|
معترك اسلامات
هيثم بن محمد شطورو
الحوار المتمدن-العدد: 4743 - 2015 / 3 / 9 - 15:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
شارفت الحلـقة الأخيرة من برنامج "لمن يجرؤ فـقـط" ان تماثـل عنوانها. موضوع الحلقة هو ما صدر مؤخرا عن الجمعية القرآنية بخصوص تـفـنيد الحجج التي حرمت الخمر في الشريعة الإسلامية. استضاف معد البرنامج الصحفي اللامع و الذكي سمير الوافي الدكتور المفكر و رئيس الجمعية القرآنية السيد "محمد الطالبي" و المفكر الذي يرتـقي إلى درجة الفيلسوف السيد "يوسف صديق"، يقابلهما العالم في الشريعة السيد "فريد الباجي". الاستضافة التي كانت مهينة هي لرئيس حزب التحرير الاسلاموي "رضا بالحاج " الذي نال نصيـبا وافرا من الاهانة لكونه خارج سياق مرتبة المفكرين و إنما المستعملين للدين في سوق السياسة. الاسلاموي الذي تكلم بعجرفته المعتادة و صلفه و ثبوتية التـفكير المغلق. يتحـدث عن منهج الأمة و لكن أي منهج و أي امة و أي شريعة و ما هي الشريعة. قال الدكتور "محمد الطالبي" ان الشريعة خلـقها الامام الشافعي و لم يخلقها القرآن و كل ما ورد في القرآن من شرعة و شرع الله لا علاقة لها بالشريعة و إنما ذات سياقات منفتحة على عـدة معاني. و تم إخراج السيد الاسلاموي من الحلقة ليتحفنا البرنامج بحضور الكاتب الروائي المشتعل دوما السيد " حسن بن عثمان" ليلهب النقاش حول أبعاده السياسية. و لعله على حق حين أعلن ان ما قاله الطالبي حول إباحة شرب الخمر يعـطي قـشة نجاة لحركة النهضة الإسلامية التي أفلست فكريا و هي الآن عاجزة عن تـقـديم أي فكر. فالشريعة التي كانت ترفعها كشعار اضطرت إلى التـنازل عنها في المجلس التأسيسي و تم إقرار الفصل الأول من الدستور البورقيبي الذي استبعـد بذكاء مسالة الشريعة الإسلامية في الفصل الأول من الدستور. أشار الروائي إلى ان النهضة صرحت ان تونس حرة يتجاور فيها المسجد مع الحانة و هي التي بإمكانها ان تستـند إلى مثل هذه الإباحة في قراءة لنص القرآن. أما الصراع الأساسي في النقاش و الذي لم ينـتبه إليه الكثيرون فهو ما بين الشريعاتوي المالكي بالأساس "فريد الباجي" و الفيلسوف "يوسف الصديق" برغم انه لم يتحدث كثيرا. فيوسف الصديق متجاوز للطالبي من حيث انه في قراءته للقرآن يعتمد العلوم الحديثة و أبرزها الانثروبولوجية. فهذه القراءة تخرج القران من اطلاقيته و تخـضعه للنسبي المرتبط بالتاريخ الحي. فالغـريب كل الغرابة ان يكون أي خطاب طائر على الزمان و المكان في حين ان القرآن مشبع بزمانيته. تلك الزمانية البدوية في عصر العبودية و الإنسان الآلة. في عصر التوحش و العنف. كيف يمكننا ان نفسر الثغرات التي يتم تجاوزها عنوة. من بين ذلك عملية جمع القرآن. قرآن حفصة الذي تم حرقه ما ان ماتت. الم توجد عملية انتـقائية أي استبعاد بعض القرآن و استحضار ما ليس بقرآن؟ و عملية تكوين السور التي تبدو عشوائية نظرا لعدم التساوق في السورة نفـسها و القـفـز الذي نجده في تركيب المعنى و حتى في التركيب اللغوي مما يحيل إلى الاعتـقاد باعتباطية الجمع بين الآيات في السور. من جهة أخرى فان التـنـقيط و التـشكيل ظهر بعد كتابة القران بعشرات السنين فما أدرانا بكون الخاء ليست حاءا أو بكون الضمة ليست بفتحة. فهذه إشكالات تـتطلب البحث و إعادة النظر في القرآن ذاته حسب يوسف الصديق و هو متجاوز بكثير لمحمد الطالبي الذي لا ينظر إلى هذه الإشكالات. أما السيد فريد الباجي فهو يتكلم كغيره مما يسمون بعلماء الإسلام بغـضب. فهو لا يخـرج عن منظومة الدوغمائيات. انه يبارك معاوية ابن ابي سفيان و يرفض ذكر السوء في نـسله. اي هو امتداد منطقي لتاريخ الفقه الإسلامي السني الذي يبارك بين