خالد حسن يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4749 - 2015 / 3 / 15 - 13:29
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
شهدت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة حالة شد وجذب ما بين مواطنيين سوريين وصوماليين, صاحبها السجال المتبادل والذي شمل الشتائم المتبادلة وذلك على خلفية كما قيل أن الدكتور فيصل القاسم, كان قد نشر على صفحته في الفيسبوك منشور تضمن سخرية ورد ذكرها في إحدى القنوات الفضائية, وكان مضمونه السخرية حسب الروايات, وأن الصومال تعمل بنظام التأشيرة مع المواطنيين السوريين, وقد أدى الأمر إلى إسثياء الكثير من الصوماليين ذوي الثقافة العربية تحديدا, حيث رأوا في ذلك نوع من التحقير لبلدهم, وشمل غضبهم كل من الدكتور فيصل القاسم وسوريين, لاسيما بعد دخول الكثير من أبناء سوريا على خط الموضوع, وأنتهى الأمر بصور خطابات متعددة منها ما جاء في سياق النقاش المشترك, والبعض منها أسفر إلى حالات ثلاسن غير محمود وتضمن الشتائم والتحقير المتبادل والمصحوب بالشماتة المتبادلة وفي حق أبناء شعبين مغلوبين على أمرهما وتسود بينهما على الصعيد العام علاقات جيدة.
ومن خلال المرور على وجهة نظر الطرف الصومالي في التواصل الاجتماعي, والذي يرى أن بلده كمثال لأي دولة تُلزم رعايا الدول الأخرى بضرورة الحصول على تأشيرة الدخول لمواطني الدول وانطلاقا من التعامل بالمثل مع إجراءات الدول الأخرى, ناهيك عن أن الضرورة الأمنية تفرض على الصومال في أن يُلزم رعايا الدول والقادمين إليه, في ضرورة الحصول على تأشيرة الدخول إلى أراضيه.وعلى صعيد المقارنة ما بين القوانين المتبعة في كل من الصومال وسورية وذات الصلة بدخول أراضيهما, فإن سورية كانت تمنح فيما مضى ولطيلة زمن طويل المواطنيين الصوماليين تأشيرة الدخول إلى أراضيها وذلك عند وصولهم إلى مداخل سورية الجوية,البرية والبحرية, ودون العودة إلى البعثات الدبلوماسية السورية في الخارج.
وقد أتبعت سورية كدولة هذا السياق من التعامل مع مواطني دول الجامعة العربية وذلك انطلاقا من بُعد قومي, إلى أن الترحيب السوري بمواطني الدول العربية وغيرها يعود بدرجة كبيرة إلى طبيعة الشعب السوري والذي يمثلك خصائص الاستضافة والترحيب بكل من يحل على أرضه, وفي ظل ترحيب وحفاوة ملحوظة من قبل المواطن السوري تجاه القادمين إليه.
في حين أن المواطن السوري كان ولا زال لزاما عليه حين الدخول إلى الأراضي الصومالية أن يصطحب تأشيرة الدخول من إحدى البعثات الدبلوماسية في خارج الصومال, وفي المحصلة فإن كلاى الموقفين من المسألة أكان السوري أو الصومالي, لا يشكل بإشكالية تعيق حركة المواطنيين في اتجاه البلدين, مع الإشارة إلى أن حصول المواطن السوري على تأشيرة الدخول إلى الصومال هو مجرد إجراء رسمي ولا يصحبه أي تعقيدات, ولاسيما في ظل وجود كم كبير من مشاعر المحبة والتقدير من قبل المواطنيين الصوماليين بكل ما له صلة بسورية كبلد يرونه أنه كان من أفضل البلدان التي أستقبلت الصوماليين منذ إندلاع حرب شمال الصومال في عام 1988, حيث هاجرت العديد من الأسر الصومالية إلى سورية وهو ما أنتهى فيما بعد إلى تواجد جالية صومالية بصورة مستمرة وصولا إلى الحاضر والذي تقلصت فيه أعداد الصوماليين الباقين في سورية إلى عدة مئات من الأفراد وذلك نظرا للوضع المأساوي القائم.
