أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أيمن عبد الستار - ملخص كتاب (منهج العلم والفهم الديني) والملاحظات عليه (2)















المزيد.....



ملخص كتاب (منهج العلم والفهم الديني) والملاحظات عليه (2)


أيمن عبد الستار

الحوار المتمدن-العدد: 4760 - 2015 / 3 / 27 - 22:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فى الجزء الثانى من كتاب (منهج العلم والفهم الديني) يستعرض الكاتب يحيى محمد، العلاقة بين العلم، كما ورد فى الجزء الأول، وبين الفهم (الدينى).. يبدأ هذا الجزء بتمهيد للعلاقة بين النص (الدينى) وبين العلم، وذلك من خلال العلم الجديد الذى أسماه " علم الطريقة "، والذى أشرنا إلى مفهومه فى المقال السابق، ويقوم علم الطريقة على ملسمتين أساسيتين، الأولى تنص على أن الفهم غير النص، والثانية تنص على كون الفهم هو نتاج يشترك فى تحصيله كل من النص وذات القارىء أو القبليات.. و أيضا العلم قائم على هاتين المسلمتين: المسلمة الأولى العلم غير الطبيعة، والمسملة الثانية هى أن العلم هو نتاج متأثر بكل من الطبيعة و ذاتية العالم (بكسر الميم).. وقد أشار نيلز بور إلى ذلك حينما قال فى سياق نقاشة مع آينشتاين بأن مهمة الفيزياء لا تتحدد بالكيفية التى تكون عليها الطبيعة، بل بما نستطيع قوله عنها، وأيضا كما قال هايزنبرج حول الذرة:" إن ما تعلمنا حوله، لم يكن الطبيعة نفسها، بل الطبيعة التى عرضت لطرق لاستنطاقاتنا "، وقد بينت براهين الاستحالة، كما يرى إليا بريغوجين وإيزابيلا استنجر، سواء فى النسبية أم الكوانتم أم الثرموديناميك بأنه لايمكن توصيف الطبيعة من الخارج كما لو تم ذلك عن طريق المشاهدة.
على ذلك، يخضع كل من علم الطبيعة والفهم الدينى إلى آليات من التفكير القائم على القبليات.
يبدأ الفصل التاسع بمقارنة بين نظم العلم ونظم الفهم، ويستعرض الكاتب التشابه بين نظم العلم الثلاثة التى شرحها فى الجزء الأول: النظام الاجرائى والنظام الافتراضى والنظام التخمينى الميتافيزيقى، وبين نظم الفهم الدينى، ويلقى نظرة على نظم الفهم الدينى، ويقسمها إلى نظامين كل منهما يختلف عن الآخر، أحدهما اسمه النظام الوجودى ويحتضن دائرتين معرفيتين، هم الدائرة الفلسفية والدائرة العرفانية، أما النظام الآخر فهو النظام المعيارى ويحتضن دائرتين معرفيتين، هما الدائرة البيانية النصية (كعلم الفقه وأصوله) والاخرى هى الدائرة العقلية كما تتمثل فى علم الكلام.
النظام الأول الوجودى (الفلسفى / العرفانى)،له وجود مستقل سبق الاسلام لقرون طويلة، وهو يتخذ من " الوجود العام "، موضوعا له، وقد أثر ذلك على تعامله مع النص الدينى، إلى الحد الذى أصبح فيه النص الدينى مرآة لاظهار الوجود وحتميته بما فى ذلك مسألة التكليف نفسها..
أما النظام الاخر المعيارى (الفقهى / الكلامى) فوجوده غير مستقل عن وجود النص الدينى نفسه، فلعومه مبنية على النص، لذا اصطبغت هذه العلوم بالصبغة المعيارية.
سواء النظام الأول أوالثانى، كلاهما يحمل تشابهات مع النظم العلمية بشكل ما، فالنظام الأول يتشابه مع النظام القديم (الذى تم تناوله فى الجزء الأول)، من حيث الحتمية وإسقاط الاعتقادات بشكل توكيدى ودوغمائى دون تردد، ودون أن يضعا فى الحساب احتمال الخطأ،بل أن النظام العلمى القديم ناشىء عن النظام الفلسى الوجودى ذاته، فقد كانت الفلسفة تضم العلوم الطبيعية، وكان العلماء يمارسمون مبدأ " إنقاذ الظواهر "، الذى كان يجرى على أرض العلم، بينما على أرض الفهم كان يجرى نظام مماثل وهو التأويل.
أما النظام العلمى الأول (الاجرائى) فهو يشابه النظام البيانى للفهم الدينى، والنظام الثانى (الافتراضى) يشابه من وجوه النظام العقلى (علم الكلام)، وكما أن الخلاف يجرى بين النظام الأول والثانى فى العلم، يجرى الخلاف أيضا بين الدائرتين البيانية والكلامية فى الفهم الدينى، فالدائرة البيانية (الفقهى مثلا) ترى أن النص مكتف وواضح بذاته، بينما يرى الدائرة الثانىة (علم الكلام) أن النص به ثغرات تحتاج للفرضيات العقلية لإكمال عمليه الفهم.. فالدائرة البيانية لا تعترف بالفضول العلمى، شبيها بما صوره جون ستيوارت مل عن قوانين الطبيعة، أوذلك كما وصى به فرانسيس بيكون من قبل، بأن على رجل العلم أن يضع فى رجليه نعلين من الرصاص. فالدائرة البيانية لا تسمح بما تقوم به الدائرة العقلية من إضافافت حاكمة على الفهم، وتشدد على أن تكون القراءة مستقاة من النص ذاته دون إضافات خارجية، وكما صرح الشافعى قائلا: " ليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفى كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها ".. وعلى هذه الشاكلة تبرر النزعة التجريبية الاستقرائية للعلم طريقتها، وهى أن هدفها هو استنتاخ ما تبديه الطبيعة، كالمرآة دون إضافة شىء جديد، يعمل على تشويهها وطمس معالمها، فلا معنى للعقل سوى أن يكون أداة فهم واستنساخ وإدراك لما هو موجود بالطبيعة من دون أن يتدخل ويفترض من عنده أيه افتراضات.
نخلص إلى أن العقل سواء فى الدائرة البيانية للفهم (كالفقه مثلا)، أو فى حالة النزعة الاستقرائية للعلم، ليس له حق التدخل سوى الكشف المطابق والاستنساخ.
أما الدائرة العقلية (فى علم الكلام) فتقبل جزئيا ما تقوم به الدائرة البيانية، لكنها تبقى على مساحة لا يسع الدائرة البيانية تسديدها أو علاجها، فهى تعرض جميع معطيات النص على العقل لترى ما يمكن قبوله وما يمكن تأويله نظرا لعدم قبول العقل له (كما فى الأسماء والصفات مثلا)، فكما يقول الشيخ الطوسى: " الظواهر تبنى على أدلة العقول، ولا تبنى أدلة العقول على الظواهر"، وقال القاضى الهمدانى:" إن أدلة العقول بعيدة عن الاحتمال، والالفاظ معرضة لذلك من حيث تدخلها الحقيقة والمجاز "، وكذا ذهب الفخر الرازى، إلى أن الدليل اللفظى لا يفيد القطع واليقين بإطلاق، لكونه يتوقف على عشرة أمور ينبغى التيقن منها..."....
نلخص التشابه فيما يلى:
الانظمة والدوائر فى الفهم الدينى:
النظام الأول: الوجودى، ويشمل: الدائرة الفلسفية والدائرة العرفانية.
النظام الثانى: المعيارى، ويشمل الدائرة البيانية (مثل الفقه) والدائرة العقلية (علم الكلام).
أما النظم العلمية فهى كالتالى:
النظام القديم، ويشبه النظام الوجودى فى الفهم الدينى، بدائرتيه الفلسفية والعرفانية.
النظام الأول الاجرائى، ويشبه الدائرة البانية فى النظام الثانى من الفهم الدينى.
النظام الثانى الافتراضى، ويشبه الدائرة العقلية الكلامية فى النظام الثانى.
النظام الثالث التخمينى الميتافزيقى، ويشبه الدائرة العرفانية من النظام الثانى من الفهم الدينى.
ونلاحظ من التقسيم السابق، أن النظام العلمى الثالث يشبه النظام القديم من بعض النواحى، وهى الافتراضات الميتافيزيقية وانقاذ الظواهر (التأويل فى الفهم الدينى)، لكن الكاتب يحذرنا من أن هذه التشابهات لا ينبغى عليها أن تعمى أبصارنا عن الاختلافات العميقة بينهما، من ناحية أن النظام القديم كان نظاما مغلقا لا يقبل الاختلاف ويفرض أفكاره على الطبيعة والنصوص الدينية، ولا يقبل المراجعة، ولا يقوم إلا على أفكار الكتاب المقدس أولا، ثم أرسطو بعد ذلك، وأنه قاوم العلم الطبيعى الذى يخالف نظرته للكون، وأن النظام الثالث يقوم على أفكار لا تخالف القوانين العلمية وأنه مشبع بالنظرة العلمية وليس النظرة الدينية والفلسفية كما فى النظام القديم، وهذه الاختلافات ليست بالهينة ولا يمكن التغاضى عنها.
يبقى أخيرا أنه مثلما فى العلم ما يسمى بالحيل الرياضية، وقد أضاف الكاتب لها الحيل الخيالية أو الفيزيائية، فإنه ورد فى الفهم الدينى ما يناظرهذه الحيل، لاسيما فى المجال الفقهى، مثل حيلة عدم دفع الزكاة مع اكتمال النصاب، بأن يهب الرجل ماله لزوجته قبل أن يحول الحول (السنة)، حتى لو شرط عليها أن ترد عليه ماله بعد إتمام الحول بيوم أو أكثر.. نعود إلى الجزء الأول وفى الفصل الخامس حيث يستعرض الكاتب الحيل الرياضية والخيالية، ونكتفى هنا بالحيل الرياضية ولمن أراد أن يستزيد عليه أن يرجع للكتاب الأصلى

