أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عماد عبد اللطيف سالم - الشباب في العراق : إشكالية الدور في اطار عملية التنمية البشرية ( 2003 – 2014 )















المزيد.....



الشباب في العراق : إشكالية الدور في اطار عملية التنمية البشرية ( 2003 – 2014 )


عماد عبد اللطيف سالم

الحوار المتمدن-العدد: 4751 - 2015 / 3 / 17 - 13:40
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


الشباب في العراق : إشكالية الدور في اطار عملية التنمية البشرية ( 2003 – 2014 )


المقدمة :
موضوع البحث
يتوجه هذا البحث الى الشباب ، على انهم شركاء اساسيون في التنمية كما هم العنصر الرئيسي فيها ، وهم قوة التغيير المطلوبة لأنجازها ، والعامل الاساسي في استدامتها .
و يمكن لهذا البحث انه يحقق اهدافه حين يتمكن من ان يعرض بنجاح الكيفية التي يمكن بها للشباب أن يصبحوا فاعلين اساسيين في مجتمعهم ودولتهم ، من خلال الرؤى والمفاهيم والاطر والسياسات والمؤسسات التي سيتطرق اليها عبر محاوره وفصوله المختلفة.
هدف البحث
يهدف هذا البحث لأن يكون "دراسة ً" ، وليس " تقريرا ً" عن الشباب في العراق ؛ من خلال الكشف عن الفرص المتاحة امامهم ؛ والتحديات التي يواجهونها ؛ ودورهم في عملية التنمية الأقتصادية والأجتماعية .
وسيكون التعدد والتوازن ما بين المحاور المختلفة ضروريان من اجل تغطية جميع ابعاد هذا الموضوع ، مع الحرص على ان لا يبقى هذا التصور قائما ً في بنية البحث فقط ، بل ان يصل الباحث من خلاله الى بناء قضية واحدة تندمج وتتداخل مع عملية التنمية الشاملة بكافة ابعادها ، وهي قضية الشباب ذاتها ، وبجميع ابعادها ايضا ً .
وسيشكل هذا بدوره مدخلا ً لبناء السياسات وصياغة الستراتيجيات ذات الصلة بدور الشباب في عملية التنمية حاضرا ً ومستقبلا ً.

منهجية البحث
تم اعداد هذا البحث وفق مقاربات تم من خلالها تجاوز المنهجية القائمة على "الحقائق النمطية" بشأن التنمية في البلدان العربية . وتقوم هذه المنهجية ومنطلقاتها ذات الصلة بموضوعات مثل : ضعف النمو وتقلبه وارتباطه بالنفط ، وضعف الاطار المؤسسي ، والبطالة (خاصة للشباب) , والفقر (فقر الدخل والفقر البشري) , وعرض اوجه عدم المساواة وانخفاض جودة التعليم والأمن الغذائي .. وجميعها حقائق نمطية تعكس الاداء المختلط بشان التنمية البشرية والاهداف التنموية للألفية .
ومن منظور منهجيات التنمية الشاملة فان تحديات التنمية سيتم تحديدها على وفق الحقائق النمطية المذكورة ولكنها ستتناول هذه المرة موضوعات مثل الاصلاح المؤسسي , وايجاد فرص العمل , ودعم وتمويل نمو اقتصادي مناصر للفقراء , واصلاح انظمة التعليم , والتنوع الاقتصادي والعولمة , والامن الغذائي والزراعة .
اما في مجال اتجاه السياسات من منظور التنمية البشرية فان هذه المنهجية ستعمل على الاهتمام بموضوعات السياسات ذات الصلة بتنوع النمو الاقتصادي ، والحد من الفقر وايجاد فرص العمل ، وسياسات التعاون الاقليمي .
ان هذه المنهجية لا تساعد على تجريد مقاييس التنمية من الابعاد النمطية (المعممّة) . كما انها لن تكون كافية للبحث في تعقيدات مجتمع مأزوم (او مجتمع يعيش او يتعامل مع ازمات متعددة) كالمجتمع العراقي . والأهم من ذلك كله هو انها لن تسمح بتوسيع ابعاد مؤشرات ومفاهيم التنمية ذات الصلة بخصوصيات الشباب كـ " فئة اجتماعية " ؛ وستكون بالتالي عاجزة عن تبرير طرح " دليل " بديل ، بمؤشرات جديدة حول تنمية الشباب ، لم يتم الأخذ بها سابقا ً .
• استنادا ً لما تقدم فان هذا البحث سيتبنى منهج " التنمية التضمينيّة الشاملة ", حيث لا معنى للآراء التي تربط بين السياسات الاجتماعية والاقتصادية من جهة ، ونتائج التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة اخرى ، اذا ما نظر اليها خارج السياق التاريخي والمؤسسي للدولة ، والمجتمع , وخاصة بالنسبة الى ديناميكيات النمو والتوزيع والتغير الهيكلي .
وهذا يعني ان العلاقة (على المستوى التحليلي) بين المؤسسات والسياسات الاقتصادية والتنمية البشرية تتسم بالتعقيد ، وبات التفكير فيها يتضمن مستويات عدّة : احصائية وتاريخية ونظرية وسياسية وايديولوجية (ثقافية) .

المبحث الأول :
الشباب والتنمية
الفرضيات الأساسية في اطار مفهوم التنمية البشرية

ثمة موقفان يتعلقان بالسياسات ، يرتبطان على وجه التحديد بالتحليلات واتجاه السياسات الواردة في هذا البحث : يتمثل اولهما في ان مؤسسات الاقتصاد والعلاقات التوزيعية عبر القطاعات الانتاجية ، والفئات الاجتماعية تمارس ادوارا ً جوهرية في تحديد السلوك الكلي.
والموقف الثاني انه في ظل اوضاع الفقر العام او الكلي ، والارتفاع المستمر في معدل البطالة لا تكفي شبكات الأمان الأجتماعي , والصناديق الأجتماعية , وغيرها من خطط الرفاهة التي تعتمد على اعادة التوزيع , في طرح حلول تتسم بالأستدامة لمثل هذه الأوضاع . وهنا سيكون من الضروري وجود ادارة للاقتصاد الكلي تقودها الدولة وتعتمد على تدخلها بدرجة اكبر بهدف تعظيم حجم الاستثمار العام وتوفير مجال مالي على نطاق اوسع لتمويل نفقات التنمية وتقليل تكاليفها الاقتصادية والاجتماعية . (برنامج الأمم المتحدة الأنمائي , جامعة الدول العربية . الملخص التنفيذي لتحديات التنمية في الدول العربية . القاهرة 2008 ) ، و ( برنامج الأمم المتحدة الأنمائي , جامعة الدول العربية . تحديات التنمية في الدول العربية . نهج التنمية البشرية . الجزء الأول . آذار / مارس 2009 ) .

أولاً : مفهوم التنمية التضمينية الشاملة : إعادة ترتيب الأولويات في مجال صنع السياسات

يتطلب العمل على وفق منهجية التنمية التضمينية الشاملة اعادة النظر في الاولويات في مجال صنع السياسات بهدف الحد من الاشكال والمظاهر المختلفة للاقصاء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي . والهدف من ذلك هو تزويد السياسات العامة باقتراحات وتوصيات في مجالات التدخل الاساسية , او الاطر العامة للسياسات , تكون متماشية مع السياق التنموي , واكثر تكيّـفا ً مع الخصوصيات الوطنية .
اما الرؤية طويلة الامد التي تنتظم في اطارها هذه المقاربات ، فهي تلك التي تقوم على السياسات الاقتصادية والاجتماعية التضمينية ، وعلى مفهوم التنمية البشرية المستدامة التي تجعل الانسان محورها وغايتها .
وترتكز هذه الرؤية التنموية الشاملة على مسائل عدة أهمها : الحد من الفقر والتهميش من خلال التمكين والعمل المنتج , ودعم الفئات المهمشة , والحماية من الصدمات. كما ترتكز على تصحيح الاختلالات الاجتماعية (مثل الاختلالات على اساس الجنس والدين والعمر والعرق... وغيرها). وتتطلب هذه الرؤية توفر اطار اقتصادي تضميني مصحوبا ً بنمو اقتصادي مستدام وواسع النطاق . اي نمو اقتصادي يطال مناطق جغرافية مختلفة، وقطاعات مختلفة، ومجموعات عمل ومؤسسات ذات انواع واحجام مختلفة . ( الأسكوا . الأهداف الأنمائية في زمن التحول . نحو تنمية تضمينية شاملة / 2011 ) .

1- المقاربة الشاملة , والمقاربة القطاعية - التجزيئية

ان هذه الرؤية تعوض القصور الناجم عن المقاربات التجزيئية والقطاعية المغرقة في التفاصيل التقنية , والتي باتت عاجزة عن ادراك الترابطات بين المكونات المختلفة للعملية التنموية . وعلى صعيد الممارسة فان مثل هذه المقاربات شجعت على التدخلات الجزئية , وعلى اختزال التنمية في البرامج والمشاريع او في السياسات القطاعية.
ان مقاربات تقليدية كهذه ستبقى في كل الاحوال اسيرة لمفهوم ضيق للأولويات ، وستركز على البعد الاقتصادي للتنمية فقط ، في حين تتعامل مع الابعاد الاخرى (الاجتماعية والبيئية والثقافية والسياسية ) ، اما بعدّها نتاجات ثانوية للنمو الاقتصادي ، او بعدّها ادوات ووسائل في خدمة اهداف هذا النمو.
وتضاف الى مشكلة تآكل مفهوم التنمية البشرية خلال العقود الاخيرة (من خلال اهمال بعض مكوناته الاخرى والاهتمام فقط بالمكون الاقتصادي) مشكلات اخرى ترتبط بطريقة فهم المكونات ذاتها ، واختزال هذه المكونات في بعض جوانبها التقنية او الجزئية . كاختزال البعد السياسي بالحوكمة , والنظر اليها من منظور اداري وفني . واختزال البعد الاجتماعي في المشكلات الاجتماعية ، والتعامل مع آثارها ونتائجها ، اكثر من التعامل معها من منظور التنمية الاجتماعية (كعملية تحويلية للمجتمع) . اما البعد الثقافي فقد كان الاكثر اهمالا ً, باستثناء تناوله من خلال بعض الافكار العامة. ( الأسكوا . الأهداف الأنمائية في زمن التحول . نحو تنمية تضمينية شاملة 2011 )

2- التنمية التضمينية الشاملة واعادة انتاج مفهوم التنمية

ان مسار تطور العولمة و الازمات العالمية والاقليمية والوطنية بما تطرحه من تحديات وفرص، ومشكلات وآفاق ، وما تفرضه من تكييف وتطوير للفكر والتجارب التنموية في العالم، تتطلب جميعها ضرورة اعادة انتاج مفهوم التنمية مجددا ً بما يتناسب مع كل هذه التطورات والمتغيرات.
فاذا اضفنا الى كل ذلك قضايا الحراك الحاصل حالياً في المجتمعات العربية ؛ والتي لم نختبر جميع ابعادها وتداعياتها بعد (وبالذات فيما يتعلق بقضايا الشباب وحراكهم على المستوى الوطني-المحلي) ، سيكون من الضروري مواجهة التحديات المعرفية والعملية الملحة المتعلقة بتحويل مفهوم التنمية الى وسيلة معرفية وعلمية فعالّة يمكن معها للشباب (وليس للمشتغلين في مجال التنمية حصرا ً) فهم طبيعة التغييرات الحالية واستشراف آفاقها، والمساهمة في تحديد وجهتها ؛ وتحقيق الاهداف المطلوبة منها .
لذا فأن مراجعة المكون السياسي والمكون الثقافي في التنمية ستكون القضية الاكثر حضورا ً في اطار المحاور التي سيتناولها هذا البحث . وهذا يتطلب صياغة مقاربات ومفاهيم وادلّة ومؤشرات تنموية تحقق الترابط والتفاعل بين جميع هذه المكوّنات.
وبقدر تعلق الامر بالموضوع الرئيس لهذا البحث ، فان العمل على وفق منظور التنمية التضمينية الشاملة سيتيح تنويع مناهج واساليب البحث , كالمقاربة التكميلية ، والربط بالعمل وبالتغيير الاجتماعي , والمنهج النوعي , والكمي والاحصائي , والبحث بالمشاركة . ( اديب نعمة . اشكاليات البحث في مجال الشباب ومقترحات مستقبلية / بيروت / 2012 )
ان هذا البحث يخصص حيزا ً كافيا ً للدراسات التكاملية التي تنظر الى الشباب كـ " فئة " في مختلف ابعاد حياتهم (وبما يتجاوز منظور الدراسات القطاعية والمتخصصة) . وبذلك فانه لا يقارب موضوعات الشباب من منظور المشكلات ، ولا تقتصر التحليلات فيه على الحالات المتطرفة او غير العادية, بل ان الشبان والشابات -" العاديّون" و" العاديّات "- سيكونون هم محور هذا البحث , وهم الذين يشكلون مادته , وغاياته الاساسية .

ثانياً : لماذا الشباب ؟
1- الشباب في العالم

بدأت المنظمات الدولية في التركيز على أبعاد ومقاربات معينة في الدراسات الشبابية ، إنطلاقاً من نشاطها العام في التنمية والتنمية البشرية .
وكان إعلان الأمم المتحدة عام 1985 سنة عالمية للشباب محطة هامة في هذا السياق . ونتج عن ذلك إن وضع عدد من الدول قضايا الشباب على جدول أولوياتها " كفئة سكانية محددة " أو" كفئة مستهدفة " من قبل سياسات خاصة ، إضافة لكونها موضوعاً للبحث .
وقد تكرس هذا التوجه في المؤتمر الثالث لوزراء الشباب في أوروبا المنعقد في البرتغال عام 1991 , حيث تم وضع التوجهات الجديدة للدراسات الشبابية . ومنذ ذلك الحين تحولت أوروبا , مع الأمم المتحدة إلى قوة دافعة أساسية للاعتراف بالشباب كـ " فئة سكانية " لها مساهمات في المجتمع والتنمية ، بدل التعامل معهم من منظور " مشكلات الشباب " .
ومن أهم العوامل التي دفعت المنظمات الدولية (والمجتمع الدولي عموماً) إلى إعطاء أهمية متزايدة لقضايا الشباب : هي الاهتمام بقضايا النمو السكاني ، والتفاوت في الخصائص الديموغرافية ، والاختلال الكوني في التوازن السكاني بين مجتمعات الشمال المتجهة نحو الكهولة ، وشعوب البلدان النامية الفتية .
وتحول الشباب إلى أولوية قصوى للحكومات مع بروز مشكلات " كونية " خاصة بعد أن أصبحت المجتمعات , بفعل العولمة ومظاهرها المختلفة , أكثر اختلافاً , وتفاقمت فيها مظاهر العنف والتعصب , وكره الآخر .
ومنذ العام 1985 حدث تحول مهم في إتجاه الدراسات الشبابية للمنظمات الدولية . فقد كانت هذه المنظمات تربط الأهداف الخاصة للدراسات الشبابية بهدف أكثر عمومية هو دفع عملية النمو الاقتصادي وتطوير التنمية .
وبعد عام 1985 بدأ الانتقال من التعامل مع مشكلات الشباب , إلى التعامل مع الشباب بشكل تكاملي .
غير إن هذا "التعامل التكاملي" لم يكن خالياً من العيوب . فهو قد اقتصر على تحديد الشباب كفئة عمرية اجتماعية ، وعلى دراسة وضعهم من خلال عدد من المؤشرات باستخدام أساليب إحصائية ، ومن خلال تقييم مساهماتهم في التنمية . واستمر التعامل مع نواحي محددة , (سواء كانت مشكلات أو أبعاد معينة) هو السائد على التعامل التكاملي ؛ وعلى اعتبار الشباب أنفسهم ، ودراستهم ، هدفاً بذاته ، بمعزل عن مساهمتهم في النمو والتنمية .
وهكذا انحصرت اهتمامات المنظمات الدولية بمحاور محددة هي : التعليم ، والصحة الانجابية ، والثقافة الجنسية ، والسلوكيات الخطرة ، والعمل والنشاط الاقتصادي ، والمحور الديموغرافي والتنموي العام .
وفي جميع هذه المحاور (وما تتضمنه من قضايا وسلوكيات ومؤشرات) كان موضوع الشباب تطبيقاً أو تفريعا ًتخصصياً للموضوع الأساس في هذه المحاور ، أكثر مما يشكل الشباب أنفسهم نقطة الانطلاق .
وتميل المنظمات الدولية عادة إلى مقاربات تقليدية في تناول موضوع الشباب ، تقع ضمن المؤشرات السكانية والصحة الإنجابية ، والمؤشرات الاجتماعية العامة التي تغطيها مثل هذه الدراسات الميدانية . في حين إن إدخال وسائل بحث غير تقليدية ونوعية تقوم على المشاركة لاتزال هي الاقل شيوعاً والأقل قبولاً . ويقع في صلب هذه الدراسات النوعية توسيع نطاق البحث إلى جوانب غير تقليدية تطال خيارات الشباب وقيمهم ، ونظرتهم إلى العالم ، مع الحرص على أن يجري التعبير عنها من قبل الشباب أنفسهم .( اديب نعمة . اشكاليات البحث في مجال الشباب ومقترحات مستقبلية / ورشة عمل حول اعداد تقرير التنمية البشرية الوطني : الشباب ، تحديات وفرص . بيروت / 2012 ) .
إن البلدان النامية (ومنها العراق) هي أحوج ما تكون لمثل هذه الدراسات الفرعية (التي يحاول هذا البحث طرح البعض منها بقدر تعلق ذلك بموضوعه الرئيس ) . فالنمو المديني المتسارع ؛ وتزايد البطالة ، وتفكك نظام العمل المستقر , تحول إلى حاضنة لمجموعة كاملة من المشكلات والظواهر الخاصة (كالتهميش والرفض والعنف ...) مما يقتضي صنع السياسات وتصميم الستراتيجيات الحكومية على وفق الطبيعة الخاصة لهذه المشكلات والمظاهر ، في المجتمعات المختلفة .
من جانب آخر لم يعد المجتمع في أي بلد بمنأى عن تأثيرات العولمة وتداعياتها، وديناميتها الذاتية (أي قوة الدفع الخاصة بها) , والتي أصبحت بعض فئات المجتمع تتشكل أو تعيد تشكيل ذاتها على وفقها . ويتجلى ذلك بوضوح في جانب الاستهلاك , حيث أسهمت الأنساق الاقتصادية في تعزيز "عملية تكوين" خاصة للمراهقين والشباب ضمن "فئات خاصة" من الناحية السلوكية . وتم ذلك من خلال التوجه إليهم كسوق استهلاك واسع لأنواع معينة من السلع الخاصة بهم .
وقد دفع ذلك الجهات المعينة بمثل هذه السلوكيات (كالقطاع الخاص المنتج للسلع الشبابية) إلى الاهتمام بالدراسات الشبابية "النوعية" وثيقة الصلة بالأذواق والسلوكيات ذات التأثير المباشر على الإنتاج والتسويق . إضافة لإهتمام وسائل الإعلام الجماهيري (كصناعة قائمة بذاتها) بكل أنواع استطلاع الرأي , ودراسة آليات التأثير في تكوين السلوكيات الشبابية .
كما برزت دراسات تناولت اهتمامات واتجاهات أخرى مرتبطة بردود الفعل الثقافية (المحلية أو الوطنية) على العولمة . والموضوع الرئيس لهذه الدراسات يتمحور حول قضايا الصراع الثقافي والإيديولوجي على الصعيد العالمي ؛ وتنامي نزعات التعصب والعنف والانغلاق القومي والعرقي ؛ ومشاكل عدم اندماج المهاجرين في البلدان المضيفة .
وأفضى ذلك إلى الاهتمام بقضايا الشباب ضمن حالات خاصة لكي تتيح للدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية فهم ما يجري في إطار " ثقافات" أو "حالات اجتماعية" أخرى . وهكذا جرى الاهتمام بدراسة أوضاع الشباب والمراهقين في روسيا ودول اوروبا الشرقية (بعد انهيار الاتحاد السوفيتي) . كما جرى الاهتمام بقضايا الشباب في المناطق التي شهدت صراعات طويلة وعنيفة ، إضافة إلى الاهتمام المتزايد بدراسة خصائص الشبان العرب والمسلمين والعوامل المتحكمة بأنماط سلوكهم وقيمهم . ( اديب نعمة . اشكاليات البحث في مجال الشباب مصدر سابق . بيروت / 2012 ) .

