|
بينَ عالمَين
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 4741 - 2015 / 3 / 7 - 15:36
المحور:
المجتمع المدني
أسابيع قليلة مّرتْ على وجودي في برلين ، كانتْ كافية ، حتى يكتشف أصدقائي وأقربائي البرلينيين المقيمين فيها منذ سنين طويلة ، أنهُ من الصعوبةِ عَلَيَ بمكان ، أن أتأقلمَ مع القوانين والضوابط والأعراف ، سواءً في مكان السكن او الشارع او حتى في المستشفيات التي جئتُ أصلاً من أجل مُراجعتِها . * هنا في برلين ، يجب ان تكون عندك نُسخة من المفاتيح ، كي تستطيع فتح باب العمارة الرئيسي ، وكذا مفتاح الشقة التي تقطن فيها ... وإذا كُنتَ زائراً ، عليك ان تضغط على الزُر المقابل لأسم صاحب الشقة ، الذي أما يتحدث معك عبر الهاتف ، أو يفتح لك باب العمارة . في برلين وكما يبدو في جميع المُدن الأوروبية أيضاً ، هنالك نظامٌ مُحكَم لإدارة وصيانة الشُقق السكنية وحمايتها . وأيضاً هنالك مجموعة من الضوابط والأعراف التي ينبغي الإلتزام بها : أن تضع النفايات حسب نوعيتها في الأماكن المخصصة لها : بقايا الطعام / الأوراق / الزجاج ... الخ . أن لاتُشّغِل الأجهزة التي تصدر صوتاً عالياً ، خلال الليل ، حتى لاتزعج الجيران . من الشائع ان تقول : صباح الخير او مساء الخير او وداعاً ، لللذي تلقاه في المصعد او في باب العمارة . الماء الحار مُتوفرٌ في أي وقت في الحمام والمطبخ ، لكنه غالٍ وعليك الإقتصاد في إستخدامه وكذلك الكهرباء ، فلا أحد هنا يجرؤ ، على التبذير والإستهتار في إستهلاك الطاقة ! . عليك إرجاع القناني الفارغة سواء الزجاجية او البلاستيكية ، الى أماكن خاصة في الأسواق ، حيث يتم إعادة تدويرها بعد ذلك ، وتسترجع بعض النقود ( علماً انك تستطيع الحصول على يورو واحد لتسليمك أربعة قناني بلاستيكية " وذلك تشجيعاً للمُحافظة على البيئة " ) . [ قريبي يعمل في شركة .. أخبرهُ مُديرهُ قبلَ مُدّة ، أنه إصطحبَ إبنه المُراهق معه ، لمُشاهدة مباراة كرة قدم .. ومن الشائع شُرب البيرة في المُدرجات ، في قناني بلاستيكية خاصة .. ولأن الكثير من المتفرجين يندمجون مع اللعبة ، فأنهم يتكاسلون في إرجاع القناني الفارغة ، فقام إبن المُدير ، بجمع كمية كبيرة من القناني ، ووضعها في الجهاز المُخصَص لذلك في الملعب ، فحصل على حوالي الستين يورو ! ] . " مُديرٌ ألماني لشركة مُهمة ، كانَ يتفاخر بأن أبنه حصل على ستين يورو خلال سويعات من جمعهِ للقناني البلاستيكية الفارغة المرمية في المدرجات . في حين ان مُديرينا في أي دائرة في العراق ، يستنكفون طبعاً التحدث في مثل هذه الأمور ! " . * حين نزولك الى الشارع هنا في برلين ، يبرز الفرق الشاسع ، بين عالمَين : عالَمَهم المتقدِم وعالَمَنا المُتخَلِف . فتعرُف هُنا قَدر [ الرصيف ] ، فالغالبية العُظمى من الأرصفة ، عريضة ومُخطَطة بعنايةٍ ودِراية ، فهذا الجُزء للدراجات الهوائية وذاك لعربات المُعوقين وآخر للمَشاة ، ولا يخلو رصيفٌ من مساحات خضراء وأشجار وورود . أما الشوارع ، فتخطيطها رائع ، والإلتزام بقوانين المرور والضوابط والأعراف ، يجعل الحركة سلسة وإنسيابية ، للسيارات والمشاة . إضافةً الى توَفُر وسائط النقل بأنواعها : تحت الأرض / على الأرض / فوق الأرض ... بمواعيدها الدقيقة وآلية عملها البديعة . لا وَجه للمُقارنة ، بين شوارع برلين ، مثلاً .. وشوارع العراق وبضمنهِ أقليم كردستان . نحنُ بحاجة الى " ثورة " في هذا المجال ، وليسَ الى حلول ترقيعية او مشاريع مظهرية دعائية ! . * حضرتُ عدة مواعيد ، في المستشفيات في برلين .. إستغربتُ من [ الصَبر ] والتحمُل ، الذي ينبغي أن تتحلى بهِ ، حتى تجتاز الفحوصات المطلوبة ! . كان لديَ موعدٌ في العاشرة صباحاً لأخذ أشعة ذرية .. لكن بسبب الإمعانِ في الدِقة ، والروتين وملأ الإستمارات وبعض الحُقَن في الوريد وكُثرة المُراجعين ، ثم الجلوس الطويل في الإنتظار .. لم ننتهي إلا في الثالثةِ عصراً ، علما ان المكوث تحت جهاز الأشعة لم يستغرق سوى عشرين دقيقة فقط ! . خمسة ساعات ونصف بقينا في المستشفى . صحيحٌ بأن لا أحد أخذّ دَورَنا ، وكان تعامُل الجميع معنا ، لطيفاً وإنسانياً ومُتعاطِفاً .. وصحيحٌ أيضاً ان عشرات المرضى المراجعين لنفس الغَرَض ، كانوا جالسين منتظرين ، بهدوء وصَبر.. إلا أنني القادِم من العراق لم اتعّوَد على مثل هذه الآلية ، وكاد تحَمُلي أن ينفذ ، غير أن صديقي ومُرافقي ، أخبرني ، بأن الأمر طبيعي ! . رُبما كنتُ الوحيد ، في ذلك اليوم ، الأجنبي الذي يجب أن [ يدفع ] وليس خاضعاً للتأمين الصحي .. فكل الآخرين كانوا من الألمان المتمتعين بنظام التأمين الصحي .. وتضاعَفَ شعوري بالغُربةِ والإختلاف ، حين إشتريتُ بعض الأدوية من الصيدليةِ في اليوم التالي ، حيث كانتْ باهظة الثمن ، وأخبرني مُرافقي ، أنهم يحصلون عليها مجاناً تقريباً . حينها ، أدركتُ مدى الظُلم الذي نُعاني منهُ ، نحنُ المواطنين ، في العراق وبضمنه أقليم كردستان ، بسبب عدم وجود نظام تأمين صحي حقيقي وفاعل وعادل ، ولا مستشفيات رصينة ولا أجهزة متطورة ، ولا حتى أدوية يمكن الوثوق بفعاليتها ومصدرها .. أسعفَني الحظ ، بوجود أقرباء في الوطن ، ساعدوني مادِياً ومعنوياً لأتمكنَ من السفر ، وكذلك أقرباء وأصدقاء في برلين ، وقفوا معي وسّهلوا لي السكن والمُرافقة والترجمة .. الخ . وما زالوا . لكن مَنْ لآلاف المرضى ، الفُقراء والمُعدمين ، الذين ليسَ لهم أحد ؟ كَم من أطفالٍ مرضى يموتونَ بسبب العَوز ، وكَم من شبابٍ فقدوا حياتهم بسبب سوء الإدارة ولاعدالة القوانين عندنا ؟ . أيضاً ... لاتفيدنا الحلول الترقيعية والمشاريع المظهرية الدعائية .. فنحنُ بحاجةٍ ماسّة ، الى ثورةٍ في مجال الرعاية الصحية .
#امين_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوم المرأة العالمي / عراقِياً
-
مفتاحُ حَل أزماتنا : الشفافِية
-
سيارات للتنقُل .. وسيارات للتفاخُر
-
رَحَمَ اللهُ إمرءاً ، عملَ عملاً فأتقنهُ
-
نحنُ بِحاجة .. إلى ثورة مُجتمعِية
-
ما معنى الحياةِ إذَنْ ؟
-
حّزورة
-
رئاسات أقليم كردستان .. في الخارج
-
ضريبةٌ قاسية
-
- صاد - و - باء - : طوبى لكما
-
تحت خيمة نازحين
-
- نِطلَعْ إحنه مو خوش أوادِمْ -
-
هل إفتهمتَ الآن ؟
-
الحكومة ... وعُمر ليلى وسلمى
-
عندما كانتْ السماءُ تمطر ذهباً
-
البيشمركة والجنرال - ثَلج -
-
الإسلام المُعتَدِل
-
خُذوا المناصِب .. بس خلولي الوطَنْ
-
( البيشمركة ) .. وإضاعة الفُرَص
-
ليستْ لديّ مَشاكِل
المزيد.....
-
شبح المجاعة يهدّد غزة بعد تفاقم أزمة نقص الغذاء.. إليكم التف
...
-
مجموعة الدول السبع تتهم إيران باللجوء للاعتقال التعسفي ومحاو
...
-
مخيم كترمايا للاجئين السوريين بلبنان.. معاناة لتأمين إفطار ر
...
-
-الأغذية العالمي- يعلن تعليق المساعدات لأكثر من مليون شخص في
...
-
عودة شبح المجاعة بقطاع غزة مع استمرار إغلاق المعابر ومنع الم
...
-
منظمة ايرانية تمنح جائزة لمقررة الأمم المتحدة لحقوق الانسان
...
-
شبح المجاعة يهدد غزة وإغلاق المعابر يمنع المياه عن 90% من ال
...
-
غزة: مؤشرات على عودة شبح المجاعة مع استمرار إغلاق المعابر وم
...
-
الاحتلال: اعتقال أكثر من 100 فلسطيني خلال الأسبوع الماضي بال
...
-
لازاريني: انهيار الأونروا سيحرم جيلا كاملا من الأطفال الفلسط
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|