الحيل الرياضية
-------------
أحيانا تستخدم الرياضيات فى وصف الطبيعة، وأحيانا أخرى تستخدم لتأويل المفاهيم التى تم استنتاجها من الواقع، وأحيانا أخرى تكون وسيلة لللعب والشعوذة، ولا يكون لها علاقة بالواقع، كما قد تكون الرياضيات حيلة مصرحا بها من أجل الوصول إلى حل مناسب للتعبير عن الظواهر، وما أكثر ما يقره الفيزائيون من حيل رياضية أو نماذج مصطنعة.. ويتناول الكاتب من كل تلك الأشكال الرياضية، الرياضيات المصطنعة التى تتضمن الحيل ونماذج اللعب دون أن تربطها بالحقيقة الفيزيائية معنى حقيقى.
من تلك الرياضيات المصطنعة، ما أظهرته من سيناريو لكون يتمدد بسرعة هائلة حتى التمزق، فكما ذكر بول ديفيز بأنه اكتشف مع جون بارو، وفقا للرياضيات، بأن مستقبل الكون يؤول إلى التمدد اللانهائى، بحيث أن كل شىء يأخذ بالتمدد ومن ثم التمزق والتفجرمن المجرات شيئا فشيئا إلى أن يصل إلى الذرات وما فيها من جسيمات، فينتهى المكان والزمان عند الوصول إلى مرحلة المفردة الزمكانية، ومع ذلك فهذين الفيزيائيين أنفسيهما، لم يتخذا ما اكتشفاه على محمل الجد، لإن اكتشافهما مبنىى على نموذج رياضي مصطنع.
ومن المعروف أن هناك صيغا رياضية يشير إليها العلماء أحيانا، لتسهيل الاختبار، كأن تصف جزء من الواقع وتهمل أجزاء أخرى مهمة، فتكون بذلك سهلة الإختبار رياضيا، وفى نظرية الأوتار، كانت فى البداية متسقة مع ستة وعشرين بعدا، ثم اتسقت بعد ذلك مع عشرة أبعاد، ثم ظهرت صورة أخرى متسقة لا تتاطبق مع الواقع، فهى ممكن أن تكون متسقة كذلك فى حالة بعدين، بل وحتى فى بعدين دون الصفر.. وبحسب الفيزيائى ميكائيل غرين، فإن الكلام عن نظرية تعمل فى عشرة أبعاد أو اربعة هو كلام تقريبى فى واقع بنيته أعداد لانهائية.. وكثيرا ما تمارس نظرية الأوتار الفائقة، اللعب بالاشكال الهندسية، لما يعرف بأشكال (كالابى – ياو)، فى رسم صورة للكون بحيث تتحول الأشكال من شكل إلى آخر، مثل تحول العجيبن إلى كيك أو خبز أو كعك.. فيقدر عدد الأكوان المنخفضة الطاقة بعدد ضخم لا يمكن تصوره، هو أكثر من (10500)، فى حين أن عدد الذرات فى الكون كله لا يزيد على (1060)، وان عدد فوتونات الكون كله هو (1087)، لذا لقيت هذه الفكرة عن الكون المتعدد اعتراضات عديدة حتى من قبل المنظرين لنظرية الأوتار.
كما أنه من المعروف أن نظرية الكم مصابة بداء اللانهائيات، فهى مشكلة ثابته كما فى معادلة شرودنجر، فعند البدء بهذه المعادلة تبدأ اللانهائيات فى الكتلة والطاقة والشحنة، وكل ما أمكن فعله هو محاولة تطويعها عبر حيلة رياضية دون القدرة على القضاء عليها، وبالتالى ليس لهذه المعادلة حلول بسبب هذه المشكلة، وهو الحال ذاته فى نظريات الكوانتم عموما.
افترض هايزنبرغ وباولى وفينمان الجسيم على شكل نقطة، كى يتفادوا استحالة انتقال المعلومات بأسرع من الضوء، لكن هذا الافتراض يفضى إلى أن يكون حقله الكهربائى ذا طاقة لا نهائية،ومثل ذلك حقله الثقالى، فكلما صغر نصف قطر دائرة الجسيم، ذادت طاقته، والعكس بالعكس، و فى حالة الجسيم النقطة فإن نصف القطر يصبح صفرا والطاقة لانهائية... وبالمثل إذا كان الالكترون نقطة بلا جسم، فإن المسافة يمكمن أن تنخفض حتى الصفر، والقسمة على صفر تعطينا نتيجة لا نهائية، وقد تم التحايل على ذلك باستخدام ما يسمى إعادة التطبيع renormalization))، وفيها يحدث أن نقسم إحدى اللانهائيات على لانهائية أخرى فنحصل على نتيجة معقولة، كما فى النموذج المعيارى والديناميكا الحرارية.
ومع ذلك فقد تغلبت نظرية الأوتار على المشكلة السابقة، باستبعاد الجسيمة النقطة واستبدلتها بالوتر دون حاجة لتلك الحيلة المفتعلة.
عموما اختلف الفيزيائيون حول تلك الحيل الرياضية، إذا ما كانت تعبر عن واقع حقيقى أما أنها افتراضات لا تمت للواقع بصلة.
***
ينهي الكاتب هذا الفصل بعقد مقارنة بين النص والطبيعة، من حيث تشكل كل منهما من ثلاثة عناصر:فالنص يتكون من الظاهر والسياق والمجال (ويقصد بالمجال المعنى الاجمالى)، ويتكون الكون من ثلاثة عناصر أيضا: الشىء والعلاقة والمجال، فهناك أشكال فى الطبيعة يمكن الاشارة اليها مثل الشجر والحجر والالكترون والبروتون، ولهذه الاشياء علاقاتها المتشعبة، كما أن لها مجالاتها الخاصة بحيث لا يختلط بعضها ببعض، مثل عدم اختلاط قوانين الكوانتم للعالم الجسيمى الصغير، بقوانين العالم الجسمى الكبير، رغم أن الاخير قائم على الأول.
يشرح الكاتب باختصار علاقات النص بالظاهر والسياق والمجال باختصار، لذا فلا يوجد فائدة من اختصار المختصر، وقد شرح الكاتب هذه علاقات النص هذه باستفاضة فى كتابه منطق فهم النص، فمن أراد الاستزادة فليرجع إليه.
****
فى الفصل العاشر: تقدم العلم ودوران الفهم، يعقد الكاتب مقارنة بين العلم والفهم من حيث تقدم العلم إلى الأمام تاركا واراءه النظريات القديمة، بينما ينحى الفهم منحى عكسيا غالبا، إذ يدور على نفسه فيثير نفس القضايا المثارة قديما دون تجديد، وإن ظهر فى الآونة الأخيرة تيارات تحاول أن تزيح الأفهام القديمة، وتحل محلها أفهام جديدة، لكنها لم تنل حظها من الشيوع والانتشار مثل نظم الفهم القديمة.
فمثلا تجاوز العلم التنجيم واعتبره خارج نطاق العلم، بينما لا نجد نفس الظاهرة فى الفهم الدينى، فلا شىء يموت، وبينما يعتمد العلم على فهم الاحياء ولا يركن كثيرا لفهم الاموات، نجد العكس فى الفهم الدينى، فهو يكاد يقدس فهم الأموات، ولا يعتد بالاحياء، إلا من حيث تقليدهم للقدماء، فالفهم هنا ينظر إليه على أنه مقدس كالنص تماما، بينما فى العلم ينظر للتفسيرات على أنها مرحلة معينة وسوف تليها مراحل أخرى أكثر تطورا فى الفهم، والنتيجة أن العلم يكسب حظا من العالمية لا يدانيه غيره من المعارف، كالدين والفلسفة والسحر والتنجيم وغيرها.
لكن العصر الحديث أبدى تطلعات كبيرة لأفهام دينية جديدة بعد أن تبين أن الأفهام القديمة لم تصب كبد الحقيقة، أو أنها على الأقل أصبحت موضع استفهام.
هنا نصادف هاجس تحويل واقتراب الفهم الدينى من العلم ومناهجه، ويتسائل الكاتب، إذا ما كان ممكنا خلق حالة من تطور الفهم (التحقيقى) كما يجرى فى الاطار العلمى، مع التغافل عن مشكلة (الاعتراف الجمعى كالذى يحظى به العلم) الذى يصعب تحقيقة فى الفهم، حتى لدى دائرة المذهب الواحد؟ ويبدو أن هذا التساؤل هو لب الحافز الذى حدا بالكاتب إلى أن يكتب هذا الكتاب وأيضا كتبه الأخرى، ويسعى فى كتابة " علم الطريقة "، كعلم تحقيقى يستفيد من المناهج المعاصرة فى العلم وذلك فى فهم الدين.. فى نهاية الفصل، يقترح الكاتب نظاما آخر للفهم يسمى الفهم الواقعى، لكنه لم يفصل فيه كثيرا فى هذا الكتاب، ويبدو أنه فصل فيه فى كتب أخرى، وخلاصة هذا الفهم الواقعى، هو إدخال الواقع المتغير فى صلب الفهم الدينى.
***
فى التمهيد للقسم الرابع، وتحت عنوان: " إشكالية العلم والفهم "، يورد الرأى القائل بأن هناك تعارضاً بين العلم والدين، ويرى أن هذا الطرح لا يخلو من خلل، إذ أن العلم ليس هو الطبيعة، والفهم ليس هو الدين، وقد أجاب آينشتاين عن سؤال تعارض العلم مع الدين قائلا: " إن هذا لا يحدث فى الحقيقة، لكن ذلك يتوقف بطبيعة الحال على آرائك الدينية "، وهذا ما لم يلتفت إليه معظم الباحثين، إذ ألبسوا الفهم بالدين والعلم بالحقيقة الموضوعية، فقبل أن يكون هناك تعارض بين العلم والدين، يصادف العلم الفهم قبل مصادفته الدين، وعلى هذا قد تكون المشكلة فى العلم والفهم، دون الطبيعة والدين.
يرى الكاتب يحيى محمد، أنه مثلما لا يصح الخلط بين فهم الدين والدين ذاته، كذلك لا يصح الخلط بين علم الطبيعة والطبيعىة ذاتها، فلكل من الطرفين رؤية تأويلية، قد تعارضها رؤى أخرى مماثلة، وقد تباينت الآراء فى طبيعة العلم وطبيعة الدين، وهناك من يقوم بتأويل النصوص الدينية لصالح العلم، وآخرون يقولون أن العلم وظيفته هى الكشف عن الواقع والحقائق الموضوعية، بينما الدين وظيفته التعامل مع سلوك الناس وأخلاقهم فحسب، مثلما قال الكاردينال المؤرخ بارونيوس (ن 1607): " إن مقصد الروح المقدسة هى أن يعلمنا كيف يسير الانسان إلى السماء، وليس كيف تسير السماء "، وقد استشهد جاليليو بقوله هذا لينكر كون الكتاب المقدس حجة فى العلم، رغم أنه كاثوليكى مخلص فى دينه، وهذا الرأى الأخير، هو عكس ما كان سائدا فى الوسط المسيحى الغربى، حيث يقول القديس أوغسطين (ت 430 م): " إن سلطة الكتاب المقدس هى أكبر من جميع قوى العقل الانسانى "، وتأتى سلطة أرسطو بعد الكتاب المقدس، حيث تكون مرجحة على العلم عند التعارض، ما لم تناقض العقيدة المسيحية، ثم أخيرا الحس العقل الطبيعىى مثل مبدأ السببية العامة، وهو أن لكل حادثة لا بد من سبب.
أما فى الوسط الاسلامى، فقد بالغ جماعة فى جعل النص القرآنى دالا على العلوم البشرية كلها، مثلما قال الغزالى فى كتابه جواهر القرآن، أذ اعتبر القرآن ميدانا لا ينضب فى حمله لعلم الأولين والآخرين، فجميع العلوم مغترفة من بحر واحد، وأن أوائلها ليست خارجة عن القرآن، كذلك الحال مع عالم اللغات والقراءات ابن الفضل المرسى (ت 655 هـ).
سواء فى العلم أو الفهم، هناك تأويلات كثيرة للعالم الخارجى، وم يقدم أحيانا من رؤى مرجعها النص والفهم السلفى لبعض القضايا العلمية مثل حركة الأرض وما إليها، إنما هى رؤى خاسرة، لاعتبارين، أحدهما أنها مجرد فهم دون أن تعبر عن جوهر النص، يضاف إلى ذلك أنها غير متسلحة بالأدوات العلمية الكاشفة عن الواقع الموضوعى.. فمن الناحية المنطقية إن الواقع الموضوعى شىء، والنص الدينى شىء آخر قد يتفقان أو يختلفان، وإن الحقيقة التى نستكشفها من أحدهما لا تعنى هى ذاتها لدى الآخر بالضرورة.. وكما يرى المؤلف، فإنه لا بد أن نأخذ الواقع بعين الاعتبار، لتبريرين مهمين: أحدهما أن النص ذاته، كان يستعين بالواقع باستمرار، أما الثانى فهو، كما يرى المؤلف يحيى محمد: أن النص بحاجة إلى الواقع لحل دلالاته المتعارضة أحيانا، مثلما أنه بحاجة إليه فى إثبات صدقه وحجيته، ففى كلا الحالتين النص بحاجة إلى الواقع، والعكس غير صحيح، فلو تعارض النص مع الواقع صراحة، دون إمكانية للجمع أو التأويل، فلا محالة من اللجوء إلى الواقع دون النص، لأن صدق الأخير لا يكون من غير الاعتماد على الأول أساسا.

أطروحة التطابق بين العلم والفهم
--------------------------------
يتحدث المؤلف هنا عن المطابقة بين الافكار التى يكونها العقل عن كل من الموضوعات الثلاثة: الفلسفة الاسلامية والفقه وعلم الكلام، و بين الدين، من ناحية، وبين الطبيعة والعلم من ناحية أخرى، فيقول أن العلوم الدينية كانت تطابق بين المعرفة التى يكتسبها الذهن من النظر فى تلك الموضوعات الثلاثة..
فى الفلسفة يعتبر قانون السنخية هو الأصل الذى يتحدد بموجبه التشاكل بين ما يحصل فى النفس من صور ذهنية، وبين ما يحمله العقل الفعال من صور جميع الموجودات، وهناك نوع من الاتحاد بين القارىء والمقروء،إذ تنتج المعاليل العقلية التى تصدر عن المبدأ الأول، بالنزول أبتداء من العقول المفارقة المعبر عنها بالصور الآلهية، حتى تنتهى إلى العقل الفعال الأخير المعبر عنه بواهب الصور لدى المشائين، أو العقول العرضية لدى الاشراقيين... وهكذا فالوجود كله عبارة عن عقل متفاوت الكمال، والعقل كله عبارة عن وجود، وهو عين النظام السببى، وبالتالى هما متطابقان، إذا ما من وجود إلا وهو عقل، وما من عقل إلا وهو وجود، وتتفاوت مراتب الوجود والعقل.. فالبنسبة إلى ابن سينا، يكون البرهان المنطقى صورة مستنسخة من الوجود.
هذا الحال من التطابق المزعوم نجده لدى القدماء من أصحاب الفهم الدينى أيضا، ثم أخذت بعد ذلك فكرة التطابق بين الفهم والنص الدينى تتزعزع مع تقادم الزمن شيئا فشيئا، وهو الحال الذى حدث مع العلم أيضا.. فعندما ظهر العجز واليأس من التطابق بين الفهم الدينى مع النص، ظهرت فكرة الأصول العلمية، وتعتبر هذه الحالة أضعف الحالات الممكنة فى الفهم الدينى.. فكل ما يراد من هذه الأصول، هو إفراغ الذمة دون إعطاء معنى معين لفهم النص الدينى، وعلى نفس الشاكلة هناك حالة أخرى أظهر الفهم فيها عجزة عن معرفتها، كما فى القضايا التى يتوقف فيها الفهم، للجهل أو عدم المعرفة.. وهاتان الحالتان هما آخر مراتب الفهم الدينى، مثلما أن التخمين لدى العلم هو آخر مراتبه، لتعلقه بحافة العلم لا تخومة (مركزه)، ففى آخر مراتب الفهم ينقسم الموضوع إلى ما يدخل ضمن ما تحته عمل كالفقه، إلى ما لا يدخل تحته عمل، كالاعتقادات ونحوها..
وفيما يخص المتكلمين، يلاحظ أن تفسيرهم للنص الدينى لا يراد منه عادة الاثبات والتطابق، بل يكفى نفى ما يعارض المقتضيات العقلية، وهذا يختلف عن العلم، الذى يلجأ فى حالة عجزه عن الوصول إلى نتائج متعلقة بالكشف عن كنه الطبيعة إلى قواعد برجماتيه (نفعية) مفترضة غير معنية بالتطابق أو درجاته المقربة.. وهذا يختلف عن علم الكلام، حيث ما يهم علم الكلام هو ألا يتضارب الفهم مع القبليات العقلية، فى حين أن ما يهم العلم هو أن تحظى النظرية بفائدة براغماتية..
يبقى أن الاقرب فيما يناظر التخمين العلمى هو ذلك المتعقلق بأوصاف الجنة والنار والثواب والعقاب، وفضائل الأعمال.. وكما جاء عن عبد الرحمن بن مهدى قوله: إذا روينا فى الثواب والعقاب وفضائل الأعمال تساهلنا فى الإسناد.. وإذا روينا فى الحلال والحرام الأحكام تشددنا فى الأسانيد وانتقدنا الرجال، وكم قال ابراهيم النخعى أيضا: إن التابعين ما كانوا يأخذون من حديث أبى هريرة إلا ما كان حديث جنة أو نار.. فمثل هذه الأحاديث أعتبرت مقبولة وإن دلت على التخمين من دون تحقيق..
وهكذا، فإن لكل من العلم والفهم حالة من التخمين، وقد صادف كل منهما الكثير من الأسطورة المتجاوزة للمألوف، أو حتى الحس الوجدانى العام، ففى العلم تبرز الأسطورة لدى تطوارات نشأة الكون، أو حتى قبل ذلك، أما فى الفهم الدينى فهى واضحة لدى التخمينات التعلقة بالأوصاف المنقولة حول الجنة والنار وما إليهما، وكلا الطرفين (العلم والفهم) يتحدثان عن قضايا ميتافيزيقية، من الصعب إخضاعها للتحقيق.. وتعتبر ممارسات الفهم التأويلية مناظرة لمبدأ إنقاذ الظواهر لدى العلم.
ظلت فكرة التطابق فى العلم حاضرة حتى بداية القرن العشرين، ثم بعد ذلك بدأ الاهتزاز يصيب الثقة العلمية، وتطورت النظرة العلمية، فلم تعد فكرة التطابق حاضرة مثلما كانت فى الماضى، إلى أن وصل الاعتقاد بأن الوصول للتطابق هو أمر مستحيل لاعتبارات بعضها علمية كالتى قدمتها نظرية الكوانتم، أو لاعتبارات نظرية مثل نظرية الشواش أو مبرهنة جودل، لذا لجأ العلم إلى مبادىء براغماتية وتمثلية عديدة، قد تعوض الخسارة التى منيت بها النظرة العلمية حول التطابق، ومن ذلك المبدأ الاصطلاحى لبوانكاريه، والتكافؤ وثنائيات نظرية الأوتار (الإزدواجات) والبساطة والجمال والاتساق، وتقبل النظريات التى تعانى من الشذوذ، وكلما كانت الظاهر المدروسة أكبر ابتعادا عن المباشرة كلما زاد العلم بتلك المبادىء دون الالتزام بفكرة التطابق واحتمالاتها التقريبية، كالذى تشهده الفيزياء المعاصرة اليوم.. فالعلم من هذه الناحية يتميز عن النظر الفلسفى، مثلما يتميز عن الفهم الدينى فى علاقته بالنص كما هو.