2- الشباب في العراق

هناك إدراك متزايد لقضايا الشباب من قبل مختلف مستويات صنع القرار والسياسة في العراق . وينطوي هذا الإدراك على معرفة أهمية وخطورة الدور الذي يمكن لهذه " الفئة الاجتماعية " أن تمارسه (سلباً أو ايجاباً) فيما لو توفرت لها الفرص والبيئة المناسبة ، أو (على العكس من ذلك) إذا تفاقمت أمامها حدّة التحديات والمشكلات التي تمنعها من ممارسة هذا الدور .
ورغم تزايد الاهتمام بقضايا الشباب بعد العام 2003 ، إلا أن مشاريع تمكين الشباب وإدماجهم , ومنحهم المكانة المطلوبة في عملية التنمية (بما تتضمنه من أولويات وخطط وستراتيجيات) ظلت تصطدم على الدوام بعقبات العنف وعدم الاستقرار السياسي والانقسام المجتمعي . وأدت هذه التحولات بالضرورة إلى تشظي الشباب أنفسهم (كفئة اجتماعية) ، وتحول معظمهم إلى جزء من آليات الصراع في المجتمع الكبير ، الذي فقدوا تدريجياً استقلاليتهم فيه ، وفقدوا معها قدرتهم على المشاركة الفاعلة في تغييره لصالحهم .
في ظل هذه البيئة تفاقمت مشاكل الفقر والتهميش , واتسعت الظواهر السلوكية الانحرافية ، وارتفعت معدلات الطلاق والانتحار , وازداد عدد نزلاء السجون , وتحولت مشاكل الشباب (الممتدة والموروثة من عقود سابقة من الفشل والحروب المتعاقبة وعمليات التغريب والتدجين السياسي المنظم) , إلى مشكلات مركبة. ووجد مئات الآلاف من الشباب ( وبالذات من المقاتلين السابقين ) أنفسهم عاطلين فجأة ، فانتقلوا من خندق إلى خندق ، في مفارقة نوعية لا يمكن لها أن تتناغم أبداً مع الايجابيات التي يفترض أنها مصاحبة لأي تغيير، وخاصة إذا كان هذا التغيير ينطوي على إسقاط نظام قمعي شمولي , وإقامة نظام ديمقراطي تعددي بدلاً عنه .
وفي بلد يشكّل فيه الشباب نسبة عالية من الهرم السكاني ، فأن نجاحاتهم أو إخفاقاتهم وثقافتهم وأنماط سلوكهم ستطبع المجتمع كله بطابعها الخاص . أن الهيمنة الذكورية وسطوة الكبار واحتكار قوة السلطة قد تؤجل ، ولكنها لن تمنع , العواقب الوخيمة المترتبة على تجاهل قضايا هذه الفئة ، وتطلعاتها المشروعة ، ونزعتها الطبيعية إلى التغيير ، خاصة وإنها تمتلك جميع الوسائل اللازمة لذلك ، بما في ذلك العنفية منها .

3- الشباب والمتغيرات الجديدة في العراق
لقد وفرت المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة في العراق , إضافة الى التغيرات التي طرأت على وسائل الاتصال , فرصاً لا تعوض للشباب لبلوغ النضج , وتحديد الأولويات وتحقيق الطموحات في سن مبكر نسبياً مقارنة بالأجيال السابقة .
غير ان العديد من التحديات قد تفاقمت ايضا . فلم تتحقق الكثير من الاحتياجات الأساسية لفئة الشباب (وخاصة العاطلين منهم) .
واتجه البعض من هؤلاء العاطلين للعمل في ظروف غير لائقة ومهينة للكرامة البشرية ( كجر عربات الحمل ؛ أو العمل في الأنشطة غير الآمنة وغير المضمونة في قطاع العمل غير الرسمي) . وعجز آخرون عن الزواج وتكوين أسرة ، بينما اصطدمت الشرائح المتعلمة منهم بمحدودية فرص المشاركة بفعالية في التنمية ؛ أو صنع القرار ؛ أو تبوء مناصب قيادية في الإدارة التنفيذية ، أو الترشح للبرلمان . ومع عدم الاهتمام الجدي للحكومات المتعاقبة بوضع سياسات وخطط وبرامج النهوض بالشباب موضع التنفيذ , وضعف الدور التشريعي والرقابي لمجلس النواب في متابعته لهذه الموضوعات (باستثناء ما يصنف ضمن التوظيف السياسي القصير الأجل ) فقد زادت مشاعر الإحباط , وتنامت النزعة الى إيجاد بدائل متطرفة للخروج من هذا المأزق . ومع ان اتساع نطاق هذه النزعة لازال بطيئاً , الا ان الكثير من الدلائل تشير الى تفاقمه , وتسارع انتشاره بين شرائح من الشباب , كانت الى وقت قريب من أكثر الشرائح ايماناً وتفاؤلا ً بإمكانات الوضع الجديد في العراق .
إن أوضاعاً كهذه قد تقوض ايجابيات تفاؤل قسم كبير من فئة الشباب بما يحمله مستقبل بلدهم من فرص وإمكانات . مما يتطلب وضع الشباب وقضاياهم كهدف أساسي للاستراتيجيات الوطنية المستقبلية .

إن مقاربة موضوع الشباب في العراق لن تتجاوز حالة التناقض أو التوافق بين حجم هذه الفئة الكبير في المجتمع العراقي ، وبين القيود والمحددات التي تعمل على تحجيم دورهم الطبيعي في اعادة بناء بلدهم في جميع المجالات ؛ ودورهم القيادي في تنميته وتطوره مستقبلاً .
ويفترض بهذا التناقض ان يزداد ويترسخ بمقدار ما يكون المجتمع محافظاً وتقليديا بالمعنى الاجتماعي . وبمقدار ما يكون التناقض كبيراً ، بمقدار ما تزداد عناصر التأزم في العلاقة بين الشباب (كمكون اجتماعي ذو سمات خاصة) وبين المجتمع (بمكوناته الأخرى) . وسيحدد هذا التناقض ايضا السمة الخاصة لصراع الاجيال في كل مجتمع ؛ وسيرسم في الوقت ذاته التصورات المتناقضة لهذه الاجيال حول السياسات والسلوكيات وأنماط الإدارة ، وإدارة الملفات الشائكة للتنمية في الحاضر والمستقبل .
إن الإطار المجتمعي العام (وبالذات في مكوناته المحلية , لان المكونات الكونية ليست مؤثرة على نحو حاسم على شباب العراق بعد) ، ربما كان مختلفاً عن بلدان عربية أخرى في خصوصية اشكالياته وطبيعة مشاكله , وذلك رغم وجود المشتركات التي تطبع قضايا الشباب في جميع البلدان بطابعها الخاص .
ويمكن ان نخلص من ذلك الى ان درجة التناقض بين ضخامة الحجم وضآلة الدور في مجتمع محافظ وتقليدي , كالمجتمع العراقي , لم تكن كبيرة الى الحد الذي تدفع فيه الى زيادة عناصر التأزم العلائقي بين الشباب وبين المجتمع (ومكوناته الأخرى) .
إن الأهمية الاجتماعية لهذه الفئة العمرية لم تكن نتيجـة لتحولها إلى " فئـة اجتماعية " "ذات خصائص " فئوية نوعية" ضمن فئات المجتمع الأخرى , بل كانت مقترنة فقط بالحجم الكبير لها (كفئة عمرية) ضمن هذا المجتمع . ولكي نقوم بتحديد أولويات السياسات الشبابية (وقبلها المقاربات التي سيتم تناول إشكاليات الشباب في العراق من خلالها) , علينا ان نعرف لماذا اندمجت هذه الفئة العمرية ، وتماهت ضمن المجتمع العراقي الكبير , بكل انقساماته وصراعاته وولاءاته .
ومن هنا كان اهتمام مؤسسات الدولة العراقية بقضايا هذه الفئة العمرية يتركز على الحد من دورها السلبي ؛ وليس الاستفادة من دورها الايجابي . ان هذا هو "خط الاتجاه العام" في المقاربة الحكومية لقضايا هذه الفئة العمرية ، والتي هي ( من حيث نظرة السلطات الرسمية لها) مجرد لوائح مطلبية فقط (قابلة للتأجيل والإلهاء والتسويف) , وليست قضية إشكاليات معقدة " لفئة اجتماعية " , ينبغي ان يكون لها دورها الحاسم في بناء الحاضر , ورسم المستقبل .
إن " الشباب " في العراق لا يزال مجرد "مرحلة" محددة بعمر معين . وهذه المرحلة التي تم اختزالها الى " فئة عمرية" , لم تتحول الى ظاهرة اجتماعية" ضاغطة ومؤثرة بعد . وترتبط هذه الصيرورة " الانتكاسية " للدور والوظيفة , بثقافة المجتمع العراقي , وتداعيات القيم السائدة فيه ؛ والتي يحاول هذا البحث عرضها وتحليل أبعادها كافة .

ثالثاً : التقارير الدولية للتنمية البشرية :
الاهتمامات والمؤشرات والأدلّة

1- التنمية البشرية : المفهوم والقياس
ان مفهوم التنمية البشرية يتجاوز اهداف منهج الرفاهية الاجتماعية (الذي يقتصر على كون البشر منتفعين من عملية التنمية ، اكثر من كونهم مشاركين فيها) الى أهداف تضمن لهم تطوير قدراتهم ومشاركتهم الدينامية فيها . وضمن هذا السياق فان ثمار التنمية ليست هبة من الدولة ، بل هي نطاق او اطار ضروري،او ميدان اساسي لتحقيق الذات وممارسة الدور .
ومنهج التنمية البشرية هو منهج لبناء ورسم السياسات وصنع القرار بهدف خلق الظروف الملائمة لتحقيق التنمية الشاملة ، وليس منهجا ً يعمل على تغييب دور الانسان لمجرد توافر الدولة على الامكانات المادية اللازمة لتحقيق مطالب الرفاه الاقتصادي (كما هو عليه الحال في العراق وغيره من البلدان النفطية) .
تأسيسا ً على ما تقدم فان التوسع الذي طرأ على مدلول التنمية البشرية ً (منذ التقرير الدولي الاول الصادر في العام 1990) ليشمل اهدافا ورؤى جديدة ، يتطلب التوسع في قياس الدليل المعبر عن هذه المدلولات .
ومنذ العام 1990 تم استحداث دليل التنمية البشرية ، وتبعه استحداث أدلّة اخرى تستند في معظمها الى عدد محدود من المؤشرات يشكل البعد الاقتصادي الجزء الاهم فيها . وظهرت لاحقا ً أطر اخرى لقياس التقدم في مجالات مختلفة ذات صلة بالتنمية المجتمعية كمؤشرات " أهداف الالفية " ومؤشرات "التنمية المستدامة" .
وعلى الرغم من تعدد أطر قياس التطور التنموي ، إلا انها لاتزال بحاجة الى مزيد من المراجعة والتعديل والتحسين والاضافة ، سواء تعلق الأمر بأساليب اختيار مكونات الأدلّة التنموية المستخدمة في قياس التقدم المحرز في المجالات المختلفة ، أو بمدى ملاءمتها للظروف المحلية ، وخصوصيات الدول ، وأولوياتها الوطنية .
وترتبط الابعاد المختلفة للتنمية مع بعضها بشكل لا يسمح بتطوير احدها بمعزل عن الآخر . وهذا الترابط يتطلب توفير الظروف المناسبة لتكوين عملية التنمية عملية شاملة تستند الى اسس واضحة ، ومنهجية مجرّبة , وآليات مؤسسية فعالة قادرة على التحكم بطبيعة وخصائص العلاقات بين الابعاد التنموية كافة . وتشتمل ادوات القياس عادة على المنتج الذي تم تحقيقه في كل مرحلة من مراحل تنفيذ العملية التنموية ، وأيضا ً على مؤشرات تتيح التعرف على مدى الاقتراب او الابتعاد ، عن دالة الهدف. ( كمال صالح / نحو تطوير مؤشرات خاصة للتنمية البشرية في الدول العربية / المؤتمر الأحصائي العربي الأول / عمّان 2007 ) .
وعليه ، فأن اختيار مقياس التقدم التنموي ينبغي ان يكون معبّرا ً عن طبيعة وخصائص الظروف السائدة في مجتمع معين ، في مرحلة معينة . وما يصلح للقياس في مرحلة و ظرف معين ، قد لا يكون صالحا ً في مرحلة اخرى ، وظروف أخرى .
2- تضمين الاهتمامات في المؤشرات والمقاييس
مرت عملية تطوير مؤشرات ومقاييس دليل التنمية البشرية بمراحل عديدة ، عكست الاهتمام الرئيسي للتقارير الدولية من خلال التركيز على موضوعات منتقاة . ويمكن ايجاز اهم هذه المراحل بما يأتي : ( البرنامج الأنمائي للأمم المتحدة / تقارير التنمية البشرية الدولية 1990-2011 )
• استخدم التقرير الاول للتنمية البشرية الصادر عام 1990 المقياس المعروف بدليل التنمية البشرية HDI وتم تلخيص ثلاثة ابعاد انسانية اساسية (و واسعة) لأغراض القياس ، بأدلّة ثلاث هي دليل العمر المتوقع عند الولادة ودليل التعليم ودليل مستوى المعيشة.
• في عام 1995 تم استخدام مقياس تمكين النوع الاجتماعي GEM الذي يعكس عدم المساواة بين الجنسين في المجال الاقتصادي ، وفي مجال المشاركة السياسية واتخاذ القرار .
وعلى العكس من دليل التنمية للفرع الاجتماعي، فأن مقياس تمكين النوع الاجتماعي يظهر عدم المساواة في الفرص بين الجنسين في مجالات مختارة .
• في عام 1997 تم استحداث دليل الفقر البشري HPI ويتضمن الدليل (كمقياس تلخيصي) مظاهر متعددة للحرمان بهدف الوصول الى دليل عام للتعرف على الفقر في منطقة ما .
ويعكس الوجه الاول للحرمان فرصة البقاء على قيد الحياة . ويعكس الوجه الثاني الحرمان من المعرفة (من خلال الابتعاد عن بيئة التعلم والاتصال والتواصل) . بينما يعكس الوجه الثالث من الحرمان عدم وجود مستوى معيشي مقبول .
• في عام 1998 تم تقسيم دليل الفقر البشري الى دليلين هما : دليل الفقر البشري الاول 1HPI (الذي استخدم لقياس مدى انتشار ظاهرة الفقر واللامساواة في البلدان النامية) , ودليل الفقر البشري الثاني HPI2 (الذي استخدم لقياس الفقر في البلدان المتقدمة ) .
• في عام 2000 انصب اهتمام التقرير الدولي للتنمية البشرية على حقوق الانسان .
• في عام 2004 تناول التقرير الدولي القضايا ذات الصلة بالتنوع الثقافي , والاشكالات المختلفة المرتبطة بها في داخل المجتمعات المعنية بها من جهة وبين هذه المجتمعات والمجتمعات الاخرى من جهة اخرى .
• في عام 2007 كان موضوع المناخ والتغيرات المناخية واثرها على التنمية هو محور اهتمام التقرير .
• في عام 2010 عاد الاهتمام الى موضوع الفقر وتم استخدام مقياس الفقر متعدد الابعاد MPI في اعداد دليل التنمية البشرية .
• في عام 2011 انصب اهتمام التقرير على قضايا البيئة ، وارتباطها باستدامة التنمية في العالم .
• ويقوم البرنامج الانمائي للامم المتحدة حاليا ً(2012) بمحاولات لاعداد دليل يمكن من خلاله قياس اثر البيئة على التنمية البشرية .
ورغم اهمية الموضوعات التي تناولتها تقارير التنمية البشرية الا ان دليل التنمية البشرية لم يتطور بحيث يمكن من خلاله قياس اثرها على التنمية البشرية .
ان ابعادا ً مهمة وذات اثر كبير على التنمية البشرية مثل التنوع الثقافي وحقوق الانسان ومنظومات القيم والممارسات الاجتماعية والسياسية المرتبطة بها (من خلال سلوكيات الافراد والدولة والمجتمع) لايمكن قياسها كميا ً. ولأنها غير قابلة للقياس , فأنها ستبقى ابعادا ً ناقصة , وستجعل الدليل قاصرا ً عن تضمين كافة عناصر التنمية الشاملة , رغم اهميتها وتداعياتها ونتائجها الحاسمة في بلداننا .
وعلى صعيد البعد المعرفي (وهو بعد خطير في انعكاساته على الشباب والتنمية في العراق) لايمكن توصيف الظواهر واحصاءها دون تشخيص العلل العميقة المتحكمة في الوضع المعرفي .
ان مؤشرات المعرفة المعتمدة دوليا ً لا تولي اهتماما ً كافيا ً لمردودات المعرفة الاقتصادية والاجتماعية ، كما انها لا تعنى بالجانب النوعي . فمؤشرات التعليم (على سبيل المثال) تركز على معدلات الالتحاق بصفة اساسية ولا تتناول الجوانب الاخرى الاكثر صلة بالمعرفة كنوعية التعليم ، والمعلمين المؤهلين ، وتوافر الابنية الملائمة ، والمختبرات العلمية .. وغيرها .
وهذا يتطلب قياس دليل يمكن من خلاله التعرف بشكل أدق على حال المعرفة في العراق . فلا يمكن وضع البرامج الهادفة الى توسيع مديات الاداء المعرفي ، وتعميمه على مختلف قطاعات الانتاج والتنمية ، دون قياس دقيق للفجوات المعرفية ، ومعرفة درجات الخلل التي تسود مختلف مجالات المعرفة .
ولا يقف قصور احتساب الادلة على الابعاد غير القابلة للقياس الكمي ، بل يتعداها الى ما يمكن قياسه (أو تكميمه) ايضا ً . فالمؤشرات التي تستخدم في قياس التنمية قد تختلف ايضا ً باختلاف طبيعة كل بلد وخصائصه الاساسية , والتي تتشكل بدورها نتيجة لتفاعل مجموعة كبيرة و متشابكة من العوامل والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والديموقراطية والسياسية والثقافية (القيمية) وغيرها من العوامل .
ان اختلاف هذه العوامل قد يشكل عائقا ً امام استخدام المؤشرات المختارة التي قد تكون صالحة لقياس التنمية البشرية في بلد ما وغير صالحة في بلد آخر .
ان البطالة بين النساء الشابات ( مثلا ) , تحتاج الى مقاربة مختلفة عن مقاربات قياس الاداة المعتمدة في تقارير التنمية البشرية , لأن هذه البطالة ترتبط بالثقافة ومنظومات القيم والسلوك السائدة وليس بمعدل نمو الناتج المحلي الاجمالي وزيادة حجم الاستشمار , بل وليست مرتبطة ايضا ً بتوفر فرص العمل والأجر المناسب , قدر ارتباطها بنوع العمل / وموقع العمل / ونمط الادارة في موقع العمل / وخصائص الاسرة وافرادها , وطبيعة العلاقات السائدة فيما بينهم , ونوع المعيل , وطبيعة الأعالة , وغيرها من العوامل التي تعيش المرأة الشابة في اطارها .. والتي تعجز المؤشرات المعتمدة حاليا على تجسيدها بدقة و وضوح .


3- دليل تنمية الشباب في اطار التنمية التضمينية الشاملة

تم اعداد دليل تنمية خاص بالشباب في أطار التقرير الوطني للتنمية البشرية حول الشباب في العراق ، وذلك في اطار المقاربة التكميلية للتنمية التضمينية الشاملة. ولأن هذا التقرير لم يتجنب الخوض في المسائل الحساسة والخلافية في المجتمع العراقي ؛ فقد تم ادراج هذه المسائل بشكل او بآخر ضمن المؤشرات الرئيسة لهذا الدليل .
ورغم احتساب بعض الادلة على أساس المقاربة التقليدية لموضوع الشباب من قبل المنظمات الدولية (اي من خلال موضوعات محددة تتعلق بالتقاطع بين الشباب ؛ ومسألة محددة مطروحة على الصعيد العالمي ، كالشباب والفقر/ الشباب واهداف الألفيّة/ الشباب والمشاركة/ الشباب والتمييز الجندري) , فأن الدليل المستخدم في تقرير التنمية الوطني لم يساير تماما ً المقاربة التي تشجع عليها المنظمات الدولية . فأضافة لاعتماد الوسائل الاحصائية التقليدية ؛ واعطاء الاولوية للموضوعات التي تقع ضمن المؤشرات السكانيّة والسلوكيات المرتبطة بها , والمؤشرات الاجتماعية العامة التي تغطيها مثل هذه الدراسات الميدانية ، اعتمد الدليل ايضا ً على اولويات الشباب , وفهمهم لدورهم , وادراكهم الذاتي لقضاياهم ومشاكلهم , والفرص المتاحة امامهم , بحيث شكلّوا هم بأنفسهم نقطة الانطلاق , ليس في بناء واحتساب الادلّة فحسب ، بل في عموم القضايا والمقاربات التي تم تناولها في إطار هذا التقرير. ( العراق : التقرير الوطني للتنمية البشرية 2014 . شباب العراق .. تحديات وفرص ) .


