|
ما الدين؟ [روبرت إنغرسول]
إبراهيم جركس
الحوار المتمدن-العدد: 4761 - 2015 / 3 / 28 - 20:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما الدين؟ روبرت إنغرسول [1899]
ترجمة إبراهيم جركس
﴿-;-1﴾-;- ((هذا آخر خطاب عام للسيد روبرت إنغرسول، قدّمه أمام الجمعية الأمريكية للمفكّرين الأحرار ببوسطن، في الثاني من شهر يونيو/حزيران عام 1899))
يصرّ أغلب البشر أنّ هناك إلهاً مطلقاً خلق كل شيء، ويحكم كل شيء، وأنّ المخلوقات يجب أن تكون خاضعة للخالق شاكرة له، وأنّ الخالق يطالب بأشياء محددة، وأنّ الشخص الذي يلتزم بهذه المطالب [الإلهية] هو شخص متديّن. هذا النوع من الدين هو من النوع العالمي. طوال عدّة قرون كان يعتقد أغلب البشر أنّ هذا الإله يطالب بالتضحية، وأنّه كان يشعر بالرضا عندما كان الآباء يريقون دماء أبنائهم. بعد ذلك افترض البشر أنّه كان يشعر بالرضا عندما يريقون من أجله دماء الثيران، الحملان والطيور، وفي المقابل بفضل هذه الأضاحي ومقابلها، كان هذا الإله ينزّل المطر، يمنح ضوء الشمس، والحصاد. وكان يعتقد أيضاً أنّ الإنسان إذا لم يقدّم أضحيات، فإنّ هذا الإله سيرسل الأوبئة والأمراض والفقر والفاقة والجفاف والطوفان والكوارث. والمرحلة الأخيرة من هذا الاعتقاد بالأضاحي كانت _حسب المذهب المسيحي_ أنّ الله قد قبل في النهاية دم ولده، وأنّه بعد أن قُتِلَ ولده، رضي الله، وارتوى عطشه للدماء. طوال كل هذه السنوات كان يعتقد هؤلاء الناس أنّ هذا الإله كان يسمع صلواتهم ويستجيب لهم، وأنّه غفر خطايا المؤمنين وأنقذ أرواحهم الآثمة. هذا هو التعريف الشامل للدين بمعناه العام. والآن، بات السؤال، ما إذا كان الدين قد تأسّس على أي حقيقة معلومة؟ ما إذا كان هذا الإله موجود؟ ما إذا كان هو خالقكم وخالقي؟ ما إذا كان يستجيب للصلوات حقاً؟ ما إذا كانت التضحية بالأولاد أو بالحيوانات ترضي هذا الإله غير المرئي؟ أولاً_ هل هناك إله مطلق خلق بني الإنسان؟ لماذا خلق المتدنيين فكرياً؟... لماذا خلق المشوّهين والمعاقين؟... لماذا خلق المجرمين، الأغبياء، المجانين؟... هل يمكن للحكمة المطلقة والقدرة المطلقة أن تبرّرا خلق الفشلة؟... هل الفشلة ملتزمين بخالقهم؟... ثانياً_ هل هناك إله مطلق يحكم هذا العالم؟ هل هو مسؤول عن تنصيب الزعماء والحكّام والملوك والأباطرة والملكات؟... هل هو مسؤول عن جميع الحروب التي اشتعلت [عبر التاريخ]، عن جميع الدماء البريئة التي سفكت حتى الآن؟... هل هو مسؤول عن قرون طويلة من الرق والعبودية، عن الظهور التي تشقّقت تحت لسعات سياط الأسياد، عن الأطفال الذين تمّ انتزاعهم عن صدور أمهاتهم وبيعهم، عن العائلات التي تشتت وتدمّرت؟... هل هذا الإله مسؤول عن كل الاضطهاد الديني، عن محاكم التفتيش، عن أدوات التعذيب التي عصرت أجساد البشر؟ هل سمح هذا الإله للفظاطة واللؤم أن تحطّما الشجاعة والفضيلة؟... هل سمح [هذا الإله] للطغاة المستبدين بسفك دماء الوطنيين الثوار؟ هل يسمح لأعداءه باضطهاد وتعذيب أنصاره؟... أيُّ إلهٍ هذا؟!... هل يسمح أي إنسان نزيه وشريف _إذا كان قادراً على الحؤول دون ذلك_ أن يتعذّب أنصاره على أيدي أعدائه؟... أيمكننا تصوّر كائن شيطاني بما يكفي ليفضّل أعداءه على أنصاره؟... إذا كان هناك إله مطلق الخير والقدرة يحكم هذا الكون والعاz©ك3، كيف لنا أن نبرّر الأعاصير، الزلازل، الأوبئة، المجاعات، والموت؟... كيف لنا أن نبرّر حالات السرطان، أو الجراثيم المعدية والفتّاكة، كالدفتريا والآلاف من الأمراض التي تفتك بالأطفال الأبرياء؟... كيف لنا أن نفسّر افتراس الحيوانات البرية المتوحّشة لبني الإنسان، أو لدغات الأفاعي السامة التي تقتل مئات البشر؟... كيف يمكننا أن نبرّر عالماً حيث هناك حياة تتغذّى وتزدهر على حساب حياة أخرى حيث الرحمة [الإلهية] المطلقة قد خلقت المنقار والمخالب والأنياب؟ هل الخير المطلق خلق جناحي الصقر لكي يتمكّن من الإمساك بفريسة هاربة؟... هل الخير الإلهي المطلق خلق الوحوش المفترسة وفطرها على أن تفترس الحيوانات الأضعف منها؟... هل الحكمة الإلهية المطلقة قد خلقت الكثير من الكائنات الحية الضئيلة والحقيرة التي تتكاثر داخل أجسام كائنات حية أخرى أكبر منها وتتغذّى عليها؟... هل هذه الحكمة الإلهية الكلية صنعت هذه الوحوش الصغيرة التي لاتكاد ترى بالعين المجرّدة والتي تتغذى على العصب البصري؟... فكرّوا قليلاً بمسألة إصابة إنسان ما بالعمى لإرضاء حاجة جرثوم ضئيل وحقير!... فكروا بمسألة أنّ هناك حياةً تتغذّى على حياة أخرى! فكّروا بالضحايا! فكّروا بشلالات الدم التي تنهمر من على منحدرات القسوة والوحشية! إذن، وفي ظلّ هذه الحقائق، ما هو الدين؟ إنّه "الخوف". فالخوف هو الذي يشيّد المذبح ويقدّم الأضحية. الخوف هو الذي يرفع الكاتدرائية ويحني رؤوس البشر للعبادة. الخوف هو الذي يثني الركبتين من أجل الصلاة. الخوف يتظاهر على أنّه محبّة. الدين يعلّم فضائل العبودية: الخضوع والطاعة، الحقارة، إنكار الذات، الغفران، الخنوع. شفاه أناس متديّنون خائفون، ترتجف مردّدةً عبارة ((هوذا يقتلني * لكنني أثق به)). هذه هي هاوية الذل والمهانة بحدّ ذاتها. الدين لا يعلّم الاعتماد على الذات، الاستقلال، الإنسانية، الشجاعة، أو الدفاع عن النفس. فالدين يجعل الله سيداً والإنسان هو خادمه المطيع. والسيد لايمكن أن يكون عظيماً بما يكفي ليجعل من العبودية لذيذة الطعم.
﴿-;-2﴾-;- إذا كان هذا الإله موجوداً، كيف نعرف أنّه خيّر؟ كيف لنا أن نتأكّد من أنّه رحيم، وأنّه عطوف ويعتني ببني البشر؟ إذا كان هذا الإله موجود، فمن المؤكّد أنّه رأى الملايين من أبناءه الفقراء يحرثون الحقول، ينثرون البذار ويغرسون النبت، وعندما رآى أنّهم يعتمدون على هذه المحاصيل من أجل عيشهم واستمرار حياتهم، فإنّ هذا الإله الخيّر، هذا الكائن المطلق الرحمة، منع عنهم المطر. هو الذي يسبّب سطوح الشمس واشتداد حرارتها، لتجفيف الأرض من رطوبتها، لكنه يمنع المطر. لقد رأى البذور التي زرعها الإنسان تذبل وتموت، لكنه لم ينزل المطر مع ذلك. رأى الناس وهم ينظرون بعيون ملؤها الحزن للأراضي الجرداء، لم يرسل مطراً رغم ذلك. شاهدهم وهم يلتهمون بقايا مخزونهم ببطء أمام عينيه، وتفرّج عليهم ببرود خلال أيام مجاعاتهم... رآهم يذوبون وينطفئون ببطء، شاهد جوعهم، عيونهم الغائرة، سمع صلواتهم واستجداءاتهم، رآهم وهم يفترسون الحيوانات البائسة التي كانوا يملكونها، رأى آباء وأمّهات، تضوّروا جوعاً حتى الجنون، يقتلون أبناءهم ويلتهمونهم، ومع ذلك ظلّت السماء التي فوقهم قاحلة كما الأرض التي تحتهم، ولم يرسل إليهم المطر. أيمكننا القول إذاً أنّ هناك زهرة شفقة متفتّحة في قلب هذا الإله؟ هل نستطيع القول أنّه كان مهتمٌ ببني الإنسان؟ هل نستطيع القول أنّ رحمته تدوم إلى الأبد؟ هل نحن نثبت أنّ هذا الإله خيّرٌ لأنّه يرسل الأعاصير التي تدمّر القرى وتغطّي الحقول بالأجساد المتناثرة للآباء والأمهات والأطفال؟ هل نكون قد أثبتنا أنّه خيّرٌ من خلال إظهار أنّه قد فتح الأرض وابتلع الآلاف من الأطفال الأبرياء الضعفاء، أو أنّه وببراكينه قد غمرهم بسيول من النيران السائلة؟ أيمكننا أن نستنتج طيبة الله وخيره المطلق من مثل هذه الحقائق المعروفة؟ لو أنّ هذه الفظائع لم تحدث، أكنّا لنشكّ ولو للحظة أنّ الله يهتمّ ببني الإنسان؟ لو لم يكن هناك أمراض ولا أوبئة ولا أعاصير ولاكوارث ولاحروب ولامجاعات، أكنّا لنشكّ بطيبة الله أصلاً؟ طبقاً لعلماء اللاهوت، الله لم يخلق جميع البشر على سوية واحدة. بل خلق أعراقاً مختلفة فيما بينها بالذكاء والقوام واللون. هل كان هناك حكمة إلهية أو طيبة إلهية في عملية الخلق هذه؟ أيجب على الأعراق المتفوّقة شكر الله وحمده والثناء عليه لأنّه لم يخلقها متدنية؟ إذا قلنا نعم، عندها على أن أطرح سؤالاً آخر: أيجب على الأعراق الدونية أن تشكر الله وتحمده لأنّها ليست متفوّقة، أم عليها شكره وحمده لأنّه لم يخلقها وحوشاً؟ عندما خلق الله هذه الأعراق المختلفة كان يعرف تماماً أنّ المتفوّفة منها ستستعبد الدونية، كان يعرف أنّ الشعوب والأقوام المتدنية سيتمّ غزوها، تدميرها والتنكيل بها، ثمّ محوها. إذا كان الله قد فعل ذلك، ويعلم بالدماء التي ستراق، والآلام والمعاناة التي ستحلّ بالبشر، ورأى الحقول الشاسعة والقاحلة المغطّاة بجثث القتلى، رأى جميع الظهور الدامية تحت لسعات السياط، قلوب الأمهات الكسيرة على أولادهن، إذا كان يرى كل ذلك ويعرف بشأن كل ذلك، أيمكننا إذن أن نتصوّر كائناً أكثر خبثاً وشراً ومكراً من هذا الإله؟ لماذا، إذن، نقول عن الله أنّه طيّب ومطلق الخير؟ الزنزانات التي رشحت جدرانها على أجساد الشجعان والنزهاء قد شهدت أرواحهم وهي تنزوي وتذبل، المقاصل التي تلطّخت بدماء الشهداء الزكية، العبيد البائسون بظهورهم الدامية والمغطّاة بالندوب، شهداء الفكر والكلمة الأحرار الذين لفحتهم نيران المحارق، الفضلاء والشرفاء الذين تخلّعت أجسادهم على آلات التعذيب، بعضلاتهم وأحشائهم التي تقطّعت إرباً، الأجساد الدامية والمهشّمة للعادلين، العيون المنطفئة والخامدة لجميع أولئك الباحثين عن الحقيقة، ملايين الأبطال والوطنيين الذين حاربوا ببسالة وماتوا عبثاً وبدون جدوى، الزوجات المنهكات والبائسات والثكالى، الوجوه المرتعشة للأطفال المهملين والمهمّشين، الملايين الذين ماتوا خلال السنوات الفائتة، ضحايا الرايح العاصفة والأمواج العاتية، ضحايا الطوفانات والنيران، وضحايا قى الطبيعة الكامنة والمحبوسة في الأرض، ضحايا ضربات البرق والرعود، ضحايا الحمم البركانية، الأمراض والأوبئة، والآلام المبرّحة، الأفواه التي تفطر دماً، الأنياب السامة، المناقير التي تجرح وتمزّق اللحم، صولات الشر وجولاته، التيجان التي وضعت على رؤوس الملوك الطغاة بأيدي المنافقين المبجّلين والملطّخة بالدماء البريئة، وهم يشكرون إلههم ويحمدونه _شيطان رجيم_ لتلاشي الحرية واضمحلالها من العالم، هذه التذكارات الأليمة من ماضينا المريع، هذه الفظائع والأهوال التي مازالت موجودة حتى يومنا هذا، هذه الحقائق المخيفة كلها، تنفي وجود أي إله لديه قدرة أو إرادة أو رغبة حتى في مساعدة ومباركة بني الإنسان.
﴿-;-3﴾-;- القوى التي تعمل من أجل الخير أغلب البشر يتشبّثون بالماورائيات ويتعلّقون بها، فإذا تخلّوا عن إلههم، تصوّروا إلهاً آخر. ما أن تصوّروا يهوه، حتى باتوا يتحدّثون عن القوى التي تعمل من أجل الخير. ما هي هذه القوى؟ الإنسان يتقدّم، وهو يتقدّم ويتطوّر عن طريق خبراته وتجاربه بالضرورة. فالشخص الراغب بالذهاب إلى مكانٍ معين يأتي إلى حيث يقوده الطريق إلى المكان المرغوب. قد يقف على مفترض طريق، يتّخذ طريق اليسار، معتقداً أنّه الطريق الصحيح، ويمضي فيه حتى يكتشف أنّه الطريق الخاطئ. يعود أدراجه ويتّخذ الطريق اليمين، ويصل إلى المكان المرغوب. في المرة التالية التي يرغب فيها ببلوغ المكان نفسه، فإنّه لايمضي في الطريق اليسار لأنّه جرّب الذهاب فيها واكتشف أنّها الطريق الخاطئة، بل يضي من فوره في الطريق اليمين، الطريق الصحيحة، ولذلك يقول اللاهوتيون: ((هناك قوى تعمل من أجل الخير والصلاح)). الطفل الذي يدهشه منظر النار المتقدة، يحاول تحسّسها بيده. تحترق يده، وبعدها يتعلّم الطفل إبعاد يده عن النار. فالقوة التي تعمل من أجل الخير والصلاح علّمته درساً [قاسياً]. الخبرات المتراكمة للعالم هي قوة وقدرة بحدّ ذاتها تعمل من أجل الخير. هذه القوة ليست واعية، ليست مفكرة، إنّها بلا إرادة، بلا هدف، وبلا غاية. إنّها نتيجة/محصّلة. إذن حاول الآلاف التأسيس لفكرة وجود الله من خلال حقيقة أنّنا نمتلك مايسمى بـ"الحس الأخلاقي". أي، الوعي، بمعنى آخر. يصرّ هؤلاء اللاهوتيون، والكثير ممّن يسمون أنفسهم فلاسفة بأنّ الحسّ الأخلاقي، هذا الحس بالواجب، بالالتزام، مغروس، وأنّ الوعي شيء غريب. على أساس