هادي بن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4756 - 2015 / 3 / 23 - 21:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في هذا المقال, نفكك موضوعا شائكا معقدا, هو القتل بين الدين والأصولية وبين الإلحاد والمذاهب المادية لأعرضهما في مقارنة تكشف من المهدد الأكثر عنفا وشراسة للإنسان, إن كان القتل من وجهة نظر مادية, أم القتل من وجهة نظر دينية . وأحاول عرض هذا الموضوع من كل جوانبه للرد على المتدينين الذين وقفوا حائرين أمام رفض وإستنكار الإرهاب الديني الذي يضرب اليوم كل العالم بلا هوادة, وقد تحول ذلك إلى سكين حادة يطعن بها الدين والفكر الديني في عمق وصلب عقيدته فأراد الأصوليون والمبررون للقتل العقائدي التملص من هذه الشبهة بعشرات المقالات والمؤلفات التي تزعم الكشف عن حقيقة الإلحاد وتعرضه كمذهب محرض على القتل الأعمى . ولا يريد المتدينون بطعنهم هذا أن يعرضوا أنفسهم كنقيض للعنف والإرهاب, إنما يريدون أن يقر العالم بأن القتل العقائدي سلوك لا شبهة عليه, قد مارسته كل الحضارات والأمم والمذاهب, ويريدون بهذا التهرب من تهمة إحتكار أكثر أساليب القتل عنفا وهمجية ولاعقلانية . وإن من يزعم بعد هذا القول أن للأصولية الدينية وجها أمام الإلحاد فقد وقع في الهذيان والمكابرة والعناد .
نشرت مقالا كمقدمة لسلسة أخطط لكتابة بقية فصولها مستقبلا تحت عنوان "كيف يتحول الدين إلى شر-مقدمة" تبعته بمقال اخر بعنوان " شبهات ضد الإلحاد والمادية : القتل " .. وكان أن تلقيت رسالة على مقالي فحواها أنه " مادياً و إلحادياً , لا مانع من إبادة 99% من البشر طبقًا لـ(لإنتخاب الطبيعي) و (البقاء للأصلح)، بل إن الإبقاء على الغير و البحث عن حقوقهم هذا يتعارض مع كل أسس (الإلحاد المادي)، بل لو كان الإنسان ابن الطبيعة فلن يشعر بـ(الخطأ) و لا (الشبهة) و لن يفهم معناهما، لأن (الحتميات المادية) تُحرك كل شيء، و لا يوجد في العالم المادي (خطأ) و لا (ظلم) و لا (خير) و لا ( شر) . "
وقد رددت على الرسالة في مقال "شبهات ضد الإلحاد والمادية - القتل" وأعيد الرد في هذا المقال بشكل أوسع وأكثر عمقا, حتى لا يبقى كما قلت لتهافت الأصولية الدينية وجها أمام الإلحاد .
القتل هنا هو إنهاء حياة كائن اخر عن قصد , رافق هذا الفعل أسلافنا الأوائل في صراعهم من أجل البقاء وكذلك الكائنات الحية الأخرى . فلا حياة بلا قتل, فالقتل إذا هو قانون الطبيعية أو الغاب الذي تمارسه الكائنات لتوفير إحتياجاتها الطبيعية من طعام وشراب وصد لعدوان الكائنات الأخرى . كان في البدايات الأولى للحياة فقط هذا الصنف من القتل , ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح "القتل الطبيعي" أي القتل لأجل إحتياجات طبيعية هي أساس وجودنا . ثم جاء الإنسان ليضع دوافع جديدة للقتل تخرج به عن سياق توفير الإحتياجات الطبيعية, فكان ما نسميه "بالقتل العقائدي" . هو القتل لأسباب عقائدية بحتة, كقتل المتهجم على الالهة, أو قتل الكفار والمرتدين تنفيذا للتعاليم الالهية . فلما حاول البشر البدائيون فهم الكون والطبيعية ونظروا للالهة التي وضعوها بعين التقديس والإجلال, رأوا أنه من الواجب لهذه الالهة العظيمة أن تعامل بإحترام و وقار . فهي التي منحت البشر هبة الحياة, وهي من صنعت أجسادهم وسخرت لهم الأرض وما عليها وما بينها وبين السماء . فكان البديهي أن تكون هذه الالهة المسيرة للشؤون الكونية هي أيضا من تقف خلف المجاعة والجفاف والأوبئة , فكان من البديهي أيضا أن يوجد سبب قاد الالهة للغضب والإنتقام وبالتالي وجوب معرفة ما قد يثير غضب الالهة وحنقها تجنبا للمصائب ...