المبحث الثاني

الشباب وتحديات البنيّة الأجتماعية

أولاً : الشباب وصراع الأجيال
لا يتمكن الشاب من تأكيد ذاته في عضوية اجتماعية تامة في العراق ( كما في المجتمعات العربية عموماً ) , لأن الثقافة السائدة في هذه المجتمعات , لاتمنح العضوية التامة والفاعلة الا للكبار . ففي بداية مرحلة الشباب يبحث الانسان عن دليل ومرجعيات لصياغة فرديته وتنظيم سلوكه. غير ان اخفاق نظام التعليم (بسبب اقتصاره على الاهتمام بالعرض المعرفي - التلقيني في المقام الاول) سيكرس ازمة الاختيار لدى الشباب , ويفاقم من قلقهم ؛ ويكرس افتقارهم الى الوضوح والمهارة اللازمين للانخراط في الحياة الاجتماعية بايجابية ونجاح . وهكذا لايجد الشاب امامه غير مجريات الحياة اليومية ، يخوض غمارها بالتجربة والخطأ . وسيتصرف كما تتوقع منه المجموعة المرجعية المهيمنة في محيطه الصغير (وهي اقرانه في هذه الحالة ) .
وستحدد " مرجعية الأقران " هذه اتجاهات الحراك الاجتماعي والسياسي للشاب فيما بعد . اي ان السلوك الفردي للشاب لن يكون ذاتياً ؛ بل سيكون مجرد امتثال لقواعد النمط المهيمن ضمن هذا النطاق . وسيتم اكتساب وتاكيد العضوية الاجتماعية واستعراض الجدارة القيادية للشاب من خلال هذا الامتثال حصرا ً .
والتحدي الذي ينبغي الوقوف عنده هنا هو : كيف يمكن للتنشأة الأسرية وبيئة التعليم ومنظومة القيم ان تجتمع كعناصر تمكين للشباب ، وبما يساعدهم على استكمال بناء شخصيتهم وخبراتهم ؛ وصناعة مستقبلهم ؛ عوضا عن الامتثال الدارج للمحيط الصغير الذي يعيشون ضمنه , وفي اطاره.
ان نزعة " الانسجام مع الدارج , والامتثال له " , تخدم الاستقرار المجتمعي . كما يمكن تعزيز هذه النزعة من اجل " تدجين " الشباب لخدمة اهداف ومصالح سياسية وسلطوية معينة . غير ان هذا الامتثال سيعيد انتاج وادامة جميع عناصر الوضع القائم . وهو وضع لا يخدم مصالح الشباب ، ولا قضاياهم الرئيسة بالتاكيد .
ان اساليب التنشأة المبكرة في العراق قد انبتت قيماً وانتجت معاييراً ومحركات وكوابح , عملت جميعها على تشكيل انماط السلوك ؛ وتحديد المواقف . وثمة اعتقاد سائد على نطاق واسع بان السلوك الذي أضعف فرص الامن والأستقرار والتنمية في العراق ؛ هو اداء الشخصية المسكونة بامراض التنشأة , وان الفوضى العنفية , التي عاشها العراق (والتي وجد الشباب انفسهم غارقين في خضمها ) كانت تعبيرا عن تناقض صارخ بين القيم والمثل العليا ، وبين قيم الوحدات الاجتماعية الصغرى الموبوءة بامراض التنشأة , والتي تجعل حياة الشخص مسخرة بالكامل لتمثيل رغبة جامحة في ازاحة " الاخر " , ومحاطة , في ذات الوقت , بمظاهر احباط متعددة , لعدم التمكن من ازالته . ( د. أحمد ابريهي . ورقة خلفية في التقرير الوطني للتنمية البشرية 2014 ) .
ان العقود الماضية قد كرّست ( وعلى نحو استثنائي ) تقلّب واضطراب البيئة السياسية والثقافية , وعدم استقرار البيئة المجتمعية (بمكوناتها كافة) . وضمن هذه البيئة تعرّضت عملية تكوين الشخصية العراقية لضرر بالغ , يمكن وصفه بالازمة . وبقدر تعلق الأمر بموضوع التقرير فإن الأنقسام المتعدد الأبعاد الذي يعاني منه المجتمع العراقي سيجعل مهمة التحليل صعبة للغاية , وخاصة عند تحليل اثر هذا الانقسام على تحديد طبيعة السلوك الشخصي لفئة الشباب . فالشخصية المتلقية لثقافة مابعد الحداثة , والمستهلكة لمخرجات الثورة المعلوماتية اولا باول , والمستنسِخة لمناهج تعليم على خارطة موضوعات مطابقة تماما لاوضاع البلدان المنتجة للمعرفة ، هي ذاتها الشخصية المُذعنة (او المُمتثلة) لمسلمات المجموعة , التي اصبحت طائفية او اثنية بكاملها .
وفي هذه الحالة ستكون هذه الشخصية اداة طيعّة في النزاع مع الاخر . في حين تبدو الشخصية ذات الموقف النقدي من قيم المجموعة (او غير المكترثة بها) هي الأكثر استعدادا ً للتفاهم والشراكة مع الاخر .
ان الميل للانسجام والولاء والانتماء لهوية وطنية جامعة هي من عناصر الشخصية الفردية التي يقوم عليها الاستقرار والنظام العام وسيادة القانون . وفي ظل الانقسام القائم حاليا ، تم تعطيل الوظيفة الايجابية لهذه الشخصية ، بل وتم تحويلها واستخدامها كمصدر للعنف ومناهضة الاستقرار , وعلى نطاق واسع .

ثانياً : الشباب في العراق ، والأستبعاد متعدد الأبعاد

يتعرض الشباب في العراق لأستبعاد متعدد الأبعاد . فهُم يعانون من الفقر والبطالة والممارسات التمييزية . وأفضى ذلك الى فقدان البعض منهم لأيمانهم بأيجابيات التغيير, وعدم ثقتهم بما تتيحه بعض الممارسات الديموقراطية من فرص وامكانات للمشاركة والتمكين .
ومع فشل الدولة في بناء او توصيف نظام اقتصادي حديث , وفي تنويع النشاط الأقتصادي ( وهو ما سيتم تناوله في هذا البحث ضمن تحديات البنية الأقتصادية ) , فأن الأستبعاد الثقافي ( المعرفي ) والسياسي والأجتماعي للشباب أصبح ايضاً سمة غالبة من سمات الحياة المجتمعية وآلياتها وهياكلها في العراق .
وأقترن هذا الأستبعاد ( الأقتصادي – الأجتماعي ) بمظاهر متعددة لــ " الأغتراب " الثقافي والمعرفي والمفاهيمي , الذي أفصح عن نفسه في العراق بعدم ادراك الشباب لهويتهم , وطبيعة انتماءاتهم , وللدور ( المباشر , وغير المباشر ) الذي تمارسه القيم والمؤسسات المتنفذة , وتفرضه عليهم , وتحدد من خلاله طبيعة ودرجة استجابتهم للتحديات التي تواجههم , ولكيفية اغتنامهم للفرص المتاحة لهم في جميع المجالات .

ثالثاً : الشباب والهوية .
من بين سلسلة طويلة من التعريفات والمعاني التي اعطيت لمفهوم الهوية . يخلص JAMES FARON الى الاستنتاج بان هذا المفهوم يستخدم بمعنيين : المعنى الأول يتضمن الاشاره الى " صنف اجتماعي SOCIAL CATEGORY " معروف , من خلال قواعد محددة للعضوية في هذا الصنف ، وخصائص او سلوكيات معينة تنسب اليه . والثاني , هو الاشارة الى خصائص اجتماعية " متمايزة " يفتخر الشخص بامتلاكها , او ينظر اليها على انها غير قابلة للتغيير . وبهذا المعنى فأن الهوية هي صياغة حديثة لمفاهيم مثل الشرف والكرامة ، والكبرياء ، التي يتم ربطها بجماعة تشترك " بصنف " اجتماعي معين . ( د. حارث الكرعاوي . ورقة خلفية للتقرير الوطني للتنمية البشرية 2014) .
وسيتم تحديد نطاق البحث في " مفهوم الهوية " في سياق علاقة الهوية الوطنية بالهويات الفرعية (الاثنية ،الدينية ، الطائفية ، القبلية .. ) . كما سيتم التركيز في تناول الموضوع على " الهوية المجتمعية " دون الهويات الشخصية او الفردية . اما السبب في هذا التحديد فيكمن في طبيعة الاشكالية السياسية ( وبالنتيجة الدستورية والقانونية ) التي يواجهها المجتمع العراقي في مرحلته الراهنة ، وهي اشكالية العلاقة بين الهوية الوطنية والهويات الفرعية . كما تكمن اهمية هذا التحديد في خطورة التوظيف السياسي لما يسمى في دراسات مابعد الحداثة بـ "السرديات الاجتماعية" (وهي مجموعة من القيم والمعاني والتصورات التي يتشاطرها الافراد المنتمون لجماعة معينة ، والتي تشكل مجموعة من القيم والمعاني والتصورات عن الماضي او المستقبل ) , وذلك من خلال سعي البعض لتنظيم سلطتهم ، وتوجيه طاقات الجماعة المفترضة للصراع مع الخصوم السياسيين . ويؤدي هذا التوظيف في الغالب الى سلوكيات تدميرية او الى ممارسات اقصائية وتمييزية ، ولشرعنة تغليب فئة على اخرى , حتى داخل الجماعة ذاتها .
وهناك ارتباط مهم بين " الهوية " والتنشأة الاجتماعية للشباب . ففي المجتمعات ذات التقاليد الابوية الذكورية , كالمجتمع العراقي , غالبا ما تسود النظرة الى الشباب بوصفهم موضوعا للضبط والتلقين ، ونادرا مايستقر النظر اليهم كـ " فئة اجتماعية " مستقلة , وقادرة على انتاج ثقافتها الخاصة . وعبر تنشاة الشباب (وفق هذه النظرة) ، يحقق المجتمع الابوي مايسمى بعملية " اعادة الانتاج الاجتماعي SOCIAL REPRODUCTION " التي تمثل الضرورة بالنسبة لديمومة الجماعة . ولان هذه العملية تحدث وفق قواعد سلطوية لاتسمح بمجال للمبادرة , فأن تنشأة الشباب – وبقدر اكبر الاناث , تقوم على سحق هوياتهم الذاتية , وقولبة شخصياتهم وفق قيم الجماعة . ( د. حارث الكرعاوي . ورقة خلفية للتقرير الوطني للتنمية البشرية 2014) .
وفي مراحل الشباب الاولى (وتحديدا بين سن 14و24 سنة ) يصبح سؤال الهوية هو الهاجس الرئيس الذي يشغل تفكير الشباب الذين يسعون الى الارتباط ببنى او مؤسسات او تجمعات بديلة تؤكد استقلاليتهم الشخصية عن العائلة ، وتملأ الفراغ الناتج عن دخولهم الحيز الاجتماعي الاوسع , كأفراد مستقلين , لا اطفال تابعين . ويحدث ذلك بشكل خاص في الطبقات التي غادرت انماط الحياة التقليدية القائمة على التضامن القبلي او الأسري ، والتي كانت تنشأة الفرد فيها تخضع لارادة شبه أحادية من جانب الجماعة القرابية . اما في المجتمعات الحديثة فقد دخلت عوامل جديدة في تشكيل عملية التنشأة , مثل المدرسة وانظمة الاتصالات الحديثة والاعلام الجديد . ولم تعد العائلة او الجماعة الاولية هي المصدر الاساسي ( بل وحتى الرئيس ) لقيم التنشئة المجتمعية .

رابعاً : عملية التنشئة المجتمعية للشباب وتبلور هويتهم الوطنية : إشكاليّة العراق الخاصة .
تواجه عملية تنشئة الشباب في العراق ( بقدر تعلق ذلك بتبلور هويتهم الوطنية ) اشكاليتها الخاصة بها , والتي يمكن ايضاحها بما ياتي : ( د. حارث الكرعاوي . ورقة خلفية للتقرير الوطني للتنمية البشرية 2014 ) .
1- في ذات الوقت الذي كانت الدولة تمثل جهاز التحديث الرئيس , واداة بناء الهوية الوطنية ، والمعبـّر الاساسي عنها ، فأن الجماعات المهيمنة على اجهزة الدولة – السلطة كانت تتصرف بوحي من ولاءات غير حديثة , ورؤى اقصائية ، تفكيكية ، وتمييزية . وتزامنت هذه الازدواجية مع ازدواجية اخرى تعرض لها الاطفال والشباب . فبينما يتلقى هولاء دروساً وقيماً حديثة في المدرسة , كان الكثير منهم يتعرض لتنشأة مغايرة في العائلة او المنطقة " المحلة " او القرية التي يسكن فيها .
2- الفجوة الواسعة بين الرواية التي يتعلمها الطلبة في المدارس عن بلادهم , وبين الرواية التاريخية (غير الرسمية) التي يتلقونها في محيطهم الاجتماعي . ان الرواية المدرسية - الرسمية , تعبـّر في الغالب عن ايديولوجيا الفئة السياسية الحاكمة ، وتحاول شرعنة استمرارها بالسلطة عبر قراءة التاريخ بطريقة تناسب مفهومها للوطن والمجتمع والهوية . اما الرواية الشعبية فانها تعتمد على الموروث التقليدي - غير الرسمي السابق حتى لظهور الدولة الحديثة . وفي مجتمع متعدد الثقافات , كالمجتمع العراقي , يصبح انحياز الدولة لرواية احدى الجماعات ( كما حدث قبل العام 2003 ) عاملاً هاما ً في تكريس الانقسام المجتمعي ، وفي دفع الطرف المهمش الى الألتصاق بالرواية غير الرسمية , وبما يقوي قيم الهامش المناقضة لقيم المركز . اما محاولة الحكومات العراقية ( بعد العام 2003 ) للعثور على رواية عراقية موحدة للتاريخ فقد باءت بالفشل ( حتى الان ) بسبب حدة الانقسام الاجتماعي ، وصراع السرديات الذي غذى– وتغذّى – على العنف المنفلت , والتنافس الشرس على السلطة والثروة . وسمحت اشكالية ( ازدواجية ) التنشاة هذه بظهور فراغات واسعة ملأتها مؤسسات وسيطة بديلة اعادت تشكيل الهويات الاجتماعية بطريقة تتحدى كلا من الهويات القرابية التقليدية ( الآفلة ) والهوية الوطنية (الملتبسة ) .
وقد رأينا هذه الدينامية تتعزز في العراق مع تراجع قدرة الدولة على توفير الخدمات الاجتماعية والاقتصادية بسبب تداعيات حرب الخليج الثانية (1991) وما تبعها من حصار خانق . كما رأينا هذه الدينامية تتعزز من جديد بعد العام 2003 ، حيث نجح الدين , بما ينطوي عليه من قدرة على التعبئة وتمثيل الهويات , والتناغم مع بعض القيم السياسية الحديثة ( كالعدالة والحكم الصالح ) في ان يملأ الكثير من الفراغات , ويعبّيء اعداد كبيرة من الشباب في العراق ( كما في عموم المنطقة العربية ) وفق ايديولوجيا للخلاص ، ونظاماً للمعنى والهوية , بدا مسايراً للمزاج الثقافي السائد .
غير ان دينامية المؤسسة الدينية في العراق لم تنجح في تطوير استجابة اجتماعية داعمة للهوية الوطنية ؛ بل ادت (على العكس من ذلك ) الى تاجيج صراع السرديات التاريخية ؛ والأحتماء بالهويات المذهبية والطائفية , واستخدام تلك الهويات في الصراع على السلطة . ومع ذلك لايمكن التقليل من تاثير تحولات هامة مصاحبة للتغيير الذي حدث بعد العام 2003 . ان مثل هذه التحولات الايجابية قد تسهم في توفير بيئة بديلة عن تلك البيئة التي كانت نتاجا لوضع اجتماعي وسياسي شديد الأنغلاق , وخالٍ من الافق.
وفي خضم هذا كله سيبقى شباب العراق خاضعين لتيارات متناقضة في عملية التنشئة , خاصة وان الدولة العراقية ( التي ينظر اليها على انها التجسيد الوحيد لوجود العراق كوطن ) لازالت عاجزة عن بناء مشروعها الخاص , ولازالت خاضعة لتيارات متصارعة وتفكيكية تضعف قدرتها على انضاج هوية وطنية استيعابية ومنفتحة .
3- ضعف او انعدام البنى التحتية للتواصل . ذلك ان احد , واهم , صفات تعزيز الهوية الوطنية على حساب الهويات الفرعية هي السعي لان تكون كثافة الاتصالات العابرة للجماعات الفرعية اكبر من كثافة الاتصالات داخل تلك الجماعات . ان التراجع الكبير في نمو البنية التحتية في العراق منذ ثمانينيات القرن الماضي , مقارنة بنمو السكان , وتدهور حركة النقل البري بشكل خاص , وضع قيوداً على حركة السكان بين المحافظات . ان التنقل بيسر يساعد على تكثيف التواصل خارج الجماعات المحلية , وفي تطوير العلاقات البراغماتية , غير التقليدية , الضرورية لبناء مجتمع مدني حديث , وتقوية الاحساس بالانتماء الى ذات الفضاء الوطني .
ان ضعف التنقل له اثر كبير في تشكيل هويات الشباب . فصغر الحيز المكاني لحركتهم داخل البلد , يؤدي بالضرورة الى تعميق محدودية خياراتهم على صعيد الاحساس بالهوية ، وتاكيد ارتباطهم بالخصوصيات المحلية . ان ضعف التنقل يؤدي بالضرورة الى ضعف التواصل ويعكس تفوق التفاعلات الداخلية لدى الجماعات الفرعية GROUP COMMUNICATION على التفاعلات العابرة للجماعات الفرعية INTER GROUP COMMUNICATION , وبالتالي سيسهم في اعادة انتاج الهويات الفرعية في اذهان الشباب بوصفها اكثر تعبيرا عن الواقع وتضامناته المحسوسة . ولا يمكن للطفرة المعلوماتية ( وبالذات استخدام الانترنت ) ان تشكل معوضاً مهما بهذا الصدد , بحيث يسمح بتجاوز الحاجة الى التواجد الفيزيائي , من خلال سماحها بخلق تضامنات افتراضية. فمهما كانت اهمية الفرص التي يتيحها التواصل المعلوماتي ( وهي لازالت محدودة جدا في العراق ) فأن قيمة التواصل الفيزيائي تظل اكبر .
لقد حقق التغيير الذي حدث في العراق ( في العام 2003 ) طفرة مماثلة في وسائل الاعلام الجماهيرية . واسهم ذلك بشكل غير مباشر في تعزيز الثقافة السياسية والاجتماعية للشباب ، وجعلهم اكثر ادراكا للتنوع وتعددية الافكار والرؤى ، ومن ثم اكثر قدرة على امتلاك التفكير النقدي الضروري لبناء خيارات خاصة , و جديدة .
ومع الجوانب الايجابية لاستخدام الانترنت ووسائل الاعلام الجماهيرية من قبل العديد من التجمعات الشبابية ، فأن هذه المجموعات مازالت معزولة في فضائها الافتراضي ، ولم تتمكن حتى الآن من التحول الى قوة حقيقية على الارض , قادرة على التعبير عن وزن سياسي حقيقي . كما تحوّل البعض منها الى مجرد منتديات شعارية وخطابية تتحرك بدوافع عرقية او طائفية. وفي بعض الاحيان تم استخدام الانترنت كسلاح فعال بايدي اكثر الجماعات انغلاقا ً وتعصباً , وترويجاً للكراهية .

خامساً : الشباب والمعرفة

المعرفة والتنمية والحرية

لا يمكن رصد علاقة البعد المعرفي بالشباب في العراق دون إيضاح للبناء المفاهيمي للمقاربات التي يمكن من خلالها ألقاء الضوء على التحولات التي وجد المجتمع العراقي نفسه في خضمها بعد العام 2003 .
ومن خلال هذه المفاهيم يمكن ايضاً معاينة بعض الاشكالات التي يطرحها التطور المعلوماتي والمعرفي في المجتمع العراقي , لأن بحث هذه الاشكالات يمكن أن يؤطر المساعي الهادفة الى تجاوز الفجوات المعرفية في العراق , وتحقيق مطلب التنمية الشاملة .

