|
المملكة إذ تخوض حرب الامبراطورية
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4762 - 2015 / 3 / 29 - 17:17
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
من الجائز تماماً ، أن يعتبر هجوم الملوك العرب وملحقاتهم بقيادة المملكة السعودية ، وبدعم أميركي ، وتأييد إسرائيلي ، على الشعب اليمني المتمرد على نظام " عبد ربه " الموالي للمملكة وأميركا ، أنه المرحلة الثانية لما سمي " الربيع العربي " . فهذا التوصيف صحيح ومطابق للواقع ، بل ويمكن أن يضاف إليه ، أنه المرحلة الأكثر سوءاً وعصفاً وتوحشاً . وذلك حسب تجليات هذا " الربيع " طوال أربع سنوات ، من التدمير والتخريب واستباحة الدماء والمقدسات ، في كل بلد حل فيها ، قبل المقولات والطروحات ، التي أطلقتها القوى السياسية والأقلام ، المخدوعة ، والمأجورة ، لتسويقه .. وتسويغه .
والغريب ، أن هذا الهجوم " التحالفي " على شعب محكوم بفعل الفساد المزمن ، وكيد الأشقاء المذهبي وعدم مدهم العون له ، بالفقر والتخلف ، منذ عقود عديدة .. حيث أن 60% من أبنائه قريبون من خط الجوع ، قد جاء في وقت تتزايد فيه المزاعم الإعلامية والسياسية ، على أن أدوات هذا التحالف الإرهابية ، ما تزال مستمرة بممارسة حربها القذرة على قدم وساق ، في البلدان المكلفة باجتياحها ، لاسيما في العراق وسوريا وليبيا وتونس ولبنان واليمن ، وما تزال هذه الأدوات تلفت أيضاً إلى أنها ، تملك القوى العسكرية ، التي تمكنها من القيام بالدفاع والهجوم والمبادرة . والمذابح التي نفذتها ، بتزامن متقارب لافت ، في تونس وليبيا وسوريا والعراق ومصر واليمن ، جاءت في هذا السياق .. ولهذه الغاية .
والغريب أكثر أن تتحالف عشر دول للهجوم على اليمن ، وأن تستقوي المملكة بالذات بتسع دول وتطلب المزيد من الدعم ، وهي التي تملك مخزوناً من مختلف صنوف الأسلحة المتطورة ، التي توازي وأكثر مما تملكه دولة أوربية عظمى ، وقد أنفقت في عام 2014 وحده على التسلح ما يوازي إنفاق كل الدول الأوربية في هذا العام . الأمر الذي يستدعي البحث عن الخلفيات الحقيقية لهذا ، الهجوم ، وهذا التحالف ، لاجتياح بلد شبه أعزل . وعند إضاءة المشهد ، ينكشف المستور ، والغامض ، والمخادع . إن أبرز ما ينبغي أن يعطى نصيباً كبيراً ولم تعد المملكة تموه عليه ، هو نزعتها الإمبراطورية المذهبية ، التي كرست كل قدراتها ومواردها ، منذ نشأتها كدولة تقوم على مساحة مليونين وربع المليون كم2 .. فوق بحر من الطاقة والثروات الطبيعية ، وتحت سلطتها المركز الإسىلامي الأول في العالم ( المسجد الحرام وبقية مواقع طقوس فريضة الحج ) .
وطوال نحو قرن ، منذ أن قفزت قطرات البترول الأولى على وجه الأرض ، وتأكد ت إمكانية استثمار آبار النفط تجارياً وإدرارها الأموال المتزايدة ، مع تزايد وتوسع الاستثمار ، انتعشت نزعة الإمبراطورية المذهبية والعمل الجاد لإقامتها ، عبر المال الذي لم يحظ أي بيت مال للمسلمين ، في عصر الإمبراطوريات السابقة .. التي عرفوها العرب والمسلمون في تاريخهم " الذهبي " . وكذلك عبر الاندماج مع المشروع الغربي الذي تضمنته " معاهدة كوينسي " بين عبد العزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت عام 1945 . وكلما اكتشف المزيد من المخزون الاحتياطي النفطي ، كلما ازداد الرصيد .. بملايين الدولاران .. ومليارات .. وتريليون الدولارات .. ترسخت عند أولياء المملكة عقلية الإمبراطورية والشراكة في المنظومة الدولية العظمى .
