|
بوب أفاكيان و ريموند لوتا يحلّلان إنتفاضات 2011 ( الفصل الأوّل من كتاب - نصوص عن الإنتفاضات فى بلدان عربية من منظور الخلاصة الجديدة للشيوعية -)
شادي الشماوي
الحوار المتمدن-العدد: 4757 - 2015 / 3 / 24 - 11:24
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
بوب أفاكيان و ريموند لوتا يحلّلان إنتفاضات 2011 ( الفصل الأوّل من كتاب " نصوص عن الإنتفاضات فى بلدان عربية من منظور الخلاصة الجديدة للشيوعية ")
مقدّمة الكتاب 19 : ينافى الحقيقة و يجافيها القول بأنّ ما جدّ فى بعض البلدان العربية ثورة و توصيفه بأنّه ربيع عربي . الحقيقة الموضوعيّة التى ما فتأت تتجلّى أمام الكثيرين هي أنّ الأحداث بدأت تحرّكات نضاليّة فإنتفاضات عفويّة حوّلت القوى الرجعيّة المحلّية و الإمبريالية العالمية مسارها و أوهمت السواد الأعظم للشعب بانّها ربيعا و أنّها ثورة و أنّها ديمقراطية و أنّها غيّرت الواقع تغييرا نوعيّا . لقد وقع التآمر على نضالات الجماهير الشعبيّة و مطالبها و لم يحصل فى أفضل الحالات ( تونس و مصر ) سوى إعادة ترميم دول الإستعمار الجديد و حفاظ الطبقات السائدة على مكانتها و رصّ صفوفها و مواصلته الحكم بتقديم وجوه جديدة على أنّها حاملة التغيير المنشود لمغالطة الجماهير الشعبية و تضليلها . أمّا فى أسوء الحالات ، فقد نجمت عن حبك المؤامرات الرجعية و الإمبريالية فى ليبيا و سوريا حرب أهلية رجعية بين أطراف رجعيّتها باتت بيّنة أكثر من أي زمن مضى لمن له عيون ليرى. و قد أفلحت الرجعيّة و الإمبريالية فى مسعاهما لقوّتها من ناحية و لضعف شديد أو غياب كامل للحركة الثورية المسترشدة بالنظرية الثوريّة ، بالشيوعية الثوريّة على وجه الضبط . و مباشرة ، دون مراوغة، تبدو هذه النتيجة منطقيّة تاريخيّا من زاوية الوعي السياسي و الإيديولوجي المتدنّى للجماهير الشعبية صانعة التاريخ و من زاوية هامشيّة أو إنعدام وجود البديل الشيوعي الثوري حقّا و إنصهاره فى صفوف الطبقات الشعبية المعنيّة بالتغيير الثوري الحقيقي . الطريقان اللذان فرضا فرضا على الجماهير الشعبيّة أن تسير فيهما لن يترتّب عليهما عدا تأبيد الإستغلال و الإضطهاد للطبقات الشعبيّة فلا الإمبريالية و ديمقراطيّة الطبقات العميلة أو عسكرها ( كما فى مصر مثلا ) قد يحقّقون المطامح الشعبيّة فى تحسين الأوضاع المعيشيّة فما بالك بالتغيير الثوري الذى لا يتمّ إلاّ بالنضال الطبقي الواعي و المنظّم لحركة ثوريّة تسترشد بنظريّة ثوريّة يكون محورها حزب طليعي شيوعي ثوري ؛ و لا الأصوليّة الدينية الرجعية بكافة المقاييس قادرة على تحرير البلدان العربية من براثن شتّى ألوان الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي . و الحقيقة التى سطع نورها حتّى أكثر فى هذه السنوات الأخيرة هي أنّ الإمبريالية و عملائها فى السلطة و الأصوليّة الدينية خارج السلطة يتنازعان لكنّهما يعزّزان بعضهما البعض و لا يخرجان عن نطاق النظام الإمبريالي العالمي . و للأسف لا يزال هناك من يعدّون أنفسهم من اليساريين و التقدّميين و حتّى الثوريين من ينكرون هذه الحقيقة و يدسّون رؤوسهم فى الرمال سالكين سياسة النعامة و يتذيّلون عمليّا لأحد هذين القطبين الرجعيين ، الممثّلين لأعداء الشعوب و تطلّعاتها . واضح جلي أنّ الجماهير الشعبيّة تحتاج إلى طريق آخر و يقع على عاتق الشيوعيين الثوريين حقّا صياغة طريق آخر ، طريق التحرير الفعلي للإنسانيّة قاطبة من سلاسل الإضطهاد و الإستغلال القومي و الطبقي و الجندري ، بإتجاه مجتمع شيوعي عالمي ممكن و ضروري و مرغوب فيه ؛ و النضال بكلّ ما أوتوا من جهد و بلا هوادة وبالسبل و الطرق و الأشكال الممكنة و الضرورية جميعها – دون دوس المبادئ أو التنازل عنها و المساومة بها - فى سبيل السير فيه تحقيقا لهذا المشروع الشيوعي الثوري . يحتاج المناضلون و المناضلات و الثوريّون و الثوريّات إلى القطع مع الأوهام الديمقراطية البرجوازية و التذيّل للقوميّة و الأصولية الدينية ، يحتاجون إلى الشيوعية الثورية حقّا و لا شيء غير الشيوعية الثورية حقّا بما هي الدواء لداء الإمبريالية و عملائها و طاعون الأصولية الدينية . و الشعب كي يصنع التاريخ فى حاجة ماسّة و أكيدة إلى قيادة أحزاب شيوعية ثورية تطبّق نظرية شيوعية ثوريّة و تطوّرها . زبدة الكلام ، ثمّة حاجة موضوعية لا أمسّ منها للتقدّم بطريقة أخرى . لهذا إنتخبنا لهذا الكتاب جملة من النصوص التى نشرناها سابقا و إليها أضفنا مقالات أخرى للماويين الإيرانيين و الأمريكان من أنصار الخلاصة الجديد ، لكونها تعالج هذه الحاجة الموضوعيّة الأكيدة من أجل دفع عجلة التاريخ إلى الأمام . و الغاية من كتابنا هذا ليست قراءة هذه النصوص فحسب بل إتخاذها منطلقا لتعميق النقاش الذى لا يعنى طبعا رفض الكلّ أو القبول بالكل عن عمى أو بدوغمائيّة و إنّما التفاعل النقدي و الجدال و إستخلاص الدروس و العبر بإتجاه مزيد الوضوح و إستيعاب النظرية الثورية و تطبيقها و تطويرها و الإرتقاء بالممارسة العمليّة الثورية لإنجاز المهام الملقاة على عاتق الشيوعيين الثوريين حقّا فى سبيل تغيير الواقع تغييرا شيوعيّا ثوريّا و المساهمة فى الثورة البروليتارية العالمية و أسمى غاياتها ، الشيوعية على المستوى العالمي . و ينطوى الكتاب 19 ( أو العدد 19 من " الماوية : نظرية و ممارسة " ) على : مقدمة : الفصل الأوّل : بيان بوب أفاكيان و نصّ محاضرة ريمون لوتا : 1- بيان بوب أفاكيان : مصر 2011 : ببسالة إنتفض الملايين ... لكن المستقبل لم يكتب بعدُ. 2- نصّ محاضرن ريمون لوتا ( بباريس و لندن فى جوان 2011) : الإنتفاضات فى الشرق الأوسط و شمال أفريقيا أو لماذا ينبغى أن يتحوّل التمرّد إلى ثورة ضد الإمبريالية و الإضطهاد برمته . الفصل الثاني : مقالات تحليلية من جريدة " الثورة " : 1- يمكن لملايين الناس أن يخطئوا : الإنقلاب فى مصر ليس ثورة شعبية . 2- إضطرابات فى مصر : أسطورة " سلطة الشعب " والثورة الحقيقية اللازمة. 3- أحداث ليبيا من منظور تاريخي ... و معمّر القذّافي من منظور طبقي ... و مسألة القيادة من منظور شيوعي . 