أنّه لم ينتج من هنا، لم ينتجه الإنسان، فهم يتصوّرون أنّ هناك إله ما هو مصدره. الإنسان كائن اجتماعي. نحن نعيش مع بعضنا ضمن عوائل، قبائل وأمم. إنّ أفراد العائلة أو القبيلة أو الأمة الذين يرفعون من مستوى سعادة العائلة أو القبيلة أو الأمة، هؤلاء يُنظَر إليهم بوضفهم أفراداً صالحين. ويُثنى عليهم ويتمّ تقديرهم واحترامهم. ويعتبرون صالحين وأخياراً بقدر ماهم أخلاقيون. أمّا الأفراد الذين لايجلبون سوى الأسى والمعاناة للعائلة والقبيلة والأمة، يُنظَر إليهم كأفراد سيئين. فيُلامون ويُنبَذون ويُحتَقَرون ويُعاقَبون. بل ويُعتبرون أشخاصاً سيئين وغير أخلاقيين. العائلة أو القبيلة أو الأمة تخلق معايير معينة للسلوك/ للأخلاق، مبادئ أخلاقية. لاشيء ماورائي فيها. أعظم بني البشر قالوا أنّ "الوعي نابعٌ من الحب". إنّ حس الالتزام، حس الواجب، هو نتيجة طبيعية. بين الأقوام والشعوب البدائية، يتمّ النظر إلى عواقب الأفعال المباشرة. ومع تقدّم الشعوب وتطوّرها، تمّ إدراك العواقب والنتائج غير المباشرة. ارتقت معايير السلوك وارتفع سقفها. أصبحت المخيلة أكثر خصوبةً. بدأ الإنسان يضع نفسه مكان الآخر. أصبح حس الواجب أقوى، أكثر إلزاماُ. بدأ الإنسان يحاكم نفسه. إنه يحب، والحب ما هو إلا استهلال، وأساس الفضائل العليا. إنّه يجرح الأشخاص الذين يحبهم. ثم يندم، ينسحق، يتألّم يزجر. ولا يوجد شيء ماورائي أو غيبي في ذلك كله. الإنسان يخدع نفسه. الطبيعة مرآة يرى فيها الإنسان صورته الخاصة، وجميع الأديان الماورائية تقوم على أساس التظاهر بأنّ هذه الصورة، التي تبدو كامنة وراء المرآة، قد تمّ التقاطها. جميع الميتافيزيقيين من النمط الروحاني، من أفلاطون وحتى سويدينبورغ، قد أقاموا حقائقهم الخاصة، وجميع مؤسسي الأديان الأخرى فعلوا نفس الشيء. تصوّروا أنّ هناك إله مطلق، ماذا يمكننا أن نفعل من أجله؟ فكونه كائن مطلق، فإنّه غير مقيد أو مشروط، وكونه غير مشروط، فهو لايحتاج لشيء يستفيد منه، ولا يوجد شيء يمكن أن يؤذيه، لذا لايمكن أن تكون لديه حاجة أو رغبة. لكنه كذلك فعلاً. تصوّروا أنا الإنسان الذي يؤمن أنّ هناك كائن مطلق يرغب يرغب ويحتاج إلى تمجيده وصلواته.
﴿-;-4﴾-;- ما الذي قدّمه ديننا؟ طبعاً وباعتراف المسيحيين أنفسهم أنّ باقي الأديان الأخرى خاطئة وغير صحيحة، لذلك نحن بحاجة للتمعّن في ديننا هذا. هل قدّمت الديانة المسيحية أي خير؟ هل جعلت البشر أكثر نبلاً؟ أكثر رحمةً؟ أكثر صدقاً ونزاهةً؟... عندما كانت الكنيسة هي المسيطرة، هل جعلت حال البشر أفضل وأكثر سعادةً؟ كيف كان تأثير الكنيسة في كلٍ من إسبانيا وإيطاليا والبرتغال وإيرلندا؟ ما الذي فعله الدين بهنغاريا والنمسا؟ ما الأثر الذي خلّفته الكنيسة على سويسرا، هولندا، سكتلندا، إنكلترا، وأمريكا؟ لنكن صريحين وواضحين مع أنفسنا، هل كانت هذه البلدان أكثر سوءاً لو كانت من غير دين؟ هل كانت لتكون أسوأ لو أنها كانت فيها ديانة أخرى غير الديانة المسيحية؟ هل كان توركيمادا ليكون أسوأ لو أنّه كان من أتباع زرادشت؟ هل كان كالفن أكثر تعطّشاً للدماء لو أنّه آمن بديانة أهل الجزر الجنوبية؟ هل كان الهولنديون أكثر حماقةً وغباءً لو أنهم أنكروا الأب والابن والروح القدس وعبدوا الثالوث المقدس للنقانق والجعة والجبنة؟ أكان جون نوكس ليكزن أفضل لو أنه ترك يسوع واتبع كونفوشيوس؟ خذوا على سبيل المثال آبائنا البيوريتانيون/المطهرون الأتقياء؟ ماذا قدّمت المسيحية لهم؟ كانوا يكرهون المتع. علّقوا وشاح الموت على أبواب الحياة. عصبوا أعينهم عن جميع مباهج الحياة. صنعوا مِهاداً عن طريق نعليق أراجيح على الأكفان. في السنة البيوريتانية كان هناك اثنا عشر شهر ديسمبر/كانون الأول. كانوا قد حاولوا التخلّص من الطفولة والشباب، بسذاجة الأطفال وأغنية الصباح. إنّ الديانة البيوريتانية كانت بارة عن لعنة صبيانية تفتقر إلى النضج. كان البيوريتانيون يؤمنون أنّ الكتاب المقدّس هو كلام الله، وهذا الاعتقاد بحدّ ذاته كان يجعل من جميع أولئك الذين يعتنقونه قساةً وأشرار. هل كان البيوريتانيون أسوأ حالاً لو أنهم اعتنقوا ديانة الهنود الحمر في أمريكا الشمالية؟ دعوني أشير إلى حقيقة واحدة فقط تبيّن مدى تأثير الاعتقاد بالكتاب المقدس على الكائن البشري. ((في اليوم الذي جرى في تتويج الملكة أليزابيث قُدِّم لها إنجيل جنيف من قبل رجل عجوز يمثّل الزمن وبجانبه ولد صغير يمثّل الحقيقة. تلقّفت الملكة كتاب الإنجيل، قبّلته، وتعهّدت بقرائته بجدّ منذ تلك اللحظة. وتكريساً لنفسها من أجل هذا الإنجيل المبجّل حثّت الملكة من منطلق ديني على قتل جميع البابويين وبعنف)). في هذه الحادثة نرى الجوهر الحقيقي للعشاق البروتستانت للكتاب المقدس. بمعنى آخر، كان عشقاً شيطانياً وسيئاً للغاية بقدر سوء الروح الكاثوليكية. هل جعل الكتاب المقدس أهالي جورجياً أناساً أكثر لطفاً ورحمةً؟ هل سيكون السفاحون القتلة أكثر عنفاً ووحشية إذا عبدوا آلهةً من خشب وحجر؟
﴿-;-5﴾-;- كيف يمكن إصلاح الجنس البشري من دون دين؟ الدين تمّت تجربته، وفي مختلف البلدان تقريباً، وفي مختلف الأزمنة، لكنّه فشل. لم يسبق أن جعل الدين الإنسان أكثر رحمةً... تذكّروا محاكم التفتيش. ما الأثر الذي لعبه الدين على العبودية؟ ما تأثيره على ليبي، سولسبيري، وأندرسونفيل؟ لطالما كان الدين عدوّ العلم الأول، عدو البحث والتقصي، وعدوّ الفكر الحر. الدين لم يسبق له أن جعل الإنسان حراً... لم يسبق أن جعله أخلاقياً، متسامحاً، منتجاً، وشريفاً. هل المسيحيون أكثر أخلاقاً وتسامحاً وقرباً إلى الفضيلة من البرابرة البدائيين؟ هل نرى عند البدائيين فكرة أنّ نعاصيهم ورذائلهم هي نتيجة لخرافاتهم؟ بالنسبة لهؤلاء الذين يؤمنون بتناسق الطبيعة وانتظامها يصبح الدين شيئاً مستحيلاً. هل يمكننا التأثير على طبيعة الجوهر وخصائصه بالصلاة؟ هل يمكننا تسريع حركة المد والجزر أو تأخيرها عن طريق العبادة؟ أيمكننا التأثير على حركة الرياح وسرعتها وتغييرها عن طريق تقديمنا للأضاحي؟ هل الركوع والسجود يمنحاننا الثروة؟ هل يمكننا علاج الأمراض والأوبئة عن طريق التضرّع؟ أيمكننا أن نضيف أي معرفة لمعرفتنا عبر طقوسنا وشعائرنا؟ هل يمكننا تلقّي المجد أو الشرف أو الفضيلة عن طريق الصدقة والإحسان؟ أليست حقائق العالم العقلي صلبة وعنيدة _وناتجة عنها بالضرورة_ مثل حقائق العالم المادي؟ هل مانطلق عليه اسم "العقل" أمر طبيعي تماماً كالشيء الذي نطلق عليه اسم "الروح"؟ يقوم الجين على فكرة أنّ الطبيعة تخضع لإرادة سيد، وأنّ هذا السيد سيسمع الصلوات ويستجيب لها، وأنّ هذا السيد يثيب ويعاقب، وأنّه يحبّ التمجيد والتملّق، ويكره الشجاعة والحرية. هل حصل الإنسان على أيّة مساعدة من السماء؟
﴿-;-6﴾-;- لو كان لدينا نظرية، يجب أن يتوفر لدينا الحقائق اللازمة لتأسيسها. يجب أن يكون لدينا أحجار زاوية. لايجب أن نقيم نظريتنا على التخمينات والافتراضات، أو التشبيهات والتخيلات. يجب أن يكون للمبنى أساس. إذا أردنا البناء فعلينا أن نبدأ من الأسفل. أنا لديّ نظرية ولدي أربعة أحجار زاوية تدعمها: الحجر الأول: هو أنّ المادة _الجوهر_ لا تُدَمّر أو تفنى. الحجر الثاني: وهو أنّ الطاقة لاتُدَمّر ولا تفنى. الحجر الثالث: وهو أنّ المادة والطاقة لايمكن أن يتواجدا منفصلين... لاوجود للمادة من دون طاقة... ولاوجود للطاقة من دون مادة. الحجر الرابع: هو أنّ الشيء الذي لايمكن تدميره أو إفناؤه لا يمكن أن يكون مخلوقاً. الدائم والسرمدي هو شيء غير مخلوق. إذا كانت أحجار الزاوية هذه حقائق فيتبع ذلك بالضرورة أنّ المادة والطاقة شيئان سرمديان _موجودان منذ الأزل وإلى الأبد_ أي لايمكن الزيادة فيهما ولا الإنقاص منهما. هذا يعني أن لاشيء مخلوقٌ سابقاً، ولاشيء مخلوقٌ الآن، ولا شيء سيخلق في المستقبل. هذا يعني أنّ لاشيء مخلوق أو يُخلَق أو سيُخلَق. لذا لا يوجد خالق. هذا يعني أنّه لايمكن