أن البحث في علاقة التنمية بالمعرفة , هو بحث في الكيفية التي تجعل المعرفة في خدمة التنمية . أما البحث في الحرية فينصرف الى دراسة الأطر الاجتماعية والسياسية التي يمكن من خلالها رعاية أنشطة المعرفة والأبداع , بحكم التفاعل الخلاق القائم بين توسيع فضاءات الحرية وبناء المعرفة . وعندما تكون المعرفة " ضرورة تنموية " بالنسبة الى مجتمع معين , فأنها ستعمل على تفعيل الجهود التنموية المجتمعية في مختلف المجالات , وعلى تذليل العديد من الصعوبات والتحديات التي تحد من امكانية توسيع وتعميم الرفاه البشري . ( تقرير المعرفة العربي 2009 / p25 ) .
أن التوظيف الناجح لمنتوج المعرفة في جميع مجالات النشاط الاقتصادي والاجتماعي يساهم بفاعلية في توسيع خيارات الانسان , وفي فتح آفاق جديدة لحريته وتطلعاته . وبدون هذا التوظيف ستبقى خيارات الانسان مقيَدة بمطالب تحقيق احتياجاته الاساسية ( قصيرة الاجل ) المنتمية الى حقبة ما قبل العولمة , ومحددة ( كما هو الحال عند الشباب في العراق ) باشتراطات الحصول على فرص التشغيل والتوظيف غير المنتج في المؤسسات الحكومية , وعلى تدفق الخدمات المجانية للسلع العامة , وبما يكرَس في نهاية المطاف جميع مظاهر الرفاه الاستهلاكي – التبذيري , المرتبط بقيم وسلوك المجتمعات الريعية .
لذا فأن لا شئ بإمكانه تفكيك التحديات أمام الشباب في العراق , غير جعل المعرفة ( أكتساباً وانتاجاً وتوطيناً وتوظيفاً ) أداةً وهدفاً للمجتمع ككل . أن ما يحصل في مجال المعرفة في الوضع العراقي ( وهو ما يشترك به مع الوضع العربي عموماً ) يضاعف فجوة المعرفة , بحكم ما هو سائد من مرجعيات في الثقافة والنظم السياسية والقيم والسلوكيات ( العراقية والعربية ) , لا علاقة لها بما يجري في العالم من حولها . وهذا ما يجعل تحديات تجسير فجوة المعرفة مركبَة ومضاعفة . و أذ يجد الشباب أنهم بأمس الحاجة الى ردم الفجوة المعرفية القائمة ألا انهم في الوقت ذاته , بحاجة ماسة ايضاً الى تحريك بنية المعارف التقليدية الراكدة منذ عقود , وتفكيك الثوابت والقناعات والمسلمات والقيم المتحكمة بمصائرهم منذ قرون . وبغير ذلك لا يمكن لهم تجاوز المرجعيات المعرفية ( النصية والتقليدية ) التي تكبلهم , ولن تتاح لهم إمكانية توسيع نطاق البحث في المعرفة , كوسيلة من وسائل توسيع خياراتهم في الحياة , وأقامة مجتمع للمعرفة مطابق ومكافئ لطموحاتهم . أن فجوة المعرفة بين الاجيال ( كما هي بين المجتمعات ) هي المرادف للفقر والضعف والهامشية , ثم التبعية والرضوخ ( تقرير المعرفة العربي 2009 ) . و ان من يملك المعرفة يستطيع توظيفها في إدارة العالم ( بالنسبة للبلدان المتقدمة ) , وفي إدارة عملية التنمية بكفاءة ونجاح في بلده ( بالنسبة للبلدان النامية ) .

سادساً : الشباب والأستبعاد في مرحلة التحول الى اقتصاد السوق

1- الأستبعاد المعرفي
أن ضخامة تحديات وكلف مرحلة التحول الى اقتصاد السوق , وبناء المشروع السياسي الديموقراطي , وما رافقها من تخبط في السياسات والمناهج وأنماط إدارة الدولة والحكم , قد أدت الى تراجع الاهتمام بالبعد المعرفي عند ترتيب الاولويات الوطنية وأدى ذلك ( كجزء مما ادى اليه ) الى تجريد الشباب من مزايا التراكم المعرفي الثقافي . وكبديل عن ذلك القصور الذاتي والمجتمعي ( على حد سواء ) , فقد تم خنق شرائح كبيرة من فئة الشباب بهموم ثقافية وسلوكية " إنتكاسية " هي في أفضل تجلياتها نتاج لقيم الدين والطائفة والعشيرة . و " الخنق " هنا , وفي مجال المعرفة بالذات , يمارس عملية ايقاف التدفق المانح للحياة , وخاصة عندما ترتبط الحياة بالمعرفة .
أن مشروع الاصلاح السياسي ما يزال مطلوبا بقوة في مجتمع يسعى ( وأن كان ذلك بشكل بطئ ومتواضع ) الى بناء بيئة داعمة لأقامة مجتمع المعرفة . ذلك أن جزءاً كبيرا وهاماً من قيم مجتمع المعرفة ومكاسبه ومنجزاته لا يمكن فصلها عن مجالات الحرية وبناء التعاقدات الاجتماعية والمؤسسية الداعمة لدولة الحق والقانون التي نروم ( جميعا ) أقامتها وترسيخها في العراق الجديد . أن مجرد الرغبة في التحول الى المشروع السياسي الديموقراطي , ليس كافياً لبناء مجتمع الحرية القائم على المعرفة .
أن المنظومة السياسية والديموقراطية في العراق لا زالت تعاني من إشكالات عدة . وأن التوظيف السياسي لقضية بناء مجتمع تسوده الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان , لا تتوافق ولا تنسجم مع مبادئ التحديث السياسي , وجوهر الرسالة الديموقراطية في ممارسة السلطة . وبفعل عوامل حاكمة اخرى ( غير قصر عمر التجربة الديموقراطية في العراق ) فأن هذه المنظومة لم تتمكن حتى الآن من إنتهاج سلوكيات أو تأسيس منظومات تكفل احترام الاختلاف والتنوع في المجتمع العراقي . وأكتفت عوضاً عن ذلك بتحويل الاصلاح السياسي الى مجرد وصفة تقنية جاهزة . ولم يكن الامر كذلك في تجارب اخرى , حيث كان التحول نحو الديموقراطية محصلة لخبرات طويلة , ومُنتجة لأوليات في العمل وفرت في نهاية المطاف الطريق المناسب والأقل كلفة , للأنتقال الى اقتصاد السوق .
أن تعقيدات وتحديات المرحلة الانتقالية , وحاجتها لقيادات وادارات معززة بالخبرة والمهنية والتجربة الحياتية لا ينبغي أن تكون مبرراً لإقصاء الشباب وتهميش دورهم . أن التحرك صوب الوجهة النهائية للإنتقال لن يكتب له النجاح ألا من خلال التحرك نحو مجتمع المعرفة . ولا يمكن التحرك نحو مجتمع المعرفة دون توظيف طاقات الشباب في خدمة التنمية الشاملة من خلال اشراكهم في عمليات بناء مجتمع المعرفة ( مساهمة ً وانتفاعاً ) , ولا يمكن توفير البيئات التمكينية لهم الا من خلال سياسات تنموية تشجع ابداعاتهم , وتحتفي بها , وتوفر لهم التشريعات والتنظيمات والمؤسسات الحاضنة والداعمة . ولا يمكن إنجاز كل ذلك بمعزل عن الانفتاح والتواصل وتوسيع مجال الحريات وسيادة القانون , والتكامل مع الحاجات التنموية للمجتمع .
ويكمن التحدي الأكبر أمام الشباب في المجال المعرفي ( خلال المرحلة الانتقالية ) في تغيير الثقافة المجتمعية العامة , وتغيير أولويات المسؤولين عن رسم السياسات , بهدف تكوين القناعة لدى الجميع بأن بناء رأس مال معرفي متين يتطلب تصميم وبناء وتركيب المناهج التعليمية وفق فلسفة تربوية راسخة , وواضحة في رؤاها ومطلقاتها واهدافها النهائية , وبخاصة في ما يتعلق بترسيخ ثقافة الإنتاجية والجودة وثقافة المسؤولية والمساءلة , وثقافة الحق في الوصول الى المعلومات , وبالتالي المشاركة في اتخاذ , وتنفيذ القرار , بناء على معرفة " شبابيَة " يمكن الركون اليها .
2- الأستبعاد من خلال تقييد آليات الحوار والمشاركة المجتمعية
رغم ما ينطوي عليه التغيير من ايجابيات , فان مساحات الحوار المجتمعي لازالت محدودة ضمن اشتراطات المرحلة الأنتقالية التي يمر بها العراق حاليا ً . وتتركز مخاوف الشباب ( كغيرهم من الفئات الأجتماعية الأخرى ) حول غياب او تقييد آليات الحوار والمشاركة , وما يمكن ان يترتب على ذلك من تعطيل لما تبقى من صمامات الأمان في النظام السياسي والأجتماعي على حد سواء .
ان المراحل الأنتقالية تحتاج الى قدر كبير من الضبط المؤسسي . وتجاهل دور الشباب في هذا الصدد يمكن ان يفضي الى تحول شرائح عديدة منهم من وضعهم الساكن ( او المدجّن ) حاليا , الى انتهاج سلوكيات عنيفة للأحتجاج على الوضع القائم . ان اوضاعاً كهذه تزيد من صعوبة الحوار المجتمعي بين مختلف التيارات والقوى السياسية والأجتماعية , التي يشكل الشباب جزءا ً اساسيا منها , وذلك بغض النظر عن فاعلية دورهم فيها . ولن يؤدي ذلك الى نزاع مسلح يكون الشباب مصدر تغذيته الرئيس فقط , وانما سيعطل تماماً أية أمكانية للتوصل الى رؤى تنموية في المجالات كافة .
ان حصر الأهتمام بالشأن السياسي والقانوني والدستوري وأهمال القضايا الأقتصادية والأجتماعيىة , قد افضى بالضرورة الى مقاربة مشوهة للشأن المؤسسي ذاته . وتحولت " المؤسسات الأنتقالية " التي يفترض ان تكون ضابطة وموجهة للأنتقال نحو اوضاع اقتصادية واجتماعية , افضل واكثر رقيّا ً, الى ميادين للتنافس الأنتخابي التقليدي , والى منابر للسجال الأيديولوجي .
لهذا جسدت " المؤسسات الأنتقالية العراقية الجديدة, تلك " الأنقسامات العمودية القديمة " في المجتمع العراقي . وادى ذلك الى تنامي أحساس الكثير من الفئات الأجتماعية ( والشباب منها على وجه الخصوص ) بالتهميش والأستبعاد , وغياب الدور في عملية اتخاذ القرار , وضعف التاثير على عملية التحول برمتها . والخطير في الأمر هو تشكل ادراك معين لدى الشباب مفاده ان استبعادهم وتهميشهم هو فعل متعمد ومقصود . فمنعهم من المشاركة في صياغة سياسات وتوجهات المرحلة الأنتقالية ( كحاضر) , سيجعل وجهتها النهائية في غير صالحهم ( كمستقبل ) . وان ادارة عملية الأنتقال بهذه الكيفية , سيكرس في المستقبل مصالح وادوار القوى ذاتها المهيمنة الآن . وهذا يعني بالنسبة للشباب ان تكريس آليات استبعادهم الحالية , ستقود بالضرورة الى تكريس استبعادهم في المستقبل ايضا ً .

سابعاً : الشباب والعولمة وإشكالية التقليد والحداثة في العراق .
ان الاشكالية الخاصة التي تفرزها العولمة في العراق , لم ترتبط مباشرة بالاشكال والتحديات والفرص التي يطرحها العالم المعاصر على شباب العراق (كما يحدث في بلدان متقدمة ونامية اخرى ) ، بل في اسهامها في دفع الشباب في العراق على صياغة وطرح اسئلة جديدة ذات صلة بوضعهم ودورهم وكيفية التعامل معهم , ضمن الواقع العراقي القائم ؛ تختلف عن الاسئلة التي كان بعض الشباب يطرحونها على استحياء في المراحل السابقة .

وكما حدث في جميع المجتمعات العربية , فان المجتمع العراقي , (من خلال احتكاكه بمخرجات الحضارة الغربية الحديثة) , لم ينجح في استبدال منظومات القيم والافكار والسلوكيات المجتمعية القديمة باخرى جديدة . واقصى ما أستطاعت بعض شرائح هذا المجتمع فعله, ومنها " الطبقة الوسطى القديمة " , هو تحديث او تشذيب بعض مظاهر هذا " النظام القديم " , نسبيا , دون تغييره جذرياً .
ان هذا " التحديث التابع " لعوامل الحث الاوربية , يجعل المجتمع يمتلك كافة مظاهر الحداثة الخارجية . اما البنى الداخلية لهذه المظاهر فستبقى متجذرة في القيم الابوية وعلاقات القربى والعشيرة والطائفة والجماعة العرقية .
ومن خلال هذه التفاعلات, وتداعياتها , ستتشكل بيئة غير مؤاتية للاستقلال الذاتي للشباب . فالطابع الجماعي للتنظيم الاجتماعي , وتهميش دور الفرد , من خلال " النظام الابوي المستحدث " سيهمش بدوره البعد المرتبط بتكوين المشروع الشخصي الفردي للشباب ، ويعيق عملية تكوينهم كأفراد مستقلين ويؤخرها .( اديب نعمة / اشكاليات البحث في مجال الشباب / بيروت 2012 / 16-17p )
ولم تتمكن المؤسسات الجديدة (والحديثة) المتمثلة بالدولة والسوق من ازاحة او اضافة دور المؤسسة التقليدية المتمثلة بالدين والعائلة . وحين يواجه الشباب في العراق تحديات الاختيار بين طرفي الصراع هذين ، فأن فقدان الامن الاجتماعي والاقتصادي سيحسم الاختيار لصالح العائلة والتقاليد والدين على حساب الدولة والسوق . فهذه المؤسسات التقليدية لاتوفر الامن الذاتي - الانساني – النفسي فحسب ، بل ستوفر ايضا الضمانات الاقتصادية والاجتماعية التي لازالت الدولة ومؤسساتها " الحديثة " عاجزة عن توفيرها .
لهذا لم يكن للعولمة تأثير حاسم وايجابي على الشباب "كفئة اجتماعية " لها قضاياها وموضوعاتها وطموحاتها واولوياتها الخاصة بها ، بل كان لها مثل هذا الدور فقط على الشباب " الافراد " ضمن " فئة عمرية " معينة . ولان مخرجات العولمة لاتصل الى الجميع ولايتعامل معها الجميع (لأسباب كثيرة ذات صلة بالقدرة على الحصول عليها او امتلاك مهارات استخدامها ) , ولأنها ( وهو الأهم ) لا تحتوي على مضامين ثقافية واجتماعية مقبولة وصالحة لصياغة اطار مرجعي وقيمي بديل ، فأن قيمها ، وخلافا لقيم الحداثة – تعطي عموما " مفاعل تفكيكية " في المجتمع ، وتخلّف " استقطابية " ( ناجمة عن التمييز بين من يمتلك , او لا يمتلك ناصيتها ) ضمن فئة الشباب ذاتها .
ويتجسد هذا الانقسام والاستقطاب في العراق من خلال ردود الافعال العنيفة التي تظهرها شرائح الشباب الاكثر فقرا ، تجاه تلك الاكثر غنى منها , والاكثر إحتكاكاً وتعاملا ً مع مخرجات العولمة . واصبح رد الفعل هذا وكانه موجه ٌ ضد العولمة ذاتها . وهكذا لاحظنا في العراق ظهور سلوكيات شبابية ( ذات هوية دينية في الغالب ) هي اكثر تشدداُ وعنفًا وتطرفا مما هي عليه اجيال الشباب في مراحل سابقة .
ولأن العولمة تُفعّل العلاقات بين الثقافات , وتـُفكـّك مناهج التحليل التقليدية , وتُسيّس الهويات ( بما في ذلك الفرعيّة منها ) , فأن بأمكان الشباب في العراق ( كما في اي مجتمع او بلد آخر ) أن ينشطوا ايضا ً تحت الرايات القومية والمذهبية , وان يعملوا من اجل " الأعتراف بالأختلاف " , بدلاً من العمل على تحقيق مطالبهم التقليدية ( كالحق في العمل , والتوزيع العادل للثروة والسلطة, وحق الأعتراف بهم كفئة اجتماعية لها " مصالحها الفئوية " الخاصة .
ان هذه المقاربة تقدم الدليل على ان المواقف من قضايا الشباب (بما فيها مواقف الشباب ذاتهم ، وليس مواقف الكبار فقط ) لاتتعلق بالاعمار ، بل بمركب معقد من الاداء والمواقف والسلوكيات والخيارات السياسية والفكرية ، والممارسات الفردية والجماعية ؛ والتي تقرر في محصلتها اما تغيير الوضع القائم واما الحفاظ عليه .
إن التجاهل , أو محاولة الألتفاف على هذه الأشكاليات , ومعطياتها , لن يساعد على فهم قضايا الشباب على نحو مجد ٍ وسليم , لا بالنسبة لهم , ولا بالنسبة للمجتمع الذي يعيشون , ويمارسون أدوارهم في إطاره , حاضراً ومستقبلا ً .
]فإذا كان الشباب هم المستقبل .. فكيف يمكن اطلاق ستراتيجية شبابية في مجتمع لايملك , حتى الآن , مشروعا ستراتيجياً للمستقبل .
ان هذه الاشكالية هي إشكالية عراقية بامتياز [.