4- سقوط نظام القذّافي فى ليبيا ... و دور الولايات المتحدة و الناتو فى ذلك . 5- أجندا الولايات المتحدة فى سوريا – إمبريالية و ليست إنسانية . 6 - خطاب أوباما بشأن سوريا : أكاذيب لتبرير حرب لا أخلاقية . الفصل الثالث : إلى الرفاق فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - الحزب الشيوعي الإيراني (الماركسي – اللينيني – الماوي ): الفصل الرابع : مصر و تونس و الإنتفاضات العربية : كيف وصلت إلى طريق مسدود و كيف الخروج منه - مقال من مجلّة " تمايزات " : ملحق 1 : من المقالات الهامة الأخرى . ملحق2 : مقال إسرائيل ، غزّة ، العراق و الإمبريالية : المشكل الحقيقي والمصالح الحقيقيّة للشعوب ملحق 3 : فهارس كتب شادي الشماوي. ================================================ الفصل الأوّل : بيان بوب أفاكيان و نصّ محاضرة ريمون لوتا : -------------------------------------------------------------------------- 1- مصر 2011 : ببسالة إنتفض الملايين...لكن المستقبل لم يكتب بعدُ. بيان لبوب آفاكيان رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية. ( 11 فبراير/ فيفري 2011) www.revcom.us/avakian/Egypt/Egypt2011-en.html وقد ألهمهم الشعب التونسي ، ببسالة إنتفض الملايين من الشعب المصري من كافة مناحى الحياة ، تحدّت نظام حسنى مبارك البغيض و أرغمت مبارك على التنحّى . فحطّم ذلك مقولة " لا يمكن أبدا تغيير الأمور" و مثّل دليلا قويّا على أنّه لا ضرورة دائمة للظروف القائمة التي تتسبّب فى معاناة مريعة للغالبية العظمى من الإنسانية. و فى كافة بلدان العالم ، بفضل هذه الإنتفاضات الجماهيرية ، بعمق شاع الفرح و الأمل لدى الشعوب المضطهَدَة و الشعوب المتعطّشة للقضاء على الإضطهاد . و ما إنفكّت رقعة هزّات التمرّد مستمرّة فى التوسّع و الإنتشار . وبينما تنحّى مبارك ، لا تزال ذات القوى الأساسية التي حكمت الشعب المصري ببطش و إستغلّته تمسك بالسلطة. و رغم كلامها المعسول و مديحها لجماهير الشباب و غيرهم من الذين تمرّدوا ، و رغم وعودها ب" الحرّية" و " الديمقراطية"، فإنّها فى الواقع مصمّمة على تحقيق " إنتقال" مهما كانت التعديلات المدخلة خلاله فى الحقل السياسي ، سيبقى مع ذلك جماهير الشعب فى مصر و فلسطين و بلدان أخرى ذات أهمّية إستراتيجية بالنسبة للإمبريايلة الأمريكية ، تعيش فى ظلّ ظروف لا تطاق . و مع كلّ ذلك، فإنّ القوّات المسلّحة فى مصر التي من المفترض أنّها ستقوم بهذا " الإنتقال" هي ذات القوات المسلّحة التي فرضت لعقود و بتفاني ووحشيّة حكم نظام مبارك، بينما راكم قادتها العسكريين الثروات متحوّلين إلى أكبر مستغِلّى الشعب المصري، أضف إليهم أنّ الإمبرياليين الأمريكان الذين ساندوا مساندة كلّية نظام مبارك و العملاء و أبقوهم فى مواقع السلطة طوال ثلاثين سنة ، دون أي إعتبار لمعاناة الشعب ، هم ذاتهم الذين يبحثون مجدّدا عن إلتقاط المبادرة و إصدار الأوامر الأخيرة فى ما يتعلّق بتحديد نوع " الإنتقال" فى مصر . إنّ مخطّطات و مرامى هؤلاء المضطهِدِين و المستغِلّين لا تمثّل ما يصبو إليه بيأس الشعب و ما يحتاج إليه. فالشعب يصرخ من أجل " الحرّية" و ينبغى مواصلة النضال إلى أن يتحقّق التحرّر الحقيقي من ربقة حكم الإمبرياليين و أذنابهم المحلّيين و شركائهم الصغار، التحرّر من كافة أشكال الإضطهاد و الإستغلال، التحرّر من كافة القوى التي عفا عليها الزمن و التي تستعبد النساء و الشعب بأسره على نحو يشبه ظلمات و إضطهاد القرون الوسطى، من القوى التي عفا عليها الزمن و التي تريد أن تستعبد الناس بإسم " الديمقراطية "..." الحرّية "... و يسوَّقُ للإستغلال الرأسمالي الإمبريالي على أنّه " التقدّم". عبر التاريخ ، تكرّر مرارا ، كما هو الحال فى مصر ( و كذلك فى تونس) أن إتخذت الهيمنة الإمبريالية و حكم المستغِلّين المحلّيين تعبيرا مكثّفا فى شكل نظام "رجل قويّ " سفّاح . و كان هذا هو الحال ، مثلا، فى إيران ، و زنزانات التعذيب أيّام حكم الشاه ، و فى الفليبين تحت طغيان ماركوس ، و فى أندونيسيا و العهد الوحشي المديد لسوهرتو؛ و جميعها دكتاتوريات وحشية ركّزتها فى السلطة الإمبريالية الأمريكية و أبقت عليها لمدد طويلة. وفى إيران ، أواخر السبعينات ،و فى الفليبين فى الثمانينات و فى أندونيسيا فى الفترة الأخيرة ، فرضت إنتفاضات الشعب على الإمبرياليين الأمريكان أن يتخلّوا عن هؤلاء الطغاة و أن يسمحوا ببعض التغييرات. لكن فى كلّ الحالات ، لم تؤدى الحصيلة النهائية إلى " الحرّية " الحقيقية للشعوب بل بالعكس تواصل تعرّضها للإضطهاد الوحشي على أيدى الذين حلّوا محلّ الحكام السابقين البغيضين ، فى حين ظلّت هذه البلدان ضمن الإطار العام للهيمنة و الإستغلال الإمبرياليين. لكن التجربة التاريخية أثبتت أيضا أن إستمرار الحكم الإضطهادي ، بشكل أو آخر، ليس النتيجة الوحيدة الممكنة . ففى روسيا ، فى فبراير/ فيفري 1917 ، أطاحت إنتفاضة شعبية بطاغية وحشيّ آخر ، القيصر ( ملك الحكم المطلق ) . و هناك أيضا ، حاول الإمبرياليون الأمريكان و الأنجليز و غيرهم و الرأسماليون الروس مواصلة إضطهاد الشعب الروسي بشكل جديد، بإستخدام آليّات " الحكم الديمقراطي" و الإنتخابات التي فيما تسمح ببعض المشاركة الأوسع لمختلف الأحزاب ، ستظلّ تحت السيطرة التامّة لمستغلّى الشعب و ستضمن إستمرار حكمهم و إستمرار معاناة الجماهير الشعبية. و فى هذه الحال، مع ذلك ، تمكّنت الجماهير من التفطّن لهذه المناورات و المؤامرات ،و مضت قدما فى إنتفاضتها الثورية، عبر عديد المنعرجات و الإلتوءات و فى أكتوبر 1917 كنست و فكّكت مؤسسات و آليّات الدكتاتورية البرجوازية و أرست نظاما سياسيا و إقتصاديّا جديدا ، نظاما إشتراكيا . و لعقود، تمكّنت الإشتراكية من الإستمرار فى التقدّم صوب القضاء على علاقات الإستغلال و الإضطهاد ، كجزء من النضال العالمي من أجل تحقيق الهدف الأسمى، الشيوعية . و الإختلاف الحيوي يكمن فى أنّه كان للإنتفاضات فى روسيا لبّ قيادة ، قيادة شيوعية، كانت تملك فهما واضحا وراسخا علميّا لطبيعة ليس فحسب هذا أو ذاك من الطغاة الوحشيين بل لطبيعة النظام الإضطهادي برمّته و للحاجة لمواصلة النضال الثوري لا من أجل الإطاحة بحاكم معيّن فقط و إنّما للقضاء على النظام بأسره و إستبداله بنظام يجسّد و يكرّس حقّا الحرّية و مصالح الشعب الأكثر جوهرية ، فى سياق سعيه للقضاء على كافة أشكال الإضطهاد و الإستغلال . و على الرغم من أنّ الثورة فى روسيا قد وقع الإنقلاب عليها فى النهاية و من أنّه أعيد تركيز الرأسمالية هناك فى خمسينات القرن الماضى ، و من أنّ روسيا اليوم لم تعد تبحث عن أخفاء حقيقة كونها قوّة رأسمالية-إمبريالية، فإنّ دروس الثورة الروسية لسنة 1917 لا تزال صالحة ، وهي بالفعل دروس حاسمة اليوم. و أكثر هذه الدروس حسما هو الدرس التالي : عندما تكسر ملايين الجماهير الشعبية فى الأخير القيود التي حالت دون تمرّدها ضد مضطهِدِيها و مصادر عذابها، عندئذ ترتهن نتيجة أن يؤدّى أو لا يؤّدى نضالها و تضحياتها فعلا إلى تغيير جوهري ،و أن تمضي أم لا نحو القضاء على كافة أشكال الإستغلال و الإضطهاد ، ترتهن بوجود أو عدم وجود قيادة ، قيادة شيوعية تمتلك الفهم العلمي الضروري و على ذلك الأساس تستطيع أن تطوّر المقاربة الإستراتيجية و التأثير المطلوبين و أن تنظّم العلاقات ضمن الأعداد المتزايدة من الجماهير الشعبية المنتفضة من أجل قيادة الإنتفاضة الشعبية عبر المنعرجات و الإلتواءات، بإتجاه هدف التغيير الثوري الحقيقي للمجتمع بما يتوافق مع المصالح الجوهرية للشعب . و بدورها ، عندما تقطع الجماهير الشعبية مع " رتابة العادة " و تكسر القيود الشديدة التي كانت تكبّلها ، قيود العلاقات الإضطهادية التي ترزح تحت نيرها عادة ، عندما تحطّم ذلك و تنتفض بالملايين ، تكون تلك اللحظة الحيوية للتنظيم الشيوعي لمزيد تطوير علاقاته مع هذه الجماهير ، و تعزيز صفوفه و قدره على القيادة.و فى حال عدم وجود تنظيم شيوعي من هذا القبيل ، أو وجوده فقط كمجموعات متناثرة معزولة، تكون تلك اللحظة حيوية لإنشاء تنظيم شيوعي و تطويره ليأخذ على عاتقه مواجهة تحدّى دراسة النظرية الشيوعية و تطبيقها بطريقة خلاّقة ، فى خضمّ الوضع المتفجّر ، و النضال بإستمرار لتطوير علاقته بالأعداد المتزايدة من الجماهير المنتفضة و التأثير فيها و فى النهاية قيادتها نحو الثورة التي تمثّل مصالحها الجوهرية و الأسمى ، الثورة الشيوعية . فى كتاباتى و خطاباتى المنشورة ضمن " الشيوعية : بداية مرحلة جديدة " و " بيان الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " و فى وثائق أساسية أخرى لحزبنا ، سعينا جهدنا إلى أن نرسم بأعمق و أشمل ما أمكن الدروس الحيوية المستخلصة من التجربة التاريخية للثورة الشيوعية و البلدان الإشتراكية التي قامت بفضلها و المكاسب الحقيقية و العظيمة فعلا ، و الأخطاء و الإنتكاسات الجدّية و التعلّم من أوسع تجارب المجتمع الإنساني و تطوّره التاريخي ، من أجل المساهمة بأقصى جهدنا فى التقدّم بالنضال الثوري و تحرير المضطهَدين عبر العالم . و مثلما يؤكّد القانون الأساسي لحزبنا : " أخذ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية على عاتقه مسؤولية قيادة الثورة فى الولايات المتحدة، قلب الوحش الإمبريالي ، مساهمة رئيسية منه فى الثورة العالمية و هدفها النهائي ، الشيوعية..." " تحرير الإنسانية قاطبة : هذا و لا شيئ أقلّ منه هو هدفنا . و ما من قضيّة أعظم أو هدف أسمى من هذا له نكرّس حياتنا. " بهذه الروح و آخذا بعين الإعتبار هذا الهدف ، أتقدّم بالمساندة و التشجيع الصريحين و من أعماق قلبي للملايين المنتفضة. و أدعو كلّ من يتطلّع حقّا لرؤية تطوّر النضال البطولي للجماهير المضطهَدة، بالقيادة المطلوبة ، بإتجاه التغيير الثوري الحقيقي للمجتمع و التحرير الحقيقي ، أدعوه لأن يتفاعل مع و أن يستوعب وجهة النظر التحرّرية و الأهداف الشيوعية و أن يرفع تحدّى إعطاء هذا التوجّه التعبير المنظّم و توسيع تأثيره فى صفوف الجماهير المناضلة .
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------- 2- الإنتفاضات فى الشرق الأوسط و شمال أفريقيا أو لماذا ينبغى أن يتحوّل التمرّد إلى ثورة ضد الإمبريالية و الإضطهاد برمته.
لريموند لوتا
أودّ أن أشكر المنظّمين لهذه الندوة البالغة الأهمّية و التي جاءت فى الوقت المناسب. و أنا أعبّر هنا عن إمتناني لتوفيرهم لي فرصة أن أكون على المنصّة بمعيّة جامعيين و مفكّرين و أن أساهم فى هذا النقاش مع الحضور.و إنّ لأبحث عن تبادل الآراء و التعلّم منكم.
-I- مقدّمة :
عنوان مداخلتى هو "الإنتفاضات فى الشرق الأوسط و شمال أفريقيا أو لماذا ينبغى أن يتحوّل التمرّد إلى ثورة ضد الإمبريالية و الإضطهاد برمته." وقد إخترت هذا العنوان لأنّنى أعتقد أنّه يلخّص الدروس الهامة و التحدّيات الحيوية للأحداث الخارقة للعادة طوال الأشهر الماضية . فمن جهة ، هزّت الإنتفاضات الشعبية فى الشرق الأوسط و شمال أفريقيا الوضع السائد الإمبريالي فى المنطقة ووضعت الطبقات الحاكمة المحلّية فى موقف دفاعي.وقد أعلن جيل جديد من الشباب انّ " السير العادي" للمجتمع غير مقبول. و صاح العديد منهم بإستعدادهم للموت لتغيير كيفية حكم المجتمع.و هم بجرأة يرسمون نموذجا لقطاعات واسعة من المجتمع. و تتواصل شرارات التمرّد فى الإنتشار دافعة آخرين فى المنطقة نحو الوقوف فى وجه الأنظمة الحاكمة الهمجية و الخانقة المتداعية .
لقد أعطى سقوط بن علي فى تونس و نظام مبارك فى مصر دفعا معنويّا كبيرا للشعوب المضطهَدة و للشعوب فى كافة أنحاء العالم التوّاقة إلى القضاء على الإضطهاد. وقد فجّرت الإنتفاضات فكرة أن " الأشياء لا يمكن أن تتغيّر" .و قد تبيّن أنّه لا وجود ل " ضرورة دائمة" للظروف التي تعيش فى ظلّها الغالبية العظمى من الإنسانية و تعاني منها.فى 15 ماي إنطلقت إحتجاجات غير مسبوقة للفلسطينيين فى أربعة مناطق حدودية مع إسرائيل . فوقع تحدّي وضع سائد آخر كان يبدو " غير قابل للتحدّى" – طرد و سجن الشعب الفلسطيني .
