|
العالم مقذوف الى المستقبل
هيثم بن محمد شطورو
الحوار المتمدن-العدد: 4756 - 2015 / 3 / 23 - 17:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
و يرمقني الغد بعينين مريـبتين. لونهما غير واضح و لكنها نظرة كلها أمل. نظرة ابتسامة طفولية جميلة و رائـقة. يا الغد الدائم أنت الذي تعانـقه الروح دوما و أنت هو الروح. ما انـفـكت أزرار الأبالسة تـشيع الإحباط، لكن في الأفق دوما ترانيم الحـرية. انك هناك فوق الجميع بما فيها السماء فأنت فوقها. السماء موضوع رؤية لك و مجال انـفـتاح الأقصى الحر داخلك. انظر حولك و ستجـد عالما مليئا بالحبور. الحبور الكامن في جوف الألم. فمتى كان للعنوان أن يولد حتى تـنبثـق بين ثـناياه تـشابكات متـشابهة برغم تناقضها السطحي. فالدماء المراقة تبقى هي نـفسها و لونها البشري بين الانـفتاح و الغمق هو مشترك بين جميع البشر، و إنها مقاربات تطفو على هذه الحقيقة التي يراد نكرانها غصبا و عنوة و بكل غرور ماحق مستهتر.. و انك حين تـلتـقي بمنـظمة "كوكس كلان" في أمريكا، و هي اليد الدموية العنصرية ضد الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية و التي تأسست في منتـصف القرن التاسع عشر، يثيرك اليوم تبنيهم لزعامة "هتلر" و مقولاته التي تـتـلخص في النقاء العرقي الجرماني، و المتأسس على وهم الأصول الآرية له و على قـدسية و نقاء العرق الآري الذي ثبت انه يخص الإيرانيين، بل ان كلمة "إيران" تعني قبل قرون عدة إمبراطورية الآريين. يثيرك اليوم تبني هذه المنظمة التي بعثت للقضاء على السود الذين اختطفهم الأوربي قبل ذلك من أرضه ليعمل كعبد في أمريكا الجـديدة. هذا الأسود الذي أصبح يمثل عبئا على الآلة الرأسمالية الأوربية البيضاء الجهنمية أصبح موضوعا للقـتـل و الإبادة من طرف هذه المنظمة و غيرها. و إنهم اليوم حين يتبنون "هتلر" و يتساوقون مع النازية الجديدة في المانيا و أوربا، يتساوقون كذلك مع الأحزاب القـومية اليمينية التي بدأت تـزحف على الدول الأوربية، فإنهم يعبرون عن عنوان واحد هو بدوره متـشابك مع ما يعرف من محفـز آخر في العالم العربي و هو ما يسمى بداعش و الإرهاب الاسلاموي.. ففي اجتماعات "كوكس كلان" الدورية يرفع الصليب المشتعل كرمز للنور الذي ينير الظلمات. و طبعا هنا لا نتحـدث عن المسيح الذي دعا إلى المحبة. إننا نتحدث عن حملة الصليب الذين يعبرون عن نـفس التـناقض مع روح الأنبياء الذين بعثـوا الأديان. إنهم داعـش العالم المسيحي. يسمون أنفـسهم بالفرسان البيض ذلك أنهم يرتدون قـلنسوة بيضاء اللون يغـطون بها رؤوسهم. في تغـطية الرأس رمز لنكران العالم و التوحد مع الفكرة التي في الرأس فقط. كلمة فرسان هي رجع صدى لكلمة فرسان الهيكل و فرسان الصليب و هي المجموعة التي تكونت من الفرسان الأوربيـين المنهزمين ضد صلاح الدين الأيوبي في تحريره للقـدس و التي يطلق عليها اسم الحروب الصليـبية. إنهم الفرسان الذين أسسوا لعصر الإرهاب في أوربا القرون الوسطى. و إنهم بكل جلاء إرهاب المنتـقمين من الهزيمة الخارجية و التي تـنـقـلب إلى الوصف الداخلي لهزيمة داخلية ناتجة عن عـدم تمسك الأوربيين بتعاليم المسيحية. و كأن المسيح لم يدعو إلى المحبة و كأنه دعا إلى احتلال بيت المقـدس و كأنه رفع راية الحرب و ليس راية السلام. و لكن من اجل الحرب يجب خلق عنوان عاطفي يحشد المقاتـلين. كان فرسان الصليب يأملون في معاودة الحرب مع المسلمين و افتكاك القدس من جديد. ماتت ظاهرة فرسان الهيكل و لكن احتل الأوربي الجديد ذو الرداء العلماني بيت المقدس من جديد، و الجنرال الفرنسي حين تم احتلال بلاد الشام ذهب إلى قبر صلاح الدين و تبول عليه و قال " ها قد عدنا يا صلاح الدين".. و يمكنك أن تـقـف هنا عند