المبحث الثالث
الشباب ، وتحديات البنيّة الأقتصادية
أولاً : الشباب وتحديات رسم السياسة الأقتصادية
لا تقف التحديات الأقتصادية التي تواجه المجتمع العراقي بمختلف فئاته ( وخاصة فئة الشباب فيه ) عند محدودية التشغيل وخلق الوظائف مقارنة بحجم البطالة ( المطلق ) , أو ارتفاع وانخفاض معدلاتها ( النسبية ) .
ان عملية " صنع السياسة " , في هذا الأطار , يجب ان تتجاوز مقارباتها المبسطّة المعمول بها حاليا وعلى نطاق واسع . وان تحاول النفاذ من السطح ( حيث لايوجد في الأفق غير استحداث الوظائف ورصد تخصيصاتها في الموازنة العامة للدولة ) إلى حلول أكثر جدوى , تتجاوز ولو قليلا , الفهم السائد لأزمة التشغيل والبطالة ( حيث لا تقدم الحكومة , ومنظمات أخرى , للعاطلين غير " وجبات " التمكين النمطية , والتأهيل " الأجباري " لما يفترض انه انخراط لاحق في سوق العمل , وبناء جزئي ومبتسر وشكلي للقدرات , وتمويل مشاريع صغيرة ومتوسطة قصيرة الأجل , مبدّدة للمال العام والجهد الخاص , لاتستطيع توفير الحد الأدنى من متطلبات الحصول على دخل دائم , ولا تمتلك أدنى فرصة للأستدامة ) .
ان أكثر النشطين اقتصاديا .. نشاطاً ( اذا صح التعبير ) , أي الشباب , لا يعانون فقط من تضاؤل فرص التشغيل الكافية , التي تتناسب مع ثقلهم ودورهم ومكانتهم ضمن القوى العاملة الكلية , ولكنهم يعانون ايضا من انخراطهم , وعلى نطاق يتسع باستمرار , في بيئة وقيم العمل غير اللائق ( وما يرتبط بها من احباط واغتراب وأهانة للكرامة البشرية ) . كما ان عددا لابأس به من الشباب المتعلمين , تعليما اوليّاً وعاليّاً , لا يعانون من الحصول على عمل لائق , بل يعانون من الأقصاء عن الدور , وتهميش القدرة على الأبتكار والقيادة , نظرا ً لكونهم مجرد " موظفين على الملاك الدائم " في مجالات عمل محدودة القيمة والأثر , تتركز في القطاع الحكومي , وتنتمي الى نمط وظائف اوائل القرن العشرين , وتتراجع , وأحيانا ً تنعدم فيها , انتاجية العاملين الى حدود غير مقبولة .
وعندما نُسقط العمل غير اللائق , والتشغيل الناقص , والبطالة المقنعّة , والعمل غير المنتج , من معادلة الأحتساب الحالي لمعدل البطالة , سنجد ان هذا المعدل مرتفع في العراق الى حدود خطيرة . والخطورة هنا لا تتجسد في معدل البطالة " الحقيقي " بحد ذاته , بل في بنيّة هذا المعدل , وابعاده , وتداعياته الحالية والمستقبلية السلبية بجميع المقاييس . فالشباب في أطار هذه البنيّة , أما عاطلون تماما عن العمل , او يمارسون عملا ً غير لا ئق , أو يغطون في نوم عميق على أرائك الريع النفطي , حيث لا أنتاجية , ولا تحقيق للذات , في دهاليز المؤسسات الحكومية .
ان العمل غير اللائق يكرّس اليأس والأحباط وانعدام الأمل . والعمل غير المنتج يكرّس الفشل والكسل وقيم الأتكاليّة والرعاية الأبوية , وعلاقات الأذعان , وليس المشاركة , بين أطراف العقد الأجتماعي . كما ان جميع اشكال العمل هذه هي تجسيد لسلوكيات سلطويّة مبددة للموارد المادية والبشرية , تقوم من خلالها الدولة الريعية بدفع " اعانات بطالة " شهرية , ولكنها باهظة التكلفة , إلى نسبة ضئيلة من العاطلين الشباب , وتحويلهم الى موظفين مقنّعين , واشباح , لا ضرورة لهم , يتم حجزهم في غرف حكومية جيدة التجهيز لثمان ساعات في اليوم , تلافيا لما قد يمارسه هؤلاء من سلوكيات ضارة سياسيا ( وليس اجتماعيا أو ثقافيا ً ) , فيما لو تم تركهم مع اقرانهم , العاطلين تماماً , خارجها .
أما الأكثر خطورة , والابقى اثرا ً , فهو تنامي الاحساس بانعدام الأفق . وبأن لا اختراق للبنية الصلدة للبطالة ( أو" العطالة " بمختلف اشكالها وتجلياتها ) إلا من خلال الأجراءات النمطية العقيمة التي تلفّ وتدور حول نواة الفشل ذاتها , حيث تتحالف الحكومة مع الرصيف , ومع ادبيات التنمية والتمكين الدولية , وتكتيكاتها القاصرة , والقصيرة الأجل , لتمنحنا في المحصلة النهائية خليطا من " العمل الناقص " و " العمل غير اللائق " والعمل غير المنتج " و " البطالة المقنعّة " .
ولا تنبثق السياسات المصممة لمواجهة هذه التحديات ( طويلة الأجل ) , ولا سياسات حل " أو تعليق " المشاكل ( قصيرة الأجل ) من الفراغ . كما انها لن تهبط علينا من سماوات اخرى . لذا فان على المهتمين بالشأن التنموي في العراق أن يعملوا على اعادة تعريف وتوصيف مفاهيم اساسية لفئة مجتمعية كبيرة في عددها , وهائلة في تأثيرها , لأن هذه الفئة ( على اختلاف مدركاتها , ومستوى تعليمها , وبيئتها الحاضنة ) , لم تعد تعرف شيئا ً , ولا تؤمن بشيء , ولا تسعى لشيء خارج اشتراطات وضعها الحالي .
وبالنسبة لهذه الفئة , فقد تساقطت , بالتقادم , جميع " الحقوق " التي تكفلها الدولة للأنسان في المجتمع البشري . لم يعد هناك سوى اولوية واحدة تتجسد في حق واحد , هو كسر القيد المهين للبطالة والحصول على فرصة عمل . ولا يهم فئة الشباب , بعد ذلك , لا الكيفية التي ستعمل بها .. ولانوع العمل , ولن يهمها , بل وليس من مصلحتها في شيء , ان تكون هناك علاقة ما , وان كانت طفيفة وسطحية , بين أجرها وانتاجيتها ( سواء أكان ذلك سلبا أم ايجابا ) . وبذلك سيكون مفهوم " الأنتاجية " قد طواه النسيان , ولم يعد ذو أهمية تذكر , لا للموظَف , ولا للقائم بالتوظيف .
لقد نجح نموذج الدولة في البلدان المتخلفة في استثمار تسقيط الحقوق بالتقادم , لتحويل اغلب " الحقوق الأنسانية " الى " مطالب فئوية " . ومن هذا المنطلق تحول " الحق في العمل " الى " مطلب للتشغيل " . وسرعان ما اصبح هذا المطلب هو الشغل الشاغل للجميع ( اي الدولة والمواطن والمجتمع الدولي على حد سواء ). والخطير في هذه المقاربة هو ان " البطالة " قد نجحت في اختزال مشاكل الشباب كلها ( وهي أهم وأكثر تعقيدا وأبلغ أثرا من مشكلة البطالة بكثير ) الى " مشكلة توظيف " . وبهذا تم " تقزيم " الموضوعات والسياسات المعنية بقضايا الشباب , وحرفها عن مساراتها , من خلال وضعها في خدمة هدف نهائي هو " خلق الوظائف " .
وضمن هذا السياق غابت الأهداف الأهم , والمشاكل الأهم , والتحديات الأكثر خطورة . وعلى سبيل المثال نجد ان الكثير من الدراسات قد تناولت البطالة بعدّها نتاجاً لنوعية غير ملائمة من التعليم لأحتياجات سوق العمل . غير أن لا أحد قد عمل على دراسة " بطالة الشاب " وفق مقاربة مختلفة , أي بعدّها نتاجا ً لقبوله , أو " إذعانه " لنوعية تعليمه . اي بأعتبار هذا الشاب ( وليس الحكومة و / أو الدولة ) مسؤولا ً عن خياراته الخاطئة , من خلال قبوله للأنخراط في هذا النمط المختّل من التعليم ( بكافة مراحله ) .
ومع ادراكنا للأسباب التي تحول دون ذلك . غير ان احدا لم يجرّب ان يخوض غمار مقاربة كهذه , إلاّ في اضيق نطاق ممكن . ان الشباب بحاجة ماسّة لأعادة تعريفهم بحقوقهم من منظور مختلف . وهذا المنظور يتيح للشاب رفض الحق في التعليم , اذا كان هذا التعليم لا يتيح له أيّة فرصة توظيف في سوق العمل . ورفض التوظيف , اذا كان هذا التوظيف عقيماً وغير منتج . ورفض العمل , اذا كان هذا العمل غير لائق بالبشر . ورفض السياسات , اذا كانت قاصرة , و" شعبويّة " وآنيّة , ومحدودة الأثر , وغير ضامنة للأستدامة .
ثانياً : الشباب والمجتمع والدولة الريعية في العراق : إشكاليات خاصة
تتحدد إشكاليات الشباب في العراق كما هي في بلدان أخرى من خلال ارتباطها بعاملين أساسيين: الأول هو التحول من المجتمع التقليدي إلى مجتمع الحداثة . وثانيا بالتحولات التي فرضتها العولمة وتداعياتها على الشباب وسلوكياتهم وثقافتهم وقيمهم ، ومن ثم على قضاياهم المختلفة .
غير ان هذه التحولات ليس لها التداعيات ولا الصيرورات ذاتها في جميع البلدان . فبفضل الريع النفطي وما افرزه من سلوك سياسي واقتصادي وقيمي , (على وفق ميكانزماته الخاصة به) , لم يتحقق في العراق ذلك الانتقال من الاقتصاد التقليدي القائم على الزراعة إلى اقتصاد ومجتمع صناعي متمحور حول قيم العمل والانتاج . ولم تحدث تغيرات جوهرية في بنية العائلة والمؤسسات والقيم والعلاقات الاجتماعية ، ولم يبرز الفرد - المواطن - الانسان باعتباره قيمة قائمة بذاتها ، ولم تقم بين هذا الفرد وبين الدولة والمجتمع علاقته مباشرة يحكمها الدستور والقانون والانتماء الطوعي . ان نشوء الفرد بهذا المعنى لم يتحقق في العراق حتى الآن لأسباب شتى . فالهجرة الواسعة (من الريف الى المدن) لم تكن مرتبطة بأشتراطات عملية الأنتقال من اقتصاد تقليدي ( في الريف بشكل خاص ) الى اقتصاد صناعي ( في المدن ) . فغالبية سكان المدن العراقية حاليا هم من سكان الارياف الذين هاجروا نتيجة الاوضاع المرتبطة باقتصاد زراعي متخلف ، وعلاقات إقطاعية بالية تقوم على الاستغلال والقهر , الذي وصل احيانا الى حدود الاستعباد ، ( حيث يتحول المزارعون الى مجرد اقنان مرتبطين بالارض ) ؛ وحيث لا يكون ثمة مجال للإفلات من نمط الانتاج المتخلف هذا الا بالهجرة الى المدن . وفي هذه الحالة لا يترتب على الانتقال من الريف الى المدن اي تحول حقيقي وملموس في القيم المجتمعية . فالمدينة ( التي تسود فيها الانشطة التجارية والخدمية بشكل رئيس ) ستتحول الى حاضنة لقيم تقليدية – ريفية يعززها هؤلاء المهاجرون داخل المجتمع المديني ؛ بحيث يعملون وبوتائر متسارعة ، وبفعل ثقلهم السكاني المتنامي على " ترييف المدن " التي هاجروا اليها، ولاحقا " ترييف السلطة " التي تجد في المدن ركيزتها الأساسية ؛ والى حيث تتحكم مخرجات هذه العملية بمعادلة القوة والثروة في البلد بأسره .
ولم تتغير هذه المعادلة في العراق بعد العام 2003 . وما تحقق ليس أكثر من نمط هجين للتحول , تتعايش فيه انماط القيم والسلوك التقليدية ، مع افضل تقنيات العولمة , وآخر صيحة في مخرجات تكنولوجيا المعلومات المرتبطة بها .
كما لم يكن نموذج دولة الرعاية في العراق مقترناُ او منتجا لقيم العدالة والتضامن الاجتماعي والمواطنة والتشغيل الكامل والدخل الدائم , وبما يؤدي الى تحقيق جوهر " التحديث " أو " الحداثة " للدولة والمجتمع على حد سواء . ولم تنجح هذه الدولة ايضا في تحقيق التوازن بين الابعاد الاقتصادية والاجتماعية ضمن سياسات التنمية التي اعتمدتها منذ اوائل الخمسينيات من القرن العشرين , بسبب ظروف تكوينها الخاصة من جهة ، وطبيعة الفائض الاقتصادي, وانماط السلطة والسلوك والادارة المرتبطة به , من جهة اخرى .
والمفارقة ذات الصلة بهذا الموضوع في العراق ،ان الانقسام والاستقطاب الاجتماعي سيبقى قائما سواء تفككت دولة الرعاية ام لا . فالدولة - السلطة في العراق ( وليس الدولة – الأمة ), هي دولة مستقلة عن المجتمع , ومترفعة عليه ( بسبب طبيعة الفائض الاقتصادي الذي تتحكم هي وحدها به) . وحين تفشل هذه الدولة – السلطة في اداء مهامها الاقتصادية والاجتماعية (بسبب الانقسام السياسي ) فأن ذلك سيقود ذلك بالضرورة الى اتساع نطاق الحرمان والفقر والاستقطاب الطائفي والعرقي وأنهيار منظومات السلم الاهلي ، وسيكون " العراقي " , الذي لم تتشكل ملامح هويته – مواطنته بعد , هو الخاسر الاكبر في ظل هذا الوضع.
ان هذه التحولات " الأنتكاسية " التي طبعت التاريخ الحديث للعراق بطابعها الاشكالي ( الذي ذكرناه انفا), كانت لها اثار متعددة المستويات على مختلف " الفئات – العمرية - السكانية " " والفئات الاجتماعية " وبالذات على فئة الشباب ) . ولن تتوقف مفاعيل هذه الاثار على الحاضر فقط ( بخصائصه المعروفة ) بل ان لها امتداداتها المستقبلية ايضا .
وبينما لم تفضي محموعة من المتغيرات المهمة , مثل العولمة ( بمخرجاتها وتداعياتها الوافدة الى العراق بقوة وزخم شديدين بعد العام 2003 ) , والانفتاح على العالم , وأنهيار النظام الشمولي ؛ والشروع في عملية اصلاح اقتصادي , تشكل نقطة البداية في بناء " الأقتصاد الحديث " , الى تفكيك فكرة دولة الرعاية , مع انها عملت على إضعافها نسبياً , إلا ان الكثير من أنظمة الضبط والاندماج الاجتماعي (التي كانت سائدة في المجتمع بدرجة او باخرى , ولسبب او لآخر ) قد انهارت ، او تآكلت بسرعة غير عادية ، وخلفّت مايشبه الصدمة او الزلزال الذي قوض كل الاسس ؛ ولكنه ابقى منظومات القيم والسلوك التقليدية (ما قبل الحداثية ) شاخصة وفاعلة في ما يفترض انه " الدولة الجديدة " و " المجتمع الجديد ".
ولهذا لم يتح هذا الانتقال (الذي تم من الخارج اساسا وليس بفعل ديناميات داخلية- محلية ) فرصاً اضافية امام الشباب . وسرعان ما أدرك هؤلاء حقيقة مفادها أنهم عالقون في " مرحلة انتقالية " طويلة الامد لم تحسم وجهتها بعد .
ووسط هذا الالتباس المجتمعي ( بمظاهره السياسية والاقتصادية ) , وانطلاقا ً من هذا الأدراك بالذات , بدأ الشباب بالعمل على صياغة اسئلتهم حول حقيقة وضعهم وادوارهم الحالية والمستقبلية , وهي اسئلة يكتنفها في الغالب الالتباس وعدم الوضوح والافتقار الى دالة محددة للهدف بالضرورة . انها في جميع الاحوال اسئلة المجتمع والدولة والمواطنة التي لم تحسم بعد على مستوى العراق كله ، بمختلف فئاته وشرائحه وطبقاته الاجتماعية ؛ ومشروع دولته , الذي ينتظر بدوره اعادة تشكيله وتحديده من جديد .
ووسط هذا كله بدأت بالتشكل , داخل رحم دولة الرعاية - الريعية الهشة في العراق ؛ " طبقة وسطى جديدة " ؛ تتطفل على الريع , وتتوسد بنية الفساد المتفشية في جميع المجالات . وهذه الطبقة، او الفئة الاجتماعية الصاعدة , نتيجة " حراك إجتماعي " زائف وسريع ومنفلت لم تعد (بحكم وظيفتها التقليدية ) تحمل افكارا تحديثية او مشروع مجتمعي عام ، ولا تبحث عن حلول فئوية (او فردية) لمشاكل المجتمع الذي تعيش وتعمل وتنمو ادوارها ومكانتها في أطاره . إن كونها " طبقة وسطى " هو مجرد مرحلة قصيرة الأجل ، سرعان ما تلتحق بعدها (هذه الطبقة) بالطبقة العليا في المجتمع ، لتتحول من عامل للتقريب والدمج بين الفئات المجتمعية المختلفة , ومن ممارسة دورها المفترض كموازن سياسي وأقتصادي بين هذه الفئات , إلى عامل للاقصاء والاستقطاب ؛ وتعميق مشاعر الاحباط والغضب , والعنف الناجم عن انعدام العدالة ، وتكافؤ الفرص .( د. احمد ابريهي / ورقة خلفية للتقرير )
ومع ان بعض الشباب قد وجدوا انفسهم فجأة جزءا من هذه الطبقة (باختيارهم او عن طريق الأنتماء العائلي) , الا ان الاحساس بتراجع القدرة على التأثير على مسار الامور لم يتغير . وبالنسبة لفئة الشباب ككل ، فقد اصبح المنتمون منهم لهذه " الطبقة الجديدة " خارج المعادلة الشبابية . وعندما حاولت شرائح من الشباب الانتظام في اطر مهنية ونقابية وسياسية ومحلية خاصة بهم , اخترقت القوى والاحزاب السياسية والاجتماعية المتنفذة هذه الاطر بسهولة ؛ وحولتها الى مؤسسات ومنظمات تخدم اهدافها ومصالحها , وليس مصالح الشباب المنتمين لها والعاملين ضمنها . ومرة اخرى كان " الكبار " يستثمرون الانقسام المجتمعي , بمظاهره المختلفة , لاحتواء اية مبادرات تنظيمية شبابية وافراغها من محتواها وحرفها عن مسارها .
ثالثاً : الشباب والتحول في التركيب العمري والديموغرافي للسكان
إن التغيير في التركيب العمري للسكان يعدّ من أهم التغيرات التي ينطوي عليها التحول الديموغرافي وأكثرها تأثيراً على النمو الاقتصادي . وتشير العلاقة بين السكان والتنمية إلى إن النمو السكاني قد يكون محفزاً لمعدل النمو الاقتصادي والاجتماعي عندما يترافق مع تغيرات في التركيب النوعي للسكان , بإتجاه زيادة الأهمية للفئات القادرة على العمل ، أو أن لا تقل نسبة السكان الناشطين اقتصادياً عن النصف .
ونتيجة للتراجع النسبي في معدلات الخصوبة في العراق فقد طرأ تحول في الهرم العمري والنوعي للسكان ، فانخفضت فئة صغار السن بين عامي 1977 و 1997 بنسبة 4.3 % للفئتين العمريتين الأدنى . أما الشباب بعمر الفئات الأعلى منهما (15-19 و 20-24) فقد زادت بنسبة 3.2 % . أما فئة كبار السن (بعمر 65 سنة فما فوق) فقد انخفضت بنسبة 0.4 % كنتيجة مباشرة لتراجع معدل توقع الحياة خلال تلك المدة .
يشكل الشباب في الفئة العمرية 15-29 في العراق ما نسبته 28% من إجمالي عدد السكان ( طبقاً لتقديرات العام 2006 ). وهذا يعني وجود ثمانية ملايين شاب ، وهو عدد يعادل جميع سكان العراق في عام 1965 .
ويعدّ مؤشر العمر الوسيط من المؤشرات التي تدل على تغير التركيب العمري للسكان . ويعدّ المجتمع الذي يتمتع بعمر وسيط (أقل من 20) سنة مجتمعاً يافعاً . فيما يعدّ المجتمع ذا عمر متوسط إذا كان وسيط العمر يقع بين (20-29) سنة . وإذا بلغ الوسيط (30 سنة) وأكبر يعدّ المجتمع كهلاً .
وتشير التقديرات إلى إن وسيط العمر يجعل المجتمع العراقي مجتمعاً يافعاً حتى عام 2010 ، ليصبح منذ عام 2015 مجتمعاً ذا عمر وسط نتيجة زيادة نسبة السكان في عمر الشباب .
ويمكن توقع زيادة عدد الشباب في العراق خلال العقدين القادمين ( في ظل ارتفاع مستوى الخصوبة) . وعلى وفق الدراسات يمكن أن يصل عدد الشباب في الفئة العمرية (15-29) سنة إلى 8.6 مليون عام 2025 .
وبهذا يكون سكان العراق (كونه يمر بمرحلة الهبة الديموغرافية) أقرب إلى سن الشباب . فالسكان دون الخامسة عشرة يشكلون أكثر من 40 % من السكان . والشباب بعمر 15-24 سنة يشكلون حوالي 20 % من السكان . ومن ثم فان 60% من السكان هم دون سن الخامسة والعشرين ، في مقابل 54 % في البلدان العربية و 48 % في البلدان النامية .
ويبلغ متوسط الأعمار في العراق (عام 2010) 18.2 سنة ، ويتوقع ان يرتفع ببطء الى 19 سنة عام 2015، والى 20.8 سنة عام 2025 والى 25.9 سنة عام 2050 . وهذا يعني ان أطفال العراق وشبابه يزيدون على نحو غير مسبوق . فهناك 5.1 مليون طفل و 6 مليون شاب عام 2010 ، يتوقع ان يرتفع عددهم الى 6.7 و 9.6 مليون على التوالي عام 2025 والى 8.9 و 14.9 مليون على التوالي عام 2050 . ( وزارة التخطيط . اللجنة الوطنية للسياسات السكانية . تحليل الوضع السكاني في العراق 2012 )
إن الأهتمام بقضايا الشباب يكتسب أهميته القصوى إستناداً إلى معطيات هذه النافذة الديموغرافية . فهي تشكل مجرد فرصة وإمكانية مفتوحة أمام التنمية والتطور في العراق إن كانت مشروطة باستجابة ايجابية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية بالبلد .
فالارتقاء من خلال عملية التحول الديموغرافي ليس نتيجة حتمية لهذا التحول . وما هو حتمي في هذا الموضوع هو تحول انفتاح النافذة السكانية الى عنصر انتكاس اجتماعي واقتصادي سريع ، إذا تم التعامل معها بسلبية ومن منظور اقتصادي بحت (قصير الأمد) , وإذا لم يتم وضع السياسات والستراتيجيات التنموية الكفيلة بالاستفادة منها .
إن هدر الإمكانيات والفرص المرتبطة بالشباب في العراق , يتجسد من خلال مؤشرات عدة أهمها ما يأتي : ( وزارة التخطيط . اللجنة الوطنية للسياسات السكانية . تحليل الوضع السكاني في العراق 2012 )

• تبلغ نسبة العاملين بأجر 66% من إجمالي الأفراد النشطين اقتصادياً . الا إنها تنخفض في الفئة العمرية الشابة الى حوالي 40% . وتصل بين الإناث الشابات الى 7% فقط . ويوظف القطاع العام حوالي ثلث القوة العاملة النشطة اقتصادياً , الا انه لا يوظف سوى 4% من الشباب .
• يعمل 72% من الأفراد بعمر 10-30 سنة في القطاع الخاص ، بينما يعمل 28% في القطاع العام. وان 52% من الشباب في ذات الفئة العمرية يعملون في مجالي الخدمات والزراعة ، وهما النشاطان اللذان يتأثران بعمالة الشباب . بينما يعمل 19% منهم (90%بالنسبة للذكور) كموظفين تنفيذيين ، و 10% منهم فقط في نشاط الانتاج .
• يبلغ معدل السكان غير النشطين اقتصادياً 42% في الفئة العمرية الشابة 15-24 سنة وهو مرتفع جداً بين الإناث ( 71% مقابل 16% للذكور) . وتعد هذه المعدلات مرتفعة بالمقاييس العالمية . وتشكل الرغبة في الأستمرار بالدراسة السبب الرئيس الذي يجعل الشباب غير راغبين بالعمل . بينما تمارس الاعتبارات الأسرية والاجتماعية الدور الرئيسي في عدم رغبة الاناث بالعمل ( 45% مقابل 44% ) .
• إن 16.8 % من الشباب بعمر (18-30) سنة يميلون للهجرة خارج العراق (18 % منهم من سكان المراكز الحضرية و 13% من سكان الأرياف و 2.5 % منهم من الذكور و 11.6 % من الإناث) وتتباين أسباب الهجرة (بالنسبة للأفراد الذين قاموا بإجراءات الهجرة) بين العمل 33% والهروب 26% والحصول على اللجوء 15 % والدراسة 9 % . إضافة الى أسباب أخرى 14 % والزواج 3% .