و من جهة أخرى ، يجب أن نقدّر الوضع تمام التقدير. فقد فُرض على حاكم بغيض مغادرة السلطة فى مصر . لكن ذات القوى الأساسية التي حكمت و إستغلّت الشعب المصري ظلّت فى السلطة . و ظلّ فى السلطة أيضا ذات الجيش الذى مثّل حصن نظام مبارك الذى خدم مصالح الولايات المتحدة . و تستخدم الولايات المتحدة تأثيرها و قوّتها لتبقي على وضع مصر كدولة عميلة إضطهادية تلعب دورا معيّنا فى المنطقة. و تبحث القوى البرجوازية الليبرالية على غرار تلك المتجمّعة حول محمّد البرادعي عن إجراء الترتيبات فى صفوف الطبقة الحاكمة و الإتفاقيات مع الإمبريالية .و يدخل الإخوان المسلمون فى المنافسة من أجل السلطة و التأثيرفيها.
وفى نفس الوقت ، فى ليبيا ، إنطلق الإمبرياليون الغربيون بتعلّة الإعانة الإنسانية، فى تدخّل عسكري لإرساء نظام مطواع أكثر.و فى البحرين حيث ترسو بواخر الأسطول الخامس الأمريكي ، دعمت الولايات المتحدة القمع الذى تقوده المملكة العربية السعودية ضد المسيرات . يشهد المشهد السياسي فى الشرق الأوسط و شمال أفريقيا تحوّلا مستمرّا فهناك ظروف مناسبة لتقدّم الجماهير. بيد أنّ سير الأمور فى إتجاه إيجابي يمكن أن يقود إلى تحرير حقيقي، يرتهن بنوع قيادة الجماهير. يرتهن بوجود قيادة شيوعية متسلّحة بفهم علمي لتطوّر العالم...و كيفية تغييره عبر الثورة . و حيث لا يوجد هذا النوع من القيادة ، من الحيوي بناؤه و تطويره.و هذا أيضا جزء من تحدّى الوضع الراهن .
لمداخلتى شقين أساسيين : جدال حول الديمقراطية و نقاش لما تعنيه الثورة فى عالم اليوم . و فى هذا السياق سأتطرّق للخلاصة الجديدة لبوب آفاكيان للشيوعية و كيف تقدّم نظرية تحريرية و علمية لإطار القيام بالثورة التي يمكن أن تحرّر الإنسانية جمعاء . لكن بداية ، أرغب فى أن أبدأ بعرض خلفية مقتضبة عن الإمبريالية فى الشرق الأوسط و شمال أفريقيا.
-II-الإمبريالية و الشرق الأوسط :
الشرق الأوسط منطقة ذات أهمّية جغراسياسية هائلة بالنسبة للإمبريالية : فيما يتعلّق بالإمدادات فى الطاقة ، وفيما يتعلّق بالتجارة و بطرق النقل الحيوية لسير النظام الرأسمالي العالمي ، و كمحور نزاع ضمن القوى الإمبريالية.كانت الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط حيوية فى هيمنتها العالمية بما فيها علاقاتها بالقوى الإمبريالية الأخرى . وتعنى السيطرة على إمدادات الطاقة فى المنطقة التمكّن من شرايين حياة مفاتيح بالنسبة للإقتصاد العالمي .
كيف كرّست الهيمنة الأمريكية ؟ كرّست من خلال الإعانة الإقتصادية و التجارة و الإستثمار... من خلال المؤسسات المالية العالمية مثل البنك العالمي و صندوق النقد الدولي... من خلال الأسلحة و التدريب العسكري، من خلال التدخّل السرّي و العلني – إطاحة الولايات المتحدة بحكومات و تركيز أخرى و من خلال حروب الغزو الهمجي للعراق فى 1990-1991 و مرّة أخرى فى 2003 . وقد زرعت الولايات المتحدة المنطقة بقواعد عسكرية و مراكز إستخباراتية . و هذا كلّه خدمة لإلحاق مجتمعات و إقتصاديات بلدان الشرق الأوسط و شمال أفريقيا بالمصالح الإقتصادية و الحاجيات الإستراتيجية للإمبريالية .
و يتطلّب تعزيز هذا الإلحاق بآلية الدولة الإستعمارية الجديدة – دولة عادة ما إتخذت شكل أنظمة قمعية للغاية يسيّرها جزّاران، مثل شاه إيران و حسنى مبارك مصر .
لكن الرابط المفتاح المحلّي فى سلسلة الهيمنة الإمبريالية و السيطرة على الشرق الأوسط هو دولة إسرائيل . فمنذ كانت إسرائيل قوّة إحتلال و حرس المنطقة لفائدة الإمبريالية الغربية : خائضة حروبا و شانة غزوات و ملحقة مناطقا أخرى بها لقد كانت إسرائيل ثكنة مسلّحة نووية مستقرّة نسبيّا فى خدمة مصالح الولايات المتحدة و القوى الإمبريالية الغربية فى هذه المنطقة من العالم القابلة للتفجّر و المنقّرة و الإستراتيجية . و قامت بذلك بمساعدة و حماية كبيرين من بلدان الغرب الإمبريالية و على أساس مواصلة إنتزاع أملاك الشعب الفلسطيني و سجنه و إضطهاده .
- - III الديمقراطية من أجل من و من أجل ماذا ، ثورة من أجل من و من أجل ماذا:
لقد كانت الإنتفاضات في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا ملهمة حقّا. لكن إلى أين سيذهب كلّ هذا ؟ سؤالان يطرحان نفسهما : هل من الممكن حقّا القيام بثورة ضد الإمبريالية ؟ و إن كان ذلك ممكنا ، هل بإمكان تلك الثورة أن تقود إلى مجتمع تحرّري فعلا ؟ إجابتى هي نعم بصوت عالي. إلاّ أنّه قبل أن نتطرّق بشكل أكثر مباشرة لهذه المسائل ، علينا أن نعالج ما الذي تحدّده الغالبية العظمى من الناس المشاركين فى هذه التمرّدات ، بما فيهم غالبية نشطاء " اليسار" و غالبية الناس الأكثر تقدّمية و حتى الواعين الثوريين ، كأهداف لهذه الإنتفاضات الجماهيرية .
إنّ الأطروحة السائدة هي أنّ الصراع فى الشرق الأوسط و فى العالم بصفة أعمّ ، هو نضال بين الدكتاتورية و الديمقراطية . و ترى هذه الأطروحة الصراع على أنّه صراع بين الأوتوقراطية و الحكم التسلّطي لرجل قويّ من جهة و مجتمع يسير وفق حكم القانون ، و الحفاظ على الحقوق الفردية ، و المسؤولية الديمقراطية . و بهذا المنظور ، أعلى تعبير للديمقراطية هو الإنتخابات الحرّة و التنافسية .
فكرة انّ الديمقراطية هدف إليه يتطلّع الجميع تفرز عفويّا فى صفوف الجماهير لكونها تعيش فى عالم الإمبريالية أين يتمّ الترويج للديمقراطية البرجوازية كقاعدة و معيار يطمح إليه ... لكون فكرة الثورة لإجتثاث النظام القديم و إيجاد نوع مختلف راديكاليّا من المجتمع و العالم قد وقع محوه من جدول الأعمال ... و لكون النظام ذاته يحجب بإستمرار الطبيعة الحقيقية للديمقراطية البرجوازية .
أعمال بوب آفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية محورية لإدراك الطبيعة و الجوهر الحقيقيين للديمقراطية . فقد ألّف كتابا بهذا المضمار عنوانه " الديمقراطية : أليس بوسعنا أن ننجز أفضل من ذلك ؟ ". وقبل عدّة سنوات ، صاغ هذا التعليق الثاقب :
" فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية ولامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن " الديمقراطية " دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى وأسوأ. طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات ، لن توجد " ديمقراطية للجميع" : ستحكم طبقة أو أخرى وستدافع عن وتروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذي يخدم مصالحها و أهدافها. المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم وإذا ما كان حكمها ونظام ديمقراطيتها، سيخدم تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقية و علاقات الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه ."
