عمار القداح
باحث ومستشار قانوني
الحوار المتمدن-العدد: 4754 - 2015 / 3 / 20 - 20:27
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
ليس جديداً القول أن العمل السياسي الثوري يتكامل مع إنجازات العمل العسكري والميداني لتشكيل جسم ثوري صلب قادر على تحقيق مارب الثورة واهدافها , لذلك وجب على من يدعي تمثيل الثورة سياسياً الارتقاء بعمله فيما يتوافق و روح الثورة وقدسية التضحيات .
وفي ظل الدعوات البالية والمتجددة من بعض مدعي الاحتراف السياسي وممثلي الدبلوماسية الوطنية والدولية لعقد مفاوضات مباشرة بين نظام الاسد ومن يدعي تمثيل الثوار , وجب على المناضلين السياسيين عدم الخوض في غمار المساومة على حقوق السوريين والمقامرة بحقوق ضحايا الجرائم ضد الانسانية في سوريا بالقبول بأي مبادرة او طرح يماثل الصفقة السياسية اليمنية التي تنحى بمقتضاها الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح عن السلطة , ويمنح الاسد وزمرته من مجرمي الحرب أي حصانة قضائية تحول دون توقيع العقاب عليهم وفقاً لقواعد القانون الدولي , فالعفو من العقاب يعد خيانةً لوجوب التضامن الانساني مع ضحايا العنف والنزاعات المسلحة فضلاً عن أن العفو يجسد ويرسخ ظاهرة الإفلات من العقاب، كما يشجع من تسول له نفسه لانتهاك حقوق الانسان المقررة في التشريع الالهي والوضعي على السواء .
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق تصريح سابق للوريث القاصر حاول فيه التنصل من المسؤولية الجنائية الدولية لرئيس الدولة عن الجرائم الدولية التي ترتكبها باستمرار ميليشياته المسلحة قائلاً :
" أنا لا أملك القوات المسلحة، وكل الجرائم التى ارتكبها الجيش حدثت نتيجة أخطاء، وأنني لم أصدر أمرا واحدا بالقتل والتعذيب وغيرها من أوامر مخالفة للقانون " .
وفي هذا الكلام اعتراف ضمني بارتكاب القوات المسلحة النظامية لجرائم تفوق وصف الجرائم الدولية بل أحرجت وأعيت من يغطيها سياسياً .
وتناسى بشار في تصريحه أن الدستور السورى الصادر عام 1973 ينص على: "رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش,وهو بهذه الصفة يتحمل المسؤولية الجنائية كاملة عن افعال مرؤوسيه "
ومن كتب هذا التصريح للوريث ليدلي به إما عمد بذلك لجعله اضحوكة كما اعتدنا عليه أو لديه من الغباء ما يكفي ليورث به اجيالاً من بعده , ولربما ارتكز مستشارو الرئيس الى الدستور السوري فى مادته رقم (91) الخاص بحصانة الرئيس وذلك حين نصت المادة على: "لا يكون رئيس الجمهورية مسئولا عن الأعمال التى يقوم بها فى مباشرة أعماله إلا فى حالة الخيانة العظمى" , ما جعل مستشاري الرئيس السوري يصورون له ان دستورهم الداخلي يسمو على القواعد الدولية الراسخة منذ عام 1945 والتى قررتها محكمة "نورمبرج"، وصادقت بالإجماع على المبادئ التى أتت بها هذه المحاكمات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى عام 1950, وأهم هذه المبادئ "لا يجوز الدفع بالصفة الرسمية للرؤساء حال ارتكابهم الجرائم الدولية " فلا مكان للحصانة في حضرة الاجرام الدولي ولا سبيل للتقادم في جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية مهما طال الزمان .