هل العلم وضعى أم براغماتى؟
----------------------------
ينهي يحيى محمد هذا الفصل بالبحث فى الاتفاق أو الاختلاف بين العلم والفهم من الناحية النفعية (البراغماتية)، فيقول أن العلم اليوم اتخذ منحى لا يطابق فيه بين حقيقة الطبيعة على ما هى عليه وبين العلم، فما يهم العلم أساسا هو الجانب البراغماتى، وتوجد نزعتان بهذا الخصوص، الأولى تقول أن النظريات العلمية لا تتحدث عن الواقع كما هو، بل لا يوجد دليل يمكن تبريره للكشف عن الأشياء غير المشاهدة، مثل الدليل على وجود قطة خلف هذا الجدار – مثلا – وأيضا ما يتعلق بالجسيمات غير المرئية كالإلكترونات، فالرصد فى هذه الحالة يكون رصدا غير مباشر، مثل رؤية نقطة سوداء على لوح فوتغرافى، أو سما ع قعقة صوتية لعداد جيجر، أو مشاهدة آثار الجسيم فى غرف الفقاقيع لدى المسرعات أو المصادمات.. ويطلق على المذهب الذى يتينى هذه الطريق بالـ (Reductionism) ويسمى تلك الأشياء غير المرئية بالتركيبات المنطقية أو الكيانات النظرية (Theoretical entities) فليس ثمة دليل على وجودها، وإنما هى اختراعات ذهنية فحسب، ويمكن التعبير عن هذا الاتجاه بقول الفيلسوف الهولندى اسبينوزا: " العلم صادق لإنه ناجح، وليس ناجحا لإنه صادق ".
ويخالف هذه النزعة من يرى أن العلم يتحدث عن أشياء واقعية حقيقية، وإن لم تثبتها التجربة والمشاهدة، وهذه النظرة الوضعية تتحدث عن كيانات موجودة بوسع العلم إثباتها عندما تحين الأدوات المناسبة، مثل الخلية والفيرس والجزىء أو الذرة، وهى الأشياء التى كانت تعز على المشاهدة، ولكن مع بداية القرن العشرين أخذت النظرة العلمية تترسخ بأن العلم لا يعبر عن حقائق الأمور بقدر تعبيره عن الكيانات النظرية والنزعة الأداتية والاعتبارات النفعية.. وقد كان الفيزيائى أدنغتون يؤكد بأن العقل البشرى هو من يصنع أفكار المكتشفات من غير رؤيتها، وقد طبق ذلك على اكتشاف رذرفورد للنواة، مع أنه لم يرها أحد، كذلك البوزيترون وأيضا النيترينو، الذى كان يشك فى وجوده، وهو يرى أن التجريبين ليس لديهم البراعة الكافية لصنع النيوترنيوات..
وبالرغم من أن التعميمات لا يوجد دليل منطقى عليها، إلا أن العلم أصر على الأخذ بها لأهميتها حتى وإن وجدت بعض الشواهد تكذبها أو تتنافى معها.. عموما اعتبر البعض مثل كارنات أن النزعتين السابقتين بينهما خلاف لغوى فحسب.. لكن المسار الذى اتخذه العلم خلال القرن العشرين، أثبت أن النزعة البراغماتية والتمثلية للعلم كان لها السيادة التامة إذا قورنت بالنزعة الوضعية والواقعية..
أغلب التصورات فى الفهم الدينى تناظر ما عليه النزعة الواقعية فى العلم، يعنى أن مهمة الفهم هى البحث عما هو موجود فى النص من معنى، ومع أنه ليس هناك من نزعة براغماتية مصرح بها فى الفهم أساسا، مثلما الحال مع العلم وفلسفته، لكن قد نجد هذه النزعة من حيث التحليل، ففى حال بعض الجزيئات مثل الأخذ بالتخصيص أو النسخ، يترجح الأخذ بالتخصيص على النسخ، باعتبار أن النسخ رفع للحكم والتخصيص دفع له لا رفع، والدفع أهون من الرفع، أما التأثيرات الكلية للنزعة البراغماتية، فهى تلك التى تعطى تعميقا أو شمولا مطلقين وخارجين عن الزمان والمكان للنص، مثل اعتبار الشريعة مطلقة لا تحدد بزمان ولا مكان، وهذا التعميم يتخذ كقبلية أساسية متحدة مع الفهم، بالرغم من أن ذلك ليس عليه دليل كاف من النص ذاته، فهو أشبه بالتعميم العلمى المأخوذ به رغم أنه لا مبرر منطقى له.
أيضا نجد بعض الكليات النظرية فى الفهم الدينى، مثل الخيارات التى يطرحها المتكلمون حول تفسيرهم للنص، وإن كان ذلك لا علاقة له بالبراغماتية والحقيقة التطابقية، فهم يبحثون فى تأويل النصوص دون أن يحددوا طبيعة ما عليه النص، بل ما يهمهم هو عدم التضارب مع القبليات العقلية، وبالتالى مثل هذه الخيارات هى كيانات نظرية لا يراد منها الوصول إلى حقيقة ما عليه النص كما هو فى ذاته.
على كل حال، لا يعير العلم الحالى أهمية للتطابق مع الحقيقة الموضوعية، وهو أمر يختلف فيه مع الفهم..

الفصل الحادى عشر: الشذوذ بين العلم والفهم
------------------------------------------
فى المجال العملى قد تحظى النظرية بالقبول، رغم ما تحمله من شذوذ، فالعلماء – مثلا – لم يرفضوا نظرية نيوتن فى الجاذبية، عندما وجدوا التقادير الأولية بشأن حالات كسوف القمر غير صحيحة.. وقد أثبتت التجارب أن التريث مع حالات الشذوذ الأساسية سلوك له ما يبرره، هكذا تمكن كليروت (عام 1705) من تبيان أن الخلل إنما يعزى إلى أخطاء فى تطبيق الرياضيات، كذلك لم يرفض العلماء هذه النظرية رغم فشلها فى تفسير حركة عطارد وشذوذة، وقد انقضت (85 سنة) استهلكت فيها كل التفاسير التى تعمل على انقاذ نظرية نيوتن فى تفسير شذوذ عطارد، قبل أن يفسر آينشتاين هذه الشذوذ، تبعا لنظريتة النسبية العامة، إذ تفشل نظرية نيوتن عندما يكون المجال قويا، فبحسب نظرية نيوتن تكون الكتلة هى المسؤولة عن التأثير الثقالى كليا، فى حين أنه بحسب آينشتاين، فإن للمجال الطاقوى دوره البارز فى التأثير.. وبهذا اعتبر هذا شاهدا على تكذيب نظرية نيوتن، ولكن بعد 85 سنة من البحث واستهلاك التفاسير الكثيرة..
وبالتالى، أصبح من المعروف أنه يمكن للنظرية العلمية أن تبقى موردا للقبول حتى لو ظهر دليل يكذبها، طالما لديها قوة تفسيرية كافية فى نواح أخرى أوسع، وقد يحتاج الأمر إلى عقود أو حتى قرون للتخلى عن النظرية، ومثلما يحدث فى العلم الشذوذ عن القواعد والنظريات الكلية، فكذا يحصل فى الفهم الدينى الشذوذ الذى يعنى خروج بعض الدلالات اللفظية الظاهرة عن القواعد والنظريات العامة، وفى الفهم الدينى يعالج هذا الشذوذ من خلال التأويل، أو يعامل كمقيد للدليل الكلى ذاته، وبالتالى يؤخذ به كما يؤخذ بالكلى كالذى نجده لدى الممارسات الفقهية، كما قد يحسب على المتشابهات، وبالتالى يهمل المتشابه لصالح الكلى، كما فعل الشاطبى فى نظرية المقاصد فقال: " إن الشريعة إذا كان فيها أصل مطرد فى أكثرها مقرر واضح فى معظمها، ثم جاء بعض المواضع فيها مما يقتضى ظاهره مخالفة ما اطرد فذلك من المعدود فى المتشابهات التى يتقى اتباعها،... فإذا اعتمد على الأصول وأرجىء أمر النوادر، ووكلت إلى عالمها، أو ردت إلى أصولها، فلا ضرر على المكلف،المجتهد ولا تعارض فى حقه "، ويوضح يحيى محمد، أنه عالج مثل هذه الموضوعات فى كتاب آخر له، وهو " فهم الدين والواقع "، من خلال قضايا مثل الرق والعذاب الأبدى.. ففى قضية الرق نجد التعارض بين الحكم الشرعى والعقلى، لذا فإن حكم الرق يصبح أمرا شاذا، وطرح الكاتب ثلاثة فروض وانتهى إلى عدم معقولية الأول والثانى، لذا أخذ بالفرض الثالث وهو وجود أسباب خاصة منعت انخراط الجزئى تحت حكم الكلى، سواء كنا على علم بهذه الأسباب أم لم نعلم بها..
أما فى قضية العذاب الأبدى للمشركين والكفار، فهى تتعارض مع رحمه الله التى وسعت كل شىء، كما أن هناك تعارضاً بين الذنب المحدد الموقوت بمدة معينة، والعذاب الأبدى غير محدود المدة، لذا فقد اورد الكاتب قول المتصوف الكبير ابن عربى لو أن الله تعالى: " فوض أمر خلقه إلى أحد من عباده وقّدره ومكنّه من التصرف فيها، وكان خيّرا غنيّا، لأزال العذاب عنهم، وهذا الراحم هوأنا و أمثالى، وهو تعالى أرحم الراحمين " ويورد الكاتب أيضا قول الأشاعرة المخالف لهذه النظرة، والذى ينطلق من أن الله هو المالك المطلق وله حق التصرف فى ملكه كما يشاء، ويجد لهذا الرأى بعض العذر، لكنه يجد أن النتيجة التى انتهى إليها (من حق الله فى تعذيب المؤمن والمغفرة للكافر وحقه فى العذاب الأبدى بدون سؤال من أحد) ليست مقنعة وفق الوجدان الانسانى العام..
ينتهي الكاتب إلى أن الشذوذ فى العلم يختلف عن الفهم الدينى، كون النظرية العلمية تظل مقبولة ما دام لا يوجد ما هو أفضل منها تفسيرا يضم الواقعة الشاذة بين جناحيه وهذا يختلف عما يجرى فى الفهم الدينى.

المسكوت عنه فى العلم والفهم
----------------------------
لا يقصد بالمسكوت عنه، أنه سكوت مطلق، فقط يتعرض لهذه المسائل شخص هنا أو هناك، لكن المقصود عدم تركيز البحث والتحقق حولها من قبل المؤسسة الرسمية، سواء كانت علمية أن دينية، ويفرق الكاتب بين الشذوذ وبين المسكوت عته، فالمسكوت عنه هو نوع خاص من الشذوذ، خصوصيته أنه لايخضع للبحث بجدية خشية نسف الأساس المعتمد عليه، فقد لا يعلن عنه صراحة أو يمر مرور الكرام، نظرا لحساسيتته، وهو ما لا يحصل فى الشذوذ العادى، وهناك من القضايا المسكوت عنها مثل اقتتال الصحابة وتكفير بعضهم البعض لدى أهل السنة، أو البحث المتعلق بتدوين الحديث النبوى أو قضية جمع القرآن الكريم واختلاف المصاحف والتى يبدو أنها أهم القضايا المسكوت عنها، وأيضا ما لدى الشيعة مثل عدم تركيزهم على مناقشة توثيق أصحاب أئمة أهل البيت المعتمد عليهم فى الفهم، مع أنهم روى عنهم الكثير من الذم والمساوىء، ومثل ذلك ايضا عدم تعرضعهم لمناقشة شدة اختلاف أصحاب الإئمة المقربين حول معرفة كل إمام يصل إليه دور الإمامة، وعلى هذه الشاكلة قضية عصمة الأئمة واختلاف قدماء الشيعة وأصحاب الإئمة حولها..
أما العلم، فقد أتهم أحيانا بالسكوت على بعض القضايا لأنها قد تنسف مبانيه، كالذى يذكره فيلسوف العلم فيرابند حول تطور بعض الأعراق الإنسانية الموغلة فى القدم، مثل الإكتشاف المتعلق بأن إنسان العصر الحجرى كانت له معارف فلكية متطورة إلى حد كبير، وأن أحجار الميغاليث
(megalithc) الضخمة كانت بمثابة مراصد فلكية وحاسبات آلية للتنبؤ بالاحداث الفلكية كخسوف القمر... ومثل ذلك ما يشار إلى كون الكثير من المخلوقات الأولى متعددة الخلايا، لا ينسجم مع التنصنيف العلمى المعتمد عليه، فهى أقدم من الخلايا البسيطة، يضاف إلى ذلك تحفظ العلم، عن الدخول فى القضايا الميتافيزيقية، التى لها علاقة بالمسلمات الدينية، ومنها البحث فى النفخة الأولى للانفجار العظيم، بدعوى أنها قصة ميتافيزيقية لا تخضع للقوانين الفيزيائية، مع أن العلم أخذ يعالج الكثير من القضايا التى تدخل ضمن الإطار الميتافيزيقى،بل وألأسطورى أيضا.

