أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - هادي العلوي: المثقفية والابعاد الروحية والحضارية 9 من 11















المزيد.....

هادي العلوي: المثقفية والابعاد الروحية والحضارية 9 من 11


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1325 - 2005 / 9 / 22 - 11:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إننا نعثر في آراء ومواقف العلوي على تناقض معقول بمعايير المنطق، وضعف مشهود بمعايير السياسة، ورغبة متسامية بمعايير الروح الإنساني. وهو تناقض لا يحله في الواقع سوى الحلم الأبدي للعلوي في إنشاء ملكوت الله في الأرض! والذي وضعه أواخر حياته بين أوراق العقل والوجدان المتناثرة في مشاريع "اللجنة المشاعية" وسجلها بسطور تحمل عنوان (من إصحاحات الوعيد الفراتي). وهو عنوان اختزل من حيث الاسم والعبارة صور العهد الجديد (الإنجيل) وماركسية (البيان الشيوعي) وشطحات الصوفية. إذ نقرأ فيه ما يلي:"النجوم من جندي، والسماء مملكتي. وفي الأرض ذخائر تخرجها الشمس للمدقعين. أنا سيد الحروف! أسلم للفقراء سلاح يدخلوا به ملكوت النار ثم يخرجون منها وقد فاضت لهم كنوز الدنيا فيوزعونها ولا يمتلكونها لأنهم ملوك الحرمان. ومن الحرمان تزهر حقولهم وتزدهر بساتينهم فيشبعون بعد الجوع ويكسون بعد العري ويعزون بعد الذل".
لقد أراد العلوي القول، بأن ما في السماء والأرض ينبغي أن يكون ملكا للفقراء. وان من يدعي تملكه للحرف (من كلمة وعبارة وأصول الأشياء والوجود) ينبغي أن يسلم للفقراء سلاح يدخلون به ملكوت النار ليخرجوا منه مطهرين. فدخول النار هو تطهير وليس عذاب، وهو الأسلوب الذي يجعل من الممكن توزيع الكنوز مشاعا بين الناس، لان من يقوم بذلك هم "ملوك الحرمان". كما أن من الحرمان يزدهر كل شيء، ويقضى على الجوع والعري والذل. وهي فكرة يمكن العثور عليها في أدعية الأئمة وخطب المساجد وسجع الأدباء وكلمات الصوفية وأحاديث النبي وآيات القرآن وإصحاحات الأناجيل. وبمجموعها تشير إلى أن ما يمد العلوي ليس العبارة بل مصدرها. ومصدرها هو الروح الباحث عن مشاعية للثروة والإخلاص لمبدأ العدالة والمساواة في طوباوية جديدة كان يدرك حدودها ويتألم لخسرانها ويلتاع وجدانه مما فيها من بصيص خالد يشع من كوة الأمل المحجوب بجدار الغريزة ورذيلة السلطة. وفي هذا يكمن سر موقفه المعارض للغرب الذي وجد في تاريخه وحضارته وديمومتها حلقات متراكمة من الفردية والملكية الخاصة والعبودية للغريزة. كما عثر فيه على سر الموقف المتباين بين مثقف الشرق ومثقف الغرب. وهو تباين مبني على فهمه لطبيعة الدولة في الشرق والغرب والاختلاف النسبي فيما بينهما. فالدولة لم تكن معنية في كليهما بقضايا العدل. لأنها قضايا كانت على الدوام ومازالت من هموم المعارضة مادامت معارضة. وكان الصراع على العدل هو محور العلاقة بين المعارضة والدولة، أي بين الناس والحاكم. الناس يريدون العدل والحاكم يريد الحكم. إلا أن لهذه العلاقة العامة خصوصيتها في المواقف العملية للحضارة والمثقفين على السواء. وهي علاقة يرفعها العلوي إلى مصاف المرجعية القابعة وراء غيبهما، مع انه حاول سبكها بعبارة سياسية معقولة، لكنها أشبه ما تكون بشبهة أمام العقل والوجدان. فقد كانت هذه المرجعية ترمي إلى إبراز نوع الخلاف التاريخي والثقافي بين الشرق والغرب في مجال ومستوى علاقة المثقف بالسلطة، مع ما يترتب على ذلك من "استحقاقات" في ميدان الفكر السياسي والعملي.