رابعاً : البطالة بين الشباب
يؤكد الكثير من الشباب ( على وفق ما تطرحه نتائج مسوحات استطلاع الرأي المنجزة في اطار التقرير الوطني للتنمية البشرية 2014 ) أن شعورهم بالأستبعاد والتهميش يتضاءل الى حد كبير ( بل وينعدم احيانا ً) لو ان الحكومة قد وفرت لهم , فقط , فرصة للعمل ( أو التوظيف ) والحصول على دخل دائم .
وهذا يعني أن اهم اشكال الأستبعاد والتهميش بالنسبة للشباب , هي تلك المرتبطة بوضعهم الأقتصادي – المعيشي . ويتشارك في هذا الأدراك جميع الشباب(على اختلاف مستويات تعليمهم ومناطق سكنهم وفئاتهم العمرية ).
ان الترابط بين البطالة , وتوسع نطاق العمل غير الرسمي , وتدني الأنتاجية , هي جميعها أوجه مترابطة لتراجع الأداء الأقتصادي والأجتماعي , المؤدي بدوره , الى جعل استبعاد فئات واسعة من السكان , من مراكز التأثير والقرار في الشؤون الأقتصادية والأجتماعية , عملية مستمرة , وناتجة في ذات الوقت , عن الدوران في الحلقة المفرغة للأداء الأقتصادي المتعثر , وغير الكفوء , المرتبط بدوره بنمط الأدارة السياسية والأقتصادية السائد ( والممتد منذ عقود ) في العراق .
ان العمل ( او التشغيل ) هو المدخل الأكثر اهمية لأندماج الشباب في النشاط الأقتصادي , وأكتساب قيمة اجتماعية في الوقت ذاته . فالبطالة تترك آثار سلبية على مجمل اوجه الوجود المجتمعي للشخص العاطل عن العمل .
واذا كانت البطالة هي سبب ونتيجة لقصور التمكين , فان الفقر الناتج عنها اصبح تجسيدا للتفاوت وعدم المساواة . واصبح عدم المساواة مشكلة قائمة بذاتها في العراق الريعي , وهو عراق غير فقير بجميع المقاييس . ان الأحساس بغياب العدالة , الذي يتزايد بين الشباب حاليا , سيعمل على تغذية ديناميات الأستقطاب الأجتماعي والأقتصادي المولدة لعملية الأفقار والأستبعاد الهيكلي , ويحولها الى ديناميات منفلتة يدور بعض الشباب في فلكها , كما يحدث الآن .
واذا كانت البطالة تشكل أحد أهم مظاهر تهميش الشباب , فإنها تعدّ أيضا مصدر تهديد مباشر للاستقرار السياسي والاجتماعي , وأحد المؤشرات الدالة على خلل السياسات التنموية . وهي بمثابة مؤشر للدلالة على إخفاق وعدم تكامل سياسات التعليم والتدريب والاستثمار والتكنولوجيا .
• وقد أصبحت مشكلة بطالة الشباب واحدة من أكثر المشاكل إلحاحاً في العراق بعد 2003 وأكثرها تداولاً بعد موضوع الإرهاب .
• ويمثل معدل بطالة لدى الشباب مؤشراً مهماً لقياس الحالة الاقتصادية العامة للسكان ضمن الفئة العمرية 15-24 سنة .
وبالرغم من إن هذا المعدل قد شهد انخفاضاً تدريجيا ( من 43.8 % ، 26.4 % على التوالي ) خلال المدة 2004-2008 ، إلا انه لازال مرتفعاً قياساً بالمعدل العام للبطالة في المدة ذاتها (26.8 % ، 15.5% على التوالي) .
ووفقاً للتعريف المتراخي للبطالة الصادر عن منظمة العمل الدولية فقد أظهر مسح شبكة معرفة العراق ( IKN /2011 ) إن نسبة البطالة في العراق هي 11 % . وترتفع هذه النسبة بين الشباب لتصل الى 18 % (بواقع 27 % للإناث و 17 % للذكور) .( الأمم المتحدة , الجهاز المركزي للأحصاء . مسح شبكة معرفة العراق / 2011 ) .
1-معدلات البطالة للفئات العمرية المختلفة .
يبلغ معدل البطالة ( حسب مسح التشغيل والبطالة الذي اجراه الجهاز المركزي للأحصاء عام 2008 ) 15.3 % . واستناداً لبيانات الجهاز ذاته فقد انخفض معدل البطالة الى 8% في عام 2011 . وقد يكون لدينا ولدى غيرنا الكثير من التحفظات على مثل هذه التقديرات ( فهي في افضل الاحوال تقديرات مبنيَة على مسوح احصائية وليس على تعداد فعلي للسكان ) . إلا أن التحفظ الرئيس على احتساب هذا المعدل يعود الى قيام الجهاز المركزي للأحصاء بأستخدام معيار منظمة العمل الدولية في احتساب العاطلين . وهذا المعيار يعرَف العاطل بأنه : " الشخص الراغب والقادر والباحث عن العمل , وأن لا يكون قد عمل لأكثر من ساعة واحدة في الاسبوع السابق للمسح " .
ولا جدال في أن هذا المعيار لا يصلح لقياس معدل البطالة في بلد كالعراق لأسباب عديدة اهمها أنخفاض أجر الساعة الواحدة , وغياب نظام الحماية الاجتماعية للعاطلين , ووجود عدد كبير من العاطلين الذين ملَّوا من البحث عن فرصة عمل لاعتقادهم بعدم توفرها اصلاً . وهؤلاء هم من تطلق عليهم الأدبيات الاقتصادية صفة " العمال المحبطون " . وفي حال تم أخذ هذه التحفظات بالإعتبار فأن معدل البطالة سيكون أكبر بكثير من المعدل المذكور .
تشكّل الفئة العمرية (15-24 سنة ) 30% من اجمالي قوة العمل . وفي عام 2004 بلغ معدل البطالة لهذه الشريحة 43.8% انخفض الى 35% في عام 2006 , و.الى 26.14% في عام 2008 . وتتركز هذه البطالة بشكل رئيس في المناطق الحضرية .
أن نسبة كبيرة من الافراد ضمن هذه الفئة العمرية قد توقفوا عن ممارسة آخر عمل بدوام كامل منذ سنوات . وهذا يعد بمثابة مؤشر عن طبيعة سوق العمل , وضيق الفرص الدائمة التي تتاح امام الافراد للحصول على فرص عمل في القطاع الخاص .
وتتناسب البطالة عكسيا مع ارتفاع المستوى التعليمي . وطبقا لنتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة العراقية في عام 2007 , شكّل العاطلون عن العمل من حملة الشهادة الاعدادية فما دون ما نسبته 57.9% من مجموع العاطلين عن العمل . في حين بلغت نسبة العاطلين ممن يحملون شهادة اعلى من الاعدادية 29.1% . وتعكس النسبة المرتفعة للعاطلين عن العمل من حملة الشهادات العليا (5.4%) وشهادة البكالوريوس ( 13.9%) هيكل الطلب على هذه الاختصاصات , وعدم ملائمة مخرجات التعليم العالي لاحتياجات سوق العمل .

2-هيكل قوة العمل
يتوزع النشطوَن اقتصاديا ضمن الفئة العمرية (10-30) سنة بنسبة 48% في قطاع الخدمات و 20% في القطاع الزراعي و 16% في القطاع التجاري و 13% في القطاع الصناعي ( 2007 ) . أما معدل غير النشطين اقتصاديا ً للفئة العمرية من ( 15- 24 ) سنة فيبلغ 42% . ويعود ذلك لاسباب عديدة اهمها الرغبة في اكمال الدراسة 61% , واعتبارات اجتماعية وظروف خاصة 30% , وعدم توفر فرص العمل 8% ( 2007) .
في عام 1985 كانت مساهمة القوى العاملة في الزراعة 24.5 % وفي الصناعة 23.5% , انخفضت الى 13.6% و 13.8% على التوالي في عام 2008 . بينما ارتفعت نسبة مساهمة القوى العاملة في قطاع الخدمات من 52% الى 71.7% للعامين المذكورين . وتعكس نسب المساهمة هذه الانخفاض المستمر في حصة القطاعين الزراعي والصناعي في الناتج المحلي الاجمالي . فقد بلغت حصة الزراعة من الناتج المحلي الاجمالي 4.4% والصناعة 2.4 % والخدمات 17.9 % مقابل 40.1% للنفط الخام (2009) . ( وزارة الشباب والرياضة , الجهاز المركزي للأحصاء . التقرير التحليلي للمسح الوطني للفتوة والشباب / 2011 )
أن قطاع الخدمات يجتذب ذوي المستوى التعليمي الاعلى ليصل ذروته بالنسبة لحملة الشهادات الجامعية الأولية والعليا . وهذا أمرٌ يبدو متسقاً تماماً مع واقع سوق العمل , ودور القطاع العام الكبير فيه , حيث يتركز تشغيل هؤلاء في قطاع الخدمات العامة . ويوظف القطاع العام حوالي ثلث القوى العاملة النشطة اقتصادياً , واكثر من نصف النساء النشطات اقتصاديا , ألا أنه لا يوظف سوى 4% من الشباب , وذلك بسبب طبيعة القانون الذي يمنع التوظيف في القطاع العام لمن هم دون سن 18 عام , مما يعني استبعاد الافراد بعمر من 10-17 عاما من العمل فيه .
3-الفقر بين الشباب
تبلغ نسبة الفقر بين الشباب ضمن الفئة العمرية 15-24 سنة 22% . وهي قريبة جداً من نسبة الفقر الاجمالية البالغة 23% . وتنخفض نسبة الفقر مع التقدم في العمر . وتعكس هذه النسب الظروف السيئة التي تقيد فرص الشباب , وتحد من امكانية حصولهم على مصدر دائم للدخل .

4-فرص التشغيل وممارسة الدور من خلال الموازنة العامة للدولة
بلغ عدد الدرجات الوظيفية المستحدثة ضمن الموازنة العامة للدولة 136000 درجة في عام 2007 . و 115000 في عام 2010 و 40000 في عام 2012 .
وعلى وفق بيانات قوانين الموازنة العامة الاتحادية فأن عدد القوى العاملة للوزارات والدوائر المموَلة مركزياً ارتفع من 2.060مليون للسنة المالية 2007 الى 2.468مليون (2010) والى 2.750مليون للسنة المالية 2012 . وتعمل النفقات التشغيلية في الموازنة العامة على تمويل كلفة الوظائف القائمة , وعلى خلق الوظائف الجديدة ايضاً , في ظل ضعف وتراجع دور القطاع الخاص في مجالات النشاط الاقتصادي كافة .
لهذا فقد بلغ متوسط حصة النفقات التشغيلية من اجمالي نفقات الموازنة العامة الاتحادية 70% للسنوات المالية 2008 – 2012 مقابل 30% للنفقات الاستثمارية . وكانت اكبر حصة للنفقات التشغيلية في موازنة عام 2009 اذ بلغت 78% ، وادنى حصة لها في عامي 2008 و 2012 اذ بلغت 67% و 68.4% على التوالي . ( جريدة الوقائع العراقية . قوانين الموازنة العامة الأتحادية للسنوات 2007-2012 ) .
غير ان الأرتفاع في حصة النفقات الأستثمارية من اجمالي نفقات الموازنة العامة لم ينعكس على اجمالي تكوين راس المال الثابت في العراق , بالدرجة التي تسمح بخلق استثمارات قادرة على توليد فرص استثمار وعمل للوافدين الجدد الى سوق العمل , وللعاطلين السابقين على حد سواء . فقد انخفض اجمالي تكوين راس المال الثابت لسنة 2009 ( بالأسعار الثابتة ) إلى 12.6 مليار دينار , مقارنة بسنة 2008 التي بلغ اجمالي تكوين راس المال الثابت فيها 13.5 مليار دينار .
وتشير الجداول التفصيلية لسنة 2009 ( وهي آخر وأحدث البيانات المتاحة بهذا الصدد ) الى ان مساهمة القطاع العام في اجمالي تكوين راس المال الثابت ( بالأسعار الثابتة ) قد بلغت (96.8% ) مقابل ( 3,2% ) فقط للقطاع الخاص . ورغم ضآلة حجم تكوين رأس المال الثابت في العراق , فأن الأستثمارات قد تركزت في القطاع العام , وفي نشاط الخدمات الأجتماعية بالذات, وبنسبة مساهمة قدرها ( 88,3% ) من اجمالي تكوين راس المال الثابت في القطاع العام . أما القطاعات الأنتاجية فكانت نسبة مساهمتها متدنية للغاية , حيث بلغت (0.05% ) في الزراعة , و ( 2.33% ) في الصناعة التحويلية , و ( 0.51% ) في قطاع البناء والتشييد . ( وزارة التخطيط / الجهاز المركزي للأحصاء : اجمالي تكوين راس المال الثابت في العراق لسنة 2009 / مديرية الحسابات القومية / كانون الأول 2010 )
وتعكس هذه المؤشرات عجز الموازنة العامة للدولة عن خلق اية فرص حقيقية ومستدامة , بأمكانها استغلال طاقات الشباب في ميادين العمل والأنتاج الحقيقية . كما تعكس ضعف وهشاشة القطاع الخاص , وعدم قدرته ( حتى على المدى الطويل ) على استقطاب قدرات الشباب , أو حتى على استكمال ( وليس تعويض ) دور الدولة بهذا الصدد .
ولأن سقف التوقعات بصدد تحقيق مستوى معيشي , ونمط حياة أفضل من السابق , كان مرتفعا جدا بعد تحولات العام 2003( وخاصة بين الشباب ) , فأن السياسة التي يتم على وفقها اعداد الموازنة العامة في العراق قد فشلت ( حتى الان ) في الموائمة بين حجم المطالب التي لم تتم تلبيتها , وبين الأمكانات المالية للموازنة العامة , التي تتزايد عاما بعد آخر .
وعندما تكون البيئة الأقتصادية غير مؤاتية لتفعيل دور القطاع الخاص المحلي , وعاجزة عن استقطاب القطاع الخاص الأجنبي . وحين يستبعد هذا الأخير قوة العمل الوطنية من مشروعاته ( على قلتّها , وتواضع حجمها , وتركزّها في القطاع الأستخراجي ) , بسبب فشل أنظمة التعليم , وقصور وتخلف اساليب التاهيل والتدريب في رفده بالأختصاصات والمهارات المطلوبة , ستنغلق جميع الآفاق امام قوة العمل الشابة , ويتعمق استبعادها من المشاركة في نموذج للنمو , والتصرف بالموارد , لا يعمل , ولا يدار لصالحها , من خلال عناصره ومفرداته كافة .
وهكذا يتم من خلال سياسة الموازنة العامة , القائمة على رصد التخصيصات , وليس على برامج تنموية محددة بدقة , ترسيخ مؤسسات الدولة الريعية , التي استمرت بدورها في انتاج قطاع خاص ريعي , ومجتمعاً معتمدا , اعتمادا يكاد يكون مطلقاً , على الريع .
ورغم مرور عشر سنوات على ما يفترض انه بداية التحول من الأقتصاد المركزي إلى اقتصاد السوق , فان الدولة العراقية لم تتعلم كيفية التحول من دولة ريعيّة إلى دولة منتجة ( وذلك على غرار ماحدث في بلدان اخرى كانت ريعيةً أيضاً , كالنرويج واندنوسيا وتشيلي وبوتسوانا .. ) .
وما لم يتم انجاز مرحلة " التحول عن الريع " , فأن الشباب سيبقى متلقيّاً له , أو منتظراً تعظيم حصته منه , ليكرّس بذلك إتكاليته عليه . وبذلك سيكمل الشباب دورة " ترييع الأنتاج " , وستبقى ظاهرة عدم المساواة سائدة في المجتمع الريعي , كما تتردى قيم العمل والأنتاجية , وهي القيم التي لا يستطيع الشباب ممارسة دورهم الحقيقي إلاّ في أطارها .
5-البطالة والتشغيل الانتاجية
مع كل ما تم عرضه من بيانات ، فأن أغلب النسب والارقام المذكورة في سياق هذه الورقة ستبقى مشوبة بالتحفظ وعدم الدقة . ويعود ذلك لعدم وجود معطيات اقتصادية واجتماعية دقيقة في غياب الارادة السياسية اللازمة لتنفيذ تعداد عام للسكان (حتى وان كان ذلك لأغراض تنموية) ، وذلك بالرغم من توافر جميع الامكانات المادية والبشرية المطلوبة لاجراء هذا التعداد ، وتحليل نتائجه .
غير ان هناك نوعا ً من الاتفاق بين الكثير من الباحثين والمهتمين بالشأن الاقتصادي في العراق على ان العدد الفعلي من العاطلين عن العمل (لغاية عام 2007) يزيد على 1.3 مليون عامل من اصل 8 مليون عامل . وهذا يعني ان هناك معدل بطالة بحدود 15% من اجمالي قوة العمل وفق معايير منظمة العمل الدولية. ويمكن ان يرتفع هذا المعدل الى 40% اذا ما أضفنا " البطالة الناقصة " التي تقدر نسبتها بـ 25% من قوة العمل الاجمالية . اما السياق العام الذي تدور في اطاره هذه البطالة (بأشكالها المختلفة) فهو التدني الكبير في انتاجية القطاع الحقيقي , وتراجع مستوى الانتاج (كما ً ونوعا ً) كما تعكسه حالة القصور الواضح في نشاطات العرض الكلي للقطاعات السلعية في الاقتصاد .
ولن تتغير هذه المعطيات كثيرا ً في عام 2012 , اذا أخذنا بنظر الاعتبار معدل زيادة السكان وحجم القوى العاملة الداخلة سنويا ً الى سوق العمل.
وفي الوقت الذي تتراجع فيه حصة الصناعة التحويلية والزراعة من الناتج المحلي الاجمالي الى نسب تتراوح ما بين 2% و 5% ، على خلاف معدلاتها التاريخية التي كانت تتراوح بين 9% و 22% على التوالي قبل خمسة عقود ، فأن القطاع النفطي الذي تتراوح حصته ما بين 60% الى 70% من الناتج المحلي الاجمالي لا يشّغل من قوة العمل إلا مانسبته 2% فقط , في حين ان 98% من قوة العمل تنزوي وتتضاءل انتاجيتها الى حدود مخيفة في نشاط انتاجي سلعي وخدمي لا تتعدى مساهمته 30% من الناتج المحلي الاجمالي . ( د. مظهر محمد صالح . الدولة الريعية : من المركزية الأقتصادية الى ديموقراطية السوق / 2010 )
وعند استبعاد القطاع النفطي من تركيب معادلة الاقتصاد الوطني , فأن مساهمة الخدمات في تكوين الناتج المحلي الاجمالي لن تقل في افضل الاحوال عن 50% . مما يعني ان الاقتصاد العراقي قد أمسى اقتصادا ً خدميا ً ضعيف الانتاج والتنوع , وتغلب عليه النشاطات الخدمية الهشة التكوين.