الفصل الثالث عشر، تكافؤ النظريات بين العلم والفهم
--------------------------------------------------
فى هذا الفصل يشرح الكاتب ظهور اتجاهات علمية تعبر عن إمكانية التعويل على نظرية قبال نظرية أخرى تكافئها، أو على مفهوم يكافىء مفهوم آخر، كما فى النظرية الاصطلاحية لبوانكاريه، والتى تتعلق باعتبارات الملائمة وليس التطابق ودرجات المعرفة، وبعد ذلك ظهرت نظرية آينشتاين حول الكتلتين العطالية والثقالية أو بين الثقالية والتسارع، وذلك لحساب مقدار الجاذبية من خلال التسارع، وأيضا التكافؤ بين ميكانيكا الموجات لشرودنجر وميكانيكا المصفوفات الجبرية لهايزنبرغ فى علم الجسيمات المهجرية، وأخيرا الثنائيات أو الازدواجات لدى نظرية الأوتار الفائقة، أو كما صك إدوارد ويتن عليها مصطلح نظرية (M).
طبّق بوانكاريه نظريته الاصطلاحية على الهندسة الكونية، ومن ثم على الميكانيكا، لكنه لم يطبقها على سائر مجالات الفيزياء، فقد اعتبر أنه لا فرق بين الهندسة الاقليدية واللاقليدية، فالاثنين من وجهه نظره ليستا من القبليات، ولا تستخلصان من التجربة، وكل ما فى الأمر أن الذهن هو الذى يقوم بتعريف و افتراض الحالين، طبق بوانكاريه نظريته فى مجال علم الميكانيكا لنيوتن، واعتبر أن قوانيها ليست سوى اصطلاحات يفترضها الذهن دون أن يكون لها علاقة بالقبليات ولا حتى بالتجربة.. وقد تعرض المبدأ الاصطلاحى لبوانكاريه إلى نقد أفضى إلى نشوء مدرستين من الاصطلاحية الثورية (revolutionary convntionalism)، وهما مدرسة البساطة لدوهيم، (1905) والمنهج التكذيبى لبوبر (1943).
لكن هذا النقد يتلاشى عندما ندرك أن الخيار المشار إليه مسموح به فى ظل التساوى بين المفاهيم أو النظريات دون ترجيح، خلافا لما عليه الواقع الموضوعى، كما فى مبدأ آينشتاين بين التسارع والجاذبية، والذى يلعب دورا رأيسا فى النظرية النسبية العامة، باعتبارها تتعلق بالتسارع خلافا للنسبية الخاصة، ومبدأ التسارع يعنى عدم القدرة على التمييز بين الحركة المتسارعة والجاذبية، لكون كل منهما يضعط على الجسم، وبحسب وجهه نظر ماكيويجيو فالعلماء منذ عصر نيوتن كانوا يعرفون التكافؤ بين الكتلتين الثقالية والجاذبية، وقد استنتج آينشتاين من ذلك بوجود تكافؤ بين الثقالة والتسارع، ووفقا لنظريته فإن هذا التساوى لا يخلو من غرابة غير قابلة للتفسير، فهى محض اتفاق مستغرب، وإن كان بحسب آينشتاين ليست العطالة والثقالة مقبولة فى التفسير لدى النسبية العامة، بل إن ما يؤثر هو المجال الزمكانى بفعل الكتل الموجودة فيه، ومن ثم فإن هذا الانحناء هو ما يؤثر على مسارات الأجرام وتحركها..
أيضا يظهر معنى التكافؤ حين يكون الحديث حول ميكانيكا شرودنجر وميكانيكا المصفوفة لهايزنبرغ، فقد قام شرودنجر بتحويل أفكار دى بروى حول التصور الموجى إلى صياغة رياضية متماسكة جعلت ميكانيكاه مكافئة لميكانيكا المصفوفة لهايزنبرج.. وقد اختار فيزيائيو العشرينات من القرن الماضى موجات شرودنجر الأكثر إلفا من المعادلات رغم أنها تعانى من مشكلة اللانهائيات والتى تم تخطيها عبر بعض الحيل الرياضية، فحين اعتبرت طريقة المصفوفات - حتى تلك التى طورها ماكس بورن ومعاونوه إثر هايزنبرج – خرقاء وأقل ملائمة، لكنها مع ذلك فعالة.
فى النهاية يناقش الكاتب التكافؤ لدى نظرية الأوتار الفائقة، وقد لوحظ أن هذه النظرية تعانى من كثرة الأشكال، فليس هناك نظرية واحدة، بل هناك خمس نظريات أساسية متنوعة، وهى تتضمن أشكالا كثيرة للغاية، وكلها تعتمد على فكرة الأوتار، فلكل نظرية سمات مختلفة مثل ثابت الازدواج، والشكل الهندسى، وأطوال الابعاد الوترية والتجعد وما إليها.. وبالرغم من الازعاج الذى سببته كثرة النظريات، إلا أن الفيزيائى إدوارد ويتن ألقى محاضرة فى المؤتمر المنعقد حوول الأوتار (عام 1995) أشعلت فتيل ما يسمى بالأوتار الثانية، فقد اقترح بأن النظريات الخمس المختلفة للاوتار ما هى إلا طرق مختلفة لوصف نفس الأساس الفيزيائى، فتكون بمثابة خمسة نوافذ للاطار النظرى الواحد، وبتالى وجد أن هناك أدلة متزايدة بأن هذه النظريات الخمس للأوتار ما هى إلا ثنائيات، ورأى أن هناك نظرية سادسة، ستدخل ضمن هذا الهجين المختلط وهى نظرية الجاذبية الفائقة ذات الابعاد الأحدى عشر، ومعنى الثنائية هو أن النماذج الرياضية التى تبدو متباينة، يمكن إثبات أنها بالضبط الفيزياء نفسها، فنظريات الأوتار واحدة،مثل الثلج والماء، فهما أوصاف ثنائية لجزيئات H2O والمسلك الازدواجى القوى لأية نظرية من النظريات الخمس له وصف ثنائى بمدلول مسلك الازدواج الضعيف لنظرية أخرى، فعندما تكون إحدى النظريات ذات إزدواج ثابت قوى، فإنها تكون ذات ازدواج ثابت صغير فى نظرية أخرى، والعكس صحيح.. وبحسب هذه النظرية إذا كانت إحدى النظريتين ليس بإمكانها حل معضلة معينة، فإن بالامكان التعويض عنها بالاخرى التى تساويها عندما يكون ثابت الازدواج فيها عكسيا، احدهما قوى والاخر ضعيف.
وعلى هذه الشاكلة ظهر فى السنوات الأخيرة أن للظواهر الفيزيائة توصيفات ثنائية، فمثلما يمكن اعتبار الجسيم يتحرك حول شىء ثابت، فكذا العكس صحيح أيضا، فيمكن اعتبار أن هذا الشىء يتحرك حول الجسيم، وبالتالى فإن الكوانتم يسمح بالسفر فى الزمان فى المجالات المجهرية.
***
كان هذا ما يتعلق بالتكافؤ فى العلم، أما فى الفهم الدينى، فعادة ما يتجلى الأمر لدى طريقة المتكلمين فى تفسير ا لنص الدينى، فهم لا يفترضون أن يكون معنى التفسير أو التأويل مطالقا للمراد عادة، بل يقدمون معان عديدة متكافئة لدلالة على المطلوب، شرط ألا تكون هذه المعانى المتكافئة تتعارض مع القبليات العقلية المسلم بها سلفا، فى حين أنه وفى العلم لا يكون التكافؤ قائما على الدفاع عن مسلمات عقلية سابقة..
اعتاد المتكلمون أن يطرحوا وجوها ممكنة للتفسير مثلما فعل الزمخشرى فى (الكشاف)، والشريف الرضى فى (حقائق التأويل)، وقديما سأل الخياط جعفر بن بشر المعتزلى عن معنى قوله تعالى: " ويضل الله من يشاء ويهدى من يشاء "، عن الختم والطبع، فقال فى جابه:" أنا مبادر إلى حاجة، لكنى ألقى إليك جملة تعمل عليها، إعلم أنه لا يجوز على أحكم الحاكمين أن يأمر بمكرمة ثم يحول دونها، ولا أن ينهى عن قاذورة ثم يدخل فيها، وتأول الآيات بعد ذلك كيف شئت "، وواضح أن الغرض هنا ليس إثبات التأويل، بل يكفى نفى الظاهر المتعارض مع القبليات العقل المعيارى، كما يسلم بها المتكلمون عادة، رغم التناقضات التى ينطوى عليها هذا العقل.

الفصل الرابع عشر: البساطة بين العلم والفهم
------------------------------------------
تتحكم فى النظريات العلمية مناهج كالبساطة والجمال والاقتصاد والاتساق،وعادة ما تُرد هذه المفاهيم إلى البساطة أو مماثل لها، فقد رأى الفيزيائيون أن للجمال مقوما تلاثة كما قال آينشتاين:" النظرية تكون أدعى إلى إثارة الاعجاب كلما كانت مقدماتها أبسط، والأشياء التى تربط بينها أشد اختلافا، وصلاحيتها للتطبيق أوسع نطاقا "، وعندما يذكر أن للجمال دورا أساسيا فى الكشف العلمى، فإنه يُقصد بذلك البساطة، ومن ذللك ما ذكر مساعد آينشتاين بأن الأخير كان يستهدف البساطة والجمال وكان يرى الجمال فى البساطة..
فالاعتبارات الجمالية دورها الذى لعبته عندما فضل جاليليو نظرية كوبرنيك بشأن المنظومة الشمسية على نظرية بطليموس، كما لعبت دورا عنما اكتشف آينشتاين الافكار التى أدت إلى النظرية النسبية، وقد ظلت النظرية النسبية مقبولة لأربعين عاما، رغم ضعف البرهان عليها، قبل أن يبدأ الرادار الحديث، وعلم الفلك الرادارى يعطيان تأييدا جديدا ساطعا عليها، ومن ذلك أن الفيزيائيين تقبلوا نظرية الكهروضعيفة لاعبتاراتها الجمالية، قبل أن تفصح عن صحتها عبر التجارب، ويقال أن التجربة قد تخطأ، لكن الجمال قلما يخطىء، كما يقول أغروس و ستانسيو، ويدلالان على ذلك بأنه إذا وجدت نظرية أنيقة للغاية، ولا تنسجم مع مجموعة من الحقائق، فهى لا محالة واجدة تطبيقا فى مجال آخر.. وقد علق جيل مان على ذلك بقوله: "غالبا ما يطرح العالم النظرى مقدارا كبيرا من البيانات على أساس أنها إذا كانت لا تنسجم مع خطة أنيقة، فهى غير صحيحة، وقد حدث معى هذا مرات عديدة، كما فى نظرية التفاعلات الضعيفة، فإذا كانت لديك نظرية بسيطة، تتفق مع سائر القوانين الفيزيائية، ويبدو أنها تفسر ما يحدث فعلا، فلا عليك إذا وجدت كمية غير قليلة من البيانات التجريبية لا توائمها، فمن المؤكد تقريبا أن هذه البيانات غير صحيحة".

مفهوم البساطة
--------------
يعتبر مفهوم البساطة من المفاهيم المربكة فله معان متعددة، فقد تأتى بالمعنى المألوف، مثلما يرى أغلب الناس أن الفيزياء الكلاسيكية أبسط من الفيزياء الحديثة، وهو مفهوم يجعل العلم رجعيا، لذا لا يمكن الأخذ به.. عادة ما يصادف العلماء كثرة نوعية فى الطبيعة، قد تعارض مع ما يسلمون به من بساطة مفترضة، مثل جسيم الميون، فحياته قصيرة للغاية، ويضمحل إلى إلكترون ونيوترينو وضديد النيوترينو، ولو كانت الميونات غير موجودة، فإن خواص المادة العادية لا تتغير، لذلك فعندما تم اكتشاف هذا الجسيم فى نهاية الثلاثينات من القرن الماضى، تلقى العالم الفيزيائى اسحاق رابى الخبر بفتور قائلا: " من الذى أمر بهذه الجسيمة ؟"، ومع ذلك يعتقد الكثيرمن الفيزيائيين بأن البساطة من سمات الطبيعة، وقد اشتهر عن نيوتن قوله:" الطبيعة تسرها البساطة "، وعبّر آينشتاين عن عقيدته بأن " الطبيعة هى إدراك لأبسط الافكار الرياضية التى يمكن تصورها "، وكذلك ما ما قاله ماكس بورن: " الفيزيائى الحقيقى يؤمن إيمانا راسخا ببساطة الطبيعة وبوحدتها رغم أى مظاهر معاكسة "..
بعد ذلك يشرح يحيى محمد أن البساطة تأتى على نوعين: الشمول والاقتصاد، ويشرح الفرق بينهما،حيث يختلف المعنى الشمولى عن المعنى الاقتصادى، ففى المعنى الشمولى تتحدد البساطة وفقا لتفسير الظواهر الكثيرة رغم اختلافها، بينما فى المبدأ الاقتصادى لا يتحدد المعنى بحسب النتائج والظواهر الخارجية، بل وفقا للاقتصاد فى مقولات النظرية ومقوماتها، فتعتبر نظرية نيوتن اقتصادية مقارنه بنظرية آينشتاين، لأنها تتضمن ثلاث معادلات، بينما نظرية آينشتاين تتضمن أربعة عشر معادلة، وبالتالى فهى أبسط منها، لكن نظرية آينشتاين تعتبر شمولية مقارنه بنظرية نيوتن، لإنها تفسر ما لم تفسره الأخيرة، ومن ثم فى أبسط منها، وفى هذا التعارض ترجح نظرية آينشتاين على نظرية نيوتن، وأيضا ما يتضمن الترجيح، التكافؤ فى العطالة والثقالة لدى آينشتين، فيما يميز نيوتن بينهما، فآينشتاين يفسر الظاهرتين الثقالية والعطالية بتفسير واحد، بدلا من تفسيرين مختلفين كما لدى نيوتن، وأيضا التكافؤ لدى آينشتاين بين الثقالة والتسارع كما لدى النسبية العامة، يرجح النظرية من حيث البساطة.
بالنسبة للمشكلات الفلسفية فيواجه مفهوم البساطة عددا من المشكلات، فمثلا يعد تفسير نشوء الكون بلا سبب، أبسط من ربطه بسبب محدد، لكن ذلك يتضارب مع مبدأ السببية، وهو من الضرورات الوجدانية، كذلك فإن نظام الكون يجعل الفارق المعرفى بين النظريتين عظيما جدا.
أما بحسب المعنى الشمولى للبساطة، فقد تطرح مشكلة تتعلق بالتفسير الفلسفى لظواهر الطبيعة، فمبدأ العلة المباشرة الذى تقول به نظرية الأشاعرة هو أبسط من أى نظرية تحاول تفسير تلك الظواهر وفق القوانين المعتادة، لكنك مع هذه البساطة، تفتقر إلى قوة التفسير، فهى لا تفسر لنا لماذا تتخذ الطبيعة شكك القوانين دون تجاوز ؟ فبساطة النظرية الأشعرية تظل بساطة ميتافيزيقية، بينما النظرية العلمية تقّوم ببساطتها على الدليل الاستقرائى فهى شمولية ايضا.

