|
نحو بناء مثقف جديد
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4741 - 2015 / 3 / 7 - 02:49
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
نحو بناء مثقف جديد ***************** لقد أخذت عملية نقد المثقف في البلاد العربية قسطا هاما من الدراسات والبحوث ، الا أن قليلة هي القراءات الموضوعية التي رامت عملية النقد البناء الذي يتأسس على النقد السلبي حسب مدرسة فرانكفوت العريقة التي نحتت هذا المصطلح . وما يمكن أن يتلقفه ويكتشفه المثقف النبيه ، أن معظم الدراسات النقدية لوضع المثقف البئيس ، ولحالة الثقافة الكليلة ، غالبا ما جاءت كرد فعل عن تهميش أو اقصاء ما . وبين يدي مقال للشاعر الفلسطيني الكبير الراحل محمود دوريش وهو يصف أوضاع اتحاد كتاب العرب حين تم تجميد عضوية اتحاد الكتاب الفلسطنيين ، أو تعليقها حسب التعبير الدرويشي ، لأسباب لا تخرج عن الوضع العام لمختلف اتحادات الكتب العرب بمختلف البلدان العربية . وربما كان كتاب المفكر اللبناني علي حرب الموسوم ب "أوهام النخبة أو نقد المثقف " ، هو الكتاب الوحيد الذي يعري حقيقة المثقف العربي ، ويضعه أمام مرآته الشخصية عاريا من هوية الثقافة ولباسها العلمي والوطني والانساني ؛ ذي الميزة النموذجية والمثالية ، ليس من موقع التعالي والتفنج والأستاذية ، بل من موقع التجذر الانساني ، باعتبار أن المثقف هو زبدة المجتمع بوفرة مداركه ومعلوماته ومناهجه وتغلغله في كينونة الانسان ، كمفهوم مجرد . وهو المفهوم الذي لا يمكن بلوغه والوصول اليه الا باحتواء المثقف لجميع شرائح المجتمع ، وتقمص أدوارها وهمومها وطموحاتها وانكساراتها . أما عن المثقف الكوني ، فذاك شق آخر من التكوين الفردي المنفتح على الانسان أينما كان ، ومحاولة المشاركة والمساهمة في الفعل الانساني كعطاء يتجاوز حدود الوطن والمجتمع والقبيلة والهوية الضيقة . وهنا تباغتني فكرة العودة أو الاشارة الى كتاب ياسين الحافظ "الهزيمة والايديولوجية المنهزمة " الذي اعتمد فيه الكاتب نفس منهجية علي حرب في مقاربة موضوعة الايديلوجية المنهزمة ، بالتركيز على سؤال "لماذا فشلت الانتلجينسيا العربية في الخروج من مأزق الهزيمة الشاملة ؟ " ، واذا كان كتاب ياسين ينزوي في ركن الايديولوجيا باعتبارها حسب رأيه المرجع الذي صدرت عنه مجمل مواقف وسياسات مثقفي الستينيات والسبعينيات ؛ فان كتاب علي حرب ينفتح على مفهوم المثقف العربي كتجريد غير معين ، انه يقرأ نتائج ومآلات وواقع المثقف العربي بالجملة ، وان كان الرجل يعتبر من يسار النخبة العربية ومثقفيها . ما أحاول الاشارة اليه وبالرغم من المراجع التي لا يمكن حصرها ، التي حاولت تشريح الذات العربية المثقفة ، فان واقعنا الثقافي كاف لاعادة صياغة السؤال ، والنظر الى الوضع الثقافي المغربي ، من زاوية الخصوصية المعممة . واذا كان الواقع هو أب النظرية ، فان نقد المثقف والثقافة بالمغرب ، بالنظر الى راهننا الثقافي يعتبر فرض عين حسب ظني ، وواجبا وطنيا قبل أن يكون انسانيا . ورؤية مستقبلية لا تهتم بالحاضر والماضي بقدر ما تشرئب الى الآتي والقادم . اذن فمنهجية