لنعلّق قليلا على هذا . يقوم المجتمع الرأسمالي على حرّية تنقّل الرأسمال، على حقّ الملكية و البيع و بأكثر جوهرية ، على حقّ إستغلال العمّال المأجورين الذين لا يملكون سوى قوّة عملهم التي عليهم بيعها لأجل البقاء على قيد الحياة . و فى هذا الإطار، توفّر الديمقراطية البرجوازية غطاء مفيدا للحكم الرأسمالي. تصرّ البرجوازية على ما يسمّى ب" موافقة المحكومين " عبر سيروراتها الديمقراطية ، مثل الإنتخابات حيث عادة ما تكون ما تسمّى ب" الإختيارات" مقبولة لدي الطبقة الحاكمة . و بينما يعتقد الناس فى إمكانية إحداثهم تغيير عبر هكذا إنتخابات ، تتحكّم البرجوازية فى إقتصاد المجتمع و سياسته و وسائل الإعلام و المؤسسات التعليمية التي تشكّل الرأي العام ، و بأكثر أهمّية ، تحافظ على إحتكارها شرعية إستخدام القوّات المسلّحة فى المجتمع . و في الولايات المتحدة تستخدم هذه القوات المسلّحة ، في نيويورك ،لإيقاف مئات الآلاف سنويّا من الشباب السود و اللاتينيين و الإعتداء عليهم . وهي تستخدم لخوض الحرب فى العراق و أفغانستان .
نعم ، تخدم هذه الديمقراطية طبقة معيّنة . و الديمقراطية فى الولايات المتحدة شكل لحكم طبقي ، دكتاتورية الطبقة الرأسمالية التي تخدم التملّك الفردي للثروة المنتجة إجتماعيّا و تعزّزه .
تتأتّى القوانين و الحقوق فى المجتمع الرأسمالي و فى المجتمعات التي تهيمن عليها الإمبريالية ، وهي في خدمة سير و متطلّبات المراكمة الإمبريالية . فمثلا ، من القانوني فى مجال الفلاحة تعزيز حقوق الملكية فى الهند و البرازيل - لشراء الأرض و إقتلاع الفلاحين من أراضيهم،و لإحتكار البذور ، و إستيجار العمل و إستغلاله. و هذه الحقوق تسندها و تصونها دول الإستعمار الجديد. بيد أنّه لا وجود لحقّ الأكل و حقّ السكن لشعوب العالم.لماذا؟ لأنّ ذلك سيتعارض مع ديناميكية و متطلّبات المراكمة الإمبريالية .
تحثّ الإمبريالية على إستعمال الآليات الديمقراطية – الإنتخابية فى الأمم المضطهَدة لما يسمّى بالعالم الثالث- حينما يتناغم ذلك مع مصالحها الإستراتيجية . ففى أمريكا اللاتينية ، على سبيل المثال ، وقع تعويض سلسلة طويلة من الأنظمة العسكرية – الفاشية الموالية للولايات المتحدة بأنظمة حكم متعدّدة الأحزاب عندما صار ذلك أفضل و يمكن التعويل عليه بالنسبة للإمبريالية . بيد أنّ الطبقات المستغِلّة قد سيطرت على آليّات المساهمة الأوسع هذه – و إستمرّت هيمنة الإمبريالية و تدخلها و بصورة أعمق فى هذه المجتمعات. دون ثورة حقيقية ، دون تغيير للبنية التحتية الإقتصادية و للعلاقات الإجتماعية فى المجتمع ، فإنّ أية إنتخابات ستصبغ الشرعية على التوافقات الجديدة بين القوى الإجتماعية المدعومة من قبل الإمبريالية.
ما تنشره الولايات المتحدة عبر العالم ليس الديمقراطية و إنّما الإمبريالية و الهياكل السياسية لتعزيز الإمبريالية . لقد غزت الولايات المتحدة العراق و إثر التحطيم و الغزو المباشرين ، تموّل إنتخابات كجزء من إرساء و "مصادقة على" نظام سياسي إضطهادي جديد ستهيمن عليه... بفوّهة البندقية .
فكروا فى المسألة : هل أدّت الإنتخابات فى مجتمع تحكمه الطبقات المستغِلّة إلى إيجاد نظام إجتماعي عادل ؟ هل أدّت الإنتخابات إلى التخلّص من الطبقات المستغِلّة أو حتى إجبارها على إيقاف إستغلال الشعب ؟ أين أطاحت الإنتخابات بالقوانين الرأسمالية الجوهرية - حيث يتحكّم الربح في كلّ شيئ ؟
فكّروا في المسألة ، مجرّد تصويت " الغالبية " من أجل شيئ ، لا يجعل الأمر صحيحا. في الولايات المتحدة كافة أنواع الأحكام ضد زواج المثليين صادق عليها توافق شعبي . و حتى إن صوّت جميع الأمريكيين لبوش ، فإنّ ذلك لن يقلّل من أنّ الحرب فى العراق حرب غير عادلة و مجرمة . لا يعنى مجرّد تعبير الناس عن أنفسهم فى إنتخابات أنّهم يعبّرون عن مصالحهم العليا و الأكثر جوهرية . فى الواقع ، لأنّ الشعب يحيا فى مجتمع برجوازي و هو بإستمرار عرضة لقذف بالأكاذيب و بدعاية الطبقة الحاكمة ، فإنّه عفويّا لن يدرك الحقيقة الخاصّة و مصالح شعوب العالم . المسألة هي أنّ الشعب لا يتحكّم فى النظام عبر الإنتخابات بالأحرى ، الإنتخابات جزء من سيرورة عبرها تتحكّم الطبقة الرأسمالية فى الجماهير و تكسب الشرعية .
يدعو ممثّلو الإمبريالية إلى إنتخابات " حرّة و عادلة" فى مصر و بلدان أخرى . بيد أنّ ما يقصدونه من هذا هو أنّ السياسات الرسمية لا يجب أن يُهيمن عليها حزب برجوازي واحد فقط، موالي للإمبريالية . على الأقلّ ينبغى السماح لحزبين للتنافس فى الإنتخابات التي فيها الدفاع عن مصالح الإمبريالية هو المعيار و طريقة تحديد ما هو شرعي و مقبول . و النموذج يعمل بصورة رائعة فى الولايات المتحدة ذاتها حيث لديكم إنتخابات " حرّة و عادلة " حيث يتنافس الديمقراطيون و الجمهوريون- الحزبان البرجوازيان الإمبرياليان .
و الآن نشاهد أوباما يهلّل ل " المدّ الديمقراطي" فى الشرق الأوسط. إنّه يهلّل للتمرّد لأجل الإلتفاف عليه . و يحاول ان " يمضي قدما " فى هذه الصراعات و توجيه طموحات الشعب نحو سيرورات ستبقى على القوّة الأساسية و علاقات الملكية هي هي. و هناك عديد " اليساريين " الذين يحاججون بأنّ دمقرطة الحياة السياسية هي الشيئ الأكثر واقعية – و حتى الأكثر مرغوبية - الذى نقاتل فى سبيله . و يحاججون أنّه من الأفضل أن تكون لدينا حكومات يُعوّل عليها عبر الإنتخابات من أن تكون لدينا أنظمة قمعية عسكرية . لكن مجدّدا ، ما هي الدروس التي نستخلصها من التاريخ ؟ فى الفليبين و أندونيسيا ، ركّزت الولايات المتحدة و حافظت على الدكتاتوريات الوحشية لماركوس و سوهرتو . و قد أجبرت الإنتفاضات الجماهيرية ضد هذه الأنظمة الإمبرياليين على أن يتخلّوا عن عملائهم و أن يدخلوا بعض التغييرات فى أشكال الحكم. غير أنّ إضطهاد الجماهير تواصل و ظلّت المجتمعات ملحقة بالإمبريالية و تابعة لها .