أن يكون هناك أي نوع من الذكاء، أو التصميم الذكي، كامن خلف المادة والطاقة. لايوجد ذكاء من دون طاقة... ولا وجود للطاقة من غير مادة، ممّا يتبع أنّه لايوجد هناك أي ذكاء ولا أي طاقة خلف المادة. هذا يعني أن عالم الغيب أو الماوراء غير موجود ولايمكن أن يوجد، إذا كانت هذه الأحجار الأربعة حقائق، فهذا معناه أنّه ليس للطبيعة سيد يحكمها. إذا كان كلٌ من المادة والطاقة أزليان فهذا ينفي وجود الله بالضرورة. إنّه لايوجد إله خالق زمتحكّم بالكون، لايوجد إله يسمع الصلوات ويستجيب لها، لا إله ينصر المظلومين، لا إله يشفق على آلام المساكين ومعاناتهم، لا إله يعتني بالعبيد ذوي الظهور المتشقّقة تحت وقع لسعات السياط، أو يهتمّ بالأمهات التي انتُزِع أطفالهنّ من على صدورهن، لا إله ينقذ المعذّبين، لا إله ينقذ الشهداء والقديسين من لهيب النيران. بمعنى آخر، كل هذا يثبت أنّ الإنسان لم يتلقّ أبداً أي مساعدة أو عون من السماء، وأنّ جميع الأضاحي ضاعت هباءً، وأنّ جميع الصلوات قد ضاعت أدراج الرياح. لا أزعم بأنني أعرف. إنّما أخبركم عن رأيي. لو أنّ المادة والطاقة كانتا موجودتان منذ الأزل، هذا يعني بالضرورة أنّ كل ما هو ممكن قد حدث، ويحدث الآن، وسيحدث في المستقبل. في هذا الكون لا وجود للصدفة، لا أهواء ولانزوات. كل حدث له سبب. أي شيء لم يحدث، لم يكن مقدراً له أن يحدث. فالحاضر هو النتيجة الضرورية للماضي كله، والمستقبل سيكون النتيجة الضرورية للحاضر. في هذه السلسلة اللانهائية ليس هناك _ولن يكون هناك_ أي حلقات مفقودة أو ضائعة. شكل وحركة كل جرم، المناخ السائد على كل عالم، كافة أشكال الحياة النباتية والحيوانية، جميع أنواع الغريزة، الذكاء، والوعي، كل حالات التأكيد والإنكار، جميع المعاصي والفضائل، جميع الأفكار والأحلام، جميع المخاوف والآمال، كلّها ضرورات. ولا واحدة من الأشياء الكثيرة والعلاقات العديدة في الكون يمكن أن تكون بصورة مختلفة.
﴿-;-7﴾-;- إذا كانت المادة والطاقة أزليتان، عندها يمكننا القول أنّ الإنسان ليس له خالق أو مصمم ذكي، وأنّ الإنسان لم يكن عبارة عن عملية خلق مميّزة. نحن نعرف الآن، هذا إذا كنا نعرف شيئاً، أنّ يهوه، الخَزَفي الإلهي، لم يخلط ويجبل الطين ويشكّل منه الرجل والمرأة، ثم نفخ فيهما روح الحياة من أنفاسه. نحن نعرف الآن أنّ أهلنا الأوائل لم يكونوا غرباء. نحن نعرف الآن أنّ أهلنا كانوا محليين من هذا العالم، وُجِدوا هنا، وأنّ حياتهم لم ينفخها فيهم أيّ إله. نحن نعرف الآن، إذا كنا نعرف أي شيء، أنّ الكون طبيعي بالمطلق، وأنّ الرجال والنساء قد جاؤوا بطريقة طبيعية. نحن الآن بتنا نعرف أسلافنا، أنسبائنا. بات لدينا الآن شجرة عائلة. وضعنا أيدينا الآن على جميع حلقات السلسلة، ستٌ وعشرون حلقة وصل تشتمل من الوحوش إلى الإنسان... نحن لا نستقي معلوماتنا من كتب مقدّسة منزلة. بل لدينا حقائق أحفورة راسخة [غير قابلة للنقض] وأشكال حية مختلفة. من أبسط الكائنات الحية، من الإحساس الأعمى، من العضوية، من واحدة من الإرادات البدائية المبهمة، إلى خلية وحيدة تحتوي بداخلها نواة، إلى كرة مجوّفة مليئة بالسائل، إلى وعاء بجدران ثنائية، إلى دودة شريطية، إلى شيء ما بدأ بالتنفس، إلى كائن حي عضوي لديه حبل شوكي، إلى حلقة تربط مابين اللافقاريات والفقاريات، إلى كائن فقاري لديه جمجمة _حجرة تحمي الدماغ بداخلها_ إلى كائن فقاري له زعانف، وما زال يتقدّم ويتطوّر حتى أصبحت الزعانف تعيقه، ثمّ إلى زاحف ثديي، ثم إلى حيوان جرابي، ثمّ إلى ليمور، قاطني الأشجار، ثم إلى ثديي من الرئيسيات، ثم إلى كائن ثديي منتصب، وفي النهاية إلى إنسان. نحن نعرف السبل التي سلكتها الحياة. نحن نعرف الخطوات التي تقدّمت بها. لقد عثرنا على آخر حلقة. ولهذا نحن مدينون لأحد أعظم العلماء البيولوجيين أكثر من غيره وهو العالم إرنِست هايكل. نحن الآن نعتقد أنّ الكون طبيعي وننكر وجود عالم الغيب والماوراء.