فوضعت صفات بشرية للالهة تجعل منها دائمة الغضب والعقاب, ثم نظر الناس إلى من عبر حدود الصفات الالهية الواجب توقيرها بعين الكره والخوف ... كرها لهؤلاء الذين هم السبب في ما قد يحل من مصائب . تغيرت أوصاف الالهة بتغير الزمان والمكان وتطور بعضها حتى إمتلكنا هذا التنوع الديني اليوم بين أديان وثنية وأخرى توحيدية ... وإختلفت الشرائع والصفات الإلهية لتنتج ما هو مسالم وما هو عنيف مدمر ... وكان ذلك الطابع التدميري نتيجة لمفاهيم لاهوتية كالجهاد والشهادة وفرض التوحيد والولاء والبراء ومعضلة المقدس والنظرة العنصرية للاخرين التي تشكل الشخصية الدينية النرجسية الناتجة عن مفهوم التفوق على كل الأمم والناس الكفار والضالين الذين مهما صنعوا من تفوق مادي وأخلاقي فالعذاب الأبدي ينتظرهم بعد البعث والحساب .
لقد فتحت هذه العقيدة -التوحيدية بالخصوص- المتعصبة المصورة لله كطاغية هائل يريد ان يكون الواحد بلا شريك, والمشرع الأحق بالحمد والثناء بلا شريك, والمعبود الملك المهيمن بلا شريك, فتحت هذه العقيدة بما يحمله الدين من بذور للعنف حربا ضروسا بلا نهاية تعمل خارجة عن أسباب الحروب التقليدية بل لأجل تحقيق "الحاكمية"(1) أي فتح حرب ضد كل العالم والأفراد مادموا عقبة أمام "الحاكمية" أو أشخاصا مشركين طعنوا بكفرهم وشركهم في مذهب التوحيد .
إذا, وبهذه المنظومة العقائدية تقام الحروب الانهائية والتي لا تعترف بالهدنة أو السلام أو التفاوض فإما نصر وإبادة وإحتلال أو "شهادة" ... فيضرب الإرهاب الديني مستهدفا التجمعات البشرية من المدنيين دون الأهداف الإستراتيجية القابلة للزوال والتغيير, بل لمجرد الإنتماء العقائدي للضحايا . لقد كشف الدين عن وجهه القبيح في الحرب الطائفية الكبرى بالعراق التي تلت تفجير ضريحي الإمامين العسكريين ومقتل وجرح المئات مما أدى إلى إندلاع حرب طائفية كبرى أطلقت العنان لما يحمله الدين من نزعة تدميرية لا تشاركها فيها أي عقيدة أخرى ... فإشتبك السنة والشيعة في كل أنحاء العراق وسيرت المفخخات والإنتحاريون داخل الأحياء والأسواق وقتل الأطفال لمجرد حملهم لأسماء تحيل على إنتماء طائفي ... وهوجمت المنازل والشوارع في كل مكان لممارسة القتل الأعمى , أي القتل دون حاجة لممارسة القتل . إبادات جماعية ضد أشخاص لم يشاركوا يوما في أي نشاط مسلح بل لمجرد كونهم "نواصب" ... يقابله قتل أعمى من الطرف الاخر ضد مدنيين لمجرد كونهم "روافض" ... هذا النوع من القتل, الذي لا يعترف بالأهداف المادية كالسيطرة على الأرض أو الموارد, يضع الأفراد كهدف مباشر بينما تضع الحروب الادينية الأخرى الأفراد خارج أهدافها ولا تستهدفهم ولا تهتم لأمرهم إلا إذا شكلوا عائقا أمام تحقيق الأهداف الإستراتيجية للحرب .