لقد عكست الثورة السورية بجلاء ودونما أية شك نكوص وعجز المجتمع الدولي عن النهوض بمسئوليته لمكافحة الجرائم الدولية المرتكبة فى سوريا والتى تهدد السلم والأمن الدوليين، حيث توانى المجتمع الدولي ودونما أية وازع عن حماية المدنيين السوريين ، وذلك لمصالح سياسية فى معظم الحالات لكن بالمقابل هناك العديد من الهيئات الحقوقية والمنظمات الوطنية والدولية التي تعمل على توثيق الانتهاكات والجرائم تمهيداً لتقديم مرتكبيها الى المحاكم , فما هي الاليات والمسارات التي تصل ببشار الاسد الى المحاكمة ؟
المسار الأول : مقاضاة أمام القضاء الوطني السوري:
فالقضاء الوطني السوري هو القضاء ذو الولاية القضائية الجنائية والمختص بملاحقة الرئيس السوري بشار الأسد وفقاً لمبداً التكامل بين القضاء الجنائي الدولي المتمثل بالمحكمة الجنائية الدولية والقضاء الوطني ,
لكن لا يستقيم الحديث في هذا الاتجاه الا بعد التحرير وانتصار الثورة وإعادة تصويب التشريع الوطني وتأهيل المؤسسة القضائية فيما يتوافق وقواعد القانون الدولي , حيث لم تعرف التشريعات الجنائية السورية أو تضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية ضمن التشريعات الوطنية السورية ، فضلا عن أن هذه التشريعات لا تعرف مبدأ المسئولية القيادية سواء لرئيس الدولة أو للقادة والرؤساء سواء العسكريين أم المدنيين الذين يسهمون جنائيا في ارتكاب الجرائم الدولية بأي صورة من صور المساهمة الجنائية.
وبكل تأكيد لم يكن القضاء العراقي افضل حالاً حين محاكمته (السياسية) للرئيس العراقي صدام حسين فاستعانت انذاك الحكومة العراقية بخبراء أمريكيين وغيرهم من خارج العراق، وذلك لمساعدة السلطات القضائية العراقية فى إجراء محاكمة الرئيس صدام حسين وزمرة من معاونيه ومستشاريه لاتهامهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وتحديدا جرائم قرية "الدجيل" عام 1982.
المسار الثاني : مقاضاة بشار الأسد أمام المحكمة الجنائية الدولية:
الإشكالية هنا أن الحكومة السورية لم تصادق على نظام المحكمة الأساسي، وبالتالي فإن المحكمة لن تقبل الدعوى لعدم اختصاصها الولائي ولا ينعقد هذا الاختصاص إلا إذا أحال مجلس الامن الحالة في سوريا للمدعي العام لرفع الدعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية وذلك بموجب المادة (13) من النظام الأساسى لنظام المحكمة، وبشرط أن يصدر قرار الإحالة بموجب الفصل السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، وبعد أن يكون مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة قد كيّف أن الحالة فى سوريا تهدد السلم والأمن الدوليين ...ليبيا مثالاً .
وهذا الطرح لا يساوي الحبر الذي كتب به بسبب الفيتو الروسي الصيني الداعم لجرائم الاسد .
المسار الثالث : ملاحقة بشار الأسد بموجب الاختصاص القضائي العالمي:
ربما هذه الالية تستحيل التطبيق على الأرض فإذا ما فر الاسد خارج سوريا فلن يلجئ لأي دولة تطبق الاختصاص القضائي العالمي في تشريعها الوطني .
فوفقاً لهذا الاختصاص تتولى الدولة التى تعتقل المتهم وتوقع العقاب عليه النيابة عن المجتمع الدولى في هذا الصدد .
وهنا تقع المسؤولية على الدول العربية ذات الطابع الاستراتيجي إذا ما لجئ الاسد الى احدى هذه الدول الى مطالبتها باستخدام حقها في ملاحقة مجرمي الحرب السوريين، وحثها على القيام بدورها الإنساني والأخلاقي.
ولقد أعملت العديد من الدول الاوربية و غير الاوربية هذا المبدأ في ملاحقة العديد من الرؤساء و القادة الذين ثبت ارتكابهم الجرائم الاساسية للقانون الدولي ، و عد القادة الاسرائيليين الاكبر عددا في الملاحقة القضائية بموجب ذلك المبدأ القضائي المهم ، و الذي لا تعتنقه و للأسف إلا دولة عربية واحدة في تشريعاتها الوطنية .
أما في حالة عدم حماسة تلك الدول، فعلينا أن نعود للجمعية العامة التي كانت قد أقرت مبادئ التعاون الدولي في تعقب واعتقال وتسليم الأشخاص مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بقرارها في عام1973. وبالتالي فإنه يتم وفق هذا السيناريو أن يصدر قرار منها بإنشاء محكمة دولية جنائية لسورية، على غرار المحكمة الجنائية الدولية المؤقتة ليوغوسلافيا .
عمار القداح
الحقوقي والباحث في القانون الدولي
#عمار_القداح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