والمواطن الصومالي في المهجر نظرا لطول أمد الصراع الصومالي عانى ولا زال يعاني كم كبير من المعضلات خارج أرضه في الشتات الذي أنتهى إليه وأبرز مشاهد المعاناة التي يمر بها عادتا تتم في الدول العربية والإفريقية والتي تتسم جميعا بعدم مراعاة حقوق الانسان بدرجات متفاوتة, ناهيك عن وجود شعور صومالي واضح ويرى أن العرب لم يتعاطفوا معهم كما يجب ومع دعم دولتهم خلال فترة الصراع الصومالي والذي لم يجد الاهتمام المطلوب من قبل دول جامعة الدول العربية, وفي ظل هذه النظرة الصومالية للموقف العربي, وجد الصوماليين ذاتهم كمادة دسمة يستحضرها الإعلام العربي عند الحديث عن الصراعات والتمزق ذو الصلة بالدول, وليس هذا فحسب بل تتكرر مشاهد كثيرة يتم ممارستها من قبل كتاب وإعلاميين في القنوات الفضائية العربية والتي أتخذت من الصومال كمادة مفضلة لتهكم المستمر.والملحوظ أن العديد من أطر الإعلام العربي أصبحت تمارس التهكم في حق الشعوب العربية وبعض قواها السياسية.
وكان من أبرز تجليات ذلك الفتنة التي أشتعلت ما بين الشعبين المصري والجزائري على خلفية التعصب لفريقي كرة القدم المصري والجزائري منذ عدة أعوام مضت, وكاد الأمر أن يعرض العلاقات الرسمية ما بين البلدين للخطورة, وقد أكدت تلك الواقعة على هشاشة الواقع العربي على الصعيدين الرسمي والشعبي واللذان دفعهما التعصب الوطني إلى نسيان الروابط الجامعة, كما أنه بالنظر إلى ردود الفعل الشعبية وذات الصلة بالقضايا القطرية العربية والتي يتم تناولها في الإعلام العربي, تؤكد مدى إتساع الفجوة بشكل مستمر ما بين المواطنيين العرب, وكإشارة إلى تراجع القيم الانسانية والقومية والأخلاقية.
وفي المخيلة التقليدية الصومالية يتجسد أن العرب هم من أقرب الشعوب إلى الصوماليين والذين يشاركونهم العديد من الروابط الاجتماعية,الاقتصادية والسياسية, والشخصية الصومالية تمتاز بالإعتزاز بذاتها ولا تقبل في أن ينال منها أياً كان وحتى من باب اللمز أو الهمز والسخرية, وقد ورد الصومال كبلد في المجال الإعلامي العربي كمادة لسخرية وضرب الأمثلة بنموذج الدولة الفاشلة والذي تمثله الصومال وهو ما قد أثر في النفسية والذهنية الصومالية خلال العقود الأخيرة ولاسيما وأنه قد صاحب إتخاذ الصومال كمضرب مثال لتمزق الدولة والمجتمع ويصاحب الأمر حالات كثيرة تمارس السخرية تجاه الصوماليين وبلدهم ووردت في أعمال المثقفين العرب على الإعلام العربي والذي يفتقد الكثير من مجالته إلى الممارسة المهنية والخطاب الثقافي الانساني والموضوعي.
وهناك واقعة مارسها مسؤول أممي عربي كان مفوض لمكتب الأمم المتحدة للاجئين في دمشق عام 1992, حيث كانت السلطات السورية حينها قد قامت بالقيام بسجن أعداد كبيرة من الصوماليين المقيميين في مدينة دمشق, وكان الدافع وراء ذلك إتفاق تم ما بين المسؤول المشار له والسلطات السورية, وقضى بتجميع صوماليي دمشق في مخيم للاجئين واقع بمدينة الحسكة المتاخمة للحدود العراقية, وبغية حصول السلطات السورية على الدعم الاقتصادي من الأمم المتحدة وذلك من خلال فتح ملف لاجئين صوماليين في سورية.
وحين قامت السلطات السورية بذلك الإجراء, قام الصوماليين بتواصل مع إذاعة بي بي سي والتي كانت قد تابعت القضية وهو ما أدى إلى إحراج الجانب السوري رسميا, إذ أجرت الإذاعة لقاء مع وزير الخارجية السوري حينها الدكتور فاروق الشرع, والذي تم سؤاله عن الأمر وعلى هامش مشاركته في مؤتمر وزراء دول الجامعة العربية في القاهرة, حيث أكد عدم بلوغه أمر حجز أعداد من المقيميين الصوماليين في دمشق, وفي اتجاه آخر أجرت إذاعة بي بي سي لقاء مع المسؤول العربي عن مكتب الأمم المتحدة للاجئين في دمشق, وقد برر المذكور أن الموقف السوري فرضه الحفاظ على الأمن الاجتماعي وبمعنى أن هناك أعداد من المتسولين الصوماليين على طرقات مدينة دمشق! وهو ما أستلزم التعاون المشترك ما بين المنظمة الأممية والسلطات السورية!!