البساطة والفهم الدينى
-------------------
مثلما يجرى فى العلم على توحيد الظواهر الكونية، فكذا الحال فى الفهم الدينى، إذ يتقبل توحيد المظاهر اللفظية ضمن تفسير بسيط موحد ذاته، مثل انتزاع المقاصد العامة من القرائن المختلفة للنص، فكثرة الشواهد الدالة على محور مشترك تزيد من احتمالات التوافق، وهذا عكس تفسير جزيئات النص أو مقاطعة وجمله، بانفصال بعضها عن البعض الآخر.
أما بساطة الفهم بالمعنى الاقتصادى، فرغم من أنه لحد الان لم يرد ذكرإشارة إليه، إلا أنه يمكن التمثيل عليها بنظرية الحكمة فى التشريع، بالرغم من أن الحكمة فى نظر أغلب الفقهاء غير كافية للتعليل، لكونها غير منضبطة الوصف، وبالتالى يعتمد على التعليل فى الاحكام ولا يعتمد على الحكمة.. لكن هناك أقلية من الفقهاء، مثل الفخر الرازى فى كتابه (المحصول فى علم الأصول)، الذى اعتمد على الحكمة أو المقصد كمنشأ للتعليل، ويمكن أن يطلق عليها الفهم القصدى مقابل الفهم التعبدى، فمثلا يمكن رد الخلاف الفقهى الدائر حول حكم التصوير والتماثيل إلى هاتين النظريتين، ومثل ذلك بشأن القضايا التى تبدو فيها مقاصد الأحكام واضحة، لذا فالنظرية القائمة على الحكمة والمقاصد هى أبسط من تلك التى تضيف إلى ما سبق عنصر التعبد، فالبساطة هنا هى بساطة اقتصادية.
***

الفصل الخامس عشر: النظام النسقى بين العلم والفهم
--------------------------------------------------
يواصل المؤلف مقارنته بين العم والفهم الدينى، وفى هذا الفصل يوضح أن النظام النسقى فى العلم قائم على الرياضيات التى هدفها الأساس هو حل بعض المشاكل الفيزيائية، كما يتمثل فى نظرية الأوتار الفائقة، فظهرت اليوم اتجاهات مقبولة تعبر عن مجرج النظام النسقى، ولو لم يكن لها علاقة واضحة بالواقع، وهذا النسق المطروح هو رياضيات خالصة مفترضة، وكما يقال، فقد ظهر سوق للرياضيات يتوافد عليها الفيزيائيون ليدعموا بضاعتهم.. وتتضمن نظرية الأوتار الفائقة غنى وافرا من الهندسة الرياضية، والتى حاولت من خلالها التوحيد بين النسبية والكوانتم، أو بين الثقالة وسائر القوى الجسمية، فأول ما يلاحظ هو أن تحديد الابعاد الإضافية فيزيائيا كان يعتمد على الرياضيات، فقد أظهرت النتائج بأن الذرة عندما تكون حاملة للبوزونات فقط فإنها ستحتاج إلى ستة وعشرين بعدا، وعندما تمتلك الذرة البوزونات والفريمونات معا، فإن عدد الأبعاد يتقلص إلى عشرة لا غير، وقد أضاف ويتن بعد ذلك بعدا جديدا فصارت أحد عشر بعدا، والنظرية مرنة من حيث عدد الأبعاد، وهى ترى أن كثرة الأبعاد تفسر كثرة القوى الطبيعية، فإذا كانت الثقالة تحددها الأبعاد الزمكانية، فإن سائر القوى الطبيعية لا بد من أن تفسيرها أبعاد أخرى مضافة، وفى جميع الاحوال، نحن ندرك باقى الأبعاد الأربعة الظاهرة للمكان والزمان، أما غيرها فتوصف بأنها مجعدة وملفوفة ضمن إمكانات من الطرق كثيرة جدا، وهى نقط ضعف النظرية الوترية، فلا يعلم لحد الآن أى من هذا الطرائق يقارب الواقع الحقيقى فى الكون، إذ لماذا كان على الكون اتباع طريقة رياضية للف دون غيرها من الطرائق الطوبولوجية الممكنة ؟
على كل حال، ما زالت النظرية تفتقر إلى الدليل التجريبى..
أما بالنسبة للنظام التراثى الدينى، فلا يوجد ما يماثل الفكرة النسقية المعزولة عن النص، وليس هناك من يطرح فكرة الجمال النسقى المعتمدة فى العلم، إلا أنه وفى هذه الأيام، ظهر نظام حديث يجارى فى حداثته نظرية الأوتار، ويطلق عليه الكاتب يحيى محمد النظام النسقى، وهذا النظام يهتم بهذا النوع من الاتساق فى فهمه للنص الدينى، فمن الناحية المبدئية يرى هذا النظام أن القرآن الكريم منزل ومحفوظ بهذا الشكل الذى نقرأه دون زيادة حرف أو نقصان، ولا يوجد فيه ترادف، فكل كلمة لها معنى واحد لا يغنى عنها غيرها، وأى تغيير ولو بسيط فإنه يضرب النسق كله ويؤدى إلى تغيير المعنى، حتى الحروف والعلامات لها موقعها الخاص الذى يخصها، وبحسب هذا الاتجاه، فإن ماعنى الالفاظ هى معان حقيقية ولا يوجد مجاز فيها...
وأبرز من يمثل هذا الاتجاه المهندس محمد شحرور من سوريا، والمرحوم المهندس عالم سبيط النيلى من العراق، وجمعية التجديد الثقافية الاجتماعية من البحرين.. وكما اتضح فإن هذا النظام النسقى يعتمد على التعميم، بمعنى أن كل لفظ له معنى خاص فى جميع الآيات، ولا ترادف،والترتيب مقصود، فالنص الذى يقول (المؤمنون والمؤمنات) غير الذى يقول (المؤمنات والمؤمنين) وعلى القارىء أن يجد علامة مهمة حول المعنى المعتمد من هذا الترتيب بالذات..
فهذا النظام يناظر ما تسقطة نظرية الأوتار على الطبيعة، والفارق بينهما أن النظام النسقى فى الفهم الدينى يسهل محاكمته، باعتباره يطبق نظريته على الظواهر اللفظية، بينما فى نظرية الأوتاريصعب ذلك، لأنها تدور حول المجالات الدفينة فى عمق المادة الداخلية، فهى تتحدث عن أشياء بعيدة الغور لا يمكن الوصول إليها، وتكتفى بأنها تبحث عن حل للمشاكل التى تطرحها الفيزياء المعاصرة مثل اللانهائيات فى العالم الجسيمى، لذا فهى يُعترف بها ولو على حساب التحقيق فى علاقاتها بالواقع الموضوعى وأو حتى القرب منه..
عموما يرى الكاتب أن النظام النسقى فى الفهم الدينى ليس نظاما نسقيا، وذلك عبر عده اختبارات لأسس هذا النظام، الذى اضطر إلى التحايل وتوجيه النص فى مواضع عدة، كى تتسق له نظريته، مع أنه يؤمن بأنه لا يوجد توجيه أو مجاز فى النص القرآنى، وذكر المؤلف عدة أمثلة لذلك سواء عند المهندس شحرور أو عند الجمعية الثقافية الاجتماعية، وهى موجودة فى الكتاب الذى نلخصه، لمن أراد أن يرجع إليها..
***
قبل أن ينتقل الكاتب إلى القسم الخامس، يلخص أهم المسائل عند العلم والفهم الدينى فى جدول، ويصل إلى أن أهم فرق بينهما، أن العلم ليس معنيا بالكشف عن التطابق أو مقارباته، الأمر الذى يختلف فيه الحال مع الفهم الدينى.

القسم الخامس: الكشف والتحقيق لدى العلم والفهم الدينى
-----------------------------------------------------
الفصل السادس عشر: مسلمات العلم والفهم، مبدأ السببية والقصدية
يبدأ يحيى محمد هذا الفصل بتوضيح المسلمات التى يأخذ بها كل من العلم والفهم الدينى فى تفسير علمية الكشف والتبيان، فيعد مبدأ السببية فى العلم من أهم المسلمات، ولولاه لما أمكن الكشف عن ظواهر الطبيعة وقوانينها، وكما قال كار بوبر إن مبدأ السببية مبدأ ميتافيزيقى، مثله مبدأ اضطراد االطبيعة وانتظامها، وهو الذى يؤمن به العلماء، برغم أنه لا يوجد وسيلة للبرهان على ذلك.. كما أن التسليم بوجود واقع موضوعى خارجى، يقام البحث عليه، يعد أيضا من المسلمات العلمية التى لا تخضع للبرهان، وقد اصبح التصور المعاصر للعلم الطبيعى كما يقول الباحث تريغ هو كالفهم الدينى ينتابه الشك فى اقترابه من الحقيقة الموضوعية، وكما ذكر الاستاذ دريس بأن التركيزعلى حقائق الواقع التى تتحدد بناء على العلم إنما تتم عبر صياغة ميتافيزيقية..
ويقابل مبدأ السببة فى العلم، مبدأ القصدية فى الفهم الدينى، وهو من أهم مسلمات الفهم، فإذا لم يكن لصاحب النص قصدا ومعنى فسوف يكون النص لغوا بلا قيمة، وبين المعانى والمقاصد عموم وخصوص، فإحداهما تتصمن الأخرى وتزيد عليه، فتحديد المعنى بالضرورة لا يفضى إلى تحديد القصد من النص، وهكذا إذا كانت المشكلة التى يواجهها العلم هى تحديد الاسباب للظاهرة الطبيعية، فإن المشكلة التى يواجهها الفهم الدينى شىء مختلف، فالفهم لا يبحث عن الأسباب والعلل بل يبحث عن معنى النص ومقصده..
وفى القبال، إن إنكار مبدأ القصدية يفضى إلى تقويض مبدأ التكليف، الذى يشكل جوهر الحقيقة الدينية، وهذا الانكار للقصدية هو ما يؤمن به المذهب الاشعرى.. وتبقى هنا إشكالية حول معانى النص ومقاصده، فالهم القصدى يتجاوز حرفية النص وإطاره العام، فقد يستعين بوسائل عديدة إضافية للتعرف على مقاصده، ومن ذلك العقل والواقع.

لماذا وكيف بين العلم والفهم الدينى
---------------------------------
إن البحث فى الفهم هو كالبحث فى العلم، ويتصف كلاهما بالصيغة الوصفية كيف ولماذا ؟ وإن وجد فى الماضى من يشكك فى تعليلية العلم واكتفى بعض العلماء بالوصف دون التعليل، فلا يوجد اليوم من يفعل ذلك، ومثل هذا الخلاف وقع فى التراث الاسلامى، كالخلاف الكلامى الفسلفى، إذ كان فى الوجود علل اقترانية مصاحبة ذات سمة دلالية وصفية كالذى عليه الأشاعرة، أو علل فاعلية كما يرى غيرهم من الفلاسفة والمتكليمن، الأمر الذى انعكس على قراءة النص الدينى، فقد اعتبر الأشاعرة علل الشرع مجرد علامات دلالية أو وصفية محضة، حيث ارتباط الإقتران بالاشياء إنما هو ارتباط عادى لا ينجم عنه سبب ولا علة ولا حكمة ولا تاثير، وهذا الطرح الأشعرى يفضى إلى التعبدية، ففهمهم للنص لا يختلف عن طريقتهم فى تحليل الوجود، و بالرغم من أن المتأخرين منهم فصلوا بين الاثنين، ووقعوا فى مفارقة لا تقبل الحل.. وقد أشار كالفن إلى شىئ من هذا عندما صرح بأن:" مقاصد الرب غير متيسرة، لإن قراراتته لا تتأثر بأعمال البشر ورغباتهم ومصالحهم"..
وبالنسبة للفهم القصدى، نجد أن التمايز بين الفهمين التعبدى والقصدى، قد يطرح سؤالا فى الفقه حول ما إذا كانت وسائل الفهم القصدى لا تعد من صلب الدين، إذ الاستغناء عنها بوسائل أخرى يفى بالغرض، وبتالى يصبح الدين مقتصرا على التعبيديات المحضة.. وعلى ذلك ما يهم الباحث المتبنى النظرية القصدية، عند حدوث التعارض بين الفهم القائم على التعبد، والفهم القائم على القصد، هو أن يحول مجالات التعبد إلى القصد دون العكس، لكن المشكلة هى أن بعض التعبديات يصعب تحويلها إلى قصديات، وقد تكون من القصديات إلا أن تباعد الزمن، وحجب الفقهاء جعلها تبدو من التعبديات، بمعنى أن الأصل فى هو القصد لا التعبد.

