أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هيثم بن محمد شطورو - متى يخرج العربي من كهفه















المزيد.....

متى يخرج العربي من كهفه


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 4759 - 2015 / 3 / 26 - 16:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ما وراء الـظاهر حقيقة يقـرها الجميع. انه ما يؤرق الوعي البشري سواء في القضايا الفكـرية العامة أو في التعاطي الفردي بين الأفراد و بين الشخص و ذاته. فالعالم الشعـوري و التـفكري الذي يتحرك داخل الإنسان هو سبب شقائه الوجودي المنشطر بين ثـنائية الظاهر و المخفي. من هنا لا يقبل الإنسان موته كشعـور و فكر.
و هنا نـتـلمس أصل المشكلة. إنها ليست في العالم الخارجي إلا لكـونها فـينا نحن و ما نصبغه بما نحن عليه على العالم. كل يخفي أشيائه الداخـلية التي يحـدد لها موقعا يسميه الوجدان و الـقـلب و الصدر و العـقل الباطن و اللاوعي. ذاك عالم يقابله عالم آخر و هو ما يظهر به الفرد أمام الآخرين. الظهور يكتسي تحديداته العامة في المجتمع و هو ما يسمى بالثـقافة و الهوية الجامعة. من هنا تـنبني القوانين و الدولة.
جمهورية أفلاطون أو المدينة الفاضلة المثالية هي التي يتحـقق فيها الانسجام الكامل بين رغبات الأفراد و قوانين الدولة و نظامها. من هنا أراد أفلاطون تأسيس حكم الفلاسفة بما أنهم الحكماء المنزهين عن المنـفعة الشخصية. لكن بما ان الفلسفة هي بدورها قمع لجميع الأهواء الفردية القائمة على الطمع، فإنها دولة لم تعرف النور و لن تعرفه. فالسلطة في ذاتها نـزعة شهوية خارقة تـنـصهر فيها الربوبية بالفحـش الأخلاقي. و تـناقضها الداخلي المنصهر في نـفـسه هو الذي خلق إشكال السلطة على مدى العصور. إنها في الأخير تعبير عن القوة و الأقـوى بما في ذلك في الديمقراطية التي تتحـول فيها معايير القوة إلى القدرة على إقناع الأغلبية و على الارتكاز على بيوتات المال. فالديمقراطية هي قوة المال و الدكتاتورية هي قوة العـنـف و لكليهما يجب توفـر خطاب سياسي يقـنع أغـلبية في المجتمع. فالدكتاتوريات متى ذبلت كخطاب و إقناع تسقط بدورها، و هي تـشهـد تـداولا على السلطة و لكن بواسطة العنف و الدماء. أما الديمقراطية فهي تـؤسس مبدأ التـداول السلمي على السلطة، و تـضع الجميع في مواجهة صناعة الخطاب المقـنع، و أفـضل ما في الديمقراطية أنها حلبة لصراع في الإقـناع الذي يجب ان تـتـوفر له تكنولوجيته و آلات و مفاتيح. فالديمقراطية صراع أفكار و معارك في الوعي مفتوحة لذلك يلزمها رجال فكر و فن يكونون ما يشبه كتيـبة عسكرية من النخبة المقاتـلة. فالديمقراطية لا ترتوي بمفكر هنا و هناك أو روائي أو مسرحي أو تـشكيلي أو سينمائي كجزر متباعـدة. بل إنها تـقـوم على جـيش من هؤلاء. جـيش ينـظم نـفـسه في مدارس فكرية عامة تخلق خيطا رابطا يوحـدها لتكون فاعلة. كما أنها تـقـوم على النـشاط الإعلامي المكـثـف و المتـنوع و الذكي الذي يمرر هذه الأعمال إلى أوسع نطاق من الجماهير.
و الحالة المتخلفة التي يشهدها العالم العربي اليوم ناتجة عن انعـدام الديمقراطية، فهي لازالت تجر ورائها سطوة الاجتماعي على الفردي، و بالتالي عـدم التساوق بين الفرد و التحديدات الظاهرة في الثـقافة العامة المتخلفة. و لكن بدأت الحركة الصاخبة. بدأت الثورة التي تحمل عنوانا هو الحرية و الكرامة الإنسانية. و هي حرية الفرد و كرامته التي يسلط عليها الضوء و التحـديد برغم أنها لا تـنـفـصل منطـقيا عن حرية المجموع و كرامته. و لكن بما أن حرية الوطن التي ظهـرت في منـتـصف القرن العشرين استـتبعت بدورها استعبادا للفرد، فإنها أصبحت موضعا للشك و الريـبة. مما جعل النزعة العامة تـنصرف عن حرية الوطن إلى حرية الفرد.. إنها مغالطة أخرى و لكنها ليست بالخطيرة لان الفرد اجتماعي بالضرورة و الجماعي يفـرض نـفـسه بالإقناع ان لم يكن بالقوة لان الفرد يبحث عن التساوق مع المجتمع و ان تمرد عليه. فالمجتمع يطاردنا حتى في النوم مثـلما قال "دوركهايم".
الذاتي هو الحميمي. ينـتـشـل الإنسان نـفـسه من الظاهر ليـقيم في نـفـسه مع ذاته. قـد يكون السكن في بئر عميق أو كهف يكون هو الحـقيقة و العالم الخارجي بـرغم تعايشه فيه هو مجرد أوهام و أكاذيب. هنا تمفـصل عن الواقع و ارتياب منه. تـؤسس الثـقـافة الإسلامية التـقـليدية هذا الكهف بما أنها تـقـوم على القال و على سيرة الصحابة و الحقائق الثابتة المنسية. لكن قـد تؤسس هذه الكهفية من النزعات و الأهواء المحـرمة اجتماعيا و التي تـشـكل عارا و فضيحة اجتماعية.