خامساً:الشباب في العراق واشكالية الدور في المرحلة الأنتقالية

في جميع الأحوال فأن عدم وضوح دور الدولة والقطاع الخاص في المرحلة الأنتقالية , ونشوء شراكة من نوع خاص تجمع بين رأسمالية الدولة المالية , والقطاع الخاص المالي ( المرتبط والمستفيد من السلوك الريعي لهذه الدولة ) يشكل في جميع الأحوال عائقا امام تنامي الدور الأقتصادي للشباب . فمجالات عمل الشباب تقع تماما خارج دائرة الشراكة اعلاه . ان المشروعات الصغيرة , والخدمات غير المالية , وجميع اوجه النشاط الحقيقي القائمة على المبادرة ( وهي مجالات العمل المفضلة للشباب في العراق حاليا ) تقع كلها خارج اطار العلاقة التشاركية بين الدولة والقطاع الخاص المشار اليها اعلاه . وربما كان هذا احد اسباب " تغريب " الشباب أقتصاديا في بلدهم , وتحويلهم الى وسطاء هامشيين في سوقهم الوطنية , وتضاؤل حصتهم من الفائض الأقتصادي , وحرمانهم من الحصول على فرص حقيقية لبناء التراكم الرأسمالي الكافي , والضروري , ليكونوا عنصر الأستقرار والتوازن والسلام في هذا البلد , بدلاً من الخيارات الضارة والسلبية التي يفرضها سلوك الدولة والمجتمع عليهم الآن .
ومع التسليم بان البعد الأقتصادي هو المحدد الرئيس لدور الشباب في المجتمع , قان علاقة الشباب بالسوق , او بوسائل الأنتاج لاتزال ملتبسة . والسبب في ذلك هو عدم وضوح والتباس موقف الدولة ذاتها بصدد دورها , ودور الأنشطة الخاصة في الأقتصاد . وكلما طالت مرحلة عدم اليقين هذه , كلما بقيت الأنشطة الأقتصادية للشباب موّزَعة بين الدولة كخالقة للوظائف , وبين السوق كخالق للثروة والمكانة وقوة الدور .
وهذا هو ما يعيق تحول الشباب إلى قوة اقتصادية وسياسية , انطلاقا ً من كونهم فاعلين اقتصاديين ضمن فئة اجتماعية محددة , وذات مصالح تستحق العمل من اجلها , وقابلة للدفاع عنها في ذات الوقت .
ان الشباب يقومون بدورهم في السوق , سواء أكانت سوق رسمية , او سوق غير رسمية . ولكن لا يمكن للشباب ان يكونوا منتجين , أو مؤمنين بقيم الأنتاج والكفاءة التنافسية , في اقتصاد ريعي يفتقر الى المؤسسية والتنظيم ووضوح السياسات , ويخضع لكم هائل من الضغوط ( الداخلية والخارجية ) الناجمة عن الأنقسام السياسي ( بدرجة اساسية ) .
ان الأشكالية التي يواجهها الشباب في العراق ( في المجال الأقتصادي ) لا ترتبط بالأنتاج والسوق , بل من عدم الأدراك السياسي لقدرتهم على احداث التغيير ( والتحول ) المطلوب , والأنتقاص من امكاناتهم وقدراتهم بهذا الصدد .
ان الأصرار على " توزيع الريع " يجعل الدولة الريعية مترفعة عن الدور الأقتصادي للشباب ( كما غيرهم ) . كما انها ومن خلال آليات هذا التوزيع تعمل على تحييدهم سياسيا ً, ان لم تنجح في دمجهم في منظوماتها الريعية . وبهذا يتم تجريد الشباب من امكاناتهم الفعلية, وقدرتهم الحقيقية على احداث التغيير , من خلال دفعهم للعمل في انشطة غير قابلة للأستدامة , وغير محميّة , ومكرسّة للسلوك الطفيلي , وعاجزة عن تعظيم فائضها الأقتصادي الخاص بها , في نهاية المطاف .

سادساً : الشباب واخفاقات عملية التنمية الأقتصادية في العراق
ان طريق التنمية يبدأ بالسياسة , بنمط الحكم , وبطبيعة المؤسسات السائدة التي تمارس دورا ً رئيسا ً في تشكيل النموذج الأقتصادي . وفي تحديد نموذجه .
وحين يكون نمط الحكم , او السلوك السياسي مُعطّلا ً لعملية التنمية , فأن تداعيات هذا الأخفاق التنموي ستنعكس اولا ً على الشباب ( بسبب ثقلهم الديموغرافي ) , وسيتجسد ذلك في ارتفاع معدل بطالتهم , او في تشغيلهم في اعمال غير لائقة , ومن ثم في تهميشهم واستبعادهم اجتماعيا ً وسياسيا ً .
إن بطالة الشباب ( وبالتالي فقرهم ) هو بمثابة قيد كبير على حريتهم السياسية . وهذه الحرية بالذات هي التي تتيح لهم المشاركة في صياغة وبناء الخيارات والنماذج الأقتصادية .
وهنا لا يعود مطلب العدالة الأجتماعية همّا ً سياسياً , بل اقتصاديا ً, وتصبح بطالة الشباب دافعا اساسياً للقيام بتحركات راديكالية , أو بالمساهمة فيها , أو دعمها .
لهذا أفرزت حركات ما يسمى بــ " الربيع العربي " , ونجاحها ( النسبي أو غير الناجز بعد ) في بعض البلدان العربية , إدراكاً لدى الشباب مفاده : إن أي تغيير في الأطر السياسية والمؤسسية ( إن حدث ) سيؤدي الى تغييرات في نمط وفلسفة التنمية , وفي خياراتها ونماذجها واهدافها , وأن دورهم سيكون أكبر وأكثر فاعلية فيما لو قادوا هُم , بأنفسهم , حركة التغيير هذه .
ويساعد نمط الأدارة الأقتصادية والسياسية القائم في العراق حالياً على تعزيز هذا النمط من التفكير بين الشباب في العراق ( بما في ذلك غير المتعلمين منهم ) . فهؤلاء جميعا ً أصبحوا مدركين للحقائق والمعطيات الآتية :
- ضعف او عدم استقرار المؤسسات الذي يضعف الجوانب التنفيذية والتخطيطية للعملية التنموية , ويضعف بدوره القدرة على الأستفادة من الأمكانات المؤسسية والبشرية للشباب , كونهم مكون اساسي في التنمية .
- وجود استقطاب داخلي حاد بين الفئات المجتمعية , وتنامي الولاءات المناطقية , وبما يجعل عملية بناء التحالفات من اجل التنمية , عملية صعبة للغاية .
- مع استمرار التهديد الناجم عن الأنقسام المجتمعي ( أيا ً كانت اسبابه ) فأن هناك طغيان للشأن السياسي والأمني ( العسكري ) , مما يعطّل العمل التنموي , ويمنع تكوين رؤية متوازنة للأولويات .
- ان هناك الكثير من المعوقات التي تجعل الدولة عاجزة عن ادارة الموارد الأقتصادية بكفاءة . ومثل هذه الدولة ستكون هشّة بالضرورة , وبالتالي غير قادرة على رعاية مشروع تنموي حقيقي , وسيكون الشباب ( كجميع الموارد الوطنية الأخرى ) عنصر غير فاعل ضمن هذا الأطار .
- لا يوجد فاعلين اقتصاديين ( عدا الدولة ) في العراق . ويعود ذلك الى ضعف القطاع الخاص المحلي , وطبيعة دوره وخصائصه في " الدولة الغنائمية – الريعية " , التي تعيد انتاج وظيفة هذا القطاع , وتتحكم به , من خلال التحكم بآليات وحجم الفائض الأقتصادي الذي تقوم ( أو تسمح ) بتسريبه اليه . وفي مقابل ذلك تتفاقم حدة صراع الدولة مع الفاعلين السياسيين الآخرين . ولأن الأستقرار في العراق مسألة سياسية , وليست فنية , فأن استمرا ر هيمنة الدولة على الشأن الأقتصادي , مع غياب الأستقرار السياسي والأصلاح المؤسسي , قد جعل العراق عاجزاً عن تبني مشروع تنموي– ستراتيجي , وخاصة في بعده الأقتصادي , المجسّد لمصالحه الوطنية العليا .
وفي غمار هذه البنية الأقتصادية – الأجتماعية , المرتبكة والملتبسة , كانت " الأزمات السلبية " تعيد انتاج نفسها في كافة المجالات . وفي ظل هذه الأوضاع ايضا ً تماهت أزمة ادارة الدولة مع " أزمة الشباب " . وبقي هؤلاء ينتظرون من هذه " الدولة المأزومة " ذاتها , حلاًّ لمشاكلهم , ومزيدا من التفهم لقضاياهم , التي أصبحت هي الأخرى ( بمرور الوقت , وضياع المزيد من الجهد والموارد ) عصيّة ً على الحل .
ان هذه المقاربة تعيد التأكيد على ضرورة تأطير التنمية بالأستدامة . فهذا التأطير ذو صلة مباشرة بالشباب , لأن استنفاد الموارد الأقتصادية , أو سوء ادارتها , ستكون له عواقب مستقبلية وخيمة على الشباب , واوضاعهم , وقضاياهم الرئيسة .

ثامناً : الشباب والأصلاح الأقتصادي في العراق
ان تجربة العلاقة بين الدولة والمجتمع في العراق تتطلب اعادة نظر شاملة في مقاربات الاصلاح ( على وفق التصورات والادبيات الدولية في التنمية والعدالة والشفافية والحكم الصالح ) . وهذه العملية لايمكن ان تتحقق الاعندما يصبح من الممكن ولادة تيار عريض ومهيمن سياسيا ، يتبنى القيم والضوابط التي تؤدي الى التزام كافة مستويات النظام الاجتماعي (الفرد والعائلة ومؤسسات الدين والثقافة وصناعة الراي العام واجهزة الدولة ) بالحقوق والواجبات المتبادلة , بوضوح تام , وايمان عميق .
لقد أضاع العراق فرصة لا تعوّض لأحداث أصلاحات جذرية في الأقتصاد , واعادة هيكلة القطاع العام , والشروع في ترسيخ قيم وانماط سلوك أقتصادية واجتماعية بديلة لقيم وسلوك الدولة الريعية , بعد العام 2003 . وفاقم ضياع هذه الفرصة من وطأة الكلفة الأجتماعية ( والسياسية ) لعملية التنمية الشاملة , والمطلوبة , بعد ذلك الهدر الهائل للموارد , والمؤطّر في نموذج فاشل ومكلف للتنمية , استمر لأكثر من ثلاثة عقود .
إن بطء وتلكؤ ( ان لم يكن فشل ) عملية الأصلاح الأقتصادي في العراق بعد العام 2003 , قد أعاد انتاج نموذج التنمية الفاشل ذاته , والموروث من الحقب السابقة . ومما يفاقم من سلبيات فشل هذا النموذج , والأزمات المرتبطة به , هو غياب تلك المؤسسات التي اخذت على عاتقها إحداث , وضمان نجاح , عملية التحول في بلدان أخرى ( ماليزيا , البرازيل , كوريا الجنوبية , جنوب أفريقيا .. ) .
واذا ما كانت فرص الشباب محدودة في إحداث الأصلاح الأقتصادي المنشود , وصعبة للغاية في انجاز عملية التحول الى اقتصاد السوق ( بفعل الطبيعة المعقدة لهذه العملية في العراق , وأفتقارها الى مؤسسات وأطر وممارسات لم يكن الشباب جزءاً منها , ووجدو أنفسهم في غمارها فجأةً ) , فأن هناك فرصاً أخرى أكثر أهمية وتأثيراً في ممارسة الدور , يمكن للشباب ان يكونوا عنصراً اساسياً فيها , من خلال المشاركة في عملية تهدف , ليس الى الأصلاح الأقتصادي فقط , بل الى تحوّل الدولّة العراقية ذاتها , من " دولة الريع " الى " دولة الأنتاج " , كما سيتضح لنا الآن .

تاسعاً : دور الشباب في عملية التحول من " دولة الريع " إلى " دولة الأنتاج " .
ان التحديات التي تفرضها المنظومة الريعية على الشباب , يمكن ان تتحول الى فرصة لا تعوّض , ولا يمكن السماح بالتفريط بها , من أجل ممارسة دور فعّال في انجاز عملية التحوّل من دولة الريع القائمة حالياً , الى دولة الأنتاج المنشودة .
ويحدد ( عمر الرزّاز ) سبعة عناصر يمكن من خلالها التحول من دولة الريع الى دولة الأنتاج والعدالة , يمكن لنا من خلالها رصد دور محدد ومؤثر للشباب فيها . وهذه العناصر ( أو المباديء ) هي : ( عمر منيف الرزّاز . من الريع الى الأنتاج . الطريق الصعب نحو عقد عربي جديد / 2012 )
1- أنجاز , أو استكمال , عملية التحوّل من الأستبداد الى الممارسة الديموقراطية وفصل السلطات .
2- التحول من سلطة الريع إلى حاكمية الثروة الوطنية والمال العام .
3- التحول من الأقتصاد الريعي إلى الأقتصاد الأنتاجي .
4- التحول من التهميش الى التشغيل .
5- التحول من عنصر بشري " مُذعن " إلى عنصر بشري " خلاّق " .
6- التحول من " محاصصة الريع " إلى توزيع الدخل والعدالة الأجتماعية .
7- وفي حين يؤكد ( الرزاز ) على ان العنصر السابع في هذه العملية هو " التحول من التشرذم السياسي العربي , إلى التكتل السيادي العربي " , فأن صياغتنا الخاصة لهذا المبدأ ستكون : التحول من حالة التشرذم السياسي – الأثني , إلى التكتل السيادي – الوطني . ومن خلال هذه الصيغة يمكن للشباب ان يكونوا فاعلين أساسيين في الشأن السياسي الوطني , إضافة لكونهم فاعلين أساسيين في الشأن الأقتصادي .
وفي حين لم ينجح الشباب في العراق من الأستفادة من " حراك ثوري عربي " طغت على برنامجه أجندة التغيير السياسي المباشر , فأن بوسعه استكمال هذه الأجندة السياسية بأجندة أخرى تتضمن خيارات بديلة للسياسات الأقتصادية والأجتماعية . وبهذا الصدد فان الفشل في بلورة بدائل تنموية لهذه الخيارات من شأنه ان يعيد انتاج " النظم الغنائمية – الريعية " تحت مسميات جديدة , وأن يدفع المجتمع العراقي ( كبقية المجتمعات العربية الأخرى ) نحو دورة جديدة من التأزم والصراع . ( اديب نعمة . التحول من الدولة الغنائمية الى الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة . راصد الحقوق الأقتصادية والجتماعية في البلدان العربية annd / 2012 )

عاشراً : الشباب والبيئة والاستدامة
بالرغم من ارتفاع معدل دخل الفرد ، وارتفاع مستوى المعيشة بعد العام 2003 ، إلا ان هذا لم يحقق نوعية حياة افضل لجميع المواطنين ، كما انه لم يعمل على جعل فرص العيش المستدام افضل في المستقبل . وبفعل سلسلة من الحروب والحصار والصراعات الداخلية تعرضت الموارد الطبيعية في العراق الى اخطار كبيرة .
ان انعكاسات هذا الوضع لن تنحصر في فرض قيود على النمو ونوعية الحياة في المستقبل و انما تهدد فرص البقاء ذاتها . ويقوم النفط الخام (لوحده ِ تقريبا ً) بتوفير الامدادات اللازمة لتغطية حجم الطلب على الموارد (او ما يسمى بالبصمة البيئية) ، في حين ترتفع مستويات استهلاك المواد والسلع والخدمات الاساسية ، وينخفض خزين المياه العذبة (وحصة الفرد منها) ، وتتراجع رقعة الاراضي المزروعة فعلا ً (والصالحة للزراعة) وتتسع ظاهرة التحصر ، ويتنامى تلوث الهواء والماء الى معدلات غير مسبوقة. (تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية 2012) .
ويتم سد العجز الكبير في الموارد الطبيعية بشكل أساسي عن طريق الاستيراد وتمويل كلف هذا الاستيراد من خلال استنزاف الموارد النفطية المتوافرة حاليا ً ، والمحدودة مستقبلا ً .
واستراتيجية الاستنزاف هذه ليست في صالح الاجيال القادمة ، لانها غير قابلة للاستمرار . فالاستغلال المفرط سيؤدي في المدى الطويل الى استنفاد مخزون الموارد الطبيعية ، والى تدهور بيئي لا يمكن تصحيحه .
ويتعرض الامن الاقتصادي في العراق الى تهديدين اساسيين (بسبب الاعتماد المفرط على الاستيراد) احدهما هو ارتفاع اسعار السلع المستوردة بما فيها المواد الغذائية ، والآخر هو خطر توقف الامدادات ، او تعرضها لتقلبات شديدة.
ويعاني العراق ايضا ً من عبء الادارة غير الملائمة للموارد ، وما يترتب عليها من انعكاسات خطيرة على البيئة . وهكذا فقد تظافرت عوامل عدة مثل الحروب والافراط في استغلال الموارد ، واثر التغير المناخي والزيادة السكانية ، والنمو الاقتصادي والعمراني غير المنضبط ، لكي تضاعف جميعها التحديات البيئية التي يواجهها العراق ، والتي تحد في الوقت ذاته من قدرته على ادارتها . وفي مقدمة هذه التحديات ندرة المياه ، تراجع انتاجية الارض الزراعية ، تراكم النفايات والادارة غير السليمة لها ، تدهور البيئة البرية وتلوث الهواء والماء .
ان جميع الموارد الطبيعية المتوافرة حاليا ً ، هي موارد مستنفدة مستقبلا ً. وان البيئة الملوثة حاليا ً هي بيئة معادية مستقبلا ً. ومن هنا يرتبط موضوع البيئة والاستدامة بقضايا الشباب الرئيسة حاضرا ً ومستقبلا ً .
فالشباب معنيون بحقوقهم في الحقبة النفطية , ومكلفون في الوقت ذاته بضمان نوعية حياة جيدة لأقرانهم في عصر ما بعد النفط . وهذا يتطلب اعتمادهم ومشاركتهم في رسم سياسات للتنمية المستدامة تقوم على العلم والمعرفة وممارسة ادوارهم كمنتجين اساسيين ، وليس على تنفيذ الدولة النفطية لحزمة مطالبهم "النمطية" والقصيرة الأجل .
ومن واقع الخبرة العملية والملاحظة الشخصية فأن هناك قصور واضح في فهم شباب العراق للاستدامة ، ولصلتها بقضاياهم الاساسية . فالنزعة الى " المطلبية " بجوانبها المختلفة (وهي اكثر أوجه نشاط الشباب وضوحا ً) تشكل ضغطا ً كبيرا ً على الموارد الطبيعية الحالية ، واستنزافا ً كبيرا ً لموارد الاجيال القادمة (وهي أجيال شابّة ايضا ً) . ومعظم المفردات التي تتضمنها مطالب الشباب حاليا ً تتجه الى تعظيم الانفاق الاستهلاكي (التشغيلي) ، وتشكل هدرا ً غير مبرر للموارد المالية والمادية (ومنها على سبيل المثال لا الحصر مطالبة الحكومة بمنح طلبة الجامعات منحة نقدية ، والتمسك بمجانية التعليم والخدمات الاخرى ، والايمان بضرورة استمرار العمل بنظام البطاقة التموينية , واشكال الدعم الاخرى) . وبذلك فأن هذه المطالب تكرّس قيم الاتّـكال على الدولة كمعيلة وراعية اولا ًوكخالقة للوظائف لاحقا ً, ولا تعير ادنى اهتمام لربط الاجر بالانتاجية , وتركز على رفاهية الأجل القصير , ويوجد نوع غريب من الاجماع عليها من قبل شرائح كبيرة من الشباب ، على اختلاف مستوياتهم المعيشية والتعليمية والثقافية .

المبحث الرابع

الشباب و تحديات البنية السياسية والمؤسسية

اولاً : الشباب ومفاهيم المواطنة والمشاركة والأمّة.
يقول JOEL S. MIGDAL انه لكي نفهم سياسات الدولة , وما يبدو انه نجاح او اخفاق فيها ، يجب ان تنظر الى الناس الذين يتولون المسؤولية , والناس الذين تستهدفهم تلك السياسات , والناس الذين يتحركون بين هؤلاء و هؤلاء . ان علينا ونحن نعالج علاقة الشباب بالدولة والمشاركة السياسية والمواطنة ان نحاول فهم السياق الاجتماعي والمفهومي والقيمي الذي تتشكل فية تلك العلاقة . فكلما كانت القيم التي يتشكل على اساسها سلوك وخطاب الدولة , متجانسة مع تلك التي تتبناها الغالبية الاجتماعية كلما كانت الهوية الوطنية اقوى واكثر تماسكا . وعلى العكس ، كلما تراجع الاجماع حول طبيعة وتعريف تلك القيم وانعكس ذلك على سلوك الدولة , سواء عبر تغليبها لقيم وتصورات شريحة واحدة من الشرائح الاجتماعية , او عبر فشلها في التعبير عن مشتركات تلك الشرائح المنقسمة على اساس ثقافي , كلما كانت الدولة ضعيفة وهشة وهويتها الوطنية غير راسخة. وثمة اسباب كثيرة للاعتقاد بان العراق مازال ينتمي للصنف الثاني من الدول ، وان هذه الازمة ستشكل احد اكبر التحديات التي عليه ان يواجهها في السنوات المقبلة . ( د. حارث الكرعاوي . ورقة خلفية للتقرير الوطني للتنمية البشرية : الشباب ، تحديات وفرص / 2014 ) .