المعالجة كان محتما عليها أن تختلف ، فهي لن تنحو منحى تاريخيا ، كما انها لن تتشبث بطرح سيكوباتي لوهمية المثقف ، بل ستعمل على ملء فراغات واقع الثقافة والمثقف بالمغرب . من هنا كان لابد من أخذ مسافة طويلة من المجالين ، مجال المثقف كذات انسانية ، ومجال الثقافة كحقل مفهومي . كان وضع المثقف التقليدي المدعو بالحداثي يحاول أن يسابق الوهم ، فتبدو أحيانا خطواته أسرع من خطوات الواقع ، وهو ما يجعله في انفصام دائم مع الواقع ، بدافع وهم سموه وقدرته الاستثنائية على رصد هواجس وآمال المجتمع ، ما جعل العلاقة بينه وبين مجتمعه تنفصل تماما ، ويحدث شرخ في فن التواصل بينه وبين المجتمع . والنقطة الثانية أنه اضطلع بدور سيزيف الذي يحمل حجرة المجتمع الضخمة فوق ظهره ليوصلها نحو قمة سفح سحيق ، فأعياه ثقل الحجرة وانهار عند نفس السفح . ونسي مثقفنا أن ان المثقف الحقيقي هو الذي يخاطب اول ما يخاطب نفسه ، قبل أن يتوجه الى الآخر ، فالآخر لا ينتظر توجيها أو دروسا بقدر ما ينتظر ممارسة يعاينها ويباشرها من المثقف . ولا بأس من التذكير هنا أن كل مثقفينا يتوجهون الى القارئ من منظور الأستاذية ، وأي واحد منهم لم يقدم ولو نظرية واحدة ، ولم ينجز مشروعا معرفيا واحدا ، وكأن اكتساب تقنية الكتابة تمنحه شيكا على بياض ليمارس أبوة وهمية أو وصاية موهومة ، او توجيها فقاعيا . ومن خلال علاقاتي البسيطة بمثقفين مغاربة ، يتكشف بؤس العلاقات الانسانية للمثقف المغربي ، فهو خارج الشلة الانتهازية يكاد يصير نكرة بين شرائح المجتمع المغربي ، وهو ما يولد مزيدا من العزلة العصابوية- من العصابة - بين مجموعة من المثقفين الذين يستحوذون على مؤسسات اجتماعية أو ثقافية وسياسية . قليلون هم من يمتلكون فن التواصل الاجتماعي البسيط والعفوي ، وكأنهم يحملون قبعات مختلفة عن أفراد المجتمع الذين يتحدثون للأسف باسمه ويرومون توجيهه عبر صفحات كتاب أصم ، أو عبر شاشات المواقع الاجتماعية الحيادية . فكيف لمثقف في المغرب أن يدعي ثقافة ، وهو يعيش ضمن مناخ وبيئة ثقافية مصادرة ومستلبة ، ويعجز مثلا عن المطالبة بتحرير قنوات التلفزة المغربية من يد النظام المغربي ؟ ، وكيف لمثقف في المغرب أن يدعي ثقافة ما وهو يساعد على مصادرة الوعي الشعبي ، ويقف حائلا وعائقا أمام تلاقح أفكار مواطنيه من الكتاب والمبدعين ؟ . بل كيف ينتج العقل منتوجاته اذا انغلق على ذاته ولم يحاور منتجات باقي العقول ؟؟ألا يعتبر هذا تماهيا مع العقل النبوي الملهم ؟. ان الاصطدام بالواقع عبر الانغراس فيه ؛ هو ما ينتج مقولات غرامشي وسارتر وأدونيس حول كوجيتو المثقف ، العضوية والالتزام والاختراق وأضيف الفاعلية . فنحن ملزمون بالاضافة نزولا عند تحولات العصر وتقلبات الصراعات . نحن اليوم في مواجهة أكثر تعقيدا وشراسة من أي وقت سابق . وبهضمنا لثمثلات مثقفين من عيار غرامشي وسارتر وأدونيس ، يمكن أن ننتج مفاهيمنا التي نستطيع من خلالها مواجهة أوضاعنا ومختلف التحديات التي تواجهنا اليوم والآن وغدا . ان المثقف الذي لا يتجاوز ذاته عند كل منعطف ، وعند كل تحول ، انما هو انسان /تمثال ، وهي نفس العودة الى التقابلات القديمة لفلاسفة الانسانية .......