أو سنة زمانية العرب . قراءة سريعة في أنطلوجيا الثور ...
- الثورات قدر الشعوب .. فهل من معتبر ؟
- مغرب اليوم بين طريقين ملغومين
- - الإعاقة الفكرية - وآلية إنتاج المجتمع المدبلج


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - عبد الجبار الغراز - طفولة قاتلة .. و مقتولة !