أشكال الفهم القصدى:
--------------------
- القصد المنصوص، وهو الذى نص عليه النص صراحة، ومن ذلك الفطر فى شهر رمضان، والضعفية فى شهادة الرجل قبال المرأة، وكذا القصد من الحجاب للنساء..إلخ.
- القصد الوجدانى، وهو ما يصدق به الوجدان الفطرى بسرعة، وهناك الكثير من القضايا الدينية التى ينطبق عليها هذا النوع من البحث، ويمكن الرجوع إليها فى كتاب " فهم الدين "، لنفس المؤلف.
- القصد الاجتهادى، وفيه أن القصد ليس منصوصا عليه، ولا مما يشهد الوجدان الفطرى به مباشرة، بل يتم عبر الفكر والاجتهاد، وينقسم الاجتهاد عند يحيى محمد إلى اجتهاد محافظ ومغامر ومتهور، ويرى الكاتب أن الاجتهاد المحافظ أستنفذ أغراضه، والاجتهاد المتهور يميل إلى القراءة الاستبطانية، ولا يحمل قيمة معرفة إبستمية، فيبقى الاجتهاد المغامر، ومما هو جدير بالذكر أن أنواع الاجتهاد الثلاثة تناظر ما هو موجود فى العلم من النظام الاجرائى والافتراضى والتخمينى الميتافيزيقى، على الترتيب..
نعود إلى الاجتهاد المغامر، فيوضح المؤلف أن هذا الاتجاه يرتبط بتغيير الأحكام القطيعة الواردة فى القرآن الكريم، لاربتابطها بالمقاصد، مثلا شهادة المرأة وحجابها وإرثها والتعامل مع غير المسلم.. إلخ ويناقش الكاتب مسألة تحريم لحم الخنزير، ويحاول الوصول إلى القصد من تحريم أكل لحمه.. ثم يذكر أننا لو سلكنا هذا الدرب من الاجتهاد، لتحولت القضايا التعبدية إلى قضايا يفهم معناها طبقا للمعنى القصدى، ويتقلص بذلك أمر التعبديات، ويتسع أمر المقاصد والمعنويات، وهو ما تتشوق إليه الكثير من النفوس لولا أن الخشية من أن الأمر سيفضى إلى ظنون لا تحمد عقباها ويتحول الدين شيئا فشيئا، إلى غيره، فلا يبقى منه سوى الأمور الكلية والمقاصد العامة.. فما من شىء وإلا يمكن استبداله بغيره من الاحكام..وقد يتعلق الدين بمسائل محدودة للغاية، كما قد يكون الغرض لا يتعدى رسالة أن لا إله إلا الله، مضافا إليها العمل الصالح ومكارم الاخلق، وعلى ذلك تكون المجتمعات معنية بالغرض الدينى أكثر مما هى معنية بالنص وأحكامه المعهودة، فالغرض الدينى ثابت لا يتغير،وهو الايمان بالله واليوم الآخر، وعمل الصالحات، ولو كان الدين لا يحمل غير هذا المعنى من الايمان لكفى، فى حين أنه لو كان يحمل الأحكام الشرعية المختلفة الغنية، دون الغرض المذكور، لكان ناقصا من دون وفاء، وقد يفسر هذا الأمر عدم اهتمام المشرع بجمع القرآن الكريم وضبطه، طالما أن المهمة الملقاه على عاتقه (من الغرض الدينى) قد تم تأديتها تماما، لذا فمن وجهة النظر الدينية، أن موت النبى أو قتله قبل اتمام تنزيل القرآن، وإنهاء التشريع، لا يضر بالغرض المؤدى كما تدل الآيات التى عاتبت الصحابة إثر غزوة أحد..

وبعبارة أخرى يمثل الغرض الدينى رسالة السماء الخالدة لكل الأديان، وهو مقدم على النص، مثلما هو مقدم على التشريع، وقد يعاد ترتيب الاشكالية القصدية إلى الحصيلة التى ترى فى الدين مرشدا وموجها أكثر منه مكونا، فى حين أنه طبقا للفهم التعبدى فالأمر على خلاف ذلك، أى يؤخد الدين بكونه مكونا أكثر منه مرشدا وموجها، كما أنه طبقا لمبدأ القصدية، قد يصبح البحث عن مجالات المرونة فى الاحكام مبررا، إذ تصبح الأخيرة وسائل لتحقيق غايات مطلوبة، فمن المرونة ما ورد فى القرآت السبع، و اختلاف صيغ التشهد، وغير ذلك مما يسميه الكاتب قاعدة التوسع أو الوساعة، وهو خلاف مام يتم تصوره بحسب يمبدأ الفهم التعبدى.

الفصل السابع عشر: قواعد الكشف الأساسية للعلم والفهم
-----------------------------------------------------
بالرغم من اختلاف الطبيعة عن النص، إلا أنهما يشتركان فى القابلية للقراءة والتفسير والفهم، وهذا يجعل من كلاهما قابلا للتأثير على الاخر، كما يجعل من الممكن توظيف عدد من المفاهيم توظيفا متبادلا، فمن المسلم به أن الطريقة القائمة على الإستقرائية والتجربة تستخدم فى العلم كما فى الفهم الدينى، كما أن الاحتمالات التباينية تسختدم فى كلاهما، والاحتمالات التباينية تعنى وجود قيم احتمالاية غير متساوية، تبررها القرائن المختلفة الدالة على محور مشترك، وهى تستخدم فى تكوين الفروض والنظريات العلمية، وتمثل العنصر الأساسى فى بناء الدليل الاستقرائى منطقيا، وطبيعة هذه الاحتمالات هى أنها لا تقبل العد الحسابى، طبقا للاختلاف النوعى للقرائن التى تبرر عدم التسوية الاحتمالية، ولمزيد من التفصيل فى هذه النقطة يمكن الرجوع لكتاب المؤلف يحيى محمد " الاستقراء والمنطق الذاتى "..
وهناك أربع قضايا مختلفة أغلبها لها علاقة بالدليل الاستقرائى، وتسخدم فى الفهم الدينى والتفسير العلّىّ، كما يلى:
- الدليل التعميمى، وفيه ينتقل الذهن مما هو خاص إلى ما هو عام، وأكثر ما يستخدم العلم هنا الدليل كمصادرة (مسلمة) مفترضة حول تعميمات القوانين الطبيعية، وما يعرف بقانون الاطراد.. ويقابل ذلك فى الفهم الدينى مشكلة التعميم الخاصة بالفهم القصدى لدى التعبديات، فالكثير من الاحكام الدينية تشير صراحة إلى مقاصد تتمثل بمصالح الانسان الدنيوية، وكلها قد تعمم على الاحكام التعبيدية، وكلما اكتشفنا ظهور مصلحة ما فى الاحكام الاخيرة – كأن تكون المصحلة طبية مثلا – كلما زادت القيمة المعرفية لقاعدة التعميم.
- الدليل التمثيلى، وفيه ينتقل الدليل من حالات جزئية محدودة للغاية إلى حالات أخرى مماثلة، وهو مستخدم بكثرة فى الأوساط العلمية، ومن ذلك تفسير الضغط الجوى كما فى تجربة تورشلى، بلحاظ ضغط الماء، فبحر الهواء هو كبحر الماء، والضغط مثله، أو تفسير ظاهرة الضوء بالموجه، شبيها بموجات الماء والصوت، أو تفسير الحركة الجزئية للغازات بحركة البلياردو العشوائية... وهناك جملة شهيرة للمؤرخ العلمى مايكل كون:" إنك لن تر شيئا ما، ما لم تصل إلى التشبيه الصحيح الذى يجعلك تدركه ".. وعبر هذا النمط من الاستدلال تمكن العلم من أن يوحد بين القوتين الكهرومغناطيسية والنووية الضغيفة، ومن ثم التنؤ بوجود جسيمين مراسلين، كما اعتمد عليه أيضا فى افتراض جسيم بروزون هيجز، ضمن مجال هيجز، تشبها بالمجال المغناطيسى للفوتون، ومثل ذلك افتراض جسيمة الغرافيتون للثفالة.. وفى الفهم الدينى ينطبق هذا النوع من الديل على القياسات الفقهية، حيث يستدل بشواهد محدودة من الالفاظ لبعض الأحكام على حالات جديدة مشابهة، لهذا عرفت هذا الاحكام بالظنية، كما يستخدم هذا الدليل لدى المتكلمين بما يعرف بقياس الغائب على الشاهد، ضمن شروط معينة.
- الدليل التفسيرى، وفيه أن الديل يتضمن البحث عن إثبات الحالات الخاصة وتفسيرها، وهو ينتهى إلى تقرير معنى بإثبات حالة خاصة، أو تفسير وجودها وفقا للقرائن المختلفة، وهو كثير الاستخدام فى العلم، ومن ذلك تفسير القوى المتعلقة بالكتل الطبيعية وفقا للجاذبية، أما فى الفهم الدينى، فقد كان هذا الدليل القائم على الاستقراء فاعلا لدى العديد من المفكرين الاسلاميين، فى توظيفه للكشف عن القضايا الدينية العامة، ومنها المقاصد الكلية كالذى دشته الشاطبى فى كتابه الموافقات، ومن أبرز نتائج هذا الدليل ما يعول عليه فى إثبات صحة صدورة الاخبار والأحاديث وتفسير المتون والمضامين المختلفة وفقا لكثرة القرائن الاحتمالية.
- الدليل الحدسى، وفيه أن الدليل يتضمن التسليم بفرض معين ينشأ على نحو لا تقتضيه كامل ما سبق من العملية الاستدلالية، أى أنه يقفز بالذهن بدفعة واحدة كإلهام، نتيجة وجود قرائن قليلة محدودة، وقد تكون مدعومة بتصورات رياضية أو خيالية، كما قد تكون غامضة غير واضحة، وعادة ما يشترط فى هذا الغرض كسائر ما سبقه هو أن تكون نتائجه قابلة للاختبار لتحدد مدى قوتهه فى التأييد والتكذيب أو الاستبعاد، وهو يعد موضع اهتمام المنهجج العلمى فى الغرب حاليا، وقد يختلط أمره بالأدلة السابقة..
ويقابله الفهم الدينى، مما أطلقنا عليه الاجتهاد المغامر، ومن نماذجه تفسير السيد محمد رشيد رضا للوضوء (على أنه مبالغة فى النظافة)، لكن مع أخذ الاعتبار أن الاجتهاد المغامر من الصعب عليه أن يكون منتجا، مثلما يعرف فى القضايا العلمية،إذ يتعسر خضوعه لأفق الانتظار والتأييد والاستبعاد.

أهداف العلم والفهم
-----------------
يتمثل هدف العلم تارة بتفسير الطبيعة، وثانية باكتشاف الحقائق، وثالثة بالتنبؤ بما هو جديد، كى تتتمثل غاية الفهم فى تحقييق هذه المطالب الثلاثة أو أغلبها.
- التفسر العلمى، وفيه يتم البحث عن القوانين والاسباب الخاصة التى يمكن من خلالها تفسير الظواهر الكونية، وأبرز الامثلة قانون الجاذبية الذى وضع لتفسير الحركات الفلكية وسقوط الأشياء.
- الاكتشاف العلمى، وفيه يتم اكتشاف حقائق موضوعية لم تعرف من قبل، وهو لا يخضع لقواعد محددة، فقد يأتى عن طريق الرصد والاستقراء والتجارب كما قد يأتى من خلال التشبيه والتمثيل، أومن خلال التأملات الخيالية، أو عبر المنهج الرياضى أو من طريق الصدفة، أو حتى عبر الإلهامات والمنامات.
- التنبؤ العلمى، وفيه يتم وضع فرضية ما لسيتهدى بها للتنبؤ ببضع الظواهر الطبيعية، وهو يعتمد على التفسير، إذا لا يمكن التنبؤ بشىء ما لم يسبقه فرضية ما للتفسير، يمكن ان يقال بأن الطريقة العلمية تتبع نظام الفروض (المؤقتة) فى التفسير والتنبؤ، كما حدث مع العالم الفلكى هالى، الذى كان يعمل ضمن البرنامج النيوتنى، فإراد أن يحسب امتداد مرور أحد المذنبات من الصيف الاهليليجى طبقا للمشاهدة، فرأى أنه سيعود بعد (72) سنة وحد نقطة رؤيته التى سيعود بها، وبالفعل حصل هذا التنبؤ بعد أن كان هالى ونويتن ميتين، وهو ما يدعم نظرية نيوتن فى الجاذبية، أما فى الفهم الدينى فنلاحظ ما يلى:
- التفسير الدينى، وفيه يتم تحديد معنى النص وقصده، فإذا كان التفسير العلمى معنيا بالسبب والقانون، فإن التفسير الدينى معنى بالقصد والمعنى.
- الاكتشاف الدينى، وفيه يتم اكتشاف بعض الحقائق التى لم تكن معروقة من قبل، وكثيرا ما تحدث عمليات تفسير جديدة للنص ولكنها ليست مكتشفات، كالذى أراده رشيد رضا، وحسين النائينى، من اعتبار أن القرآن يحتوى على القضايا الدستورية، لكن من حيث التحقيق يظهر أنه تفسير وليس اكتشاف، أو كما أراد المهندس شحرور اكتشاف الفرق بين الصلاة والصلوة، أ بين النبوة والرسالة، أو كما يحاوله من يقوم بإثبات الاعجاز العددى أو العلمى وما إلى ذلك، لكن كل ذلك محاولات ضغيفة ولا ترقى للاكتشاف.
- التنبؤ الدينى: الاختلاف بين العلم والفهم يتعلق هنا بعنصر الأمن، إذ يشترط فى التنبؤ العلمى وجود فاصل زمنى بني النظرية والمتنبأ به، أما فى الفهم الدينى فليس هناك فاصل زمنى كما فى العلم، إذ ليس فيه حوادث مستقبلية لكونه يعتمد على ألفاظ وكلمات هى بمثابة الحوادث، لكنها حاضرة على الدوام وليس فيها ماضى أو مستقبل، خلافا لواقع الطبيعة، وبالتالى ليس هناك ما يكن أن نطلق ع ليه تنبؤ بالمعنى الشامل للعلم.