وعلى هذه الخلفية مارست المملكة دور الشريك والممول الرئيس ، في مخططات الدول لغربية الاستعمارية ، في حملات وأنشطة معاداة ومكافحة الشيوعية في مختلف القارات والبلدان . وقامت بالترويج لمذهبها الوهابي التكفيري ، في معظم بلدان العالم ، من خلال الاتصال مع ، أو إنشاء منظمات وجمعيات دينية . وصرفت مليارات لا تحصى من الدولارات لدعم هذه الحركة ، باسم نشر الإسلام ، وبناء المساجد . وفي سوريا وحدها ، يقول " محمود صادق " وهو اسم مستعار لكاتب ، هو الآن معارض نشط ، في كتابه " حوار حول سوريا " ، أن المملكة قدمت لعدد من التيارات الدينية في سوريا ، ما بين عام 1972 ـ 1979 أكثر من ( 36 مليار ليرة سورية ) . وحسب أسعار الدولار بالليرة السورية في تلك المرحلة فإن هذا لمبلغ يعادل سبعة مليار دولار ، أي ما ما يعادل مليار دولار في العام . ويقال أن معظم هذه المبالغ قد انصبت في خزائن ، وجيوب ، وأنشطة الأ خوان المسلمين . وللمملكة الآن في أميركا وحدها أكثر من ثلاثة تريليون دولار . وتعول الإدارة الأميركية على هذه التريليونات ، لضمان استقرار اقتصادها وتجاوز الأزمة المتفاقمة فيها .
ولم يزل طرياً في الذاكرة ، دور المملكة في أفغانستان ، التعبوي لتجنيد " المجاهدين ، والمالي الذي بلغ نحو ( 80 مليار دولار ) ، والسياسي التحريضي ضد الاتحاد السوفييتي ، والأهم دورها في خلق وبناء منظمة " القاعدة " التي صارت المصدر الرئيس لنشر الإرهاب الدولي عند الطلب في مختلف بلدان العالم ، وكذلك دورها في تفكيك الاتحاد اليوغسلافي . والذي لا يقل أهمية وبشاعة عن هذا ، أن المملكة خاضت " حرب البترول " بالتنسيق مع أميركا ، في الثمانينات لإضعاف الاتحاد السوفييتي وإسقاطه ، وهي تمارس هذه الحرب الآن مرة أخرى ، لإضعاف ولإسقاط بوتين في روسيا والنظامين المستقلين في إيران وفنزويلا .
وقبل الهجوم على اليمن ، قادت المملكة بالتعاون مع قطر وتركيا وثالوث دول الاستعمار العريقة ، فرنسا وبريطانيا وأميركا ، قادت حرب " الربيع العربي " ، لتغيير أنظمة عدد من البلدان العربية ، التي تطورت فيها الاحتجاجات إلى حرب شوارع ، ثم إلى حرب إرهاب دولي مدمرة . والمملكة قامت بهذا الدور ، بكل صفاقة باسم الحرية والديمقراطية ، التي تمتنها وتدوسها بالأقدام في داخلها أمام سمع العالم وبصره ، لكنها ما لبثت أن أعلنتها حرباً مذهبية مشروعة . مستبطنة الهدف الرئيس لهذه الحرب الإرهابية ، وهو إقامة كيان إقليمي سعودي قوي ، له القدرة على أداء نمط إمبراطوري ، يبسط سيطرته على معظم أو كل الإقليم .
