|
أوروبا ، الغرب .....والإسلاموفوبيا 2-2 تشخيص النبي ومفهوم الإساءة
عبد المجيد حمدان
الحوار المتمدن-العدد: 4761 - 2015 / 3 / 28 - 12:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أوروبا ، الغرب ........والإسلاموفوبيا 2-2 تشخيص النبي ومفهوم الإساءة بنينا الحلقة السابقة على حوار متخيل بين مؤمن أوروبي وداعية متأسلم . ونظرا لحقيقة انتفاء وجود مثل هذا الداعية ، ولاستهداف الدعاة المتأسلمين ، ليس إقناع الأفراد ، أو حتى الجماعات ، باعتناق الإسلام ، وهو ما تكلفه كل الدساتير الأوروبية ، وإنما استهداف كامل منظومة الحياة للبلدان التي استقبلت الجاليات المهاجرة ، نظرا لكل ذلك ، قلنا باحتمال نهوض أفراد ، أو مجموعات – حركات أو أحزاب – للدفاع عن نظم وقيم بلدانها من جهة ، ولمعارضة الفكر الذي يطرحه هؤلاء الدعاة المتأسلمين من جهة أخرى . ولأن أفق هكذا دفاع أو معارضة مفتوح للشطط ، نشأ ما صار يعرف بالإسلاموفوبيا ، أو الرهاب والكراهية للإسلام والمسلمين . عبرت عنه جماعات وحركات متطرفة ، ترفع شعار إسقاط الجنسية ، وإعادة هؤلاء المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية . وقبل المضي قدما، تعالوا نستذكر الحقائق التالية : 1. أنه وعلى مر التاريخ ، رفضت الأديان السابقة الاعتراف بالأديان التي تلتها . .حدث ذلك مع الأديان الوضعية ، كما حدث مع الأديان السماوية ، إذ رفضت اليهودية المسيحية ، ورفضت الاثنتان الإسلام . 2. وظلت الأديان اللاحقة تعترف بقدسية أنبياء من سبقوها ، لكنها قالت بعدم كمال ، أو تحريف وتشويه تعاليم تلك الديانات ، على يد الأجيال المتعاقبة ، وبالتالي فسادها ، وضرورة إحلال التعاليم الجديدة محلها . وفي ذات الوقت لم يتوقف رفض الديانات السابقة وأتباعها ، لقدسية الأنبياء الجدد والكتب التي أتوا بها ، بل وعمدت إلى قتلهم ، لاعتبارهم محرفين ومبتدعين ، كما يشير القرآن في أكثر من مكان . 3. وفي الماضي ، وفي الدول التي يعتنق مواطنوها أكثر من ديانة وأكثر من طائفة ، ظلت القوة وتوابعها هي حاكمة العلاقات بين أتباع هذه الديانات والطوائف ، ودون أي اعتبار لحق الحرية في اختيار العقيدة ، والعبادة ...الخ ، إحدى نواتج الحضارة الإنسانية الحديثة . 4. لكن حق الحرية في اختيار العقيدة ، فالانتقال من دين لآخر ، الذي سنته وكفلته الحضارة الحديثة ، لا يشمل حق تغيير نظم الحياة ، لأمم استقرت على هذه النظم ، عبر قرون من النضال والكفاح ، دفعت فيها ثمنا باهظا من القدح الفكري ، ومن العرق والدم . وهو ما لا يدركه الدعاة المتأسلمون ، وجمهور الأتباع ، من سكان الغيتوات الإسلامية . وقفة : ولنتذكر ، في سياق موضوعنا هذا ، أن الأوروبي الناهض لحماية نظام حياته ، وحين يتعذر عليه الحوار ، يملك طيفا هائل التنوع والاتساع للتعبير عن مواقفه وآرائه ، يشمل كامل حقول الآداب والفنون ، والتي قد يلجأ لواحد منها ، كالقصة ، والرواية ، والمسرحية ، والفيلم السينمائي ، والمقطوعة الموسيقية ، والصورة ، والكاريكاتير .....