1- الشباب والمواطنة
ترجح نصوص دستور العام 2005 ؛ والخطاب السياسي الرسمي في العراق مفهوم " المواطنة الليبرالية " , أي احترام الحقوق المدنية والسياسية للافراد وحماية خياراتهم وحياتهم الخاصة وضمان حريات التعبير والأنتماء الى المنظمات والاحزاب السياسية والمشاركة في الانتخابات في مقابل احترام الافراد للقانون والألتزامات التي يفرضها هذا القانون تجاه الدولة .
ويعتقد البعض ان نهضة العراق واعادة بناء الدولة فيه تتطلب " مواطنة " ترسم للمواطن دورا اوسع واكثر ديناميكية . فهو صاحب رسالة , وصانع لحاضر ومستقبل مجتمعه . ولم تحسم الغلبة لاي من المفهومين حتى الان . وخلال السنوات الماضية ادى الانقسام وعدم الاستقرار السياسي والمجتمعي الى حصول استقطاب سياسي اجتماعي " فئوي " لتعظيم المكاسب المادية ومواقع التاثير في الدولة والمجتمع , مع سلبية واضحة تجاه " الكل " الاجتماعي ومصيره , وما يواجهه من تحديات وفرص .
وفي نواة هذا الاستقطاب نمت الشخصية الانتهازية النفعية التي استحوذت على الجهاز البيروقراطي للدولة , وعلى الاحزاب والمنظمات وانشطة الاعمال . ومع تشكل شخصية الاستقطاب العنفي هذه , ظهرت نماذج اخرى للشخصية تشترك في صفات الامتثال والتلقي والانقياد الذي يصل الى حد انعدام الذات الفردية , وانحسار روافد تكوينها , وهيمنة ثقافة الكراهية والعنف عليها .
ان استمرار النزعة العدائية المتبادلة , والميل الى التشظي بين النخب الادارية والسياسية والفكرية التي تمسك بزمام السلطة حاليا ؛ سيجعل هذه النخب منخرطة في اعادة انتاج الازمة وفي استدامة الانقسام وعدم الاستقرار . وسيحول دون تبلور نموذج لشخصية ايجابية من نوع مختلف , تسمح بظهور "طبقة قائدة " في المجتمع العراقي الكبير ، تاخذ مع عاتقها رسم مستقبل افضل للعراق .
وفي الوقت ذاته فأن المجتمع لايستطيع اظهار نخبة ذات قدرات اخلاقية وادارية وتنظيمية افضل مما هو سائد الان ، لان هذا المجتمع ذاته هو ضحية اساليب التفكير والثقافة السائدة التي تضافرت بمجموعها لانتاج ازمة الوضع القائم .
والى هذه الحلقة المفرغة يمكن ان يُنسب الالتباس الذي يعاني منه الشباب تجاه مفاهيم الوطن ، والمواطن والدولة ، ونزاع الولاء بين الهويات الفرعية (التقسيمية) والهوية الوطنية (الجامعة) .
2-الشباب والأمّة والدولة
لقد عانى العراق من مأزق الفصل بين الأمّة والدولة ، لان الايديولوجيات التي سادت , بعد الولادة الحديثة للعراق السياسي , كانت تقوم على هذا الفصل . وظلت مفردة " الامة " تدور حول محور القومية اللغوية والدين . لهذا كان الولاء المقدس هو للأمة ( حسب تعريف تلك الايديولوجيات لها ) , وان " الدولة الشرعية " هي الشكل السياسي الذي سوف تتخذه تلك الامة. وهكذا كانت اعاقة صيرورة العراق الى " أمّـة " تعادل في جوهرها نزع الشرعية عن "الدولة العراقية " التي كان "المواطنون" العراقيون في انتظارٍ دائم لتشكيلها. وقد اضعفت هذه المعادلة عملية التكوين السياسي الوطني للمجتمع العراقي بفئاته كافة .
ان الوجود الفعال للامة يتمثل في انتماء المواطنين الى كيانها , وليس لمجرد العضوية الرسمية فيها ؛ والشكل القانوني لها . وعند اشتداد الاستقطاب الطائفي - الاثني يتراجع الشعور بوحدة الانتماء الى ثقافة وتاريخ محددين (بالمعنى السيكولوجي ) , وتتعمق أزمة الفصل بين الدولة والامة , رغم ضخامة مشتركات التاريخ ، ووقائع الحاضر . ومع دوام السلم الاهلي يتم تخليق عناصر ثقافة وطنية جامعة , وقناعات عميقة بوحدة المصالح والمصير المشترك , تكون كافية لتبلور علاقة المواطن - الأمة . ( د. احمد ابريهي . ورقة خلفية للتقرير الوطني للتنمية البشرية / 2014 ) .
3-الشباب والمشاركة .
ان مفردة " المشاركة " , التي تناولتها ادبيات التنمية البشرية , قد تحركت على مدى واسع من المرونة في التعريف الاجرائي . فعندما تقترب من اشتراطات العضوية الطبقية في المجتمع المعاصر , فانها تنصرف عملياً الى التمكين من تلك العضوية, من خلال توفير التعليم والتدريب والخدمات الصحية، لضمان القدرة على العمل وكسب الدخل ومزاولة الدور السياسي , مضافا اليها احيانا سياسات للتشغيل ؛ وتسهيلات للتمتع بوقت الفراغ ، ومنظمات مجتمع مدني , لتعزيز اسهام الشباب في الشأن العام .
غير ان اجراءات وتدابير التمكين هذه نادرا ماتمنح الشباب ذلك النفوذ الكافي للتاثير فعلا في الشأن العام . اذ يبقى الشباب في نظر المجتمع (وربما في نظر انفسهم ايضا ) بحاجة الى تصويب الكبار لأفكارهم وسلوكهم . لأن الكبار ( بمعايير المؤسسات المرجعية التي ذكرناها سابقاً ) يتميزون بالخبرة المكتسبة من خلال الممارسة ؛ والتي ترفد " الشخصية " بعناصر النمو , وصولاً الى الاهلية الكاملة .
وافصحت نتائج الانتخابات المصرية الاخيرة عن هذا النمط من التفكير ، رغم ان الشباب المصري قد شارك بزخم وفاعلية في مختلف الانشطة التي قادت الى التغيير . وهذا يعني ان المشاركة بذاتها ليست هي العنصر الحاسم في تقرير مدى وطبيعة وفاعلية الدور القادم ، بل ازالة المحددات والعوائق والاثار الممتدة للاحكام المسبقة ، التي تمنع الشباب من الافصاح عن قدراتهم ؛ ومزاولتهم للانشطة والادوار التي تسمح بها تلك القدرات .
وحين افصح المجتمع العراقي عن اولوياته , بعد التغيير الذي حدث في العام 2003 , لم تتغير نظرة " المؤسسات المرجعية للكبار " تجاه الشباب . وفي خضم الصراعات الاثنية والمرجعية ، والانقسام السياسي والمجتمعي ( المغذي والمصاحب لها ) تمت احاطة الشباب باجواء من الفوضى تعج بشعارات السباق المطلبي , والمشاطرة , والمغالبة , مع كل ماينطوي عليه ذلك من اهدار للطاقات والموارد ، ومايرتبط بها من فرص حقيقية للاصلاح والتقدم . ولم تتمكن النخب الاجتماعية – السياسية في العراق من توظيف الاختلاف والتنوع لتحقيق وحدة المجتمع ، وتأسيس نظام الدولة الحديثة . وبذلك اهدرت هذه النخب فرصا لاتعوض لبناء النظام الافضل بتفرعاته المختلفة ( السياسية والاقتصادية والاجتماعية) , والذي يمكن له القيام بوظيفتي الاستقرار والتغيير ؛ والجمع بين الوحدة والانسجام الى جانب التنوع والاختلاف . وهذه البيئة هي جزء اساس في تشكيلات الحلقة المفرغة التي رعت وعززت الشخصية السلبية للشباب التي سبق لنا ذكر سماتها . ) د. احمد ابريهي . ورقة خلفية للتقرير الوطني للتنمية البشرية 2014 ) .
وبشكل عام يبدي الشباب في العراق عزوفا واضحاً عن العمل السياسي . واتضح من خلال جلسات الاستماع للشباب في المحافظات العراقية كافة ( بما في ذلك محافظات أقليم كوردستان ) , بأن هناك استهجانا صريحاً للتمييز في منح فرص العمل على أساس الأنتماء الحزبي , وأن الحصول على فرص مماثلة لا يشكل بالنسبة لهم حافزا كافيا للأنضمام الى الأحزاب المتنفذة في محافظاتهم . ويمكن ان ينسب العزوف عن العمل السياسي بالنسبة للشباب ( بدرجة اساسية ) الى التجارب المرّة للكبار بهذا الصدد , ومدى الأحباط وخيبة الأمل التي رافقت العمل السابق ( وأحياناً الحالي ) لهؤلاء ضمن الأحزاب السياسية المختلفة ( وبالذات الكبيرة والمعروفة منها ) . وقام الشباب بأستعارة ( وتبني ) خبرات الكبار بهذا الصدد , وبناء مواقفهم الشخصية من العمل السياسي ( الحزبي ) على أساسها , وليس على اساس مواقفهم وخبراتهم الشخصية- الذاتية ( المستقلّة ) منها .
وعندما يتركز الاهتمام بمشاركة الشباب على السياسة وحدها ( بما في ذلك فرصة اشغالهم لمواقع عليا في الادارة التنفيذية .. ) فأن هذا التركيز يختزل المشاركة في نطاق ضيق (على رغم اهميته) ؛ ويغفل القيمة التي تنطوي عليها ممارسة الحياة بمعناها الواسع ، وللمضامين العملية لتلك الممارسة ، والتي من نتاجها النضج واكتمال التأهيل . كما ان تأثير الشباب في السياسات والقرارات المتعلقة باوضاعهم وروابطهم المجتمعية يتوقف على كيفية انخراطهم في المؤسسات والفعاليات الاجتماعية . وفي مجتمع ديمقراطي يستطيع الشباب اختيار الاشكال التنظيمية التي يرونها مناسبة لاحتياجاتهم ، وايضا ً تلك التي تدعم جهودهم لخدمة اهدافهم . ويبدو ان تمكين الشباب بالقدرات هو بمثابة مقدمة ضرورية لنجاح السياسات . ولذلك فأن النظام الاقتصادي والاجتماعي الامثل هو الذي يرتقي بالقدرات المكتسبة اجمالا ، ويستوعب القدرات الفردية من خلال تنوع المهن والادوار .
4-الشباب والفكر السياسي الطائفي
ان الفكر السياسي الطائفي , هو فكر هويّاتي , ومغلق , يصدر عن وجهة نظر تقسّم المجتمع بطريقة أفقيّة , لا عمودية , بحيث تغدو الطوائف بمثابة بيئات متجانسة سياسياً وثقافياً ومصلحياً .
وفي وضعية كهذه يجري تنميط الأفراد , ومصادرة خصوصياتهم وخياراتهم الفردية , كما يجري وضع الطوائف في مواجهة بعضها , في أطار من العصبية والأنغلاق ازاء الآخر .
وخطورة الفكر السياسي الطائفي تكمن في اعاقته عملية الأندماج بين مكونات المجتمع المعني , وفي تفكيك علاقة الطوائف بمجتمعها , والنظر اليها كـ " اقليّات " . ( مؤسسة بيرتلسمان . مؤشر بيرتلسمان للتحول الديموقراطي 2008 . مركز الخليج للأبحاث 2009 )
ولأن الأنتماءات الدينية والمذهبية ( والأثنية ) لم تكن خياراً ذاتياً خالصا ً لأي انسان في بداياته الفكرية والسلوكية , ولكونها سابقة لمرحلة نضجه العقلي , والمعرفي , فان الفكر الطائفي ( والصراعات المرتبطة به ) ستكون زائفة , وظالمة , وعبثية , ومدَمـِرّة , وتنطوي على تلاعبات وتوظيفات , لا تخدم إلاّ أقلية معينة , هي الأقليّة التي تتحكم بالسلطة , او بالطائفة ذاتها . فالسلطة هي دائما ً سلطة أقليّة , بمعنى أقليّة من الأفراد , وليس الجماعات الأثنيّة والدينية .
لذا فأن " المشكلة الطائفية " في العراق , لا تكمن في وجود الطوائف الدينية المختلفة , او في الطرق المختلفة للتعبير عنها , بمقدار ما تكمن في الطائفية السياسية التي تحاول ان تمنح تلك الطوائف معنىً هوياتياً , مغلقاً ومطلقاً , وأن تسبغ عليها وظائف ومصالح سياسية محددة ازاء الطوائف الأخرى .
ان هذا الفكر يبسط سلطته وسطوته على شرائح كبيرة من الشباب في العراق ( ومن مختلف الطوائف ) . وأن خطورته البالغة تتجسد في تبنيه من قبل الكثير من الشباب على انه فكرهم الخاص , واستعدادهم التام لسلخ وعزل شباب الطائفة الأخرى من خلاله , بل وتحويلها الى عدوٍ وحيد ٍأحيانا ً.
من هنا يمارس الفكر السياسي الطائفي دوره الحاسم في تفكيك الشباب كــ " فئة اجتماعية " , وتكريس تفتيتهم الى هويات اثنية او عرقية او دينية , وبناء قاعدة مصالح جديدة لهم , لا تنتمي اليهم , ولا يمكن ان تمنحهم السلطة الحقيقية المعبرة عن تطلعاتهم , باستثناء تلك المكاسب المادية الآنية التي تسمح السلطة الطائفية بتمريرها لهم .
ان توحيد " الفئة الشبابية " ووحدتها , يتوقفان على فهم السياق الفكري الذي تتصرف وتعمل , وتحدد اولوياتها , وترسم توجهاتها في اطاره . ودون ذلك لن تتمكن هذه الفئة من تأسيس علائق ايجابية , مع الآخر ( او مع شرائح شبابية داخل الفئة ذاتها ) تقوم على التسامح والتفهم والقبول والأعتراف .

المصادر

1- اديب نعمة . اشكاليات البحث في مجال الشباب ومقترحات مستقبلية . ورقة مقدمة في لقاء بيروت لكتاب التقرير . بيروت / آيار / مايس / 2012 .
2- اديب نعمة . الشعب يريد اسقاط النظام ! ولكن أي نظام ؟ التحول من الدولة الغنائمية الى الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة . تقرير شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية annd / 2012. راصد الحقوق الأقتصادية والأجتماعية في البلدان العربية . بيروت . ايلول / سبتمبر 2012 .
3- مظهر محمد صالح . مدخل في الأقتصاد السياسي للعراق . الدولة الريعية , من المركزية الأقتصادية الى ديموقراطية السوق . بيت الحكمة . بغداد . 2010 .
4- عمر منيف الرزاز . من الريع الى الأنتاج . الطريق الصعب نحو عقد أجتماعي عربي جديد . المؤتمر السنوي الأول للعلوم الأجتماعية والأنسانية . الدوحة . قطر . 24-26 آذار / مارس 2012 .
5- احمد ابريهي علي . التحديات الأجتماعية والسياسية للتنمية وفرص الشباب . ورقة خلفية للتقرير . بغداد / 2012 .
6- حارث الكرعاوي . الشباب بين الهوية الوطنية والهويات الفرعية . ورقة خلفية للتقرير . 2012 .
7- كمال صالح . نحو تطوير مؤشرات للتنمية البشرية خاصة بالدول العربية . المؤتمر الأحصائي العربي الأول . عمّان . الأردن . 2007 .
8- مؤشر بيرتلسمان للتحول الديموقراطي 2008 . مؤسسة بيرتلسمان . مركز الخليج للأبحاث . دبي 2009 .
9- الأسكوا . تقرير عن الأهداف الأنمائية للألفية في البلدان العربية 2011 . الأهداف الانمائية في زمن التحول . نحو تنمية تضمينية شاملة . بيروت 2012 .
10- برنامج الأمم المتحدة الأنمائي , جامعة الدول العربية / ادارة التنمية والسياسات الأجتماعية . الملخص التنفيذي لتحديات التنمية في الدول العربية . نحو مقاربة بديلة . undp / المكتب الأقليمي للدول العربية / القاهرة 2008 .
11- برنامج الأمم المتحدة الأنمائي , جامعة الدول العربية / ادارة التنمية والسياسات الأجتماعية . تحديات التنمية في الدول العربية . نهج التنمية البشرية undp / المكتب الأقليمي للدول العربية . الجزء الأول / القاهرة 2009 .
12-
13- البرنامج الأنمائي للأمم المتحدة.تقارير التنمية البشرية الدولية للسنوات 1990-2011 .
14- وزارة التخطيط / الجهاز المركزي للأحصاء . اجمالي تكوين رأس المال الثابت في العراق لسنة 2009 . كانون الأول / ديسمبر 2010 .
15- وزارة الشباب والرياضة , الجهاز المركزي للأحصاء . وزارة الثقافة والشباب / اقليم كوردستان . التقرير التحليلي للمسح الوطني للفتوة والشباب : نحو استراتيجية وطنية لشباب العراق . بغداد / شباط / فبراير 2011 .
16- وزارة التخطيط . اللجنة الوطنية للسياسات السكانية . تحليل الوضع السكاني في العراق 2012 . بغداد / حزيران / يونيو 2012 .
17- الأمم المتحدة , الجهاز المركزي للأحصاء . مسح شبكة معرفة العراق IKN: نظام مراقبة الظروف الأجتماعية والأقتصادية في العراق 2011 . بغداد 2011 .
18- جريدة الوقائع العراقية . قوانين الموازنة العامة الأتحادية للسنوات 2007-2012 .
19- عماد عبد اللطيف سالم . الشباب والتنمية البشرية . الأطار النظري والمفاهيمي . ( في اطار الفصل الخاص بذلك في التقرير الوطني للتنمية البشرية حول الشباب في العراق 2014 ) .
20- العراق : التقرير الوطني للتنمية البشرية 2014 . شباب العراق تحديات وفرص . وزارة التخطيط . UNDP . 2014 .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتّى الليل .. حتّى الليل
- اذا تريد تطلع منها سالم .. ذِبهه براس عالِم
- لا شيء .. لا شيء .. لا شيء .
- هذه الكلمات لكم
- لماذا تفعلُ هذا بنا يا أبي ؟
- الشهر 40 يوم
- شيءٌ من الأسى .. في الركضِ وراء لُقمة الحُلم
- حُمى - الضَنْك - في البرازيل واستراليا .. و حُمّى - الضَنَك ...
- إحتفالٌ متأخّر .. بعيد الحُب
- في - موقعة - التواصل الأجتماعي
- راح نسوّي .. وراح نصير
- العشاقُ يكرهونَ حظرَ التجوّل
- حريم السلطان
- نملةُ حياتي المدهشة
- من قصص الموازنة العامة .. القصيرة جداً
- إشكالية المدخلات والمخرجات والرؤى في الموازنة العامة للدولة ...
- هموم عراقية - 3 -
- في زمانٍ آخر .. بتوقيت غرينتش
- الليل وقتٌ مُحايِد .. في الشتاء اللئيم
- من - ألغاز - الموازنة العامة للدولة - الأتّحاديّة - لعام 201 ...


المزيد.....




- المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط ترفع أسعار النفط
- ترمب يتفوق على بايدن في الاقتصاد والأخير يتقدم في الديمقراطي ...
- طريقة عمل فطائر السكر واللبن الاقتصادية في 10 دقائق في الطاس ...
- الرئيس الكيني: احتجاجات الضرائب هيمن عليها أشخاص خطرون
- طوكيو: الصاروخ الذي أطلقته كوريا الشمالية سقط خارج المنطقة ا ...
- إبسوس: ترامب يتفوق على بايدن في الاقتصاد والأخير يتقدم في ال ...
- مكاتب اقتصادية لـ-حماس- قريباً في العراق وتشكيل قاعدة سُنية ...
- تسلا تستدعي الآلاف من شاحنات سايبرتراك.. لهذا السبب
- بنك المغرب المركزي يخفض سعر الفائدة إلى 2.75 بالمئة
- بنك إسرائيل المركزي يستعد لاتساع رقعة الحرب على غزة


المزيد.....

- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عماد عبد اللطيف سالم - الشباب في العراق : إشكالية الدور في اطار عملية التنمية البشرية ( 2003 – 2014 )