والمملكة في هجومها الإرهابي المسبق ، بواسطة منظمات إرهابية تلا قحت وولدت " داعش .. والنصرة .. ومسميات أخرى " كانت تتوخى أن يؤدي ذلك بوقت قصير محدود إلى تدمير البلدين العربيين سوريا والعراق الندين لها ، والمقلقين .. والمعوقين لمشروعها الإمبراطوري . ثم ما لبث أن تعاظم خطر دور إيران على مشروعها ، بعد أن باتت إيران ، قاب قوسين أو أدنى ، من انتزاع حقها النووي السلمي ، وانتزاع دور إقليمي من الصعب على المملكة لاعتبارات عديدة ، مجاراته أو منافسته .. أو منازعته . كما تبن منذ أواخر عام 2014 ، أن القوى الإرهابية ، التي دربتها وسلحتها ومولتها وقادتها المملكة وحلفاؤها وأتباعها ، بعد أن تعرضت لضربات موجعة من الجيشين السوري والعراقي ومن المقاومة والجيش في لبنان ، قد دخلت مرحلة الدفاع ، وبعضها مرحلة التراجع ، وبات أفق الفوز على سوريا والعراق مسدوداً ، وتحولت " الثورة " في ليبيا إلى فوضى غير قابلة للسيطرة عليها ، وإلى فيروس عابر للحدود والبحار . وهو كما شاهدنا في فترة غير بعيدة ، يمر في بروكسل وباريس والسويد ، ويهدد جدياً ألمانيا وبريطانيا وأميركا وأستراليا . وهذا قد لفت الأوربي خاصة الشريك في صنع هذا الفيروس مدى خطورته على مصالحه ، ومؤسساته ، وبنية مجتمعاته .
ولاشك أيضاً ، أن الواقع الموضوعي لمسار" الربيع العربي " المخادع ، الذي صدرته المملكة لبلدان عربية عدة تتسم ، بقدر أو بآخر ، بسمات الجمهورية ، والعلمانية ، والمدنية المنفتحة مقارنة بالمملكة ، قد ضعف كثيراً بعد أن انكشف دور المملكة خلفه ، وانكشفت خلفيته المذهبية ، التي تشكل عقيدة كيان المملكة المذهبية التكفيرية المتسلطة ، وانكشف تنسيق المملكة مع أميركا ودول وجهات أوربية وإسرائيل ، للشغل معاً على إقامة نظام عربي ، يحتوي على مضامين نمط الأنظمة الملكية في الحكم ، وقطبها الرئيس المملكة وخاصة نظام الشريعة فيها الأكثر ضبطاً وقهراً للشعب . ما يؤدي بعامة ، إلى وضع كافة البلدان العربية في سلة القطبية الدولية الأميركية ، ويؤدي يخاصة ، إلى منح المملكة الدور الأهم في المحيط الإقليمي ، الذي تتنافس فيه قوى إقليمية متعددة ، لتبوأ هذا المركز ، الشبيه بالنمط الإمبراطوري .
ولهذا شكلت الأزمة في اليمن ، الذي تنصب المملكة نفسها وصية عليه ، وتعتبره بعداً جغرافياً سياسياً لأمنها ومصالحها ، شكلت استعصاء مكروهاً على المملكة ، ومعوقاً مضافاً خطراً لمخططها الإمبراطوري ، الذي تشتغل عليه منذ عقود مديدة وبشكل يتجاوز النط الأموي والعباس والفاطمي ، وكاشفاً لعقدة نقصها في الهيمنة على الدول العربية ، من خلال استخدام دول مجلس التعاون الخليجي ، لامتلاك قرار جامعة الدول العربية ، ومن خلال الصرف على الاستثمارات في هذا البلد أو ذاك ، واستخدام ثروات الجزيرة العربية ، التي تقوم عليها المملكة لتجسيد هذه الإمبراطورية .
وعلى إثر تداعيات تضعضع نفوذ المملكة في الشرق الأوسط ، ومن ثم على المستوى الدولي ، كان لابد لها ، كي تدخل في مغامرة بحجم الهجوم على اليمن دون إي مبرر عدواني مباشر منه عليها ، أن تحشد معها دولاً موالية .. ومرتهنة لها .. مالياً .. أو أمنياً .. للتغطية على جريمتها التي تفوق ما يسمى جريمة حرب ، والمشاركة فيها ، ودعمها سياسياً ومعنوياً ، ولتشاركها في تحمل المسؤولية الأخلاقية ، أمام الشعوب العربية ، وأمام كل من قد يقدم على الوقوف إلى جانب الشعب اليمني ، ولترهب الشعب اليمني بأسلوب إرهاب الدول المرتزقة المأجورة ، ولتغطي على عدم استخدام مثل هذا الحشد الدولي لنصرة شعب فلسطين ، الذي يتعرض أبناؤه للقتل اليومي ، وتتعرض كل فلسطين للتدمير والتهويد العنصري وخاصة غزة المحاصرة الذبيحة ، بذرعة تزعزع الميزان الإقليمي ، الذي حدث بعدم قبول عودة خادمهم " عبد ربه " عن استقالته والعودة ليحكم اليمن بأمرهم ، وإصرار الشعب اليمني على تقرير مصيره بنفسه .
إن حرب التحالف " العشري " السعودي على الشعب اليمني ، قد نقل حرب الإرهاب الدولي ، من تنظيمات مجمعة من أطراف العالم ، إلى إرهاب دول متحالفة مأجورة مرتزقة . وهذه الحرب فضيحة دولية بامتياز ، منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن ، مع عدم نسيان الفضائح المماثلة في أفغانستان ويوغسلافيا والعراق .
ودون أدنى ريب .. إن الشعب اليمني .. سيقاتل بسلاحه المتواضع .. وبإرادته الوطنية الصلبة .. ولن تذهب دماء أبنائه لحساب إمبراطورية آل سعود هدراً .. وسينتصر .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أوراق معارضة ( 2 ) ولادة المعارضة
-
أوراق معارضة ( 1) ولادة وطن
-
يوم المرأة السورية وحق الحياة والحرية - إلى نائلة حشمة -
-
حول خواتم الحريق السوري
-
العدوان التركي والمسؤولية الوطنية
-
العودة المؤجلة إلى البيت - إلى حسين العلي -
-
سوريا .. ثوابت وآفاق
-
لن أقول وداعاً
-
قبل منتدى موسكو وبعده
-
لماذا القلعة بحلب هدف للإرهاب ؟
-
لأجل عودة آمنة كريمة للوطن .. إلى الطفولة المهجرة
-
الأستاذ
-
التعذيب جريمة حرب وجريمة استبدلد
-
حلب تصنع ربيعها القادم
-
الصراع السوري مع الغرب الآن .. لماذا ؟
-
مائة عام من الصراع مع الغرب .. إلى متى ؟
-
داعش على ضفاف الراين - إلى ريحانة كوباني -
-
في التصدي للوجه الآخر للإرهاب
-
طعنة في ظهر ابن رشد
-
النقابات السورية والنضال العمالي والحرب
المزيد.....
-
نبيل بنعبد الله يعزي في وفاة شقيق الرفيق السعودي لعمالكي عضو
...
-
الحزب الشيوعي العراقي: تضامنا مع الشيوعيين السوريين ضد القر
...
-
موسكو: ألمانيا تحاول التملّص من الاعتراف بحصار لينينغراد إبا
...
-
مظاهرات بألمانيا السبت وغدا ضد اليمين المتطرف
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 589
-
تحليل - فرنسا: عندما يستخدم رئيس الوزراء فرانسوا بيرو أطروحا
...
-
برقية تضامن ودعم إلى الرفاق في الحزب الشيوعي الكوبي.
-
إلى الرفيق العزيز نجم الدين الخريط ومن خلالك إلى كل مناضلات
...
-
المحافظون الألمان يسعون لكسب دعم اليمين المتطرف في البرلمان
...
-
استأنفت نيابة العبور على قرار إخلاء سبيل عمال شركة “تي أند س
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|