و الأغلب ان هذه العملية لا تـتـم في قـطيعة تامة بين العالمين بل هناك تواصل بين العالم الداخلي و العالم الخارجي. هناك دوما بحث عما يربط بين العالمين، عما ينعكس من الخارج في الداخل، و عما يمكن للداخل ان يفصح عن نفسه في الخارج حسبما يتـقبله الخارج أو ما يعتـقـد انه بإمكانه ان يتـقبله. فهنا، نحن أمام حركة تـشتـغل باستمرار و تعبر عن نـفـسها في تحـديد الأصدقاء و الأعـداء، و في تحديد الميولات و الرغبات التي يمكن ان تكون مقبولة، و في تحديد أشكال الصراع التي يقوم بها الفرد لتحـقيق ما يمكن له تحـقيقه من إخراج للمخفي إلى الظاهر، و مدى النجاح في افتكاك الاعتراف به كأحـقية وجود و مشروعية و بالتالي صلوحية ذاته قيميا اجتماعيا عاما. و هو ما يؤسس لإحساس الرضاء عن الذات. و في حالة الفشل في افـتكاك الاعتراف فانه ينـتـكس و يضمحل ظاهريا في المجتمع بل قد يوغل في ذلك، أو انه يستمر في تمرده و نضاله من اجل افتكاك الاعتراف وسط توترات النفس الشقية التي يؤلمها تـشضيها عن المجتمع.
فالصراع الأساسي هو بين الفرد و المجتمع. تـتـنـزل هنا كل مسميات الذاتـوية و صراعاتها و انـتكاساتها و أمراضها التي تـنعكس بدورها على المجتمع. عبر هذا التوتر تبرز العـدمية و الانمحاء و التواكلية و الاستسلام، و تبزغ كـذلك الأفكار العـظيمة و الفنون و التـقـدم نحو خلق تواصليات حية جديدة بين الذاتي و المجتمعي.
الظاهر سهل التعرف عـليه أما المخفي فمن العـسير جدا كـشفه. فالإنسان ليس بلغز بالنسبة للإنسان أو الآلهة في الأساطير فـقط و إنما هو لغز لـذاته كذلك. انه لا يعرف نـفـسه في واقع الانحطاط الذي يحجبه عن نـفـسه. واقع الظلمات و ما الرغبة في الخروج من الظلمات إلى النور سوى رغبة في اشراقة الذاتي و بزوغ إشعاعاته في العالم الظاهر. لذلك أوصى سقراط بان يعرف الإنسان نفسه. هناك حالة إغماء دائمة في الصحو يجب التـفـطن لها و العمل على ايقاض نـفـسك بما يشبه حمل مصباح "ديوجين" في النهار.
هذه النفس قد تبدو مرعبة أحيانا و مخيفة. فلربما هي تريد ان تـقـتل أو ان تمارس ما يسمى بالشذوذ الجنسي من لواط و سحاق، و لربما تريد ان تعـدم نـفـسها أو تسرق أو تغـتـصب. هذا على المستوى الأخلاقي. على مستوى الاعتـقـاد فـقـد لا تؤمن هذه النـفس بالالاه و لا بالدين و لا بأي عالم غير مرئي و قد لا تؤمن بالعمل و قيم التضحية من اجل الآخرين ...هذه النفس قد تكون خواء و لا تريد شيئا سوى عـدم الرغبة فيما يريده الآخرون. هذه النـفس الأمارة بالسوء. هذه الأنا المرعبة..
من هنا، كان الأسلم ان يطبق المجتمع أنـفاسه عـليها. و من هنا تمت عـملية تحويل للمخفي من الذاتي إلى العالم. و من هنا كان الالاه المفارق و اغتراب الإنسان عن نـفـسه الأمارة بالسوء. و خلق هذا النظام الانسجام الاجتماعي القائم على مبدأ الخضوع.
أما اليوم فان الفرد و المجتمعات ترفض مبدأ الخضوع. و بالتالي تم فـتح أبواب الجحيم. الجحيم الكامن في الذات. الجحيم لان محاورة الفـرد لـذاته تـلـزمها عـدة فكـرية و ثـقـافة فـلسفية و فـنية حديثة. من جهة أخرى تـلزمها تواصلية بين أفراد المجتمع الذي يلتـزم بتـفهم الكل للكل و قبول الكل للكل بكل الاختلافات و التـنوعات الموجودة خارج منطق الحلال و الحرام و هذا يجوز و ذاك لا يجوز أي تعليق الحكم مثلما قال "كانط".. و بالتالي خروج من الـقـواعـد المطـلـقـة التي تـسري على الجميع و قبول بالنسبـية. فـليس من ابيض أو اسود و داخل الزرقة يتـنوع الأزرق مثـلما هو الأمر في كل الألوان....
خروج من النـفاق إلى الصراحة. من وضع السلحـفـاة إلى وضع القـطة المتـوثبة. فيا سلاحف العـرب تـــقـــطـــطــــوا..



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العالم مقذوف الى المستقبل
- ثقافة الجامع و ثقافة الكتاب
- الرأس العربي الأجوف
- المسلم الكافر
- معترك اسلامات
- النفس الواحدة القرآنية و الإسلام
- تهافت الإسلام التقليدي
- الفلسفة هي إكسير الحياة
- دائرة الإسلامي الجحيمية
- انك في عصر الإنسان العالمي
- ماذا يخفي العنوان الداعشي؟


المزيد.....




- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هيثم بن محمد شطورو - متى يخرج العربي من كهفه