فقد انطلق العلوي من اعتقاده القائل، بأن العلاقة بين المفكر السياسي والحاكم في الغرب أوثق منها في الشرق من جهة التضارب في الفهم المتعلق بالدولة. فالسائد في الشرق هو الشقاق بين المفكر والسياسة العملية. مما أدى إلى انقسام متميز بين المثقفين، أحدهم تابع للسلطة كمصدر للرفاه الشخصي، وبين معارض مطرود ومطارد أو نابذ لها باختياره. كل ذك جعل من شهداء الفكر السياسي في الشرق أكثر منهم في الغرب. وهو السبب الذي جعل من المساحة المتوسعة لليوطوبيا في الشرق أمرا يتناسب مع الابتعاد أو الشقاق مع السياسة العملية.
لقد اضطر المفكر السياسي في الشرق (والعالم الإسلامي) إلى أن يتجذر في رؤية طوباوية مبتعدا عن الحياة السياسية العملية المباشرة. في حين خدم المفكر السياسي في الغرب تطور المجتمعات بسبب احتواءه على قدر اقل من اليوطوبيا. وفي هذا "القدر الأقل من اليوطوبيا" يكمن سر النزوع العقلاني في الغرب وضعف الروح الإنساني فيه. وهو تزاوج له مقدماته الخاصة فيما يدعوه العلوي بالثقافة الغربية، أي الثقافة الأولية للغرب التي تمثلت في اغلب مكوناتها عناصر الهمجية العقلانية. فهي ثقافة متصلة، تبدأ من اليونان فالرومان فالعصور الوسطى فعصر النهضة حتى العصر الحديث التي شكل التملك الخاص وغريزة الربح محورها الذاتي. إنها ثقافة تكمن في جذورها همجية الإغريق الابادية كما مثلها سلوك صولون في حروبه، وهمجية الرومان الغلادياتورية الظاهرة في صراع الأسرى العزل مع الضواري. وإذا كان الغربيون المعاصرون قد اتفقوا على شطب هذه الهمجية في صراعهم الداخلي، فإنهم ابقوا عليها مفتوحة على الخارج. وهي ثقافة مازالت مستمرة بعد أن جرى تعميدها أمريكيا. كما أنها مازالت مهيمنة بما في ذلك في العالم العربي. وإليها ينبغي إرجاع سبب الخراب الذي يعمه ويمنعه من النهوض. وهو خراب له جذوره الفاعلة والمؤثرة في الرؤية الغربية نفسها تجاه العالم العربي. وهو الآمر الذي جعله يقول، بأن للعرب عدوا قديما هو الغرب. وهي عداوة محكومة بالجوار أيضا، التي شكلت تاريخيا النقيض أو الغريم الجغرافي والحضاري لأوربا. بهذا المعنى يمكن الحديث عن وراثة العرب لعداوة الغرب تجاه المنطقة. إذ ورثوا عداوة الغربيين للفينيقيين وتدميرهم لقرت حدش (قرطاجة) وتكرار ذلك في تدمير تدمر الآرامية وحروبهم على زنوبيا. والعرب وحدهم من إدراك ثأر هذه الهزائم التاريخية، كما ثأروا لقتل المسيح الفلسطيني من الرومان. وكان عمر بن الخطاب الوريث المنتصر لأسلاف هزمهم الرومان. وفي هذا تكمن عقدة الحقد الأوربي على العرب المنتصرين في معارك الفتح الأول. وهو حقد ميز تاريخ أوربا والغرب عموما من العرب والمسلمين، وتوج في هيمنتهم المعاصرة وبالأخص في مجرى القرنين الأخيرين. إلا أن لكل أوج حضيض تنعطف منه الأشياء إلى مصائر مغايرة، كما يقول العلوي. وقد تأوجت الهيمنة الغربية إلى حدود لم يعد بالمقدور تجاوزها إلى ذروة أعلى. واستكمل الغربيون حلقات مصائرهم ففرضوا على المحصورين أن يبحثوا عن منافذ للإفلات.
ومع إقراره بان الثقافة الحديثة الغربية هي ليست غربية بالمعنى القديم، لأنها أخذت تتوسع وتتشبع من مصادر عديدة بما فيها الشرقية، إلا أنها مازالت تفعل وتفكر ضممن آلية الربح والركض وراء المال والهيمنة. من هنا ضعف روحها الإنساني. إذ لا نعثر فيها اليوم ولا قبل ذلك على حركة يمكنها أن ترتقي، على سبيل المثال لا الحصر، إلى مستوى حركة الحارث بن سريج الذي ناهض السلطة الأموية من اجل العدالة للجميع، بحيث نراه يجمع "كفار" آسيا الوسطى مع جيشه المسلم لوقف عدوان السلطة وهمجيتها. بينما لا نعثر اليوم في الغرب كله على من هو قادر على تكرار تجربة الحارث خارج نطاق مقالة احتجاجية عابرة أو مظاهرة من بضع عشرات لتسجيل موقف.