ولنتوجّه إلى الأحياء القصديرية فى القاهرة أين يعيش ما يناهز الخمسة أو الستّة ملايين فى ظروف بؤس لاإنسانية - بلا ماء صالح للشراب و بلا قنوات صرف صحّي و بلا مدارس و لا بنية تحتية للرعاية الصحّية . كيف ستمكّن الإنتخابات الجماهير من إعادة صياغة المجتمع بينما توجد سلطة الدولة ، و هي متركّزة فى الجيش ، بين أيدى الطبقات المستغَلة المدعومة من قبل الإمبريالية ؟ و إلى كاراكاس بفنيزويلا . لقد أدخل هوغو تشافاز كافة ألوان برامج الرفاه الإجتماعي ومأسس ما يسمّى صميم الديمقراطية . و صارت نسب المشاركة فى الإنتخابات عالية نسبيّا فى الأحياء القصديرية و وسّعت الخدمات الإجتماعية لتشمل مدن الصفيح . إلاّ أن الواقع ينطق بأنّ كاراكاس مدينة من الأحياء القصديرية. و الحقيقة هي انّ إقتصاد فنيزويلا منظّم حول النفط و إدماجه فى إطار الإقتصاد العالمي ما يحدّد السيرورات السياسية و الإجتماعية فى فنيزويلا . و تخدم سلطة الدولة الحفاظ على النظام الإقتصادي و علاقاته الطبقية . فى فينيزويلا لم يقع القطع مع الإمبريالية . ذلك أنّ هذا لم يكن مطلقا هدف تشافاز . بيد أنّه لا يمكن أن يوجد تحرير دون القطع مع الإمبريالية .
و هناك الكثير من " اليساريين " الذين فى حين يفهمون بعض حدود الحركات الراهنة فى الشرق الأوسط و شمال أفريقيا ، ينتهون إلى إستنتاج خاطئ جدّا . إنّهم يدافعون عن كون أقصى ما يمكن تحقيقه – و بالتالى هدف النضال هو- إيجاد " فضاء ديمقراطي". و بهذا يعتبرونه طريقا يمكّن القوى التقدّمية و الثورية من نشر سياساتها و تنظيم قواها لكي ، فى زمن آخر، بعيد المدى ، يوجد نوع من التغيير الأكثر ثورية .
لا يعدو هذا التصوّر التأجيلي كونه مجرّد تفريع آخر لمفهوم أنّ جوهر الصراع هو توسيع الديمقراطية و أنّ الثورة غير ممكنة حقّا . تتخلّى هذه المقاربة عن العمل الإيديولوجي الذي يجب القيام به حتى تحسم الجماهير فى الديمقراطية البرجوازية . هناك حاجة إلى أن تطوّر طليعة شيوعية حقيقية مسلّحة بفهم علمي و بمقاربة إستراتيجية ضرورية لتوسيع التأثير و مراكمة القوى من أجل الثورة و التقدّم إلى أبعد مدى ممكن صوب إفتكاك السلطة خلال الأزمات الكبرى فى المجتمع و في العالم .
نحن الشيوعيون لا نهمل نقص الحقوق الديمقراطية و عديد المظالم الأخرى التي هي الخبز اليومي لحياة الجماهير فى الأمم المضطهَدة - و التي تأثّر كذلك نسبيّا فى الفئات ذات الإمتيازات .
تقاوم الجماهير فى الشرق الأوسط الإضطهاد . و الصراع من أجل الحقوق الديمقراطية ضد الإضطهاد نضال من النضالات العادلة لكنه يجب ان يكون رافدا من روافد المساهمة فى بناء حركة و صراع من أجل الثورة . و ما ينشأ عفويّا كصراع ضد الطغيان و الفساد و الإمتيازات لا يجب أن ينتهي كما نشأ . يمكن لنضال الجماهير من أجل التخلّص من طاغية بغيض أن يصبح جزءا من النضال من أجل القضاء على النظام الإضطهادي برمّته. هذا هو التحدّى الموضوعي الذى يضعه أمامنا الوضع المناسب للغاية و إن كان متناقضا فى مصر و أجزاء أخرى من المنطقة . و هذه اللحظات لا تتوفّر على الدوام .
لكن مواجهة هذا التحدّى و تغيير الوضع فى هذا الإتجاه تتطلّب قيادة شيوعية ثورية قادرة على النظر عبر مناورات الطبقات الحاكمة و أن تدرّب الجماهير فى ما يتصل بالمؤامرات ... و قادرة على قيادة الجماهير فى إنجاز ثورة حقيقية تاّمة . فى بلد مثل مصر ، تعنى الثورة لا شيئ أقلّ من القطع مع الهيمنة الإقتصادية للإمبريالية العالمية و فى نفس الوقت ، القطع مع كافة العلاقات التقليدية و الإضطهادية فى صفوف الشعب .
-IV- الثورة الحقيقية :
كان لصرخة " الحرّية " صدى شديدا و صائبا خلال إنتفاضات الشرق الأوسط و شمال أفريقيا. لكن ماذا يعنى أن نحوّل إمكانية" الحرية" إلى واقع ؟ فى بيان بوب آفاكيان " مصر2011 : ببسالة إنتفض الملايين...لكن المستقبل لم يكتب بعدُ " :
" ينبغى مواصلة النضال إلى أن يتحقّق التحرّر الحقيقي من ربقة حكم الإمبرياليين و أذنابهم المحلّيين و شركائهم الصغار، التحرّر من كافة أشكال الإضطهاد و الإستغلال ، التحرّر من كافة القوى التي عفا عليها الزمن و التي تستعبد النساء و الشعب بأسره على نحو يشبه ظلمات و إضطهاد القرون الوسطى، من القوى التي عفا عليها الزمن و التي تريد أن تستعبد الناس بإسم " الديمقراطية " ..." الحرّية " ... و يسوَّقُ للإستغلال الرأسمالي الإمبريالي على أنّه " التقدّم" ."
يقدّم هذا البيان أجندا و نظرة مختلفين عن ما يبدو أنّه خياران لا ثالث لهما أمام الشعوب. الخيار الأوّل هو تبنّى نوعا من الديمقراطية البرجوازية على النمط الغربي و ممارساتها و مبادئها و حقوقها المحدّدة ، مثل الإنتخابات و " حكم القانون" . و و قد سبق و أن تحدّثت عن هذا. و الخيار الثاني الوحيد الآخر و البديل الوحيد الآخر ظاهرياّ ، هو الأصولية الإسلامية التي تقدّم ذاتها على أنّها شكلا من أشكال معارضة الإمبريالية ، و وسيلة لتجنيب المجتمع إنحطاط الغرب و فساده و قوّة بمقدورها أن تقدّم المنطق و المعنى العميقين للوجود الإجتماعي .
كلاهما خياران عفا عليهما الزمن و هما يقبلان بإطار عالم قوامه الإستغلال و الإضطهاد: العالم الإمبريالي – بحروبه و تحطيمه للبيئة . إلاّ أن الناس واقعون بين كمّاشتي هذين الخيارين غير المقبولين . و هذه الديناميكية هي المأثّرة جداّ فى تشكيل الوضع العالمي الراهن . و ينبغى تقديم طريق آخر للإنسانية لتجاوز هذه الآفاق المحدودة و المفيدة . و هذا ما يوجه إليه بوب آفاكيان الجماهير .
و مسألة تحرير النساء مسألة تعدّ حجر الزاوية في كسر حدود هذين الخيارين المرفوضين ؟ يتعلّق الأمر بإطلاق العنان لغضب النساء كقوّة جبّارة من أجل الثورة . إنّ إضطهاد نصف البشرية متجذّر بعمق فى الشبكة المركزية لإضطهاد المجتمع الطبقي . و " التحرّر" من الإضطهاد الذى تطالب به النساء لا يمكن بلوغه إلاّ عبر التغيير الثوري الأكثر راديكالية للمجتمع. و يمثّل فهم هذه المسألة اليوم حجر الزاوية فى صفوف المضطهَدين أنفسهم و جزءا من الترويج لأخلاق و ثقافة جديدين بإمكانهما أن يلهما الناس و يعدّاهما للقيام بالثورة لتحرير الإنسانية جمعاء – هذا عامل إيجابي للغاية حتى فى هذا الحقل .
