|
الرأس العربي الأجوف
هيثم بن محمد شطورو
الحوار المتمدن-العدد: 4750 - 2015 / 3 / 16 - 14:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عالم عربي مقـلوب على رأسه. يغالبه الوضع الطبـيعي الذي يفـرض المشي على القدمين لكن العربي يميل دوما إلى دفن رأسه في التراب. انه الكائن الجزع. انه الخائف المرتعب من كل شيء. يبدو انه عاجز عن تـقبل فكرة الوحي و التـنـزيل الرباني. كيف للرب ان يخاطب الإنسان؟ أين هو الله و ما هو؟ أسئلة تـذهب بالعقـل الفـقير إلى المتاهة. العـقـل الذي لم يدرب نـفـسه على التـفـكير. العـربي في عمقه غير قادر على تـقبل فكرة ان يكلم الله البشر و لكنه تعود ان يـفكر بعكس هذه الفكرة بواسطة الترهيب و التخويف و لان الإنسان اجتماعي بطبعه و لان المجتمع يفرض نـفـسه عـلينا و يجعلنا نـقيم أنفـسنا و تـفكيـرنا حسب المعايـير التي يقرها، فان الأسلم هو الخضوع لتلك القيم و الأفكار الجماعية. هذا أمر عادي، و لكن من غير المحتمل ان يسحق المجتمع الفرد إلى هذه الدرجة. المجـتمع الذي يتحرك ببطىء شديد على مستوى حركية الأفكار من المفترض ان يخلق نوعا من الاستـقـلالية الفردانية التي تـؤسس لتـفـاعلية تـقـدمية تاريخيا. لكن العربي جبان أمام الجماعة و انه ليحرص على ان يتـنـسخ اجتماعيا على ان يوجـد نـفسه أي ان يعيش وفق الرغبة التي يشرعـنها عـقـل. الفرد العربي رغبات مقموعة و ان أنجزت فهي مقموعة في الذهن لذلك لا تحقق انجازها أبدا. ذاك ان الإنسان تصور و إرادة و ان غاب التصور غابت الإرادة. و ان غابت الإرادة فالذات تغيب و الذاتية هي الحركة الكلية للفرد التي تـنبع من حميميته و بالتالي حماسته و تـفـرده و بالتالي إبداعه و تـفجيرا لطاقاته الكامنة فيه، و بالتالي انسجام و قـوة و فعل خلاق.. ففي تونس ذات النـسبة المرتـفعة في استهلاك الكحـول رأي أغـلبي باستـنكار ما قاله المفكر "محمد الطالبي" حول عـدم تحريم القرآن للخمر. فكيف يحرم شيئا ذكر انه من نعم الله على الإنسان؟.. لكن الإشكال ليس في القرآن بما قاله و لكن بما قاله الفقهاء و الشيـوخ الكنسيـين الذين شرعـوا لما يقـتـل الزهو و الفرح و الانطلاق الفردي ليتم تدجين المجتمعات لفائدة الاستبداد السياسي. فلولا الخمر الذي أسس للاستهزاء و السخرية من الدكتاتور في مجالسه لما كان للثورة أن تكون. مجالس الخمر كانت أعظم اجتماعات لمعارضة سياسية دون عنوان سياسي. أما البغاء فلم يتم تحريمه قرآنيا و إنما عبر تأويل فـقهوي متهافت. ففي عصر الجواري عن أي زنا تـتحـدث و عن أي بغاء؟ كان للرجل الحق في الخـليلة و الجارية التي كانت تـتمتع بدورها بحرية جنسية. ففي الشريعة التي يقـدسها العربي هناك متون قانونية حول نسبة أبناء الجواري و التي تكون للأب الذي يقول انه أب الطفل. و طبعا هذا هو الحل الأسلم في عصر لم توجد فيه حبوب منع الحمل و لا الواقي الذكوري. و كان الكائن الوحيد التعـيس جنـسيا و روحيا هو المرأة الحرة. الحرة التي لم تكن حرة بما أنها ليست إلا خادمة للزوج و أبنائه و التي يتم تجهيلها و فرض الحجاب عـليها. انها لا تـتمتع في المقابل إلا بالشرف الاجتماعي. أما الجارية فانه يستحسن ان تكون متأدبة و حافظة للشعر و بارعة في الرقص و العزف الغناء، و كلما كانت ماهرة في ذلك كلما ارتـفع سعـرها. و من جهة أخرى فإنها كانت تـتـمتع بحـريـة جنـسية بحـيث لم توجد عـقـوبة تـفـرض عـليها ان مارست الجنس مع غير مالكها. و هنا فان نسبة من عرب اليوم يتحـدرون من الجواري برغم اكتسابهم للنسب العائلي.. و انه حديث ذو شجون و فيه كتب عـدة مثل كتاب "الجنسانية في الاسلام" للدكتور التونسي "عبد الوهاب بوحـديـبة"، و لكن يـبـق الإشكال الجوهري الذي طرحه الدكتور "محمد الطالبي" هو كسر الحاجز النـفـسي الهائل بين المسلم و القرآن. المسلم الذي لا يقرأ لخطاب رباني دشن نفسه بكلمة "اقرأ".. هناك خوف و ارتهاب و جزع تجاه القرآن. هناك عملية تحيـيد للقرآن تاريخية. هناك طامة كبرى. هناك حجب لنور الله باسم الإسلام. إسلام يحيد العربي عن قراءة القرآن الذي جاء بلسان عـربي مبين. و يقف الشيخ عند كلمة مبـين لتصبح مهين للعـقـل. و هكذا رأس عـربي أجوف بلا روح. تـناقـض بين محرمه و انتهاكه للمحرم. شارب الخمر يريده حراما ليس لكونه يـريد و إنما لكونه تعـود ان يكون الأمر كذلك. العاهرة كذلك و يغـدو الفرد غارقا في دائرته عوض ان يفكر في الأمر بأبعاده المختـلـفة. فالعاهرة نتاج البـؤس الاقـتـصادي و السكير نتاج الرغبة في الحرية. إذن تـتـلخص المسألة في بعـده العام المتمثل في الحرية و العـدالة الاجتماعية. دعنا من الحرام و الحلال و تلك الدائرة التي تـقـصد القرآن عـدم حصر الفرد الإنساني فيها كي لا تـتم عملية تعـطيله. لكن فـقهاء الشريعة خلقـوا الـدائرة التي تخـلق من الكائن المذنب تجاه نـفـسه ليتم حجب الواقع السياسي و الاجتماعي و الاقـتصادي المذنب تجاه الإنسان.
#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسلم الكافر
-
معترك اسلامات
-
النفس الواحدة القرآنية و الإسلام
-
تهافت الإسلام التقليدي
-
الفلسفة هي إكسير الحياة
-
دائرة الإسلامي الجحيمية
-
انك في عصر الإنسان العالمي
-
ماذا يخفي العنوان الداعشي؟
المزيد.....
-
السويد ترحل رجل دين ايراني دون تقديم توضيحات
-
10 أشخاص من الطائفة العلوية ضحايا مجزرة ارهابية وسط سوريا
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر تتسلم الاسير الاسرائيلي كيث سيغا
...
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الثاني
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الاسرائي
...
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|