|
لهذه الأسباب يَفْشَل المؤوِّلون في إثبات كروية الأرض في القرآن!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4757 - 2015 / 3 / 24 - 20:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
جواد البشيتي "الإشارات القرآنية" إلى "كروية" الأرض هي من أوجه "الإعجاز العلمي" في القرآن؛ هذا ما يقوله، ويقول به، "مُكْتَشِفو" هذه "الإشارات" من جماعة "المؤوِّلين (العلميين)" للآيات القرآنية. جَدَلاً ليس إلاَّ، سأَزْعُم ما يزعمون؛ لكن ما قولهم في الحقائق الآتية: كان الإغريق يعتقدون أنَّ الأرض على شكل "قطعة نقد معدنية مستديرة"، وأنَّ بلادهم تقع في منتصفها، وأنَّ هذه القطعة تعوم على الماء كسفينة. ثمَّ قال الإغريق بـ "كروية الأرض". فيلسوفهم فيثاغورس (قبل المسيح بنحو خمسة قرون) كان أوَّل من تحدَّث عن "كروية الأرض والكون"، فـ "الكرة" بالنسبة إليه هي "الجسم في منتهى كماله". وقال أيضاً بدوران الأرض حَوْل الشمس. الفلكي الإسكندري بطليموس (قبل الميلاد بنحو قرن ونصف القرن) قال بكروية الأرض؛ لكنه لَمْ يَقُلْ بحركتها، فهي ساكنة، تدور حَوْلها الشمس. أرسطو قال بكروية الأرض، مُتَّخِذاً ظاهرة خسوف القمر دليلا على كرويتها. أمَّا أريستارخوس الساموزي (310 – 230 قبل الميلاد) فقال بدوران الأرض حَوْل الشمس. فما هو قولكم في كل تلك إنَّها بعض مِمَّا تكلَّم عنه الإغريق، وغيرهم، قبل الميلاد، في شأن كروية الأرض وحركتها؛ أليس في كلامهم هذا كثير من "الإعجاز"؟! "الإيمان الديني" يجب أن يَضْرِب جذوره عميقاً في "العقل"، فإذا قام برزخ بينه وبين "العقل" أصبح كمثل شجرة مقطوعة الجذور. في أمْرِ "كروية الأرض" لم يَرِدْ في القرآن أي لفظ (أو عبارة) يَدُلُّ معناه، من غير "تأويل"، على أنَّ الأرض (كوكب الأرض) كُرَة، أو كروية.. فكلمة "كُرَة" لا وجود لها في كل القرآن. ورد في القرآن، وعلى سبيل المثال، الآية "خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ". "المؤوِّلون (العلميون)" للقرآن أوَّلوا "التكوير" في هذه الآية بما يُمكِّنهم من الادِّعاء بأنَّ الإشارة إلى "كروية الأرض" قد وَرَدَت أوَّل ما وَرَدَت في القرآن. على أنَّ الآية "إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ" تُكَوِّر هذا التأويل، وتَجْعَله يَنْكَدِر انكدار النجوم يوم القيامة، فالشمس "تُكَوَّر"، يوم القيامة، أي تُظْلِم ويَذْهَب نورها. وغنيٌّ عن البيان أنَّ الشمس "الكروية" هي التي تُكَوَّر يوم القيامة، أي تصبح مُظْلِمَةً. ما هو شكل "الأرض" في القرآن؟ في القرآن، الأرض ليست "كرويةً"؛ ليست "مُرَبَّعاً"؛ ليست "مستطيلاً"؛ ليست "مُثَلَّثاً"؛ ليست "مُكَعَّباً". وإنَّني لا أعْرِف السبب الذي منع كل من قرأ القرآن وفهمه من أن يَفْهَم الشكل القرآني للأرض على أنَّه كمثل "قِطْعَة نقدية معدنية مستديرة". إذا أنتَ تأمَّلْتَ هذه القطعة تَفْهَم على خير وجه الشكل القرآني للأرض. "القطعة النقدية المعدنية المستديرة (القِرْش مثلا)"، لها "سُمْك (ارتفاع)". وبفضل هذا "السُمْك" نَفْهَم "الأرضين السبع"، فالأرض، في "سُمْكها"، تتألَّف من "طبقات سبع"، هي "الأرضين السبع". وبفضل "استدارتها" نَفْهَم "القُبَّة السماوية"، فَجَعْل السماء مُقَبَّبَة على الأرض (أي رفع السماء عن الأرض من غير أعمدة مرئية) إنَّما يقتضي أن تكون الأرض "مستديرة". وهذا الشكل القرآني للأرض يُفَسِّر "جريان الشمس لمستقرٍّ لها"؛ ويُفَسِّر، أيضاً، العبارة القرآنية "يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ".. وفي معنى "التكوير" جاء في تفسير القرطبي: معنى "التَّكْوِير"، في اللُّغَة, هو طَرْح الشَّيْء بَعْضه عَلَى بَعْض. يُقال كَوَّرَ الْمَتَاع أَيْ أَلْقَى بَعْضه على بَعْض. إذا كانت القُبَّة السماوية نهاراً فإنَّ الله يأتي بـ "ليل" يشبه "القماش"، فَيَلِفُّ به "النهار" مرَّات عدة، فيتضاءل "النهار"، أو "النور"، شيئاً فشيئاً حتى يعم الظلام. وهذا إنَّما يعني أنَّ الخالِق يُدْخِلُ الليل في النهار، ويُدْخِلُ النهار في الليل، أو يُتْبِعُ الليل بالنهار، والنهار بالليل. وَقَدْ قال اِبْن عَبَّاس: ما نَقَصَ مِنَ اللَّيْل دَخَلَ في النَّهَار وما نَقَصَ مِنَ النَّهَار دَخَلَ في اللَّيْل. وهذا هو معنى: "يُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَيُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل". و"تَكْوِير اللَّيْل على النَّهَار" هو تَغْشِيَته إِيَّاهُ حَتَّى يَذْهَب ضَوْءُهُ. ومعنى "يُغْشِي النَّهَار على اللَّيْل" هو أنْ يُذْهِب النهار ظُلْمَة الليل. وَهَذَا قَوْل قَتَادَة. وَهُوَ مَعْنَى الآية: "يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبُهُ حَثِيثًا". وجاء في تفسير الجلالين: "يُكَوِّر"، أي يُدْخِل اللَّيْل عَلَى النَّهَار فَيَزِيد، ويُدْخِل النَّهار على اللَّيل فَيَزِيد. وجاء في تفسير ابن كثير: "يُكَوِّر اللَّيْل على النَّهَار، وَيُكَوِّر النَّهَار على اللَّيْل"، أَيْ سَخَّرَهُمَا يَجْرِيَانِ مُتَعَاقِبَيْنِ لا يَفْتُرَانِ كُلّ مِنْهُمَا يَطْلُب الآخر طَلَبًا حَثِيثًا، كَقَوْلِهِ "يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبهُ حَثِيثًا". هَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَالسُّدِّي وَغَيْرهمْ. وجاء في تفسير الطبري: "يُكَوِّر اللَّيْل على النَّهَار وَيُكَوِّر النَّهَار على اللَّيْل" أي يُغَشِّي الليل على النهار, والنهار على الليل. كما قال "يُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار وَيُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل". ومعناه، عن ابن عَبَّاس، يَحْمِل اللَّيْل على النَّهَار. ومعناه، عن السُّدِّي، يَجِيء بِالنَّهَارِ وَيَذْهَب بِاللَّيْلِ, وَيَجِيء بِاللَّيْلِ, وَيَذْهَب بِالنَّهَارِ. لفظ "التكوير" إنَّما اسْتُخْدِم هنا ليؤدِّي المعنى الذي نراه في ظاهرة "نمو" ظلمة الليل، و"نمو" نور النهار، فـ "نور النهار" يتحوَّل شيئاً فشيئاً إلى "ظلمة الليل"، التي هي، أيضاً، تتحوَّل شيئاً فشيئاً إلى "نور النهار". في هذا "التَدَرُّج" في "نور النهار" و"ظلمة الليل" يكمن "المعنى الحقيقي" لـ "التكوير". وإليكم الآيات القرآنية التي يَدُلُّ معناها على أنَّ الأرض ليست بكروية: "وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ". "أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَاداً". "الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ". "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ بِسَاطاً". "وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ". "وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ". "وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا". أين معاني "الكرة"، أو "الكروية" في "سُطِحَتْ"، و"مِهَاداً"، و"فِرَاشاً"، و"بِسَاطاً"، و"مَدَدْنَاهَا"، و"مَدَّ"، و"طَحَاهَا"؟! بقيت الآية "وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا". "دَحْوُ" الأرض ما عاد يعني، عند "المؤوِّلين المعاصرين"، "بسطها"، وهو المعنى الحقيقي للكلمة. أصبح يعني، عَبْرَ "التأويل"، جَعْلها كـ "الكرة". هذا المعنى اللغوي (المُخْتَرع) لا وجود له في كل معاجم اللغة العربية، التي تُجْمع على معنيين لهذه الكلمة، هما "بَسَطَ" و"دَفَعَ". وَيُقَال لِعُشِّ النَّعَامَة أَدْحَى-;- لأنَّه مَبْسُوط على وَجْه الأَرْض. وجاء في "لسان العرب": "الأُدْحِيُّ" و"الإِدْحِيُّ" مَبِيض النعام في الرمل، فالنعام تدحو الرمل، ثمَّ تبيض فيهِ. ومَدْحَى النعام هو موضع بيضها. وليس لـ "الدِّحْيَة"، في كل المعاجم اللغوية العربية، من معنى "البيضة". لقد أخذوا الفعل "دحا" الذي يعني "بسط"، وزعموا أنَّه مشتق من "الدِّحْيَة"، أو "الأُدْحِيُّ" (أو"الإِدْحِيُّ"). وزعموا أنَّ "بيض النعام" هو معنى لفظ "الدِّحْيَة"، أو "الأُدْحِيُّ"، أو "الإِدْحِيُّ". إنَّ "الدِّحْيَة" هي اسم مشتق من المَصْدَر "دحو"، وليست بـ "مَصْدَر" حتى يجوز الاشتقاق منها. "الأُدْحِيُّ"، أو "الإِدْحِيُّ"، هو "مبيض النعام في الرمل"؛ والنعام تدحو (أي تبسط) الموضع الذي ستبيض فيه، ثمَّ تبيض. إذا كان "دحو الأرض" هو جَعلها "كروية"، فهل يجوز ويصح أن نقول بوجود الليل والنهار "قَبْلَ" دحو الأرض؟! لقد وَرَدَت الآية "وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا" بَعْدَ الآيات "أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا. رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا. وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا". الخالِق (وقَبْلَ أن يَجْعَل الأرض كروية) أغطش ليلها، أي أظْلَمَهُ، وأخرج ضحاها، أي أبرز النور، أو النهار؛ فَلْتُمْعِنوا النظر لعلَّكم تفقهون!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جَدَل -الحقيقة-
-
بأيِّ معنى يتوقَّف الزمن؟
-
الدكتور النجار يَعْثُر على نظرية -النسبية- في القرآن!
-
لعبة -الأَسْلَمَة-.. أما حان لها أنْ تنتهي؟!
-
رِبا إسلامي يسمَّى -المرابَحَة-!
-
مصطفى محمود في حواره المُبْتَذَل مع صديقه الملحد!
-
كيف غرسوا فكرة -فناء المادة- في تربة الفيزياء!
-
لو أُغْلِق المسار التفاوضي بين واشنطن وطهران!
-
موطن الاستعصاء في -المفاوضات النووية- بين طهران وواشنطن!
-
-السياسة- بين -المثالي- و-الواقعي-
-
-الآلة- من وجهة نظر سوسيولوجية
-
في نسبية -الآن-
-
عندما يصبح اللجوء إلى المجتمع الدولي إرهاباً!
-
هكذا تكلَّم أوباما!
-
هل تورَّط الأردن؟
-
سياسة بعيون ميثولوجية!
-
انتهازية أخلاقية!
-
-يهودية الدولة-.. مشروع نتنياهو الانتخابي!
-
نهاية ثورة!
-
دولة لليهود فقط!
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|