و لنقفز معا إلى الوراء . لقد مثّل المشروع الشيوعي الذي بادر به ماركس قطيعة جذرية فى التاريخ . لم يرتئ ماركس الشيوعية و التحرّر كتحقيق للمساواة و إنّما بالأحرى كتجاوز لحدود المجتمع الإستغلالي و البرجوازي . فقد كتب : " إنّ الإشتراكية إعلان عن إستمرار الثورة ، دكتاتورية البروليتاريا الطبقية كمرحلة إنتقالية ضرورية نحو إلغاء كلّ الإختلافات الطبقية و إلغاء كلّ علاقات الإنتاج التي تقوم عليها و إلغاء كلّ العلاقات الإجتماعية التي تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و تثوير كلّ الأفكار الناتجة عن هذه العلاقات الإجتماعية ."
و خلال سيرورة مديدة و مضطربة و غير مستقيمة شاملة ، تبلغ الثورة الشيوعية هذه " الكل الأربعة " على النطاق العالمي . إنّها تولّد مجتمعا إنسانيّا عالميّا لن يوجد فيه بعدُ إنقسام طبقي و تناقض إجتماعي عدائي و فيه يغيّر الناس ، جماعيّا و بالتعاون العالم ، و يصبحون فيه محافظين على الكوكب و مغيّرين من ذواتهم .
و أوّل خطوة كبرى فى هذه السيرورة هي إفتكاك سلطة الدولة من طرف الجماهير بقيادة طليعة شيوعية . و هذا يعنى أكثر من تغيير فى النظام. إنّه يعنى إلحاق الهزيمة بالدولة القديمة و جيشها و تفكيكها . و يعنى إرساء سلطة دولة جديدة ثورية- دكتاتورية البروليتاريا، التي لها أشكال تعبير خاصّة فى الأمم المضطهَدة .
و تمارس سلطة الدولة الجديدة هذه الدكتاتورية ضد القوى الإستغلالية القديمة منها و الجديدة . و تصون حقوق الشعب . و تمضى فى إنجاز الثورة لتحقيق " الكل الأربعة " على نطاق عالمي . و تفتح سلطة الدولة الجديدة هذه الباب أمام مجال جديد تماما من الحرّية للجماهير الشعبية. و تركّز نفسها و تنطلق من المصالح الجوهرية لأكثر الناس إضطهادا و إستغلالا مريرين و من الجماهير عموما . و تمكّن الجماهير من النهوض بدور ما يفتأ يتّسع فى ممارسة السلطة السياسية .
نحتاج إلى سلطة الدولة الجديدة هذه للإطاحة بعلاقات الإنتاج الإستغلالية فى القاعدة الإجتماعية و لتركيز إقتصاد تحرّري. فى عالم قوى الإنتاج فيه عالية التطوّر و الطابع الإجتماعي ، ثمّة طريقتان لا غير فى تنظيم الإقتصاد. يمكن تنظيمه حسب منطق السوق و الديناميكية الساحقة للمراكمة الإمبريالية التي تعيّن أبعاد ما هو ممكن و مرغوب فيه و تؤدّى إلى تحطيم الكوكب.أو يمكن تنظيمه و تسييره حسب التعديل الواعي المعتمد على علاقات الإنتاج الإشتراكية: الملكية الإشتراكية و التخطيط الإشتراكي و النشاط الواعي للجماهير . و دون علاقات إنتاج مختلفة راديكاليّا ، فإنكم ستعودون إلى حضن الرأسمالية –الإمبريالية ، بكلّ الآفات المرافقة لها . تصوّروا ثورة توجه الإقتصاد نحو تلبية أكثر الحاجيات الشعبية جوهرية و تطلق العنان للعلماء و المزارعين و غيرهم لتطوير وسائل للقيام بذلك بطريقة بيئية مستدامة . تصوّروا ثورة تضع حدّا لمدن الصفيح ،و تهدف لتجاوز الإنقسامات الإضطهادية بين المدينة و الريف ، و تطوّر أصنافا جديدة من الصناعات الغذائية . تصوّروا ثورة هدفها الإطاحة بجميع أشكال التفوّق الذكوري و البطرياركية- من لباس النقاب إلى كلّ شيء .ثورة تعترف تماما بإنسانية النساء و تطيح بكلّ الحواجز - من الحاجة إلى مراقبة الولادات و الإجهاض ، و رعاية الأطفال و المفاهيم الجندرية الخانقة ، إلى مساهمة النساء فى المجالات كافة . تصوّروا ثورة تمكّن الذين سجنوا ليس فحسب فى الفقر و البؤس لكن أيضا سجنوا فى الجهل و العلاقات المتخلّفة ، من السير جنبا إلى جنب مع الذين حصلوا على أزيد تعليم و تدريب لكن طموحاتهم و جهودهم قد أحبطتها متطلّبات رأس المال و الإمبريالية ، لتولّوا معا مسؤولية متنامية فى التقدّم بالمجتمع و العالم بإتجاه تحرير الإنسانية .
تصوّروا ثورة تقودها طليعة شيوعية لها وضوح حول إلى أين ينبغى أن يفضي كلّ هذا و كذلك وضوح حول الحاجة ليس فحسب إلى توفير مجال بل لتشجيع و إطلاق العنان للمعارضة و النقاش و كذلك لخميرة و تنوّع كبيرين فى الفنون والعلوم ، فى الثقافة و الموسيقى ، و فى الفلسفة و الأخلاق و السياسة .
هذه هي الثورة التي تحتاج إليها الإنسانية . و فى حين أنّ إستراتيجيا القيام بالثورة و التحدّيات الخاصة التي يواجهها مجتمع ثوري يمكن أن تكون مختلفة فى إرتباط بالتقسيم الإمبريالي لأمم مضطهِدة و أمم مضطهَدة و بالوضع الخاص الذى يقوم عليه نوع المجتمع المعني .
-v- الخلاصة الجديدة ، إعادة إحياء حيوية و مرغوبية الشيوعية :
ليست المواضيع المفاتيح المناقشة خلال هذه الندوة و الحجج التي أقدّمها فى علاقة بهذه المسائل و الخلافات و التحدّيات التي طرحها النهوض فى الشرق الأوسط و شمال أفريقيا، ليست ببساطة مواضيعا خاصّة بهذه المنطقة أو بهذا الوضع . إنّها شديدة الإرتباط بالقضايا التي تواجه الحركة الشيوعية العالمية. هل ستظهر مرحلة جديدة من الثورة ، ثورة تغييرية حقيقية ، فى عالم يصرخ من أجل تغيير جوهري ؟ بحدّة تطرح المسألة التالية : هل ستصبح الشيوعية طليعة المستقبل أم من بقايا الماضي ؟
عند تفحّص هذا ، ألفت نظركم إلى بيان الحزب الشيوعي الثوري: " الشيوعية : بداية مرحلة جديدة ". و فى هذا البيان ورد تحليل للمرحلة الأولى من الثورة الشيوعية التي عرفت إنتصارات الثورة البلشفية و الثورة الصينية و هزيمتهما. و فيه تلخيص بأنّ هذه المرحلة الأولى من الثورة مضت بعيدا و حقّقت أشياء ملهمة لا تصدّق ، فى القتال لتخطّي العوائق الحقيقية فعلا التي واجهتها و للتقدّم نحو عالم دون إضطهاد و إستغلال . بيد أنّه وجدت أيضا نواقص و أخطاء ، بعضها جدّي للغاية، لدى الذين كانوا يقودون هذه الثورات و المجتمعات الجديدة . و قد ساهمت هذه النواقص و الأخطاء و إن كانت ثانوية ، في إلحاق الهزيمة بهذه الثورات . كلّ هذا ينبغى أن نتعلّم منه بعمق و من جميع النواحي لأجل المضيّ قدما في الثورة الشيوعية فى الوضع الجديد الذي نواجهه و لأجل إنجاز حتى ما هو أفضل خلال الموجة التالية من الثورة. إنّنا في مفترق طرق: من جديد، هل ستكون الشيوعية طليعة المستقبل أم من بقايا الماضي . يشرح البيان أنّه ضمن الذين كانوا يعتبرون أنفسهم شيوعيين أو متعاطفين بشكل واسع مع هذا المشروع لتحرير الإنسانية ، وجدت أجوبة ثلاثة لنهاية المرحلة الأولى من الثورات الشيوعية و المجتمعات الإشتراكية .
