|
جمهورية العنف،، والرعب الشامل!!
زيرفان سليمان البرواري
(Dr. Zeravan Barwari)
الحوار المتمدن-العدد: 4756 - 2015 / 3 / 23 - 18:44
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
جمهورية العنف،، والرعب الشامل!!
ان تاريخ بلاد الرافدين عبارة عن صفحات من الدم، ابدع الحكام والامبراطوريات في تزيينها بالجماجم البشرية على مر العصور، ففي فترة الإمبراطوريات الكبيرة كان التوسع والقتل السبل الرئيسية ان لم تكن الوحيدة في الوصول الى القوة والنفوذ، ويمكن الاستدلال بمسلسل العنف من خلال دراسة حالة القوى التي حكمت بلاد الرافدين ففي عواصم الاكديين والسومريين والاشوريين كان الملك او الزعيم يُعبد وعلى دربه يسيل الدم ، ولارضاءهم تحتل أراض وتبيد شعوب، والغريب ان التطور البشري والعمراني لم يؤثر على أولويات الدم في موطن العنف هذا، بل ارتبط التطور بالتقدم في الأساليب الوحشية للقضاء على الاختلاف والتنوع اللذين اتصفت بهما ارض الرافدين . حتى في ظل الحضارة الاسلامية لم يلتزم بعض الخلفاء والامراء بما دعا اليه الاسلام بما يتعلق بحفظ الدم والمقاصد الشرعية التي تصون كرامة الانسان، واستمر العنف في التاريخ الحديث بعد تشكيل الدولة القومية في العالم العربي سواء في فترة المماليك او الثورة التي قلبت الموازين و كرست أيدولوجية الرفض والقتل والتنكيل، ففي فترة الجمهوريات المتتالية تم إبادة الاختلاف والتنوع باستخدام التنكولوجيا المتطورة مثلما حدث في حلبجة باستخدام السلاح الكيماوي لكي يعبر الطاغية عن منطق القوة الذي وصل اليه بمباركة العالم المدني والديمقراطي.
انني لست بصدد السرد التاريخي لما حدث ويحدث في العراق ، وإنما اريد ان اربط بين المتغيرات التي تغذى العنف في الوقت الراهن، والهدف من جديد ليس الوصف بل تحليل حالة التأزم الفكري والسياسي التي تعيشها النخبة قبل العامة،ففي العراق تتم شرعنة ألقتل باقلام المثقفين، ومباركة المتدينين وفتاوى المراهقين، فالبعض بدا يتحكم بمنطق ممثل الاله على الارض والبعض يحاول جاهدا لظهور المهدي المنتظر واخرين مازالوا يحلمون بأمجاد طاغية العراق ومحور المقاومة التي لم تجني سوى الذل، ولكن الأغلبية لا تعي ما يحدث الان في الشرق الأوسط، فالمدنيين العزل تحولوا الى وقود الحرب الساخن وصراع توازن القوة في الشرق الأوسط، فالربيع العربي قد رفع الغطاء عن الحرب الباردة بين الدول الإقليمية التي تحاول صناعة التأثير لنفسها بعد انهيار الثنائية القطبية، ولكن النقطة المشتركة بين الحرب الساخنة في وقتنا الحاضر والحرب الباردة ان الحربين تداران عن طريق وكلاء وأطراف ثالثة تستخدم من قبل الدول المعنية للوصول الى اهدافهم باقل الخسائر المتوقعة، ففي التسابق باتجاه ضمان الموقع الإقليمي يستخدم المذهب من قبل ايران وغيرها من الدول كون الحساسية المذهبية تعد الورقة الرابحة في الصراع الآني، ففي اليمن لا تحتاج ايران من الاصطدام مع السعودية وكذلك السعودية مع ايران هناك من يقوم بذلك الدور بدلا عنهم ، وفي العراق تحولت الحكومة بمؤسساتها العسكرية الى جناح عسكري اخر لنفوذ ايران بعد فشل النخبة العراقية في عملية بناء الدولة في العراق ما بعد صدام ، والنتيجة ظهور داعش وشرعنة دخول ايران في إدارة ما عجزت عنه النخبة الفاسدة ولكن طبعا إدارة العمليات العسكرية والسياسية في العراق من قبل طهران لن تكن من اجل تحقيق المصالح الشعبية في العراق حتى المذهب الشيعي يعد المتضرر اذا ما درسنا المعادلة العراقية بصورة موضوعية وبعيدة المدى.
