رغد علي
الحوار المتمدن-العدد: 1322 - 2005 / 9 / 19 - 10:14
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لست مختصة بالقانون , ولست ضليعة بدساتير العالم , لكن لي الحق كمواطنة عراقية أن أناقش بعض المواد التي وردت بمسودة الدستور التي رفعت مؤخرا للجمعية الوطنية وسأجعل حواري مع نفسي بصوت عالي لعل الآخرين يشاركونني , واتمني حقا أن أكون قليلة الإدراك وسيئة الفهم , فقد وجدت بعض الأمور الهامة التي أضع حولها تساؤلات كثيرة .
سمعت عن انتقادات الكثيرين للديباجة , شخصيا أوضح للقاري إنني أقف علي الحياد تماما ولا أحاول أن انتقص من الجهود المبذولة لأي غاية فلا انتمي أنا لأي حزب أو جهة فقط أحاول استعمال ما وهبني إياه الله من عقل وبعض المعرفة لا أكثر..
الديباجة كانت تمتاز بلغة أدبية راقية فعلا ومعبرة , لكنى أرى مكانها كتب التاريخ , والدستور هو ليس المكان الذي أوضح فيه معاناة العراقيين بفترة زمنية معينة , علما أن معاناة العراقيين تجاوزت النظام السابق بكثير , لذا أري أن الأستاذ يونادم كنا ممثل الحركة الأشورية بالعراق كان محقا حين انتقد الديباجة, لأنها لم تذكر مذبحة الأشوريين عام 1933 , وإذا أردنا فتح هذا الباب وذكر معاناة كل فئات الشعب العراقي سنكتب كتابا في التاريخ لا دستورا , ثم أن هذا الدستور لا يمثل مرحلة تاريخية معينة قدر ما يمثل بوابة العراقيين للمستقبل المشرق نحو الأمل والسلام لكن اللغة الحزينة الممتلئة بالماسي والفواجع جعلتني من البداية منكمشة الأفكار نحو ما سأقرؤه بالداخل ..
إضافة إلي أن الديباجة بالبداية اقتصرت علي عبارة نحن أبناء ولم تضيف و بنات لم هذا التجاوز علي العنصر النسوي ؟؟!
المادة 2 : أولا : الإسلام دين الدولة الرسمي
الدولة شخصية وهمية ليست إنسانا ليكون له دينا, الخطأ اللغوي هنا واضح, المفروض أن تكون العبارة الدين الرسمي في الدولة هو الإسلام
أجد صعوبة بتجاوز خطأ لغويا في دستور دولة سيقرؤه العالم كله
نفس المادة فرع أ و ب التي تنص لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت الديمقراطية
جعلتني هاتان الفقرتان أفكر كثيرا , فما هو مصير قانون العقوبات العراقي الذي لا يمت بصلة إلي تشريعات الإسلام ؟ , و ما هو مصير القوانين الاخري؟ و كيف ستكون المفاضلة بين التشريعات الإسلامية ومبادئ الديمقراطية ؟؟!! ما هو مقياس هذه المفاضلة ؟ وعلي أي اساس ستكون ؟ هل مزاج المشرع , واتجاهاته الفكرية , لا اجد هنا حدا يفصل بين الاثنين , وخير مثال يوضح هذا التناقض المادة (18) : التي تنص العراقي هو كل من ولد لآب عراقي أو أم عراقية , أرجو ألا يفهم القارئ أنني أعارض المواد لكنني أناقشها عقليا , ألا ترون ان منح المرأة حق الجنسية لأولادها يتناقض مع أحكام الإسلام , اذن اعتمدت هذه المادة علي مبادئ الديمقراطية المنصوص عليها بالاتفاقيات الدولية , سؤالي هو علي أي أساس فضلوا الديمقراطية هنا علي مبادئ الإسلام ؟؟ أريد ان افهم فقط , وإذا كانوا يفضلون المبادئ الديمقراطية لماذا لم تصغي اللجنة الدستورية لصوت منظمات المجتمع المدني حين طالبت ببقاء قانون الأحوال الشخصية الذي يعتمد في تشريعاته علي خير ما بالشريعة الإسلامية من تشريعات لصالح المرأة , لماذا لم يطبقوا هنا مفهوم الديمقراطية لا مبادئها لان قانون الأحوال الشخصية هو أساسا من الشريعة ؟؟يصعب علي فعلا فهم هذا التناقض !! منح المرأة جنسيتها لأولادها مبدأ ديمقراطي يرضون به, أما قانون الأحوال الشخصية فهو خارج عن الإسلام ؟؟؟؟
تري هل تتبع هذه الأمور للأهواء الشخصية أم للصالح العام ؟؟
والغريب بالأمر ان اللجنة الدستورية أرضت السيد عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية بعد تصريحاته عن المسودة فعدلت له مادة تخص العراق كونه عضو مؤسس بجامعة الدول العربية ,لعل السيد موسي راضيا الآن , وتجاوزت اللجنة الدستورية كل نداءات المجتمع المدني الذي ينادي من أشهر بمزايا قانون الأحوال الشخصية , يبدو أن علي المجتمع المدني اللجوء لعمرو موسي ليكون صوت العراقيين مسموعا !!!!
وما دمت أتحدث عن حقوق المرأة , أحب أن أنبه المرأة الكردية إلي الخطر الذي قد تتعرض له , لان المرأة الكردية سبق وان حصلت علي حقوق في كردستان مثل تحويل جريمة غسل العار إلي جريمة مع سبق الإصرار وقانون منع تعدد الزوجات هذه الحقوق قد تلغي بناء علي المواد الدستورية 13 و 137 التي تفرض أن يتلاءم دستور الإقليم مع مواد هذا الدستور
التناقض الأخر الذي لمسته كان في المواد
(16)تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين
(20)للمواطنين رجالا ونساء حق المشاركة في الشؤون العامة
(42)للعراقي حرية التنقل والسفر
التناقض بهذه المواد هو اللغة , تارة يستعمل العراقيون ثم الرجال والنساء ومرة أخري العراقي , أتساءل هل هذه الاختلافات في اللغة مقصودة تؤدي لاختلافات بين الرجل والمرأة ؟ , وهل سيترتب علي هذه الاختلافات في اللغة تشريعات مختلفة ؟وإذا كان المقصود الاثنان لم لم يوضح ذلك بان كلمة العراقيون وكلمة العراقي للمؤنث والمذكر بمادة دستورية منعا للبس أو سوء الفهم , هذه أمور مهمة فالمادة 16 تكفل تكافؤ الفرص للعراقيين دون العراقيات قد تمنح الحق للتميز بالدراسة والعمل كما نعلم القبول ببعض الكليات كان مقصورا علي الذكور , أليس من الأولي جعل تكافؤ الفرص بعبارة واضحة لا تحتاج التفسير والاستفهام
أما حرية التنقل وهذا لغم , أتمني لا يكون حقيقة , والمرأة العراقية كانت تعاني من مسألة المحرم التي فرضها النظام السابق , وكانت مضطهدة من هذا الجانب , وإذا كانت كل فئة تقول أنها عانت وتريد تثبيت حقوقها , أيضا من حق المرأة أن تحصل علي حرية التنقل , قد يأتي مشرع قادم ويقرا النص ويفهمه انه للرجل وحده , فيعود قانون المحرم !! ما المانع, وقد يفهم مشرع أخر أن العبارة للجميع ولا يعود القانون , إذن النص غير دقيق , والتشريع القادم مفتوح حسب الاجتهاد !!