لقد أراد العلوي القول، بأن مواجهة الغربيين لسلطاتهم مبنية على مصالح ضيقة، هي مصالحهم أولا وقبل كل شيء ولا علاقة لها بفكرة العدل والعدالة كما هي. أنها نفسية وذهنية نفعية خالصة. لهذا نراه يتوصل إلى استنتاج حاد يقول، بأن "الثقافة الغربية ضمن هذا الخط غير مؤنسنة، بل هي موروث روماني غلودياتوري". ومن ثم فهي ثقافة مازالت تحدد في اغلب جوانبها مساعي الغربيين ورؤيتهم المعاصرة. بحيث جعله ذلك يقول، بأننا "لا نشكو من قيمة العلم الغربي، بل من أيديولوجيته" التي طابقها مع أعمال ومواقف ونماذج شخصيات سياسية مثل مارغريت تاتشر وفرنسوا ميتران وبيل كلينتون، وأضاف لهم سلمان رشدي. لكنه اعتقد بان الثقافة الأوربية مهما عظم وطال نجاحها، فإنها عرضة للخراب. فنجاحها هو جزئي بمقاييس الروح. إذ حتى تفوقها المعاصر على الشرق عادة ما يؤدي إلى إنتاج عاهات اكبر. فعندما يقارن ما اسماه بموقف المثقفية الإسلامية والمثقفية الغربية من قضايا الجنس، فانه يتوصل إلى أن ما يميز المثقفية الإسلامية كونها تعبيرا عن وعي اقل حسية ومناهضا لما يدعو إليه رجال الدين من تمتع بالملذات. ذلك يعني أن هاجسها وغايتها محكومان بترقية الغرائز وتهذيبها بالإرادة. كما نعثر عليها في تجربة الصين المعاصرة (الشيوعية) بوصفها محطة بارزة في تاريخ النضال النسوي الذي يقف خارج الذكورية الحاكمة في الحضارات القديمة والإباحية الجنسانية لحضارة الغربيين المعاصرة. وهي ممارسة نعثر عليها عند المثقفين المعارضين للسلطة والدين على السواء كما هو الحال عند أقطاب الصوفية والفلاسفة الكبار والمتكلمين والثوار. أما مواقف المثقفين الغربيين فقد أدت إلى فضيلة اكبر من مثيلها الإسلامي فيما يتعلق بمساواة الاثنين في هذا المجال، إلا أنها فتحت بهذا العدل بابا أوسع للعاهات الجنسية.
لقد اقترب العلوي في مواقفه هذه من الرؤية الثقافية في التقييم والأحكام. ورمى جانبا "منطق" التاريخ وحلقاته الصاعدة و"قانون" المسار "الطبيعي"، عبر إرجاعه إلى قيم إنسانية ثقافية اقرب إلى حكم الطبيعة ووجود الأشياء. فالبديل هنا لم يعد أمرا تلقائيا من مجرى التطور الاجتماعي للغرب (الأوربي)، بل من خلال الاختلاف والبحث عن منافذ جديدة. وهي رؤية تؤسس لموقف حضاري ثقافي يمكن دعوته بالمركزية الشرقية الجديدة، الساعية إلى مواجهة الغرب وإيقافه عند حدوده. لاسيما وانه قد بلغ الدرجة العليا من الهيمنة التي لا يمكنه تجاوزها إلا بالانعطاف إلى مصائر مغايرة (أخرى). وهي مصائر لم تعد محددة ومحدودة بالغرب نفسه، بل وبالشرق وبما فيه من إمكانية هائلة للسمو الروحي.
من هنا دعوة العلوي إلى بناء ما يدعوه بالثقافة الوطنية الحديثة، أي الثقافة المنشودة في مواجهة الغرب والرد عليه. وهي ثقافة ينبغي أن تكون مدعومة بالتراث العربي الإسلامي "المستخلص من مساحات الصراع بين المشاعية والإقطاع، وبين اللقاحية والدولة". أما الرافد التراثي الإضافي لها فهو تراث الصين المستخلص من نفس المساحات. ولا يعني ذلك بالنسبة للعلوي سوى صنع ثقافة قادرة على مواجهة الثقافة الحديثة من خلال استنادها على حصيلة الثقافة العربية الإسلامية المسبوكة من وحدة الرؤية المشاعية وللقاحية، أي من أفكار العدالة والمساواة والحرية المتراكمة في مجرى الصراع مع الإقطاع والدولة (الاستبدادية). وهي ثقافة متفتحة من حيث مخارجها على مصادر العدل الإنساني. لهذا جعل من يسوع ولاوتسه وتلامذته المشاعيين المصلحين أمثال أبو ذر الغفاري والقرامطة وإبراهيم بن ادهم إلى عبد القادر الجيلاني من المتصوفة، والاممين الغربيين من غوته حتى ماركس ولينين أعلاما ومعلمين لهذه الثقافة.