هل يمكن أن يقع إستهداف المدنيين بشكل واسع دون أن يقف الدين كمحرض ؟
نعم , في الحرب العالمية الثانية, قامت طائرات التحالف الأمريكية والبريطانية بقصف عمق الدولة النازية مستهدفة المدن ذات الكثافة السكانية المرتفعة سعيا لتدمير القدرة البشرية لمجهود ألمانيا الحربي والإقتصادي ... قصف مكثف ليلا نهارا ضد المدنيين كلف الشعب الألماني قرابة ال 800 مائة ألف قتيل وملايين الجرحى والقتلى ... توقف القصف فور عزل الجيوش الألمانية ومحاصرة برلين وتعطيل الة الحرب النازية ... وكان سيتوقف قبل ذلك لو أعلنت ألمانيا النازية إستسلامها . لم يكن الهدف من حملة القصف الإستراتيجي ضرب الشعب الألماني لمجرد كونه ألمانيا ولا إستهدافا للأفراد لأسباب عقائدية ... بل لأجل تحقيق إنتصارات إستراتيجية تحقيقها يضع نهاية للقصف والحرب .
إن القتل الواسع ضد المدنيين ليس حكرا على العقيدة الدينية بل هو ممارس حتى من قبل الجيوش والأنظمة العلمانية التي لا يقودها الوازع الديني . والفرق هنا هو الفرق بين الأهداف المادية للحرب وبين الأهداف الدينية ... وهذا الفرق هو أن العقيدة الدينية لا تضع في حسبانها الأهداف الإستراتيجية بل تضع الأفراد كأهداف وليس تحقيق الأهداف الإستراتيجية إلا وسيلة لإستهداف الأفراد لأسباب عقائدية . وهنا يتجلى بوضوح خطر الفكر الديني إذا ما تحول إلى عنف ليقف على صرح التحريض على القتل والعنف بلا منازع . وهذا ما كانت عليه الجيوش الدينية القديمة والتنظيمات المسلحة اليوم ... فهي تضرب الناس لكونهم يهودا أو مسيحيين أو مسلمين أو يزيديين حتى وإن لم يشاركوا في أي نشاط مسلح وأعلنوا إستسلامهم ولم يظهروا أي قدر من المقاومة . وهذا لأن الدين يحمل في بنيته العقائدية دوافع القتل والعنف ضد المخالفين لكونهم مخالفين, مهينين للذات الإلهية عقبة أمام تحقيق التوحيد و"الحاكمية" .
ولو كانت جيوش التحالف ذات دوافع دينية لما إهتمت لإستسلام ألمانيا ولتورطت في مذابح بلا حدود, كما تفعل اليوم التنظيمات المسلحة باليزيديين والشيعة والمسيحيين ...
إذا فلا بد الان أن نعود للشبهة التي أثارها المتدينون حول الإلحاد في الرسالة التي عرضتها في البداية كرد منهم على قولنا بخطر الفكر الديني ... والقارئ المطلع على عقائد الأصوليين يعلم أن ما أرادوا إثارته بشبهتهم ليس الإستدلال على كونهم مسالمين ... بل إصرارا منهم لعرض الحد الأقصى من تحريض على العنف والقتل لمعتقدات أخرى ليعلنوا بذلك أن الإسلام ليس وحده الممارس للقتل والعنف بشكل واسع وليطالبونا حينها بالتوقف عن نعت الإسلام بإحتكار النشاط الإرهابي الواسع اليوم لأنهم يمارسون ما مارسته كل الأمم والمعتقدات وبالتالي نفي الشبهة عن القتل الطائفي !