﴿-;-8﴾-;- إصلاح لآلاف السنين حاول رجال ونساء إصلاح العالم. خلقوا آلهة وشياطين، جنان وجحيم، وكتبوا كتباً مقدّسة، زعموا المعجزات، بنوا كاتدرائيات وسجون، نصّوا ملوكاً وملكات وخلعوهم، عُذّبوا وسُجِنوا، سُلِخَت جلودهم وهم أحياء وحُرِقوا، بشّروا وصلّوا، هدّدوا وأرهبوا ووعدوا ورغّبوا، أقنعوا واقتنعوا، وعظوا وتعلّموا، وبذلوا جهودهم وحاولوا بشتى الوسائل جعل الناس نزهاء متسامحين، منتجين، وفضلاء، شيّدوا مستشفيات ومصحّات للأمراض العقلية، جامعات ومدارس، ويبدو أنّهم بذلوا جلّ مابوسعهم لجعل بني البشر أفضل وأسعد، ومع ذلك لم ينجحوا. لماذا فشل المصلحون؟ سأقول لهم لماذا... الجهل والفقر والرذيلة جميع هذه الأمور تملأ العالم. فالزريبة كانت هي البيت والمأوى. الناس المحتاجين وغير القادرين على إعالة أنفسهم والأطفال المهجورين يملأون المآوي والملاجئ. إنّهم يعتمدون على الرب، وعلى الحسنات والصدقات. إنّهم ليسوا على قدرٍ من الذكاء ليفكّروا في عواقب مايفعلونه أو يتحمّلون مسؤوليته. في نفس الوقت هم لا يريدون أطفالاً، لأنّ الأطفال لعنة بالنسبة لهم وللطفل نفسه. هذا الطفل غير مرحبٍ به، لأنه عبء. هؤلاء الأطفال غير المرغوب بهم يملؤون السجون والزنازين، المصحّات العقلية والمشافي، ومآوي المشرّدين تغصّ بهم. عدد قليل منهم كتب لهم النجاة من خلال أعمال الخير والإحسان والقليل من الحظّ، لكنّ الأغلبية الساحقة منهم ليست سوى فشل ذريع بمعنى الكلمة. إنّهم يصبحون أكثر توحّشاً وقسوة. إنّهم يعيشون عن طريق النصب والعنف، وفي النهاية يورثون رذائلهم لأولادهم. مقابل هذا التفشّي المغرق للرذيلة والتخلّف تقف عملية الإصلاح عاجزة، ويتحوّل الإنسان نفسه إلى أكبر مروّج للرذيلة والجريمة. يبدو أنّ سمة الفشل هي من إحدى السمات الأساسية التي تتميّز بها الطبيعة. لماذا؟ ليس للطبيعة أي تصميم، أو ذكاء. الطبيعة تنتج من دون هدف أو غاية، تحافظ على البقاء من دون قصد أو نية، وتدمّر وتفني من دون تفكير. الإنسان يمتلك القليل من الذكاء، وينبغي عليه استخدامه. الذكاء هو الرافعة الوحيدة التي ترفع من مستوى الجنس البشري. السؤال الفعلي: هل نستطيع منع الأغبياء والمجرمين والجهلة من ملء عالمنا أولادهم؟... أيمكننا منع هذا النهر من الجهل والتخلف من أن يصبّ في بحيرة الحضارة؟ أيجب أن يظلّ العالم ضحية عواطف الجهل؟ أيمكن أن يصل العالم لهذه الدرجة من التمدّن حيث يتمّ اتخاذ كافة العواقب بالحسبان؟ لماذا يجلب الرجال والنساء أطفالاً لا يمكنهم الاعتناء بهم، أطفالاً يُنظَر إليهم كعبء ولعنة؟ لماذا؟ لأنّ عواطفهم أكبر من ذكائهم، وأكبر من وعيهم، وأكبر من عقلهم وفكرهم. لايمكننا إصلاح هؤلاء الناس بالكلام والحديث. لايمكننا إصلاحهم بالموعظة والنصيحة. فالعاطفة كانت ولازالت وستظلّ دوماً صمّاء. هذه الأسلحة الإصلاحية غير مجدية أساساً. فالمجرمون والمتسوّلون والنصّابون والقتلة يتكاثرون كل يوم. باتت السجون والزنازين والمصحات العقلية والمآوي مزدحمة. الدين عاجز. قد يعاقب القانون، لكنه لا يستطيع إصلاح المجرمين أو الحؤول دون وقوع الحرائم. مستوى الجريمة يرتفع ويتصاعد. والحرب التي شُنّت الآن ضدّ قوى الشر عبثية وغير مجدية كمحارب الحباحب المضيئة ضدّ ظلمة الليل. ليس لدينا سوى أمل واحد. يجب وقف انتشار الجهل والفقر والرذيلة في العالم. لايمكن تحقيق ذلك يقوة الإقناع الأخلاقي... لايمكن تحقيقه عن طريق الحديث أو القدوة... ولايمكن تحقيق ذلك بالدين أو القانون... عن طريق راهب أو سياف... لايمكن تحقيق ذلك عن طريق القسر والقوة: بدنية أو أخلاقية. لتحقيق ذلك نحن نحتاج لشيء أساسي: العلم، وهو الوحيد القادر على جعل المرأة ملك نفسها. العلم _المنقذ الممكن الوحيد للحنس البشري_ هو الوحيد الذي يقدر أن يضع بيد المرأة خيارها، ما إذا كانت تريد أن تكون أماً أم لا. هذا هو الحل الأنسب لكامل