لقد وجد العلوي في الثقافة البديلة المستخلصة من تاريخ "المشاعية" العالمية بشكل عام والشرقية بشكل خاص، ثقافة مواجهة للثقافة الغربية بنمطها الاستعلائي وروح الهيمنة فيها. من هنا سعيه إلى ما يمكن دعوته بالمركزية الشرقية لمواجهة المركزية الغربية. إلا أنها مركزية من طراز جديد مبنية على نفسية "المشاعية" الجديدة. وهي نفس ترقص على أنغام الطوباوية التي طالما عشقها العلوي واعتبرها ضرورية بالنسبة للروح الثقافي في مواجهة العقائد أيا كان نوعها. ووضع هذه المركزية في عبارة مكثفة تقول "كلنا في الهمّّ شرق"! وهو شعار يكثّف الأبعاد الإنسانية في المثقفية التي تمثلها، والأبعاد الاجتماعية السياسية والقومية في مناهضة الدولة الاستبدادية. من هنا قوله "نحن صرعى الخطايا والحماقات التي يرتكبها قادتنا الوطنيون بفرديتهم الإقطاعية". وهو تقييم ينطلق، شأن اغلب تقييماته السياسية، من وجدان "شرقي"، أي متسام، لا من معايير العلم السياسي ومقتضيات الرؤية التاريخية ومنطق الأحكام الفلسفية الدقيقة. وهو السبب الذي يجعل من "المشاعية الشرقية" التي رفعها إلى مصاف المرجعية الكبرى للثقافة الوطنية الحديثة حاوية على كل أصناف الفكر والممارسات والنماذج، بما في ذلك الغربية في حال اندماجها المعقول في وحدة المشاعية واللقاحية، أي الشيوعية الوجدانية والحرية المجردة من ثقل الدولة (المستبدة). وهي صيغة اقرب ما تكون إلى فوضوية جماعية في حال تقييمها بمعايير السياسة. إلا أنها اقرب إلى روح الخيال الحرّ عندما نزنها بمواقفه المتحررة من أية قيود يمكنها عرقلة اندفاعه صوب البحث عما يراه حقا وحقيقة. وذلك لأنها مشاعية بلا عقائدية، ولقاحية لا تفرض نمطها على المجتمع تحت شعار "التحرير".
من هنا اعتقاده القائل بأن ما يعنينا اليوم ليس الفكر الشرقي المتنافر مع الحقائق العلمية، بل الفكر الشرقي في تفعيله واندماجه بعلوم الطبيعة وتراثه القديم، الذي اتسع لكونفوشيوس كما اتسع للغزالي والخوارزمي. ولا يعني ذلك مجرد دمج بعض نتاج الثقافتين الإسلامية والصينية بوصفهما المصدر الأساس لفكرة "المشاعية الشرقية"، بل ومحاولة لاستنهاض ما فيهما من روح قادرة على مواجهة غرائزية الثقافة الغربية. وهي فكرة وضعها في ثنائية المعارضة المتسامية عن الشرق والغرب وأكملها بضرورة الكشف عن منابع جديدة للثقافة الوطنية الحديثة في أعماق آسيا من اجل ما أسماه بالانفلات "من هيمنة الثقافة الغربية التي نريد أن تكون أحد روافد ثقافتنا وليس المنبع الوحيد الذي يتزاحم عليه الرواد".
وذلك لأن مهمة الثقافة البديلة لا تقوم في مواجهة الغرب، بل بالإفلات من أن تكون ثقافته المنبع الوحيد. وهي مهمة تهدف إلى التحرر من ثقل الثقافة الغربية كما هي عبر مواجهة الأبعاد السيئة فيها من خلال نفيها بثقافة مشاعية شرقية متسامية وجد نموذجها في الخط المعارض للثقافة الإسلامية والصينية. وهي فكرة تستند إلى يقينه القائل، بأن الحضارة العربية الإسلامية هي أرقى الحضارات الغرب آسيوية وأملأها في الإنجاز العلمي والثقافي والعمراني، وبها اكتملت المعرفة الحامية – السامية. وهي عبارة تعني في آراء العلوي، أنها ثقافة استكملت تقاليد القدماء في المنطقة التي سبقت تقاليد الثقافة الأوربية. بمعنى جمعيتها وسموها في تمثل معارف من سبقها. وبما أن الحضارة الإسلامية وقرينتها الصينية هما الأساسان اللذان تطورت عليهما المدنية الحديثة والحضارة الحديثة معا، من هنا ضرورة استعادتها بالشكل الذي يجعلها روافد ومكونات الثقافة الوطنية الحديثة في مواجهة النفس والآخرين.