ولنفي الشبهة عما تحمله العقيدة الإسلامية الأصولية من بذور للعنف والإرهاب وخطرها المدمر ... يخبرنا صاحب الرسالة بأنه ماديا وإلحاديا لا مانع من إبادة 99% من البشر طبقا للإنتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح متناسيا بأن ما يحمله الدين في بنيته العقائدية هو أيضا تحريض لا يمانع من إبادة 99% البشر . ثم ما الدافع المادي الذي قد يقودنا لمثل هذه الإبادة ! فإذا كان القتل في المادية لهدف البقاء والإستحواذ على الموارد فكيف يمكن أن تتوفر الظروف المواتية ليتورط البشر في محاولة لإبادة الجميع ! وإذا ما ساد قانون الغاب حيث لا بقاء إلا للأقوياء ولا لغة إلا للغة العنف فكيف يمكن أن تتاح الظروف المواتية لحدوث مثل هذه الإبادة ! إن القتل في المادية هو لتحقيق مصلحة مادية وهو قتل سينحصر في "عالم الغاب" لأجل السيطرة على وسائل البقاء دون أن يقود إلى رغبة في إبادة الجميع ... إلا إذا إفترضنا أن صاحب الرسالة يرى بأن للمادية قدرة على فعل هذا إذا ما وجدت دوافع مادية كافية وهي مثلا أن تزول كل الموارد الطبيعية المشكلة للحياة حتى لا يبقى منها إلا قدرا ضئيلا جدا كافيا ليدفع بكل كائن للسعي خلفها قاتلا لكل ما يعترض طريقه, وهذا تخيل ساذج وسخيف لإستحالته أولا ثم لأنه بتحققه ستكون الطبيعية سببا في هلاك 99% من البشر دون أن يمارس البشر عملية قتل واحدة وستكون حينها الطبيعة حاملة لمسببات فناء الجنس البشري .
إن الفرد إبن الطبيعة في عالم الغاب حيث القسوة والعنف المطلق هما وسيلتا البقاء الوحيدة سيكون بلا شك ممارسا لكل الأفعال دون الشعور بالشبهة أو الخطأ لأن ما يحكمه هو حتميات مادية لا يمكن أن تسقط عليها أي صفات أخلاقية معنوية كالخير والشر والإنسان إبن الطبيعة كما عرضنا لن يسعى أبدا لممارسة إبادة جماعية بالحجم الذي يحرض عليها الدين والفكر الديني . إن الهدف الديني للقتل هو الإنصياع للأوامر الإلهية بإبادة الكفار والمخالفين, وهذه العقيدة تحمل ما يحرض على إبادة إجمالي البشر في سبيل نيل مرضاة الله حتى ولو لم يتبقى على الأرض إلا شخص واحد هو المنفذ لهذه الأوامر . ولأن العقيدة الدينية تحمل ما يهدد بزوال البشرية لمجرد الإختلاف العقائدي فلا بد أن تبذل كل الجهود لإبقاء يد الدين بعيدة عن إمتلاك السلاح النووي . كثيرة هي البلدان النووية اليوم ذات قوة الردع النووية الهائلة والتي لا يمكن أبدا أن تتورط بإستعمال هذا السلاح, لأن هذه الدول تسعى لأجل البقاء وإستعمال السلاح النووي معناه رد نووي اخر ينسف وجودها إلى غير رجعة . أما المتدينون الأصوليون فهم لا يهتمون لأمر البقاء أبدا بل سعيهم دؤوب للموت ونيل الشهادة, وكما لم يمانعوا في نسف عمارات وقرى وأحياء وأسواق بأكلمها فلن يمانعوا من إستعمال السلاح النووي ضد الكفار والمخالفين حتى تكون الحاكمية المطلقة لله .
إننا لو جمعنا كل أهل الأرض من غير المتدينين وأرسلناهم إلى "كوكب مثالي" مصمم لتبديد كل أسباب القتل والإبادة ... كوكبا بموارد لانهائية تسد الطريق أمام أسباب الحروب الادينية ... لما رأينا حربا واحدة بل ولما رأينا أي شكل من أشكال النظام الإجتماعي السلطوي الهرمي ولما وجد البشر سببا واحدا للصراع غير ما تحمله الطبيعية البشرية من أسباب للعنف يستحيل مقاومتها وتقويضها وهو الصراع لإمتلاك الشريك الجنسي الأمثل أو الإضطراب النفسي .