المتناقضات. فمعاوية العدو الشرس لعلي ابن أبي طالب يتم المزج بينهما في عملية تـقـديسوية مريبة و مخجلة من جميع مناحيها. فعلي صحابي حـقيقي للرسول و ابن عمه و مشارك بفعالية كبرى في حروب الإسلام الأول و مهاجر و زوج ابنة الرسول، و لكنه غير مقـدس لأنه إنسان. هذا الصحابي الجليل دخل في صراع من اجل السلطة مع معاوية ابن ابي سفيان الذي كان رأس الحربة في محاربة الرسول محمد. و الغريب ان ينزع عـرب ذاك الزمان رداء الـقـداسة ان كان قـد وجد فعلا بـينهم فيناصرون معاوية في حربه ضد علي. و لم تصدر أي فتوى في تكـفيـرهم على مدى تاريخ الفـقه السني. و في عمق الصراع الفكري فانه صراع بين مشاريع. مشروع يبحث عن الثبوتية و الطمأنينة النفسية و المشبع بالكتب الفـقهوية، و مشروع يعتمد الشك كطريق إلى اليقين. الشك الذي تبرره القراءة الموضوعية للتاريخ و الوقوف أمام المتناقضات. أما قضية الخمر فإنها ظهرت في التاريخ الإسلامي من حيث إباحتها أي قليلها في المذهب الحنفي أو إباحتها جملة و تـفـصيلا عند البعض، و تحريمها بشدة و الاستعانة بالأحاديث الموضوعة التي تحرم حتى بـيعها و مجالسة شاربها. و سواء هنا أو هناك فالمجتمع و السلطة هما أساس التحريم من الإباحة. و كان بعـضهم يصلي و هو سكران حتى أتت الآية التي تـنص على عـدم الاقـتـراب من الصلاة و انتم سكارى. مطلب رقيق خال من أي تهـديد أو وعـد و وعيد. ثم إلى غاية الطلب بتجـنبها فهي غير مرفقة بالتهـديد و الوعيد و ان كان من رغبة في الحسم لظهرت بوضوح دون الحاجة إلى الفـقهاء الميامين ليربطوا هذا بذاك ليحرموا ما يسمى بأم الخبائث.. و انه لمن المثير للدهشة ان يطلب من خطاب ديني هو بالأساس أخلاقي ان لا يتعـرض إلى مسالة السكر و الخمر. و ربما كان الحل الانجيلي هو الأسلم الذي أباح قـليله و حرم كثيره و لكن الخطاب القرآني موجه إلى بدو الصحراء الذين لا يشبعهم القليل بل لا يمكنهم ان يفكروا إلى بمنطق الموجود و غير موجود أما منطق النسبية و الدرجة فهو تـفكير المدن المستـقـرة التي تعرف الادخار و المطمئنة نسبيا في حياتها و مأكلها و مشربها. المدن التي تمطر فيها السماء حينا و تـشرق الشمس حينا و فيها البيوت و الشوارع و التجاور و الأمن و الأعمال تعرف منطق النسبية في الأشياء و الاحتفاظ و عدم النهم لاطمئنانها النسبي في وجودها.. و هكذا تـنـتهي الحلقة بالتوصية البليغة الصادرة من المفكر يوسف الصديق. أربعة عشر قرنا يجب إعادة التـفكير فيها بواسطة العلوم الإنسانية الحـديثة. التـفكير فيها بمنطق التاريخية و الانثروبولوجية و اللسانية. و إنها الدعوة الوحيدة التي من شانها ان تحفظ الإسلام من الاندثار. فالنزعات العـقـلية تم وئـدها في التاريخ لان الواقع كان يفـتـقـد إلى الإمكانات لانـتـشار العقلانية. أما اليوم فواقع ما بعد القنبلة الذرية و تكنولوجيا الاتصال و التكنولوجية برمتها يصفع دون رحمة الإسلام التـقـليدي بجميع أشكاله. الإسلام البالي المتهافت التائه الذي يلتجأ عـبثا إلى العنف و لكن عـنـفه محاصر اليوم و لا يمكنه أبدا إلا ان يقـتـل نـفـسه بنفسه.. فإما ان يموت الإسلام برمته و اما ان يولد إسلام جديد و بالتالي حضارة جـديدة...
#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النفس الواحدة القرآنية و الإسلام
-
تهافت الإسلام التقليدي
-
الفلسفة هي إكسير الحياة
-
دائرة الإسلامي الجحيمية
-
انك في عصر الإنسان العالمي
-
ماذا يخفي العنوان الداعشي؟
المزيد.....
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
-
الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس وسط العنف الطائفي في جنوب ا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|