الفصل الثامن عشر: علاقات العلم والفهم
----------------------------------------
تتركب العلوم الطبيعية بعضها على بعض، حتى تنتهى إلى العلم المتعلق بالبديهيات والضرورات الأولية، والتى يهتم بها علم الفلسفة و المنطق، ويمكن تحديد علاقة العلوم ببعضها حسب المستويات التالية:
- التوازى، وفيه أن العلوم تكافىء بعضها البعض الاخر، بعض النظرعن قابلية التأثير والتأثر فيما بينها.
- الاعتماد، وفيها تتحدد العلاقة لدى جملة من العلوم وفقا لاعتماد بعضها على البعض الآخردون عكس، فلولا العلوم المعتمد عليها، ما كان للعلوم الأخرى أن تكون لها قائمة، ومن ذلك علم البايولوجيا قائم على الكيمياء والفيزياء، والفقه قائم على القرآن والحديث واللغة.
- الاختزال، هناك من يبالغ فى رد وتفسير ما يرد فى علم ضمن علم آخر، أومن ذلك اعتبار البايولوجيا نوع من الفيزياء.
- التأثير الخطى، وفيه أن جملة من العلوم تؤثر على بعضها، وإن كان الغير غير قائم عليها كليا، ومن ذلك علوم الرياضيات فى علاقاتها بالفيزياء والكيمياء، وكذلك تأثير علم الكلام والعلوم الحديثة على الفقه.
- التأثير المتبادل، وفيه أن جملة من العلوم يؤثر بعضها على البعض الآخر بشكل متبادل، فمثلا أن علم الفيزياء يؤثر على علم الكيمياء، لذلك أمكن إنشاء علم الكيمياء الفيزيائية، وكذا الحال مع العلوم الإنسانية، حيث يؤثر الاقتصاد على السياسة، والعكس صحيح، وبالتالى هناك علم الاقتصاد السياسى، وتعد هذه العلوم من العلوم المتوازية.
- التفسير، حيث أن بعض العلوم يمكنها تفسير غيرها وليس فقط التأثير فيها، فمثلا بالرغم من أن ا لكيمياء والفيزياء يؤثران على علم البايولوجيا، لكنهما لا يفسرانها، فى حين أن الرياضييات تفسير الفيزياء وليس فقط تؤثر عليها.
- التباعد، وفيه أنه لا علاقة للعلوم بعضها بالبعض الآخر مباشرة، كعلاقة الرياضيات بعلم النحو أو الكلام مثلا.

مستويات العلاقة بين العلم والفهم
-------------------------------
1ـ المضامين:
على صعيد المضامين هناك أربعة مسارات للعلاقة بين العلم والفهم كالتالى:
- المسار المختلف، وهذا يعنى أن لكن من العلم والفهم مسار مختلف عن الآخر، أى لكن منهما نتائجة المستقلة دون أدنى علاقة.
- المسار التأييدى، وفيه يكون العلم أو الفهم مؤيدا للاخر، فمثلا أن الشائع لدى العلم هو القول بحدوث الكون دون قدمه، وهو ذاته الشائع فى الفهم الدينى.
- المسار التعارضى، يعبر المسار عن تعارض بين العلم والفهم، ومنه التعارض المتعلق بهيئة الأرض إن كانت متحركة أو ساكنة، ومثل ذلك التعارض المتعلق بالمدة التى استغرق فيها خلق السماوات والأرض وما بينهما من مدة، فكما ذكر ابن كثير بأن للمفسرين قولين فى معنى الأيام الستة التى خلق الله فيها السماوات والأرض، فبعضهم ذهب إلى أنها كأيامنا هذه، وهو رأى الجمهور، فى حين ذهب آخرون إلى القول بأن كل يوم من أيام الخلق يعادل ألف سنة مما نعرفها.. وعلى هذه الشاكلة جاء فى سورة فصلت، ما يبدى لدى الفهم الدينى بأن الزمن الذى خلق الله فيه السموات والأرض يفوق الزمن الذى خلق فيه السماوات السبع، كما ورد بأن خلق الأرض بما فيها من رواسى سابق لخلق السماوات، بالاضافة إلى أن هذه الآيات، تلوّح بوجود شياطين فى السماء الدنيا، وهى عرضة للقذف بالشهب لدحرهم.. وكل ذلك ما لا يتفق مع التقديرات الفلكية والعلمية..
كما ورد أن عدد الشهور هو إثنا عشر شهرا للسنة منذ خلق الله السموات والأرض، وقد يعطى فهما بأن الشهر ثلاثين يوما أو قريبا من ذلك، وأن السنة (365يوما) أو ما يقاربها، لكن ثبت بالحساب العلمى بأن الأرض تتباطء، فوفقا للساعات الذرية، كل سنة تتباطء جزءا من الثانية، وأنه قبل ملايين السنين، كان معدل سرعة الأرض 400 يوم فى السنة.
ولو توغلنا أكثر لكان عدد أيام السنة أكثر فأكثر باضطراد، ولو حسبننا سرعة الأرض من تكونها قبل حوالى 4.5 مليار سنة، نجد أن السنة الواحدة كانت تعادل 144سنة، وأن حوالى 144 دورة للأرض حول الشمس، كانت تعادل دورة واحدة فى الوقت الحالى، وتكون السنة حوالى 4370 شهرا، فكيف تكون السنة إثنا عشر شهرا وقت خلق السماوات والأرض؟ وبالتالى كان لا بد من اعتبار الشهر لا يساوى ثلاثين يوما أو ما يقاربه آنذاك، بل كان حوالى 364 يوما، فالشهر يقارب السنة مما نعد ونحسب !
- التأثير، فى قديم الزمن كان تأثير الفهم الدينى على العلم ساحقا، واليوم نرى أن تأثير العلم على الفهم الدينى قويا، وهو ينعكس بدرجات مختلفة:
- أصبح من المسلم به لدى الغالبية الدينية أن ما جائ به العلم صحيح، خلاف ما كان يعتقد به من قبل، مثل حركة الأرض حول الشمس.
- هناك أمور علمية ظل يشوبها الشك لدى الغالبية الدينية، من قبيل نظرية دارون.
- هناك أمور ما زالت مقبولة لدى الأوساط الدينية دون أن تصل إلى درجة القطع، مثل نظرية الإنفجار العظيم.
- هناك قضايا يدعى فيها السبق الدينى على العلم، وما من شىء سيصل إليه العلم إلا ونجد الدين قد سبقه فيه، مثل التفاسير العلمية والاعجاز القرآنى وأحيانا الحديث النبوى، ولكن هل من الممكن أن يؤثر الفهم الدينى على العلم ؟
إن من الاعتقادات الراسخة فى الغرب اليوم هو أن الدين يظهر عندما تكون هناك ثغرات لم يتمكن العلم من تفسيرها، وبالتالى كلما تقلصت الثغرات تقلص الدين.. كما أن هناك فجوات فى الدين يملؤها العلم، فكل ما ما هو مجمل فى الدين يجد تفاصيله فى العلم، وبالتالى هناك تأثير متبادل بين كليهما.

2- القواعد الاجرائية
يمكن أن نتسائل عما إذا كانت بين الفهم والعلم نوع من التقارب التأثير، أم أن لكل طريقته الخاصة المستقلة؟

الاشتراك فى القواعد والمفاهيم
------------------------------
هناك قواعد مشتركة قد تم تحديدها فى الغرب ضمن العلوم الطبيعية، وهى أيضا كانت محددة من قبل لدى المسلمين وطبقوها على النص، بما يعرف لدى الأصوليين بمسالك القياس ومن ذلك السبر والتقسيم والدوران وتخريج المناط...إلخ فمن الناحية المنهجية كان الأصوليون القدماء يطبقون حالات الكشف فى القياس هى ذاتها، التى قد تم استخدامها فى الكشف فى المجال العلمى، كذلك فإن أهم القواعد المستخدمة فى المنهج العلمى والفهم الدينى، هى قاعدة الاستقراء، وقد كان الشاطبى من القلائل القدماء الذن أشادوا بهذه القاعدة وتطبيقها فى الفهم.

إمكانية الإقتباس
----------------
يرى الكاتب أن قواعد ومفاهيم مثل الفرض والبساطة والنماذج الإرشادية والاختبارات الشاقة، وغيرها، مما يعول عليه العلم فى فلسفته، تصلح للاقتباس والتوظيف فى الفهم الدينى، لكن هل يحدث العكس ؟

ما الذى يمكن أن يقدمه الفهم الدينى للعلم ؟
----------------------------------------
يرى المفكر يحيى محمد، أن أعظم ما يمكن للفهم الدينى أن يقدمه للعلم هو التفكير المقاصدى، ويمكن طرح السؤال التالى: هل للكواكب وجود صدفوى اتفاقى فى علاقتها مع الأرض ؟ أم أن لها فوائد هامة على الكائنات الحية، بل والذكية أيضا، غير التوازن المعروف ؟ وبلا شك فإن هذه المسألة تمتلك جدوى للبحث لدى الباحث القصدى، تدفعه للتحقق من المعرفة، إن كانت هنااك أغراض للكواكب يمكن أن تقدمها للحياة والأرض أم لا ؟
وفى القبال لا يجد الباحث الاتفاقى دوافع مشجعة للبحث فى الموضوع جملة وتفصيلا، طالما أنكر الأغراض والمقاصد الكونية وفقا لمنهج الاتفاق والصدفة، وهو من هذه الناحية يتصف بالكسل مقارنة بالباحث القصدى الذى يتميز بالنشاط...
ويلخص الكاتب وجهه نظره: ".. على ذلك يمكن تقرير أن العلم الحالى القائم على الاتفاق والمصادفة هو علم كسول محافظ ".

الفصل التاسع عشر:الافتراض الآخر بين العلم والفهم
-------------------------------------------------
كل إنسان يمتلك منظومة من المعتقدات والمعارف، ويقابلها مجموعة أخرى من المعتقدات والمعارف المخالفة، ولا يعتبر المرء عادة اعتقادات المخالفين أن لها أهمية، وكثيرا ما يصاب الإنسان بالعذاب حين يفقد معتقداته أو تتعرض للخطر، لذا نجد آلالاف المعتقدات والأراء، وكل فرد يألف ما لديه منها، ولا يعير بالا بالتضاربات بين عقائده وعقائد الاخرين، لكن مَن من هذه المعتقدات يعتبر صحيحا ؟ وما الأهمية التى يشكلها الإفتراض الآخر بالنسبة لنا ؟ وما المقصود بالافتراض الآخر ؟ وما هى مجالاته وحدوده ؟
حول الأهمية، فقد سبق وأشرنا إلى أننا معنيون بقوة إلى البحث فى الافتراض الآخر، وإن ما يبرر هذا البحث هو كثرة الاختلاف والتعارض بين الافتراض والآخر، والهدف من ذلك هو معرفة أى الإفتراضات تتصف بالصدق والصحة أو الاقتراب منها، فبدلا من أن نبرر لمعتقداتنا، نبرر معتقدات غيرنا، وعلى نحو الدقة: لنبرر للافتراض الآخر بغض النظر عن الغير أيا كان.. فهل هذا ممكن ؟ وهل له أهمية ؟
من حيث الامكان فهو ممكن، رغم أن صعب التحقق، أما من حيث الاهمية فقد لا تجد النهضة والتطور مجالا ما لم تشع ثقافة التحقيق والمراجعة الفكرية باستمرار، ومن ثم البحث فى الافتراض الاخر.
ومن حيث التعريف ليس بالضرورة أن يتمثل الافتراض الآخر بما لدى الغير من معتقد ومعرفة، فقد يكون جديدا، وبمثابة (الطريق الثالث)..
ويدخل ضمن هذا التعريف ما نطلق عليه الافتراض الكاذب، فقد يوظف هذا الافتراض لعلاج مشاكل جوهرية تستعصى على الحل بدونه، لذا يصبح جزء من المنظومة رغم هذه المفارقة، فمثلا اضطرت الاشعرية إلى الاعتقاد فى صدق الكلام الالهى، وبقولها أنه يستحيل إجراء المعجزات على يد الكاذبين، بالرغم من أن هذه الإفتراضات تتتناقض مع أصولها المولدة، لكن بدونها ينهار الدين.