الخ . ولأنه قارئ ، ويحترم حرية الرأي والتعبير التي تكفلها كل الدساتير الأوروبية ، لا يبني دفاعه على ترهات وأقاويل ، لا سند لها ، كما يفعل دعاتنا . ولمعرفته بموقفنا العدائي من المستشرقين وأبحاثهم وآرائهم ، فقد يجد نفسه غير ملزم بها ، وبديلا لها يعتمد كتب التراث الإسلامي وحدها في تحضير دفاعاته . واستقراء كتب التراث ، واستخدام ما حوت من معلومات ووقائع ، يعفي صاحبها من مشكلة الطعن في صحة أسانيده . صحيح أن مفكرين مسلمين الآن يعارضون بعض ما ورد في هذه المؤلفات ، ويذهبون إلى القول بعدم دقتها ، لعدم معقوليتها بمقاييس المفاهيم الحديثة ، لكنهم في ذات الوقت يعرفون ، وعن يقين ، أن مؤلفي كتب التراث ؛ كالسيرة النبوية ، سير الصحابة والتابعين ، الحديث ، التاريخ ، تفسير القرآن ، أسباب النزول ، وغيرها من علوم القرآن .....الخ ، يتصدر لقب الإمام ، وأحيانا الحافظ والعلامة ، أسماءهم جميعا ، ومن ثم فمن غير المعقول أن يعمد أي منهم إلى الإساءة لنبي الإسلام ، أو لصحابته المقربين ، بإيراد واقعة ، أو عرض رواية ، أو تقديم معلومة مسيئة ، أو مختلقة ، أو حتى مشكوك في صحتها . وإذا أضفنا إلى ذلك خضوع المنقول عنهم لما يعرف بعلم الرجال ، أو الجرح والتعديل ، وهو العلم الذي يتقصى سير سلاسل الرواة لوقائع العلم المثبت بين دفتي كتاب التراث ، فيعتمد المؤلف ، وسلاسل المراجعين والمدققين ، أولئك الأطهار ،الأمناء ، الصادقين ، المخلصين ،النقيين فقط ، ويستبعد كل من تشوبه ولو شبهة عدم الدقة ، أو نقص الأمانة ، ولا نقول الكذب أو التدليس ، أو الابتداع ....الخ ، لنتوصل إلى قناعة تامة بصحة ودقة ما تم تسطيره من وقائع ومعلومات بين دفات هذه الكتب . ولنقتنع أيضا بأن إنكارها لا يقع إلا في باب النطاعة لا غير . المنصور بالرعب مسيرة شهر : واستقراء صحاح الحديث مثلا يضعنا أمام واحدة من صفات النبي ، المحببة لجمهور المسلمين ، إلى جانب صفتي الصادق والأمين ، وهي صفة المنصور بالرعب مسيرة شهر . هذه الصفة مستمدة من حديث منسوب لجابر بن عبد الله ، وارد في صحيحي البخاري ومسلم ، وصحاح أخرى . حديث يقول : عن جابر قال : قال صلى الله عليه وسلم :" أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ؛ نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ، وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة ، وأعطيت الشفاعة " . والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن قارئ هذا الحديث ؛ كيف ومتى نصر النبي بالرعب ؟ رعب يدب في قلوب ناس يبعد مقامهم عن المدينة مسيرة شهر ؟ قارئ السيرة تصدمه حقيقة أن أهل مكة ، وخلال ثلاث عشرة سنة ، قضاها بينهم منذرا ومبشرا بدعوته ، لم يخالج الخوف أيا منهم ، وهم يعارضونه ، ويؤذونه ، ويعذبون أتباعه ؟ ! وحين لجأ إلى الطائف طالبا المساندة ، لم يكتف أهل الطائف برفضه ، وإنما سلطوا عليه صبيانهم ، قذفوه بالحجارة وأدموه ؟ وفي معركة أحد لم يخش محاولو قتله ، أي عاقبة ، ولم يرتعب لهم قلب ؟ وتكرر هذا الأمر مرات عدة ، في غزوة الخندق ، وحصار الطائف ، ومعركة حنين ، التي هُزم المسلمون في بدايتها ، وكادت تقضي على الدعوة ؟ ومن جديد يعود السؤال : كيف ومتى نُصر النبي بالرعب مسيرة شهر ؟ ولماذا جاءت وفود القبائل العربية ، ومن أطراف الجزيرة ، من جنوب اليمن ، من حضرموت ، من البحرين ، ومن تهامة ، تقدم الولاء ، تتنازل عن استقلاليتها ، وبعضها كقبائل كندة ، وقبائل عُمان ، أصحاب ممالك عريقة ، ظلت حاضرة حتى ذلك الوقت ،جاءت لتنضم لدولة النبي طوعا، ولتبايعه على الإسلام باسم قبائلها ؟ هل كان ذلك نتيجة معجزة إلهية ، ألقى الله بموجبها الرعب في قلوب قادة ورجال تلك القبائل ؟ وبسبب ذلك تنازل الملوك عن ملكياتهم ، والأمراء عن إماراتهم ، وجاءوا النبي في المدينة ، يدخلون في دينه ، يتنازلون عن استقلالية قبائلهم ، ويعلنون الخضوع والالتحاق بدولته ؟ غزوات النبي : يعلمنا التاريخ أن سمعة القادة العسكريين تصنعها أفعالهم . ومن بين صحابة النبي ، كان من اشتهر بالرحمة ، مثل أبي عبيدة ، ومن اشتهر بالبطش والقسوة ، ومن ثم كانت المدن والقبائل تعلن الاستسلام ، مؤملة النجاة من الذبح ، بمجرد وصولها خبر توجهه لحربهم ، مثل خالد بن الوليد . هكذا كان يحل الرعب في قلوب الأعداء ، نتيجة الأفعال التي نفذها هؤلاء القادة في معاركهم السابقة . النبي قاد العديد من الغزوات – 29 غزوة - ، وفي مقدمتها كل الغزوات الكبيرة ؛ بدر ، أحد ، الخندق ، بني قينقاع ، بني النضير ، بني قريظة ، خيبر ، بني المصطلق ، فتح مكة ، حصار الطائف ، حنين ، تبوك ، وغيرها . وفي كل هذه الغزوات ، باستثناء الخندق ، نفذ جيش المسلمين فظائع ، سجلتها بتفصيل ممل ، كل كتب التراث التي تناولتها . يقول المدافعون عن التراث أن النبي كان رحيما بأعدائه من الأسرى ، بدءا ببدر ، وتطبيقا للآية : " ......فإما مَنٌّ وإما فداء " . وهم في ذلك يتجاهلون حقيقة ما ثبتته كتب التراث . ففي غزوة بدر مثلا قتل النبي اثنين من أسراه صبرا ، أي بعد يومين من الأسر ، وفي طريق العودة إلى المدينة . قتلهما لأنهما كان يؤذيانه في مكة ، وهما ؛ النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط . ويقول ابن هشام في سيرته أن عقبة سأل النبي ، إثر صدور القرار بقتله : ومن للصبية يا محمد ، يقصد أبناءه الصغار ؟ فرد النبي : النار . لا يتساءل المؤمنون عن إنسانية هكذا رد صدر عن النبي . لم يسألوا ما ذنب أولئك الأطفال لتكون النار الجواب على تساؤل أبيهم عن مصيرهم . كما تقول السيرة أن النبي أمر بقذف جثث قتلى سادة قريش في قليب ، مكومة فوق بعضها ، وأنه كان تعذر سحب بعضها لانتفاخها وتفسخها . وبعد أن تم ذلك ، وقف النبي على باب القليب ، وأخذ يسائلهم ، والأصح يكايدهم ، إن كان ربهم أوفى بوعده لهم ، في