نبيل محمد سمارة
(Nabil Samara)
الحوار المتمدن-العدد: 4755 - 2015 / 3 / 21 - 02:04
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
بقلم - نبيل محمد سمارة
كان يفترش محمد الارض , الشاب الذي بدأ يقترب من الحادي والعشرين من العمر , قرب باتا في مدينة الحرية وهو يبيع نوع من الحلويات " الداطلي" وربما لا يصل في بعض الاحيان ,ما يبيعه يسد حاجته كشاب ,او ما يصل للحصول على وجبة غذاء في مطعم جيد,المأخوذ عن محمد لدى اهالي مدينة الحرية انه شاب مجنون , ولا يمكن التعامل معه الا على هذا الاساس .
وهذا الامر جره في بعض الاحيان الى الشك بنفسه على انه مجنون . نتيجة للضغط المجتمعي , فهو شاب اشعث الشعر غير مرتب الهندام يقذفوه الاطفال بالحصو والطماطم بدون رحمة , ببساطة كان محمد زميلي في الدراسة الابتدائية , لم يكن مجنونا , او حتى قريبا بأي شكل من اشكال حافات الجنون ,ولكنني استطيع القول :بأنه كان طفل غريبا وفيه شيئ من الفرادة , تلك الفرادة التي يمكن ان تتلخص في كونه يميل الى العزلة و التلعثم في نطق الكلمات .
وكل تك الامور كان يمكن ان تمر مرورا عاديا فيما لو تعامل معها المحيط المجتمعي , الذي يعيش فيه محمد , بعدالة وعلمية وخوف من الله , لكن الذي حدث هو عكس ذلك تماما , فالتعامل مع محمد من قبل ابعض المعلمين والكثير من التلاميذ , لم يكن تعاملا جديا , بل كان تعاملا مملؤ بالسخرية واللامبالاة وعدم الاحترام , وكم هائل من الكلمات الجارحة التي جعلت من صديقي محمد يفقد ثقته بنفسه يوما بعد يوم , ويميل الى العزلة اكثر فاكثر , وزادت حالة التلعثم في نطق الكلمات عنده الى الحد الذي جلته كثير التغيب عن المدرسة , وحتى جاء اليوم الذي ترك فيه محمد الدوام كليا , وليضل حبيس البيت عدة سنوات .
فاخباره انقطعت عني , ولم اعد اعرف مصيره , الا ان وجدت ابن خالته وسألته عن زميلي محمد فقال لي : قد غادر بغداد لينتقل الى شمال العراق مع عائلته , غياب زميلي محمد بقى مجهولا الى بعد سنتين مضت , واذ بي اتفاجئ برؤيته في شارع المتنبي , فركت عيني ربما ان هذا الشخص شبيه بمحمد , دنيت له وسألته هل انت محمد الجاف , نظر لي وسارع بأحتضاني وتقبيلي امام مثقفي المتنبي , كان هذه المرة هنداما بملابسه وذو شخصية رائعة , وقال لي : يا نبيل اني اليوم اعمل اعلاميا في احدى فظائيات كوردستان وبعد مغادرتي بغداد عدت للدراسة, لم اتصور ان زميلي المجنون اصبح من الشخصيات التي يحسب لها الف حساب , كان لقاء حميم وذكريات لا تنسى بعد غياب طويل , ادركت ان محمد المجنون لو بقى في بغداد لكان اليوم في مصحة الامراض العقلية او ربما مات من تصرفاتنا نحن العرب
#نبيل_محمد_سمارة (هاشتاغ)
Nabil_Samara#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