ترنيمة " الظلمات التي يقشعها النور". نـفس الصورة التي ابتدعتها الزرادشتية التي جعلت من النار المقـدسة رمزا لالاه النور الذي هو في صراع مع الاه الظلام، و حين ينـتصر النور ـ الخير الأسمى على الظلام ـ الشر المطلق فساعتها يبلغ العالم معناه و تـقوم القيامة. النور الذي يقشع الظلمات وردت كما هي في القرآن الكريم، ثم في الأدبيات الإسلامية فنجد عيسى الذي يظهر في آخر الزمان ليخلص البشرية من شرورها، و نجد المهدي المنـتـظر عند الشيعة الذي ما ان يظهر من جديد حتى يخلص العالم من شروره... انه نفس الإيقاع الذي يدغـدغ القـلب البشري هنا و هناك، و انه نـفس الوعي الشقي بين النهائي و اللانهائي. و لكن في ممارسة فن التعري فكريا فان الوعي يمكنه أن يقـلع عنه كل الأردية الحاجبة للحقيقة العارية. إنها و بكل بساطة الأمل في الغد الأفضل دوما. انه الإنسان في جوهره كائن مقذوف في المستـقبل دوما و ان المستـقبل هو الذي يوقد نار الروح داخله. أليس جوهر الإنسان هو ابنه و كينونته التي ينجزها دوما في انفتاحها على المستـقبل؟ و أليس الماضي هو عالم الظلمات دوما؟ عالم الألم الذي يلاحقنا و الخلاص منه في اتجاه المستـقبل المشرق دوما كالسماء الزرقاء.. و لكن الوعي هو الذي يحدد مسار الفعل البشري. الحفر و التعرية و الفضح و نبش المسكوت عنه. هنا، و كي لا نبتعـد كثيرا عن الخيط الرابط. فالظواهر الإرهابية التي تجـذب نفـسها من العالم و تـتـوهم في إمكانية قـتله خاسرة معركتها دوما. إنها حالة انحباس في الماضي و محاولة عابثة في استـنساخه و هذا محال لان الوجود دائم التغير و لا يمكنك السباحة في نفس النهر مرتين ذاك ان الماء دائم الجريان مثلما قال "هيرقليط" اليوناني. و الانحباس في الماضي هو نتاج أزمة حادة في الحاضر مثل أزمة العالم العربي اليوم و مثل أزمة أوربا و أمريكا اليوم. لكنها ازمة اضاعت بوصلتها لانها اتجهت الى ظلمات الماضي و ليس الى اشراقة المستـقبل. الماضي المنجز المنـتهي و من يتاسس عليه فهو منتهي، اما المستقبل فهو غير المنجز بعد و هو الابداع و الاقدام على المجهول... و حالة الصراع تجاورها حالة التعالق خاصة في عالم التواصلية اليوم. و من يغطي رأسه كمن يدفنها في التراب كالنعامة. و إننا لسنا بالكائنات المقدسة و الطاهرة كما اننا لسنا بالكائنات المدنسة. إننا نتطهر من دنسنا دوما. و انه الإنسان المعـلق بين الأرض و السماء، بين الجسد و العـقـل، بين الوعي و الاوعي. بين الماضي و المستـقبل. لنفـتح أعيننا على العالم و على سمائه التي تـفتح رحابتنا على رحابة العالم و توقد نار الحرية التي هي وحدها النار المقـدسة. و صراع الغرب و الشرق يضمحل برغم النازيات و التعصبات الإرهابية. هناك عالم متأزم و إنها أزمة الامبريالية و الرأسمالية و نظام الاحتكار و ربما هي أزمات طاحنة مستـقبلية ستـشهد ذبح المسلمين في أوربا و أمريكا، أو تهجيـرهم عنوة مثلما حدث مع المورسكيين في الأندلس، و لكن بما أن عقلا يتحرك في العالم هو عقل اليسار الذي يضع إصبعه على موطن الداء في الملكية و الاحتكارية و الأنانية البشرية التي بنت كل الأوهام، فانه يمكنه في عالم اليوم الذي يشهد انهيار الامبريالية الأمريكية، ان يصعد لينقـذ العالم من أوهامه و دمائه و شروره. فربما اليسار هو الاه النور.
#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة الجامع و ثقافة الكتاب
-
الرأس العربي الأجوف
-
المسلم الكافر
-
معترك اسلامات
-
النفس الواحدة القرآنية و الإسلام
-
تهافت الإسلام التقليدي
-
الفلسفة هي إكسير الحياة
-
دائرة الإسلامي الجحيمية
-
انك في عصر الإنسان العالمي
-
ماذا يخفي العنوان الداعشي؟
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|