وقت أوفي ربه بوعده له . وتقول أيضا أن المسلمين تساءلوا عن حديث النبي مع موتى ، كُدست أجسادهم المتفسخة ، بعضها فوق بعض ، فرد عليهم النبي بأنهم يسمعون ويعون ما يسمعون وإن كانوا لا يستطيعون الرد . ويقول المسلمون أن النبي كان يأمر قادة سراياه الرحمة بالشيوخ والنساء ، وعدم حرق الأشجار وتخريب الممتلكات ، ويتناسون حقيقة أنه حرق نخل بني النضير ، ليجبرهم على الاستسلام ، ونزل القرآن مؤيدا لأعمال الحرق هذه ، وتكرر الأمر مع بساتين الطائف . وأنه أمر جيش أسامة بن زيد ، والذي كان قد جهزه قبل وفاته ، بالثأر لأبيه ، وباقي شهداء مؤتة ، بإعمال القتل والحرق والتدمير في كل البلدات التي يمر بها . وفي غزوة بني قريظة ، وبعد الاستسلام ، صدر حكم الصحابي سعد بن معاذ ، حليفهم ، بقتل الرجال منهم . وفي تنفيذ النبي للحكم ، الذي طال ما بين سبعمائة وتسعمائة رجل ، أمر بحفر خندق ، وأخذ يرسل من بني قريظة أرتالا – قرابة العشرين في كل رتل - يُقتلون ويلقى بهم في الخندق . وقرب النهاية انتبه إلى أن من يقومون بالقتل هم الأنصار من الخزرج ، ولا أحد من الأوس حلفاء بني قريظة . اختار فريقا من الأوس ليشتركوا في القتل ، وأمر بأن يضرب الخزرج أفراد الرتل الواصل ، ضربات غير قاتلة ، وأن يتولى الأوس عملية الإجهاز عليهم . وأكثر من ذلك عين من يكشف على عانات الأطفال منهم ، فقتل من نبت الشعر في عانته ، ودون سؤال أحد : لماذا لم يكتف النبي بقتل الذين نقضوا العهد من سادة بني قريظة ؟ وما الذنب الذي جناه هؤلاء الأطفال الذين ظهر زغب الشعر على عاناتهم حتى يستحقوا القتل ؟ وفي فتح مكة يستدل البعض على الرحمة التي اتصف بها النبي من واقع عفوه عن أهل مكة قائلا ؛ اذهبوا فأنتم الطلقاء . ويتجاهلون في ذات الوقت أن النبي أصدر أمرا بقتل عدد ممن أساءوا له وآذوه في فترة دعوته في مكة ، ومشددا ؛ أقتلوا فلانا وفلانة ....ولو وجدتموه/ ها متعلقا بأستار الكعبة . وفعلا تم قتل عدد منهم في رحاب الكعبة ، فيما هرب آخرون ، ومنهم بعض أبناء عمومته ، ثم عفا عن بعضهم بعد استتباب الأمر ، ووساطة بعض الصحابة ، كعثمان بن عفان . إذن كانت أفعال النبي في الغزوات ، وانتشار أخبارها في طول الجزيرة وعرضها ، هي من أكسبته هذه السمعة ، وأنزلت الرعب في قلوب ملوك ، وأمراء ، وشيوخ القبائل الأخرى ، ومنحته هذه الصفة ، صفة المنصور بالرعب مسيرة شهر . والآن دعونا نتصور ونتساءل : لو وقف فنان أوروبي ، كاتب مسرحي ، روائي ، موسيقي ، أو حتى رسام كاريكاتير ، على هذه الصفة للنبي ، وما تم في غزواته ، بأوامر وتوجيهات صريحة منه ، وأراد إبداع عمل فني تكون محوره ، فكيف نتخيل أن يخرج ذلك العمل الفني ؟ كيف سيكون الرسم الكاريكاتيري مثلا ؟ لقد فعلها رسام كاريكاتير دانماركي ، يعمل في صحيفة مغمورة ، وقامت قيامة المتأسلمين ، بزعم أن الرسام تعمد الإساءة للنبي . والسؤال الآن : هل كان الرسام وجريدته هم من أساءوا للنبي ، أم أولئك الأئمة الذين جمعوا ، نقحوا ، دونوا وثبتوا الروايات السالفة عنه في مؤلفاتهم ؟ هل هو الرسام أم الشيخان البخاري ومسلم ؟؟؟؟؟؟ تعذيب وحشي : وتحدثنا كتب التراث عن الكثير الكثير من أفعال النبي في غزواته ، ومع أعدائه . ودعونا نختار منها حادثة سجلتها كتب أسباب النزول على وجه الخصوص ، عن أولئك النفر من الأعراب – العرنيين - الذين نزلوا المدينة مسلمين ، فأصابتهم حمى المدينة . ذهبوا – كانوا ثمانية – إلى النبي يشكون حالهم ، فوجههم ، للحصول على الشفاء ، إلى إبل له خارج المدينة ، يرعاها عبد من عبيده ، ليشربوا من ألبانها وأبوالها . ذهبوا ، وبعد بعض الوقت شفوا من الحمى ، لكنهم طمعوا في إبل النبي ، لنوعيتها المتميزة ، فكان أن اعتدوا على الراعي ؛ قطعوا يديه ورجليه وفقأوا عينيه ، وساقوا الإبل . وصل الخبر المدينة ، فبعث النبي من لحقهم . استردوا الإبل ، وفعلوا بالثمانية ما فعله هؤلاء بالراعي ؛ قطعوا أيديهم وأرجلهم ، وفقأوا عيونهم ، ورموهم في حر الشمس . وظل صراخهم يصل المدينة على مدى يومين يطلبون الماء ، ولا أحد يسقيهم ، حتى ماتوا . وبعد الحادثة نزلت الآية 33 من سورة المائدة ، تشرعن الفعل ونصها : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يُقَتَّلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } . وهي الآية التي صارت تعرف بحد الحرابة والتي يطالب المتأسلمون بإعادة تفعيلها ، في إطار تطبيق الشريعة . اغتيال سياسي : وتجمع كتب التراث على أن النبي أهدر دم ، أمر و شارك في التخطيط ، وتابع تنفيذ عمليات اغتيال لمعارضيه من النساء والرجال . وكان بعضهم شعراء هجوه ودعوته ، وبما هو أقل حدة من مثيلات هجائه أيام الدعوة في مكة . وتجمع المصادر على أن عمليات الاغتيال بلغت ثماني عمليات ، نجحت ست منها وفشلت اثنتان . وتقول المصادر أن النبي كان يهدر دم الهاجي فور سماع قصيدة الهجاء - كعب بن زهير بن أبي سلمى مثلا - ، أو يقول : من لي بفلان/ ة ، ليتقدم أكثر من صحابي لتنفيذ عملية الاغتيال . وفي ساعة الصفر كان يخرج مع فريق التنفيذ إلى أطراف المدينة ، ثم يقعد منتظرا عودتهم ، فسؤالهم : أفلحت الوجوه ؟ ويكون الرد أفلح وجهك يا رسول الله ، في حال النجاح ، ومن ثم يرافقهم العودة إلى المدينة . والعمليات الناجحة ، حسب الروايات ، شملت امرأتين ، إحداهما أم مرضعة ، والأخرى عجوز تخطت الثمانين ، وأربعة رجال ، أحدهم كهل أعمى في المائة والعشرين . وكأي عملية اغتيال تتم في العصر الحديث ، كانت تلك العمليات شديدة البشاعة ، وظلت الخديعة والغدر أنجع أدواتها . وتحريا لعدم الإثقال على القارئ ، سنكتفي بعرض موجز لعمليات اغتيال المرأتين ، ولرجلين أحدهما الكهل الأعمى . الأم المرضعة : هي امرأة اسمها عصماء بنت مروان ، من قبيلة بني خطمة التي لا تسكن المدينة . قيل أنها كان تعيب الإسلام ، وتهجو النبي بشعرها . قال النبي : من يأخذ لي من ابنة مروان ؟ قام صحابي اسمه عمير الخطمي ، قريب زوجها بالتنفيذ . دخل عليها ليلا ، وهي نائمة وعلى صدرها رضيع لها ، وأطفالها نيام حولها . أزاح الرضيع ، وغرس السيف في صدرها حتى خرج من ظهرها . وفي الصباح التقى النبي وقال : يا رسول الله إني قد قتلتها . رد النبي : نصرت الله ورسوله يا عمير . وبدا أن الأمر أثقل ضمير عمير ، فسأل النبي : هل علي من شيء من شأنها يا رسول الله ؟ . ورد النبي مستخدما عبارة ؛" لا ينتطح فيها عنزان " ، بما يعني لا قاطعة . عبأ الجواب عميرا بالمزيد من الثقة . فرجع إلى قومه الذين اشتد بينهم اللغط حول مقتل المرأة ، ليعلن قائلا أنه هو من قتلها ، " فكان ذلك أول ما عز الإسلام في بني خطمة ، وأسلم رجال من بني خطمة لما رأوا عز الإسلام " . المرأة الكهلة : أما الثانية فكانت فاطمة بنت ربيعة الفزارية – من قبيلة بني فزارة - ، المكناة بأم قرفة ، والتي كان يضرب بها المثل ؛ " أمنع من أم قرفة " ، لأن خمسة عشر سيفا كانت تعلق في بيتها ، أي لأبنائها ، وحولها خمسون سيفا من محارمها . اختلفت الروايات في سبب قتلها ، إذ قيل أنها كانت تسب الرسول ، وقيل أن قريش كانت تعير النبي بعدم قدرته عليها . أرسل النبي لها سرية بقيادة زيد بن حارثة . قتلت السرية تسعة من أبنائها ، وأمسكت بالعاشر ، وأخذت ابنتها سبية . ربط زيد المرأة الكهلة التي تجاوزت الثمانين ، بحبلين في رجليها ، وشد الحبلين إلى جملين متعاكسين . وعندما أطلق الجملان ، مزقا جسد المرأة العجوز إلى نصفين . الرجل الكهل : وهو شيخ يهودي ، واسمه أبو عفك ، تقول بعض الروايات أنه تجاوز المائة ، وتقول أخرى أنه تجاوز المائة والعشرين . هذا الكهل رثا عدوا للمسلمين وذم الدخول في الإسلام ، فما كان من النبي إلا أن قال : من لي بهذا الخبيث ؟ لبى طلب النبي صحابي اسمه سالم بن عمير . دخل على أبي عفك ليلا وهو نائم . تحسسه ثم وضع السيف في صدره ، ضاغطا إياه ليخرج من ظهره . أي بذات الطريقة التي قتلت بها ابنة مروان . كعب بن الأشرف : كان هذا أحد زعماء يهود المدينة ، شابا قويا ، وحديث الزواج . قيل أنه كان يجهر بعدائه للإسلام وللنبي ، وحتى ضاق النبي بذلك . قال يوما : من لي بابن الأشرف ، فقد آذى الله ورسوله ؟!. تقدم محمد بن مسلمة لأداء المهمة . ولأن كعبا كان حذرا ، فقد رسم محمد بن مسلمة مع النبي خطة للإيقاع به ، اعتمدت الخطة الخديعة والغدر أسلوبا ووسيلة ، نفذها ابن مسلمة بدقة متناهية . ولتبديد شكوك زوجة ابن الأشرف ، والتي اشتمت رائحة المؤامرة ، ضم ابن مسلمة أخا في الرضاعة لابن الأشرف ، اسمه أبو نائلة . ليلة التنفيذ صحبهم النبي إلى خارج المدينة ، وجلس ينتظر عودتهم ، وكانوا خمسة . نجحت الخطة ، وقتلوا ابن الأشرف – التفاصيل في صحيحي مسلم والبخاري - وعندما عادوا ، بادرهم النبي بالسؤال ؛ أفلحت الوجوه ؟ فرد ابن مسلمة ؛ أفلح وجهك يا رسول الله . وفي بعض الروايات أحضروا رأس ابن الأشرف ورموه بين يدي النبي . وهناك أخيرا أمر ملفت للنظر في هذه الاغتيالات ، وهي أنها جميعا تمت في السنتين الثانية والثالثة ، بعد وصول النبي إلى المدينة . وسؤال : والآن ، ولأن المتأسلمين يرون في أفعال الرسول تلك سنة ، أي دينا ، وصالحة لكل زمان ومكان ، تعالوا نعاود السؤال : إذا فكر مثقف أوروبي في بناء عمل فني ، رواية ، مسرحية أو حتى رسم كاريكاتيري ، على الوقائع السابقة ، فكيف ستكون الصورة التي سيبدعها للنبي ؟ وهل من حقنا بعد ذلك القول بأن هذا الأديب ، أو الفنان تعمد الإساءة للنبي ؟ خاتمة : وأخيرا قد يقول قارئ للتوراة أن كلا من موسى وداود فعلا أكثر مما فعل النبي بكثير . ففوق أنهما أسسا للعنصرية دينيا ، كانت أعمال القتل والحرق والتدمير التي مارسوها ، وموسى ضد قومه ، بالغة الوحشية ، وبالغة الضخامة ، لا تقاس بها أفعال النبي ، لا من ناحية الكم ، ولا من ناحية النوع . فلماذا إذن لم يتصد لها رسامو الكاريكاتير ، وغيرهم من الكتاب والفنانين ؟ والجواب : أولا أنه وإن كان جمهور من المؤمنين ما زال يقدسهما ، فإن الغالبية من الأوروبيين لا تدين لهم بهذه القدسية . وثانيا لا يرى المؤمنون في تلك الأفعال صلاحية لهذا الزمان ، ومن ثم لا يطالبون بإعادة تفعيلها . وثالثا أن المتأسلمين هم من ينادون بقدسيتهما ، استنادا للقرآن ، ولأن النبي ظل يصر على أخوته لداود ، الذي ما أن يذكر حتى يبادر النبي إلى القول ؛ داود أخي وأخي داود . ورابعا : من قال أن الرسامين أو الفنانين لم يفعلوا ذلك ؟ كل الفرق أن أصحاب الديانتين اليهودية والمسيحية ، لا يعيرون الأمر أية أهمية .
#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أوروبا ، الغرب ......والإسلاموفوبيا 1-2
-
قراءة في ثورة الشباب المصري 19 براءة مبارك
-
ياحضرات المثقفين .....لطفا بتاريخنا السياسي 2 هل نحن أمام سا
...
-
يا حضرات المثقفين .......رفقا بالتاريخ الحزبي 1
-
بوكو حرام في نيجيريا ....داروين حرام في فلسطين
-
في الذكرى ال 66 للنكبة ....ولكن آفة شعبنا قياداته
-
انحدار التعليم إلى أين ؟ وإلى متى ؟ .....التلقين وطريق الخرو
...
-
تلك نظم ولى زمانها
-
تقاطعات بين الديان 2 صفات الآلهة
-
تقاطعات بين الأديان 1 عبد المطلب ( جد الرسول ) هل كان نبيا
-
حوار أملاه الحاضر 19 عدالة الإسلام 3 فلسطين اللبن والعسل
-
حوار أملاه الحاضر 18 عدالة الإسلام 2 العبودية
-
حوار أملاه الحاضر 17 العدالة في الإسلام 1 الغنائم
-
من فتنة عثمان إلى فتنة مرسي
-
حوار أملاه الحاضر 16 خروج مؤقت آخر عن المسار
-
عبد المجيد حمدان- كاتب وباحث واحد قادة اليسار الفلسطيني- في
...
-
وبات لزاما عليتا التصرف كدولة
-
حوار أملاه الحاضر 15 الشريعة وتطبيق الحدود 5 خروج مؤقت عن ال
...
-
حوار أملاه الحاضر 14 الشريعة وتطبيق الحدود ...حد الجنايات 4
...
-
حوار أملاه الحاضر 13 الشريعة وتطبيق الحدود ...حد الجنايات 3
...
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|