أسفر الأمر أن قامت مجموعة من المواطنيين الصوماليين بزيارة المسؤول الأممي في مكتبه بدمشق بغية الحديث معه بصدد الإساءة التي قام بها في حق الصوماليين ووصفهم بالمتسولين على طرقات دمشق, وحدث أن أنفعلت سيدة صومالية أثناء دخولها إلى مكتب المذكور وقامت بطرحه أرضاً وهو ما أسفر إلى تدخل عناصر الأمن السوري والذين تواجدوا في المبنى الأممي.تلك الواقعة تمثل بدلالة واضحة لرفض الشخصية الصومالية والانسانية عموما في النيل من كرامتها والإفتراء عليها كذباً, وفي ظل لعب المهاجرين الصوماليين في دول المهجر من أوروبا,أمريكا الشمالية ودول الخليج العربي دورا في مساعدة أقاربهم في سورية ومن خلال تحويلاتهم الشهرية والتي أنعشت سوق الصرافة المالية في سورية بالعملات الأجنبية, ومن ثم أصبح المقيميين الصوماليين بكتلة اجتماعية مساهمة في الاقتصاد السوري, عبر تصديرهم للمنتجات السورية إلى العديد من دول العالم ومنها الصومال ذاتها.
تؤكد التجارب التاريخية أن الأنظمة السياسية وبعض النخب تلعب في مواقف عديدة دور النيل من علاقات شعوبها وتفجير واقع الخصومة فيما بينها, وهو ما يستدعي من الشعوب أن تفوت الفرصة عليها, وفي سبيل الحفاظ على الروابط التي تجمعها.ومع حدوث ذلك الموقف السوري الرسمي المذكور, غادر الكثير من الصوماليين لسورية في عام 1992 متجهين نحو روسيا, وراحت إدارة الهجرة والجوازات تسلم جوازات سفرهم إلى إحدى الشركات الخاصة لنقل البري, والتي أمتلكها أحد القريبين من نائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدام, كصفقة إحتكارية كان الدافع من ورائها الحصول على عائدات مالية من خلال مردود تذاكر السفر, وهو ما قد تم.
ورغم ذلك إلى أن الموقف الرسمي السوري من المقيميين الصوماليين في سورية كان إيجابياً لدرجة كبيرة وهو ما أسفر عن حصول الصوماليين على الرعاية السورية الرسمية والتعاطف الشعبي. كما أن سورية كدولة كانت في طليعة الدول التي أعترفت باستقلال الصومال في عام 1960, بالإضافة إلى دعمها التاريخي لجبهة تحرير الصومال الغربي W.S.L.F والتي مُنحت مكتب في دمشق ودعمت بالأسلحة, كما تم دعم نضال الجبهة الوطنية لتحرير الأوجادين O.N.L.F, ناهيك عن منح سورية لصومال الكثير من المنح الدراسية العسكرية والمدنية, وبدورها دعمت الصومال الموقف السوري في اطار الصراع العربي-الإسرائيلي وشاركت في حرب 1973 من خلال المساهمة في إغلاق خليج عدن أمام السفن الإسرائيلية وساهمت في متطلبات إمداد الشعب السوري حيث صُدر محصول الموز الصومالي,ومنتاجات مصنعي لحوم كسمايو واسماك لاس قري إلى سورية دعماً لشعب السوري أنذاك, بالإضافة لدعم الصومال للموقف السوري في المحافل الدولية والإقليمية لاستعادة الجولان المحتل.
وفي الراهن وبفعل تداعيات المواجهة ما بين نظام بشار الأسد وثورة الشعب السوري الصامد, قدم الكثير من المواطنيين السوريين إلى الصومال ولاسيما في الشمال الغربي وتم الترحيب بهم من قبل المجتمع الصومالي بكل حفاوة وتقدير, وهو ما يؤكد عمق الروابط بين الشعبين وتفاعلهما معاً في ظل الظروف المختلفة والتي مرت على سورية والصومال.
وهو ما يتطلب المزيد من التقارب ما بين أبناء الشعبين لحفظ عمق العلاقات ما بينهما وأن لا تتعرض لتأثير خطاب إعلامي غير مسؤول أو لتعصب بعض أبناء الشعبين من ذوي الأفق القصير, والإيمان بتقوية عراء التقارب والتعاون ما بين الشعبين واللذان أنتهى بهما واقعهما إلى أحداث مأساوية, اتمنى أن يتجاوزا محطاتها بكل سلام وترميم ديارهم في القادم.
#خالد_حسن_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