هكذا سيكون حال غير المتدينين , فماذا لو جمعنا كل المتدينين وأرسلناهم إلى مثل هذا الكوكب ! هل سيتوقف العنف وعمليات الإبادة !
لا .. ذلك لأن الدين كما شرحنا لا يهتم لأمر الإحتياجات الطبيعية بل يتجاوز ذلك تنفيذا للأوامر الإلهية .. ولو حدث أن جمعنا كل المتدينين على سطح هذا الكوكب لكان الحال أشد عنفا وخرابا من حال كوكبنا الأرض فستزول الأنظمة والشرائع العلمانية المقوضة للعنف الديني وسيتورط المتدينون في أعمال قتل بلا نهاية ... سيستهدفون بعضهم البعض لأسباب كالشرك والكفر والإهانة والإعتداء على المقدس . لرأينا المسلمين يقتلون بعضهم البعض قتلا طائفيا لا يعرف التوقف .. ثم لتورطوا في حروب ضد اليهود والمسيحيين والهندوس والبوذيين للأسباب التي يقيمون بها الحروب ضد هؤلاء اليوم ... ولرأينا الهندوس جاهزين لضرب من أهان مقدساتهم وسخر منها ... ولتورط كل هؤلاء المتدينين في دوامة من العنف لا تنتهي لأن الدين يحمل ما يحرض على العنف من معضلة المقدس إلى مسألة تحقيق التوحيد و الحاكمية .
إن الإنسان في المادية هو مسلوب الحرية, بلا إرادة حرة ... ولهذا فإنه بشكل أكثر عمقا وشمولا يمكن وصف الدين والإنصياع لشرائعه ضمن منظومة الحتميات المادية ... فغريزة البقاء والخوف من المجهول تدفع بنا للتشبث بالحياة وتبني مفاهيم كالخلود والحياة بعد الموت والمكافأة الإلهية . والإنسان يميل لنزعة الإنتماء , الإنتماء إلى مذهب ديني أو مذهب اخر أو الإنتماء للوطن والقبيلة أو أي إنتماء اخر يقيه مواجهة حقيقة عبثية الحياة وفراغها من المعنى .
إن العنف الديني يمكن محاولة حصر أسبابه التي لا تخرج عن إطار عالمنا المادي, إذ ليس للنصوص المحرضة على العنف تأثير سحري, كما لا وجود للإرادة الحرة ...
* كالفقر والبطالة, فالملل واليأس من الوجود المليء بالمعاناة فاللجوء للدين إما كمخدر بما يقدمه من مفاهيم عن الخلود والحياة الأخرى , أو اللجوء للإرهاب الديني ككره عميق للوجود المليء بالمعاناة ومحاولة التعجيل بالموت لنيل الشهادة والحياة الأخرى, حيث النعيم الأبدي نقيض معاناة العالم المادي . ليس بالضرورة أن يدفع الفقر بالناس للإرهاب الديني فهم مسيرون وفق ظروف نشأتهم وبنيتهم والفكرية والجينية, فقد يدفع الفقر بالشخص المسالم للتصوف بينما يدفع بالعنيف للإرهاب وليس بالضرورة أن يكون الإرهاب دينيا, قد يكون إرهابا وعنفا في أشكال أخرى, كالعصابات مثلا ... فالفقر والبطالة عوامل تدفع بالكثيرين إلى ممارسة الإرهاب فإذا لم يتوفر الدين مارسوا شكلا اخر من أشكال العنف لن يكون أبدا في خطر الإرهاب الديني الشامل المعولم .
* التلقين : حفظ تعاليم محددة منذ الطفولة حتى تتحول تلك التعاليم إلى محور الحياة وأصلها ويتحول العنف الديني إلى ممارسة لتلك التعاليم دون الشعور بالشبهة أو الخطأ فهي تعاليم تقدم نفسها كحقيقة مطلقة لأجلها يخلق ويموت الفرد . وما يفعله التلقين من غرس لعقيدة الإنتماء الديني المعولمة حيث تصبح معاناة كل متدين مهما كان بعيدا معاناة شخصية تصنع لدى الفرد وهم الإضطهاد, ما يدفعه لممارسة العنف دون أن يكون قد تعرض لأي إضطهاد .