أن إلغاء المادة التي كانت مرقمة ب44 التي نصت علي حق العراقي بالتمتع بالمعاهدات الدولية وكل ما كان يدور حولها ,هذا الإلغاء سيعيد العراق سنوات للوراء , اذا كانت أفغانستان بدستورها الأخير اعترفت بهذه النصوص ونحن أهل قانون حامورابي نلغيها!! , ولست ادري ما سر الحساسية الشديدة من النصوص الدولية ؟؟, وكان العالم كله علي خطا ونحن علي صواب هل نعيش بمعزل عن العالم وتطوره, !! هذا والاتفاقيات الدولية لا تضم فقط حقوق المرأة التي يتشنج البعض منها , لكنها تضم حقوق الطفل وحقوق الإنسان واتفاقيات مناهضة التعذيب وغير هذا كثير , يقول البعض أنها مضمونة بالدستور , أقول تكون مضمونة أكثر اذا كان الالتزام امام المجتمع الدولي الذي يكتب تقاريرا عن تنفيذها وتجعل العراق محاسبا عليها دوليا .
المادة (34) التي تفرض إلزامية التعليم للمرحلة الابتدائية , ماذا تعني هذه المادة بالله عليكم في زمن التكنولوجيا والحضارة والتسابق العلمي والفكري , ان خريج الابتدائية بالكاد يجيد القراءة والكتابة , بل هل تكفي معرفة القراءة والكتابة لدستور المستقبل والأجيال القادمة , الشعب يطمح برفع مستواه العلمي والفكري , كنا نتوقع علي الأقل إلزامية التعليم للمرحلة الإعدادية
أري أن هناك مواد ستزرع مشاكل مستقبلية مثل المادة (109),التي تنص علي قيام الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز مع حكومات الأقاليم , ماذا عن باقي الثروات من أملاح ومعادن والعراق يفيض بها وماذا عن الحقول النفطية التي ستكتشف بالمستقبل ؟؟ هل نعد هذه موضعا للنزاعات المستقبلية بين الحكومة والإقليم ؟؟!!
الغريب أن المادة (110) تنص علي أمورا ممتازة مثل تنظيم الطاقة الكهربائية وحماية البيئة وسياسات التنمية والتخطيط والسياسة الصحية والتعليمية والموارد المائية , أين الزراعة؟؟؟!! هذا العراق وادي الرافدين الذي يضم الهلال الخصيب أخصب بقعة بالعالم لا أجد بالمسودة كلمة واحدة عن الزراعة , صدمة قوية , اذكر أني قرأت في الدستور السويسري موادا عديدة لدعم الزراعة , لكن العراق ارض النخيل الذي يضم أنواع من التمر لا توجد بالعالم ليس في دستوره كلمة عن الزراعة ولو من باب المجاملة للمزارعين !! قال لي احدهم لعلهم يقصدونها ضمن الموارد المائية, كيف ذلك وهل الزراعة تحتاج للمياه فقط ؟ ماذا عن استصلاح الأراضي والمعدات والمواد الكيماوية والمبيدات والسماد والجرارات وغير هذا بكثير ؟؟ ألن يحسب جزء من ميزانية الدولة لهذه الأمور؟!, والعراق اليوم صحراء جرداء !!! لا يقنعني احد أنها من ضمن البيئة لان الزراعة استثمار أيضا..!
من الجانب الأخر شممت رائحة غريبة في المادة (118) التي تمنح الحق للأقاليم بتأسيس مكاتب في السفارات والبعثات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية !!! أيعني هذا إنني ادخل يوما لسفارة عراقية واجد ملحقيات ثقافية كل ملحقية خاصة بإقليم ؟! وإلا ما معني مكتب ثقافي ؟؟ان كانت مسالة تنظيم إداري داخل السفارة لا اعتقد مكانها الدستور, وان كانت فيدرالية لم افهم نوع الفيدرالية المطروحة , إن كانت إدارية لا اعتقد من حق الإقليم بأي شكل من الأشكال التمثيل الدبلوماسي , وان كانت من نوع أخر فمن حق الشعب أن يفهم نوع واسم هذه الفيدرالية , لماذا لا تكون الأمور واضحة ؟! أنني أتساءل ومن حقي أن افهم..
اشعر أن صوتي بدأ يعلو علي أن اصمت !!
#رغد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