المسألة. هذا يعني تحرير المرأة. عندها سنرى الأولاد مرحبٌ بهم. سيتم استقبالهم بأيادي مصفّقة وقلوب مفتوحة. وسيملأون البيوت فرحةً وسعادة. الرجال والنساء الذين يؤمنون أنّ العبيد أنقى وأصفى وأفضل من الأحرار، الذين يعتقدون أنّ الخوف مرشد أفضل من المعرفة، أنّ الأخيار والصالحين هم أولئك الذين يطيعون أوامر الآخرين، وأنّ الجهل هو التربة التي تنبت فيها أزهار الفضيلة المثالية والعطرة، سيخفون علامات الصدمة على وجوههم بأيديهم المعترضة. الرجال والنساء الذين يعتقدون أنّ النور عدوّ الفضيلة، أنّ النقاء يعيش في قلب الظلام، وأنّه من الخطير بالنسبة للكائنات البشرية أن تعرف نفسها وتكتشف الحقائق في الطبيعة التي تؤثّر على بقائهم واستمرارهم، سيصابون بالذعر من مجرد التفكير بسيادة الذكاء على العاطفة. لكنني أتطلّع إلى وقتٍ سيرفض فيه الرجال والنساء بفضل معرفتهم بالعواقب والنتائج _بالمبادئ الأخلاقية المتولّدة من الذكاء والفطنة_ ملء العالم بالفشل والفشلة. عندما يحين ذلك الوقت ستتداعى جدران السجن، وسيغمر النور الزنازين المظلمة، وسيبدأ ظلام الملاجئ والمآوي بالانحسار عن وجه الأرض. سيكون الفقر والجريمة مجرّد أمور صبيانية. والأيدي الذابلة تحت ثقل الحاجة لن تُمَدّ للصدقة. جميع هذه الأمور ستصبح مجرّد غبار. وكل العالم سيكون ذكياً ومستقيماً ونزيهاً وحراً.
﴿-;-9﴾-;- لايمكن للدين أن يصلح حال البشر أبداً، لأنّ الدين "عبودية". من الأفضل بكثير أن تكون حراً، أن تترك حصون وسراديب الخوف، وتقف منتصباً شامخاً في وجه المستقبل وعلى وجهك ابتسامة الأمل. من الأفضل بكثير أن تسلّم نفسك أحياناً للامبالاة، أن تسير مع التيار وتنجرف مع المدّ والجزر، مع قوى العالم العمياء، لتفكّر وتحلم، لتنسى سلاسل وقيود الحياة، لتنسى الغاية والهدف والوسيلة، لتتسكّع داخل معرض الصور في دماغك، لتشعر مرة أخرى بقبلات وإطراءات الماضي، لتسترجع فجر الحياة، لتتذكّر من جديد أشكال ووجوه أمواتك الأعزّاء، لترسم صوراً جميلة من أجل السنوات القادمة، لتنسى جميع الآلهة، وعودها ووعيدها وثوابها وعقابها، لتشعر بسيل الحياة الممتع داخل شرايينك وتستمع لموسيقاها العذبة، لحن إيقاعها وهي تنبض داخل قلبك الشجاع والجريء. ثم لتُنهِضَ نفسك للقيام بكل ما يمكنك من أعمال الخير والفائدة، لتصل بفكرك وأفعالك إلى المثال داخل عقلك، لتعطي لخيالاتك أجنحة، لتجد رحيق الفن _كالنحل المتنقّل بين زهرةٍ وأخرى_ في جميع الأشياء الاعتيادية التي تحيط بك، لتنظر بعيون خبيرة وثابتة إلى الحقائق، لتجد الخيوط الخافية التي تربط البعيد بالآن، لتزيد المعرفة، لتزيح الأعباء عن كاهل ضعيف، لتطوّر دماغك، لتدافع عن الحق، لتشيّد حصناً للروح. هذا هو الدين الحقيقي. هذه هي العبادة الحقيقية.
#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين عبارة عن اختبار رورشاخ
-
الله قادر على كل شيء: حجّة الضعفاء عقلياً
-
نشاة الكون: طبيعية أم ماورائية؟ [2]
-
نشاة الكون: طبيعية أم ماورائية؟ [1]
-
أسوأ 12 فكرة زرعها الدين ونشرها بين البشر
-
يغالطونك إذ يقولون [1]: أنّ الانفجار الكبير خطأ، لأنّه لايمك
...
-
هل تمّ إثبات نظرية التطوّر؟
-
أيمكن أن يكون الله مطلق العدل ومطلق الرحمة في آنٍ معاً؟
-
لماذا حرّم محمد على أتباعه التشكيك به أو بقرآنه؟
-
الموت للكفرة [2] العنف السياسي بوصفه إرهاباً: دراسة سوسيو-سي
...
-
الموت للكفرة [1] العنف السياسي بوصفه إرهاباً: دراسة سوسيو-سي
...
-
ستة دلائل تشير إلى أنّ الدين يضرّ أكثر ممّا ينفع
-
متلازمة الصدمة الدينية
-
ميم التوحيد
-
شركية ووثنية البطريارك إبراهيم
-
كيف تحوّل يهوه من إله محلّي إلى إله عالمي؟
-
كتاب فيروس الدين [3] تأسيس
-
كتاب فيروس الإله [2] تأسيس
-
كتاب فيروس الإله [1] تأسيس
-
ماذا نعرف عن محمد حقاً؟
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|