* المذلة والمهانة : ( لماذا يتحول الدين الى عنف - الإرهاب الديني من منظور التحليل النفسي ) .. هو عنوان ورقة عمل أكاديمية لجيمس جونز المختص في علم النفس الإكلينيكي والدراسات الدينية .. يعرض جيمس تقارير على أن كل عملية عنف سبقها شعور بالمذلة والإهانة ... وأن المذلة والمهانة وكره الجسد من أهم أسباب التطرف الديني والعنف عموما .
العجز الجنسي أو الفشل في العلاقات العاطفية مع الجنس الاخر .. هما من عوامل الشعور بالمذلة والمهانة وكره الجسد لدى الذكور .
ليس من المصادفة بلا شك .. أن يكون كبار المنظرين للإرهاب الديني بشكل هيستيري مرعب أشخاص فاشلون عاطفيا وربما مصابون بعجز جنسي . من أكبر منظري الإرهاب في تاريخ الإسلام قديما وحديثا ؟
هما بن تيمية وسيد قطب ... كان ابن تيمية سلطويا قاسيا بشكل عنيف من خلال كتاباته وقيادته للمسلمين ضد التتار في عصره .. يقال أنه لم يلمس طيلة حياته إمرأة قط .. كما ثبت عنه أنه لم يتزوج أبدا ... لأسباب غامضة .
أما سيد قطب .. فكذلك لم يتزوج ولم يعاشر إمرأة أبدا .. في كتابه "طفل من القرية" يخبرنا سيد بأنه وقع في حب فتاة عاد إليها لاحقا من القاهرة عازما الزواج بها فوجدها زوجة لأحدهم .. وقع سيد قطب مرة أخرى في الحب وفي ليلة الخطوبة بكت فسألها عن سبب بكائها فأجابته بأنها قد عاشت قصة حب مع ابن جيرانها الضابط في الجيش وعاش سيد معاناة طويلة إنتهت بفسخ الخطوبة ... لم يعد سيد أبدا الى موضوع الزواج والخطوبة حتى سنة 1954 .. حينها لسوء حظه مجددا وقع إعتقاله ...
قدم لأي شخص يمتلك معاناة عاطفية وعجزا جنسيا وشعورا بالمذلة والمهانة والكره العميق للجسد .. قدم لهذا الشخص فكرة الحياة الخالدة الأخرى وستجده مشاركا في هجمات 11 سبتمبر وفي المليون عملية إنتحارية منذ 2001 حتى اليوم ... يفعل ذلك في الظاهر إعتقادا منه بقدسية تلك الفكرة التي يدافع عنها ويقاتل لأجلها .. أما الحقيقة, هو أنه يفعل كل ما يفعل لاواعيا من أجل التخلص من جسده والدنيا المليئة بالمعاناة والمذلة والمهانة .
* أسباب جينية ...
فكما رأينا, يحمل الدين أكثر النظم العقائدية خطرا وتهديدا للبشرية بالزوال لا تشاركه في ذلك أي عقيدة أخرى لأنه يتجاوز تحقيق "المصالح المادية" إلى تحقيق مفاهيم ميتافيزيقية لا تتعامل مع معطيات العالم المادي رغم أن هذا "السعي" إلى تحقيق ذلك جزء من الحتميات المادية .
ويواصل صاحب الرسالة :
"العدل هو وضع الشيء في محله , و محل الأحداث في عالم الإلحاد, هو نفس المحل الذي تحدده القوانين الفيزيائية. و بما انه لا توجد ذرة تخالف تلك القوانين, إذاً كل حدث في الكون المادي قد وُضِع في محله المادي. و لذلك لا يوجد في الفكر الإلحادي ولا في الكون المادي ظلم . فمن أين جئت بمفهوم العدل و العطف؟ .