أصناف الافتراض الآخر
-----------------------
- الافتراض المستحيل، مثل الافتراض المستند إلى نقض مبدأ عدم التناقض،إذ يترتب على ذلك فشل المعرفة، أو الافتراض المستند على نقض مبدأ السببية العامة، إذ يترتب على ذلك فشل إثبات أى واقع خارجى.
- الافتراض الصعب أو المرجوح، مثل الافتراضات الكثيرة التى لجأ إليها علماء الفيزياء لحاجتهم إليها.
- الافتراض السهل أو العادى، وهو الافتراض الذى يمكن الاخذ به دون مشاكل.
- الافتراض غير المحدد، وميزته التردد بين افتراضين، كالمستحيل والصعب، وكثيرا ما يحدث فى الفيزياء، كالافتراض المتعلق بالزمان العكسى مثل حالة السفر للماضى، فأحيانا يرى فيه الفيزيائيون نقضا لمبدأ السببية وأحيان أخرى يضعون له سيناريوهات مختلفة لاتبعث على التناقض.
- الافتراض الشرطى المنافى للواقع، وهو افتراض متعلق بالنتائج المترتبة على الامكانات التى لم تصادف الواقع، ومن ذلك الافتراضات البديلة، كما نفترض لو انتصر هتلر فى الحرب العالمية الثانية، ماذا سيكون شكل العالم ؟ وقد يكون الافتراض الشرطى المنافى للواقع منتجا، كالذى حصل فى دائرة التفكير الفيزيائى.
- الافتراض المكافىء، وهو يكافىء غيره، لكن يؤخذ به لاعبتارات نفعية، كالذى يلجأ إليه علماء الفيزياء من أمثال بوانكاريه وملهود ولى روى ضمن ما يعرف بالمذهب الاصطلاحى، كذلك آينشتاين ونظرية الأوتار.
***
هذا على الصعيد الموضوعى، أما على الصعيد الذاتى فيمكن تقسيم الافتراض الآخر إلى:
- افتراض سهل التقبل، وهو لا يمس معتقداتنا.
- افتراض صعب التقبل، وهو يمس ما لدينا من مسلمات ومعتقدات.
- افتراض وسطى، وهو يتخذ مرتبة وسطى ببن الافتراضين السابقين، ولو أن شخصا ما منتميا إلى فئة معينة ضمن مذهب ما، فالافتراض الصعب بالنسبة له، هو الافتراض السهل بالنسبة للمنتمى إلى الفئة الاخرى فى نفس المذهب، ففى المذهب الشيعى مثلا،إن الفرد الأصولى قد يرى فى الاخبارية ما تمثل افتراضا صعبا، وكذا العكس صحيح، وفى المذهب السنى قد يرى الحنبلى الاتجاهات الثلاثة الأخرى تمثل افتراضا صعبا له، والعكس صحيح.. ويزداد الافتراض صعوبة إذا تعلق الأمر بدين آخر.
وغالبا ما يتأطر الافتراض الآخر للمعتقد الدينى بالمجال الذاتى، فى حين يتأطر الافتراض الآخر للمعتقد العلمى بالمجال الموضوعى، وفى الغالب، كلما كان الافتراض الآخر صعبا على الصعيد الذاتى، كلما كان سهلا على الافتراض الموضوعى، وكلما كان صعبا على الصعيد الموضوعى كان سهلا أو غير سهل على الافتراض الذاتى.

مجالات البحث فى الافتراض الآخر
-----------------------------------
تشمل مجالات البحث فى الافتراض الآخر جميع القضايا المعرفية، وبالرغم من تعويلنا على معتقداتنا، إلا أننا قد نواجه مشاكل لا تحل إلا بالعلم وفقا للافتراض الآخر، مهما كان صعبا، وبالتالى فالعملية لا تخلو من الخسارة، لكنها ذات مكسب كبير، وأكثر ما ينطبق عليه هذا هو المجال العلمى.

المجال العلمى والافتراض الصعب
-------------------------------
نظرا لما يلاقيه الباحثون فى المجال العلمى من صعوبات، فإنهم أحيانا، لا يجدون حلا سوى تجاوز الحس الوجدانى، وبعضهم يدعو إلى ضرورة تحرير الفلسفة العلمية من مفاهيم مثل الفطرة السليمة، مثلما هو حال الوضعيين المنطقيين وكذلك أصحاب نظرية الكوانتم، ويرز هذا النوع من الاضطرار المتعلق بالافتراض الصعب، لدى التحولات الكبيرة أوالمحطات العلمية الفاصلة، وأولها نشأة العلم الحديث، إذ لم يبدأ العلم إلا عبر طرح الافتراض الآخر، كالذى صرح به كوبرنك حول حركة الأرض حول الشمس مخالفا الاعتقاد البطليمى السائد قبله، ومخالف سلطة الارث العلمى الذى امتدت طوال ألف سنة.
أيضا كان هناك محطات علمية آثر فيها العلم طرح الافتراض الآخر كبديل مناسب، مثل فكرة التخلى عن الأثير، وذلك على خلفية التجارب التى أجراها مايكلسون و مورلى، وعلى أساس هذه التجربة السلبية ذاتها، قرر علماء فيزيائيون آخرون على نحو رهيف، أن هذه التجربة السلبية من منظور نيوتن كانت تجربة إيجابية فى منظومة آينشتاين.
وعلى هذا المنوال أيضا الاضطرارات التى جعلت العلماء يتقبلون فكرة كموم الضوء، فقد كان من الصعب جدا تقبل فكرة كموم الضوء وإضافتها إلى الموجة، مما يوصف بأنه الارتباط غير منطقى، فإما أن يكون الضوء موجات أو جسيمات فحسب، وليس من المنطقى أن يتصف بكلا الوصفين معا، فيظهر فى ظروف بأنه موجة فحسب، ويظهر فى ظروف أخرى بأنه جسيمات فحسب، حتى قال الفيزيائى الانكليزى وليم براغ مازحا (عام 1912): " نحن ندرس النظرية الموجية (للضوء) أيام الأثنين والأربعاء والجمعة، وندرس النظرية الجسيمية أيام الثلاثاء والخميس".. ومن الافتراضات الصعبة التى تم قبولها، تلك المتعلقة باكتشاف النيترينو واكتشاف المادة المضادة عبر اكتشاف البوزيترون، ومن ذلك أيضا مضامين نظرية الكوانتم والنسبية العامة، فكلها تتضمن افتراضات اضطر لها العلماء عندما لم يجدوا بديلا لتفسير الظواهر المرصودة، وإن كان ذلك مهد لافتراضات أخرى بعيدة عن أن تنالها يد التأييد والتحقيق، كنظرية الأوتار.

الافتراض الشرطى المنافى للواقع:
---------------------------------
يعد عالم الكونيات الانكليزى براندون كارتر أول فيزيائى ابتكر نوعا من الأسئلة التى يطلق عليها التحليل المنافى للواقع خلال الستنيات من القرن المنصرم، فقد سأل نفسه: " لو افترضانا أن القوانين كانت مختلفة قليلا عن الشكل الذى هى عليه بالفعل فى هذا الجانب أو ذاك، ماذا ستكون عواقب ذلك ؟ "، فيمثل هذا الافتراض شرطا منافيا للواقع، وركز فيه على العلاقة التى تربط نتائج الافتراض بالحياة، ومنها الحياة العاقلة أو الذكية، فقد اقترحت افتراضاته أنه لو كانت القوانين مختلفه عما هى عليه ولو شيئا يسيرا، لنتج عن ذلك استحالة وجود الحياة، لذلك بدت قوانين الفيزياء بنظره مناسبة للحياة، وأطلق على هذا الضبط الدقيق اسم المبدأ الانسانى، وهو ما أعطى انطباعا خاطئا بأنه يتعلق فقط بالبشر، مع أنه لم يقصد ذلك، وأطلقت هذه الورقة البحثية لكارتر شرارة ثورة حقيقة فى التفكير العلمى.
يطرح الكاتب فكرة أننا يمكن أن نطرح أسئلة على الشاكلة نفسها، أى الافتراض الشطرى المنافى للواقع، فنقول دون أجابة:
كيف نتصور الحياة البشرية فيما لو لم يكن للأديان تأثير ووجود قط ؟
كيف نتصور طبيعة التعامل والأحكام التى يأتى بها النبى محمد فيما لو كان مرسلا إلينا حاليا ؟ أو إلى مجتمع غربى مثلا ؟
ومثل ذلك كيف نتصور رد فعل النبى إزاء الحكم السياسى فيما لو كان مرسلا إلى دولة موحدة يرأسها ملك عادل وليس إلى قبائل متعددة متناحرة ؟

الافتراض الصعب والخيار الأفضل
---------------------------------
جميع المجالات الدينية والفلسفية والعلمية تواجه افتراضات يصعب على العقل تقبلها، وإن كان مضطرا إلى التسليم ببعضها، وبالتالى لابد من قبول الاختبار الذى تقل فيه هذه الصفة التى يستنبعدها العقل.
فمن بين الافتراضات الفلسفية الصعبة، يكون التردد بين اعتبار الكون منتهيا أو غير منته، فلو قلنا أن الكون منته لكان من الصعب تصور ما هو خارج عنه، أما لو قلنا بأنه غير منته، فإن العقل لم يتعود على رؤية الأمور غير المنتهية، إلا لدى القضايا الاعتبارية.. كذلك مسألة أزلية الخلق أو إذا ما كان له بداية، فكلاهما يترتب عليه نتائج صعبة القبول بالنسبة للعقل، فالقول بأزلية الخلق قد يوهم بأنه أمر مستحيل، باعتبار الحاجة إلى تراجع غير منته، وفى القبال، القول ببداية محددة للخلق، يجعل العقل يواجه مشكلة كيفية اختار لحظة البدء دون غيرها من اللحظات، مع هذا، فمن الناحية العقلية الصرفة، قد يترجح الظن بأزلية الحدوث كخيار أفضل تبعا لعدد من المبررات، كما شرح ذلك يحيى محمد فى كتابه " الفلسفة والعرفان والاشكاليات الدينية ".
***
هذا ما يخص الفلسفة، أما ما يخص الدين فقد نجد ترددا بين اختيارات صعبة، مثل الخلاف السنى الشيعى حول مسألة الأمامة.. وأيضا أو افتراض آخر واجه المسلمون بعد وفاه النبى، هو الافتراض المتعلق بجمع القرآن، فلم يكن الجمع تلقائيا وسهلا، ولعل الصحابة كانوا يفكرون لو أن هذا الافتراض كان مطلوبا وملزما لفعله النبى بنفسه، أو على الأقل لوصى به أصحابه بعده.
ومثل ذلك ما يتعلق بمشكلة الحديث، فالانشغال به قد يعتبر افتراضا آخر قبال التسليم به سلفا، وقد لجأ إليه أصحاب الصحاح وغيرهم، إذ رأوا فيه الخير بعكس ما أظهره كبار الصحابة والتابعون من كراهة ذلك.
وعلى هذه الشاكلة ما يتعلق بالاجتهاد الفقهى، وما يترتب عليه من كثرة السؤال، فهو افتراض آخريقابل ما كان عليه الصحابة التابعين من قلة السؤال.
***
كذلك الحال فيما يخص الاطار العلمى، فرغم محاولات التوفيق بين نظريتى النسبية والكوانتم،إلا أنها ما زالت لم تصل إلى نتيجة مرضية بعد، لذا تقبل العلماء على مضض النتائج المترتبة على كل من النظريتين، وسبق لآينشتاين أن ألقى محاضرة فى برلين خلال العشرينات من القرن المنصرم، بين فيه الحاجة إلى تشكيل مركب من الأراء المتعارضة.

الافتراض الآخر وتأثيره فى المجالات الأخرى
--------------------------------------------
فى البداية يطرح الكاتب سؤالا، حول ما إذا كان من الممكن أن يؤثر ما يطرح فى مجال ما على المجالات الأخرى ؟ ويجيب أنه لاشك أن هذا ما حدث فعلا، فما طرحه كوبرنك أثر تأثيرا بارزا فى المجالين الدينى والفلسفى، وأخذ بعدها العلم يؤثر فى الفهم الدينى فيما يتعلق بخلق الكون والأرض وكيفية خلق الإنسان ونشوئه.. وقد ظهر ذلك على الكنيسة شيئا فشيئا، وأخذ يغير من مجرى الحياة بجميع أبعادها الفكرية والاجتماعية والتكنولوجية، واظطر ذلك المسيحيون إلى مطالبة الكنيسة بأن تتمثل روح العصر الجديدة وما تتطلبها من تغيرات فكرية واجتماعية.
كما أن للتطورات العلمية الأخيرة تأثيرا على عدد من القضايا الفلسلفية التى كان ينظر لها على أنها من الثوابت، مثل ما كان يعتقده الفيلسوف ايمانويل كانت من أن الهندسة الاقليدية من الثوابت القبلية، فقد قلب آينشتاين هذه الفكرة رأسا على عقب، كذلك طرحت نظرية الكوانتم تساؤلات فلسفية تختلف عن تلك المسلم بها فى السابق حول طبيعة العلاقة بين الأشياء وطبيعة السببية والزمان والمكان فى العمق الجسيمى، وعلى العموم ما يسهل على العلم تقبله اليوم كافتراض آخر، يصعب على الفلسفة قبوله، ومن أبرزها ما تراه الفلسفة بأنه يشكل مسلمات للفطرة السليمة والحس المشترك العام كالسببية وعدم التناقض.
***
أخيرا يسأل يحيى محمد، هل يكون باستطاعتنا تحويل الافتراض الآخر فى قضايانا الدينية من صعيده الذاتى إلى الموضوعى، بحيث نتعامل مع هذه القضايا كتعاملنا الموضوعى مع الرموز المفترضة (س) و (ش)، دون أن يكون بمقدرنا أن نتحيز ذاتيا نحو (س) و (ش)، فكل منهما لا ينتسب إلينا بقرابة نسب ولا حسب، ولا نفع ولا ضر، لكنهما فى الوقت ذاته السبيل الوحيد لوضع أقدامنا على الطريق الصحيح لبلوغ الحقيقة أو الاقتراب منها ؟ !! ومتى يكون بمقدورنا تقبل الافتراض الآخر الصعب فى قضايانا الدينية، كالذى يمارسه العلم بطلاقة، وهو سر نجاحه وتقدمه دون أدنى شكل ؟ فهل (س) أو (ش) تعنى لك شيئا أيها القارىء الكريم ؟
***
وبهذا نكون قد انتهينا من تلخيص الجزء الثانى والأخير من كتاب " منهج العلم والفهم الدينى "، ويبقى لنا المقالة الثالثة وعنوانها " المناقشة "، والتى نناقش فيها آراء الباحث والمفكر يحيى محمد، فإلى لقاء قريب..

أيمن عبد الستار، 27 /3/ 2015



# أيمن_عبد_الستار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملخص كتاب (منهج العلم والفهم الديني) والملاحظات عليه (1)


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أيمن عبد الستار - ملخص كتاب (منهج العلم والفهم الديني) والملاحظات عليه (2)