السؤال الذي يطرح نفسه ، هل المقاومة الشعبية في العراق ضد خطر الفكر الداعشي مقاومة صحية وعملية ؟ ام ان الانتهاكات ضد الانسانية كفيلة بتغذية العنف المذهبي في مرحلة ما بعد داعش ؟
ان مقاومة داعش والفكر الإرهابي ضرورة ليست عراقية وإنما هي ضرورة إنسانية بحتة من مختلف الأنظار فالأمن والسلم الاجتماعي بوجود داعش يكون ضمن التهديد المستمر، وخطر الاجندة الدولية هو الاخر كفيل بانهيار اقتصادات الشعوب ضمن مشاريع محاربة الاٍرهاب باستخدام القدرات الاقتصادية للدول التي تعاني من ضعف مؤسساتها الأمنية والخدمية، اضافة الى شرعنة الفساد وإساءة استخدام القوة والاموال في هذه المناطق بحجة خطر الاٍرهاب وعندها يكون خطر داعش مزدوج من حيث تهديد الأمن وانتشار الحكم غير الصالح . الا ان محاربة داعش في العراق قضية معقدة وتتطلب خطط استراتيجية لحفظ المصلحة العامة وذلك بسبب التغيير النظمي في المعادلة الإقليمية وتقسيم الأطراف العراقية على جبهات واجندة غير وطنية، وكذلك التنوع الاثني والعرقي في العراق هو الاخر عامل يخَلَّق التهديد للفترة التي تلي انتهاء داعش في العراق. ومن اجل ضمان الاستقرار في مرحلة ما بعد داعش لابد من أخذ النقاط التالية في الاعتبار في مسالة محاربة داعش :
اولا؛ ان داعش لا تعبر عن اي مكون عراقي وان اي ربط بين الفكر الإرهابي الداعشي والأطياف العراقية سوف يولد المناخ الملائم لاستمرار عقلية داعش في العراق، ويجب ان لا ينسى الأطراف العراقية ان اخطاء ومذهبية حكومة المالكي هي التي أفرزت المناخ الملائم لداعش حيث وفرت خيارين احلاهما مر للسنة في العراق، اِما داعش او مالكش. ثانيا : ان العنف لا يعالج بالعنف فالانتهاكات التي حدثت في المناطق السنية وثقتها الامم المتحدة ومراكز البحث في العالم الغربي من خلال شهود عيان على الارض تتهم الحشد الشعبي والميليشيات الإيرانية بالقيام بجرائم ضد الانسانية فهذه الانتهاكات سوف تغذى روح الانتقام وتوفر الارضيّة الملائمة للحرب الأهلية في البلاد. ثالثا؛ ان إدارة العملية السياسية في العراق يجب ان تتغير اي ان لا تكون احدى المكونات هو الحكم والحاكم والبقية مهمشين من ابسط الحقوق، فالتفرد السلطوي لا ينتج الا الاٍرهاب، فالممارسات السابقة ضد الكورد والسنه لن تتسامح في المرحلة القادمة في ظل التهديد الإرهابي من قبل داعش فإما يكون البلاد للجميع واما ان يحق للمكونات الاستقلال وحماية مصالحها وفق المشاريع الجديدة في الشرق الأوسط ، وهذه المشاريع لا تخدم الأقليات في المرحلة الراهنة لكون المنطقة تعيش حالة الصراع على توازن القوى. رابعا ؛ داعش قامت بانتهاكات وجرائم استهدفت الحضارة والإنسان في العراق، فإذا استمرت تلك الانتهاكات من قبل مجموعات اخرى يكون السؤال حول أوجه الاختلاف بين داعش وغيرهم ممن يحملون العنف والقتل شعارا لهم.
ان جمهورية العنف سوف تظل على طبيعتها اذا ما استمر عطش الدم بين أفرادها، وهذا هو الواقع المر ، بعيدا عن الشعارات والوطنية الزائفة. ان جمهورية العنف مهددة بالتحول الى جمهورية الرعب الشامل حيث لا يكون هناك مجال غير فوهة البندقية للتعبير عن الاختلاف، والحل الأمثل يكمن في تحكيم العقل من قبل جميع الأطراف والتحرر من التاريخ لكي يتمكنوا من بناء الحاضر والمستقبل، وان الانسان أكرم من المذاهب والأيديولوجيات ولو ان تلك المذاهب لا تحمي وتحترم كرامة ذلك الانسان فلا يحتاج الامر الى التعمق للحكم على عدم ملائمة تلك الأُطر في إدارة المجتمعات البشرية.
#زيرفان_سليمان_البرواري (هاشتاغ)
Dr.__Zeravan_Barwari#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
داعش .. والقوة المرنة
-
الكورد.. والأمن الإقليمي
-
تركيا .. والخيارات الصعبة !!
-
داعش ... هادم الحضارة
-
الدب الروسي .. وإعلان الحرب الباردة
-
الإقليم بين رهانات الداخل وتهميش الخارج
-
حزب الله من المقاومة الى الارهاب
-
الحوار التركي- الكوردي. الواقع والتحديات
-
لا شتاء بعد الربيع
-
عمليات دجلة .. والدعاية الرخيصة !
-
حكومة الاغلبية .. والاجندة الخفية
-
النظام السوري ... والحرب بالوكالة!
-
بغداد.. والفشل الدبلوماسي
-
النخبة العراقية .. وعقلية العسكرة !!
-
تركيا.. والهاجس الكوردي الجديد!!
-
السياسة الدولية .. وغياب الانسانية
-
أنقرة والاقليم .. تعاون طارئ
-
بلاد بلا رؤية
-
أدلجة العنف
-
الارهاب الفكري ..وخفايا الشر
المزيد.....
-
العثور على جثث 4 أطفال في الجزائر عليها آثار حروق
-
-إعصار القنبلة- يعصف بالساحل الشرقي لأمريكا مع فيضانات ورياح
...
-
في خطوة رائدة.. المغرب ينتج أول اختبار لفيروس جدري القردة في
...
-
أذربيجان تتهم الخارجية الأمريكية بالتدخل في شؤونها
-
ماكرون يسابق الزمن لتعيين رئيس للوزراء
-
نائب روسي ينتقد رفض زيلينسكي وقف إطلاق النار خلال أعياد المي
...
-
ماكرون يزور بولندا لبحث الأزمة الأوكرانية مع توسك
-
الحكومة الانتقالية في سوريا تعلن استئناف عمل المدارس والجامع
...
-
رئيس القيادة المركزية الأمريكية يزور لبنان للتفاوض على تنفيذ
...
-
جيم كاري في جزء ثالث من -سونيك القنفذ-.. هل عاد من أجل المال
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|