أوّلا، هناك ما تقدّم به بوب آفاكيان فى خلاصته الجديدة التي تدافع عن المبادئ الجوهرية للشيوعية و تقدّم علم الشيوعية بطرق جديدة جذريّا- فقد صاغ آفاكيان خلاصة علمية للتجربة الثورية للحركة الشيوعية و فى علاقة بالتيّارات الفكرية الأوسع العلمية منها و الثقافية و الفنّية .
و طوّرت هذه الخلاصة الجديدة ، في تعارض مع ما تبدو بدائلا لكنها في الواقع إجابات لنهاية المرحلة الأولى من الثورة ، شكليّا متعارضة ، لكنّها في عمقها تمثّل بقايا الماضي . و واحدة من الإجابات و فهم الشيوعية هي التشبّث على نطاق واسع و دون نقد و بطريقة دغمائية و دينية تقريبا ، بالتجارب الإشتراكية و النظرية الشيوعية السابقة . و ترفض هذه الإجابة المقاربة العلمية الشاملة لتلخيص الماضي و مزيد التقدّم بالنظرية الشيوعية .
و الإجابة الثانية تنبذ الماركسية و توجه نظرتها صوب القرن 18 و ما يُعتبر مُثلا ديمقراطية و مساواتية و نماذجا إجتماعية من الحقبة البرجوازية . في بعض الحالات ، تستبعد هذه النظرة كلمة الشيوعية ذاتها ؛ و فى حالات أخرى ، يلصق الذين يتبنّونها يافطة الشيوعية بالمشروع السياسي الذي يضع نفسه بصلابة ضمن حدود المبادئ الديمقراطية البرجوازية . و أحيانا، يترافق هذا بنضال جدّ إقتصادوي و غير قاطع مع الرأسمالية ، من أجل حقوق العمّال فى إطار النظام القائم . إنّه لإجرام أن نقود الجماهير فى هذا الإتجاه و نهدر تصميمها و طاقاتها .
ليست الخلاصة الجديدة لآفاكيان تجميعا ل" أفضل ما فى التجربة السابقة " و لنقد هذه التجارب . بالأحرى كما يوضّح البيان : " بناء على كل ما حدث قبلا ، نظريا وعمليا- وإستخلاص الدروس الإيجابية و السلبية من ذلك ورفع هذا إلى مستوى توليف/ تلخيص جديد و أرقى . "
لقد قدّم آفاكيان نموذجا من الإشتراكية كمجتمع حيوي و ديناميكي - يتميّز بخميرة فكرية و فنية و سياسية و معارضة و تجريب و مبادرة كبيرين- مجتمع يمثّل أيضا مرحلة إنتقالية ثورية نحو الشيوعية. إنّها خلاصة و مفهوم مختلفين عن الخلاصة و المفهوم اللذان وُجدا فى الإتحاد السوفياتي و فى الصين : حول العلاقة بين القرد و الدولة و حول المعارضة ، حول الطبيعة و البيئة ، حول دور المثقفين و الفنانين- و علاقتهم بالجماهير القاعدية - و حول كيفية تخطّى الإنقسام بين الذين تدرّبوا فى حقل الأفكار و الذين مُنعوا من ذلك .
هي خلاصة و مفهوم مختلفين حول الشيوعية كعلم ، حول العلاقة بين البحث عن الحقيقة و التقدّم صوب الشيوعية ، حول التغيير الإيديولوجي و جوهريّا حول التناقض بين القيادة و المقادين - و كيفية الإشتغال على هذا و من خلاله . و قد عمّق آفاكيان كذلك فهم القاعدة المادية للأممية و كيف أنّ المجال العالمي ، فى المعنى الأخير ، هو الأكثر حسما ، حتى فيما يتصل بالثورة فى بلد واحد .
مع الخلاصة الجديدة ، أعاد آفاكيان ، على أساس جديد ، أكثر تقدّما ، إحياء حيوية و مرغوبية عالم كامل جديد و مغاير جذريّا. و قد أقام هذا الصرح على قاعدة أصلب من المادية و الجدلية .
بإختصار، فى هذه اللحظة من تاريخ العالم ، يصرخ عالمنا من أجل موجة جديدة من الثورة الشيوعية التغييرية ، راديكاليا و عمقا. وفي هذه اللحظة من تاريخ العالم ، كذلك توجد أسس موضوعية و نظرية للتقدّم الحاسم بالإنسانية إلى الأمام .
الأرض تهتزّ فى العديد من بلدان الشرق الأوسط و شمال أفريقيا و لها تداعيات عالمية . و فى هذا الوضع يتمّ تحدّي حقّ القوى الحاكمة و قدرتها بصفة جدّية . وهي الأرضية التي على أساسها يمكن إنشاء جيل جديد من الشيوعيين . إنّها أرضية تمكّن الشعب من أن ينجز قفزات كبرى في الوعي و التنظيم وهو يواجه الحكّام و الإمبرياليين في خضمّ الصراع بين التيارات و البرامج . و إمكانية إحداث إختراقات ثورية حقّا صعبة و حقيقية في آن . و ينبغى المسك بهذه الإمكانية ! شكرا
-------------------------------------------------------------------------
#شادي_الشماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقدمة كتاب - نصوص عن الإنتفاضات فى بلدان عربية من منظور الخل
...
-
- يا نساء العالم إتّحدن من أجل تحطيم النظام الإمبريالي و الأ
...
-
الخلاصة الجديدة و قضية المرأة : تحرير النساء و الثورة الشيوع
...
-
مقدّمة كتاب : - من ردود أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية على م
...
-
آجيث – صورة لبقايا الماضي
-
تحيّة حمراء للرفيق سانموغتسان الشيوعي إلى النهاية - الفصل ال
...
-
تحيةّ حمراء لتشانغ تشن- تشياو أحد أبرز قادة الثورة الثقافية
...
-
شارو مازومدار أحد رموز الماوية و قائد إنطلاقة حرب الشعب فى ا
...
-
الإستعمار من جديد بإسم التطبيع وراء إعادة إرساء العلاقات الد
...
-
مقدّمة كتاب - قيادات شيوعية ، رموز ماوية - ( العدد 17 من - ا
...
-
عشر سنوات من قيادة الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) لحرب الشع
...
-
الشيوعيّة أم القومية ؟
-
المسؤولية و القيادة الثوريتين - الفصل السادس من كتاب من كتاب
...
-
الأخلاق و الثورة و الهدف الشيوعي -الفصل الخامس من كتاب من كت
...
-
فهم العالم من وجهة نظر علم الشيوعية
-
القيام بالثورة البروليتارية - الفصل الثالث من كتاب - الأساسي
...
-
الشيوعية عالم جديد تماما و أفضل بكثير - الفصل الثاني من كتاب
...
-
نظام إستغلال و إضطهاد عالمي - الفصل الأوّل من كتاب - الأساسي
...
-
من الولايات المتحدة الأمريكية : تحليل لأوهام الديمقراطية
-
مدخل لفهم حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان... - فصل مضاف إلى كتا
...
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|