والتجاوز هنا لايعني التماهي مع تحولات التخلف والاستعمار بجميع انواع ، أو التماهي معها بل هو الرصد الدقيق لمختلف السياسات الدولية والوطنية والاقليمية ، التي تعمل على تحريف مسار مجتمعاتنا بتدرج لا يعيه الا المثقف الناقد . وهو ما يمنحه سلطة أو على الأقل دورا ثانويا ، يسجل له ، في طرح البدائل ، أو دق ناقوس الخطر . والمثقف المغربي ساهم بوعي أو بغير وعي في عزلته ، فهو بتشبثه بمركزية مزعومة لا يحسها الا هو ، وجد نفسه في النهاية على هامش المجتمع ، ولا بد هنا من التنويه بذكاء النظام المغربي الذي لعب على وهم المثقف المغربي باعتباره وليا من أولياء الثقافة ، عليه الموت الرمزي والانحشار تحت قبة قد تجيرها السلطة التنفيذية بأزهى الألوان في انتظار زيارة مريديه . كما ان طوباوية المثقف دفعته الى توهم تغيير العالم ، وكأن ملحمة دونكيشوت قد أبدعت واقع مثقفينا بشكل فنطازي مشوق . مع العلم انه عجز عن تغيير أقرب الأوساط لديه . لابد اذن من البحث عن حلول ناجعة وآنية لتراجع دور المثقف ، ولوضعه المؤسف الذي لم يعد محجوبا ومتواريا . خاصة وأن تحولات بنيوية أصابت مجمل البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمعرفية ، مما أثر سلبا على وضع المثقف بالمغرب .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللعنة
-
الشعراء يُحزنون الحزن
-
مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا -15-
-
جريمة لايقترفها الا الجهلاء
-
كقبلة تدمي ....
-
حميد الحر شاعر القصيدة الساخرة بامتياز
-
دعوة الى لم الشتات
-
مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا -14-
-
الانتخابات بالمغرب بين المقاطعة والمشاركة : نحو عقلية جديدة
...
-
الانتخابات بالمغرب بين المقاطعة والمشاركة : نحو عقلية جديدة
...
-
حين يتأخر القطار تفسد الرحلة
-
مجتمع آخر او مجتمع الجناكا -رواية-13
-
رائية المغرب
-
المغرب وعقلية التخلف
-
السرقات الأدبية : الشاعر المبدع -حسن أوس -ضحية نموذجية
-
ضربة شبعا والتراجع الاسرائيلي
-
سفر الذل والهوان
-
شكرا للحلم -قصة-
-
نحو مجتمع فاعل وسياسة منتجة
-
مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا -12-
المزيد.....
-
إسرائيل تُعلن تأخير الإفراج عن فلسطينيين مسجونين لديها بسبب
...
-
الخط الزمني للملاحقات الأمنية بحق المبادرة المصرية للحقوق ال
...
-
الخارجية الروسية: مولدوفا تستخدم الطاقة سلاحا ضد بريدنيستروف
...
-
الإفراج عن الأسير الإسرائيلي غادي موزيس وتسليمه للصليب الأحم
...
-
الأسيرة الإسرائيلية المفرج عنها أغام بيرغر تلتقي والديها
-
-حماس- لإسرائيل: أعطونا آليات لرفع الأنقاض حتى نعطيكم رفات م
...
-
-الدوما- الروسي: بحث اغتيال بوتين جريمة بحد ذاته
-
ترامب يصدر أمرا تنفيذيا يستهدف الأجانب والطلاب الذين احتجوا
...
-
خبير: حرب الغرب ضد روسيا فشلت وخلّفت حتى الآن مليون قتيل في
...
-
الملك السعودي وولي عهده يهنئان الشرع بمناسبة تنصيبه رئيسا لس
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|