احتوت رؤية العلوي هذه على إقرار ضمني وإعلان علني بأصالة الثقافة الشرقية ومصدريتها بالنسبة للحضارة والمدنية العالميتين المعاصرتين. وإذا كانت الثقافة الشرقية تعني هنا الإسلامية والصينية، فلأنه وجد فيها ثقافة معنية بالإنسان والروح. وليس اعتباطا أن يشير العلوي مرة إلى انه رمى الفلسفة الهندية بعد أن بدء بالاطلاع عليها ورجع إلى الصينية ليكتشف فيها جوهر الإنسان. ذلك يعني انه كان يبحث عن رؤية شرقية ترتقي إلى مصاف الروح الإنساني الفاعل بمعايير العدالة والحرية. وهو ما لم يجده إلا في الحضارة العربية الإسلامية والصينية وثقافاتهما المتعددة. وهو موقف حدد طبيعة تطوره أو بصورة أدق رجوعه إلى المصادر الأولى. إذ حقق في ذاته، بطريقته الخاصة، الحقيقة القائلة بأن كل تقدم فعلي إلى الأمام هو رجوع إلى المصادر الأولى. ولم تكن مصادره الأولى من الناحية الوجودية والمتسامية سوى مصادر الشرق العربي الإسلامي واكتشاف مثيله أو غراره في الشرق الصيني، كما كان يحبذ القول.
إن الانفلات من قبضة الثقافة الغربية دفعه إلى فضاء الثقافة الشرقية. وفيها عثر من جديد على الوحدة المتناسقة بين ثقافة العرب المسلمين والثقافة الصينية في نماذجها المستحصلة من تاريخ الصراع ضد الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي. وهي حصيلة أطلق عليها عبارة "المشاعية الشرقية"، ووجد نموذجها الفردي في "المثقف القطباني". ذلك يعني، أن الإفلات من قبضة الثقافة الغربية والرجوع إلى المصادر الذاتية كان في آن واحد مخرجا وبديلا. وكلاهما كانا يستندان إلى نسق تلقائي لم يتصف بردود الفعل، بل بالاجتهاد الذاتي في نقده لكل ما لا صلة حقيقية له بالمشاعية (أي العدالة والمساواة أو شيوعية الوجدان) واللقاحية (أي الحرية وحق الانعتاق من كل ظلم واستبداد).
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هادي العلوي - المثقفية والابعاد الاجتماعية والسياسية -8 من 1 ...
- هادي العلوي: المثقفية او القيمة الابدية للمثقف 7 من 11
- هادي العلوي - الثقافة الحقيقية هي الثقافة المعارضة 6 من 11
- هادي العلوي - الثقافة والسلطة كالعقل والطبع 5 من 11
- هادي العلوي - التاريخ المقدس هو تاريخ الحق 4 من 11
- هادي العلوي: الابداع الحر - معارضة أبدية -3 من 11
- هادي العلوي- من الأيديولوجيا إلى الروح 2 من 11
- هادي العلوي المثقف المتمرد 1 من 11
- الديني والدنيوي في مسودة الدستور - تدين مفتعل وعلمانية كاذبة
- الدستور الثابت والنخبة المؤقتة
- أورليان الجديدة وأور القديمة – جذر في الأصوات وقطيعة في الأن ...
- الحداد الرسمي لفاجعة الكاظمية = مأتم ابدي + ثلاثة أيام
- جسر الأئمة أم طريق المذبحة المقبلة للانحطاط السياسي العراقي
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية-6 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 5 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 4 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 3 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 2 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 1 من 6
- حق تقرير المصير- في العراق – الإشكالية والمغامرة


المزيد.....




- بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن ...
- مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية ...
- انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
- أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ ...
- الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو ...
- -يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2 ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
- عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم ...
- فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ ...
- لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - هادي العلوي: المثقفية والابعاد الروحية والحضارية 9 من 11