- هل للحياة معنى مستقل عن الوجود المادي حتى تنتقد من يسلبها؟ .
- هل للحياة قيمة تتجاوز الإطار المادي و تتمايز عليه حتى ترفض إزهاقها؟ ."
العدل بما هو وضع الشيء في محله , ليس إلا محض مصطلح ديني لا يمكن البرهنة عليه رياضيا ولا منطقيا دون الوقوع في الميتافيزيقا . لأن العدل, كما يقدمه المتدينون مستقل عن عالمنا المادي والفهم البشري يستمد مفهومه من الشريعة الإلهية فالله وحده هو من يقرر إن كان الشيء في محله , مهما رأى الناس ذلك في غير محله . كأن تفرض "الجزية" على أهل الذمة أو "حد الردة" على المرتد فذلك عدل لدى المتدينين لأن "الله" هو محور العدل . ولهذا فليس لدينا عدل, إنما "مساواة" تمنح الناس نفس الفرص والحظوظ والموارد تجنبا للفوضى التي سينتج عنها غياب "المساواة" والتي ستلقي بمهالكها على الجميع .
ليس للحياة معنى مستقل عن الوجود المادي, وإنتقاد سالبها هو ردة فعل إستباقية لما يهددنا جميعا بالزوال . فكيف يتسائل الكاتب إن كانت للحياة قيمة تتجاوز الإطار المادي , حتى نرفض إزهاقها , والأصح أنه ما الدافع المادي الذي نملكه لإزهاقها دون أن نكون تحت حكم "شريعة الغاب" ؟ يملك المتدينون الدافع لفعل ذلك, لأن "الله" محور العدل والقتل مهما كان واسعا وشاملا فهو محض عدل . وليس العطف إلا سلوكا غريزيا نتاج اليات مادية أيضا يمكن شرحه تطوريا .
خاتمة : إن الفرق بين العنف والعنف الديني هو أن الأول محدود الأهداف محدود الزمان والمكان .. أما العنف الديني فهو يضع الفرد كهدف مباشر لا محدود الزمان أو المكان . الشكل الأول من العنف مهما كان هائلا فهو زائل لا محالة خاضع لمعطيات العالم المادي المتغيرة أما العنف الديني فهو يلقي بجذوره في عمق الطبيعة البشرية عندما يتحول إلى جسر العبور إلى الخلود فيكاد يستحيل مقاومته والتخلص منه مع دافع مدمر من نصوص جامدة لا تتعامل مع معطيات العالم المادي . إن العنف جزء من الطبيعة البشرية يستحيل مقاومته أو التخلص منه لأن الطبيعة نفسها تحمل من الظروف والأسباب ما يصنع القتل والعنف .. ولا يمكن إلا محاولة تقويض العنف والقتل بتجفيف كل ما هو ديني وتحييد العنف عن الوقوع في براثن العقيدة الدينية والسعي قدر الإمكان لإقامة المساواة كنقيض لحكم الغاب حيث لا بقاء إلا بالقتل والعنف .
مفهوم الحاكمية يعرفه سيد قطب : "كل أرض تحارب المسلم في عقيدته، وتصده عن دينه، وتعطل عمل شريعته، فهي دار حرب ولو كان فيها أهله وعشيرته وقومه وماله وتجارته.. وكل أرض تقوم فيها عقيدته وتعمل فيها شريعته، فهي دار إسلام ولو لم يكن فيها أهل ولا عشيرة ولا قوم ولا تجارة." -معالم في الطريق-
هراء المتدينين ضد الإلحاد - الإنتحار
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=422692
سلسلة -كيف يتحول الدين إلى شر ؟- : مقدمة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=448852
معضلة المقدس : كيف يحول المتدينون كوكبنا إلى جحيم
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=451529
شبهات ضد الإلحاد والمادية : القتل
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=452256
لماذا يتحول الدين الى عنف - الإرهاب الديني من منظور التحليل النفسي
http://www.4shared.com/office/e8SvZnBmce/____.html?
#هادي_بن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