عبد الجبار منديل
الحوار المتمدن-العدد: 4737 - 2015 / 3 / 3 - 14:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ينظر الكثير من المثقفين العرب الى الثورات بقدسية لا تستحقها وبشكل مبالغ فيه . فهم يرون ان الثورات
تقوم بعملية نقل الشعوب والبلدان من حالة متردية الى حالة متطورة . وانها عملية تغيير نوعي نحو الافضل
والارقى والاكمل وربما كانت هذه النظرة متاتية من عصور الاستبداد الطويلة في العالم العربي وشراسة
الحكام المستبدين على مدى التاريخ العربي مما يجعل الشعوب تصل الى قناعة بان اي تغيير مهما كان هو
هو حتما تغيير نحو الافضل . ولكن دروس التاريخ تقول انه حتى الثورات التي يمكن ان تسمى ناجحة هي
مخاضات عسيرة تدفع فيها الشعوب ثمنا غاليا من دمها واستقرارها وحضارتها وتقدمها .
ان الثورات هي في اغلب الاوقات هي حالات عصبية هستيرية تنتاب الشعوب فتجعلها تتخذ قرارت غير
موزونة ولا عقلانية ولا سيما في وسط الهياج العام والفوضى الشاملة التي تصاحب الثورات .
واذا كانت الثورات تعبر حقا في مراحل معينة عن حالات الاحباط والشعور بالقهر والغضب مما يرتكب من
الظلم فان ما تودي اليه احيانا يكون اشد هولا واكثر وبالا مما كان قبل الثورة .
ولو قمنا باستعراض لكل الثورات الكبرى في العصر الحديث لوجدنا مصداقا لما نقول .
فالثورة الفرنسية التي كانت اولى الثورات الحديثة والواعدة والتي اتت بالقيم الحضارية العصرية انتهت الى
امبراطور طاغية هو نابليون الذي حول كل قارة اوربا الى ميدان حرب لمغامراته العسكرية التي استمرت
طيلة عهده حتى سنة 1814 بعد ان حصدت ارواح الملايين من الفرنسيين والاوربيين حتى عادت فرنسا مرة
اخرى الى العهد الملكي الذي تارت عليه .
اما الثورة الروسية التي اتت بفكر جديد فقد كبدت الشعب الروسي الملايين من الضحايا سواء عند جعل روسيا
حقلا للتجارب السياسية والاقتصادية التي انتهت جميعا الى الفشل في خلق تجربة سياسية واقتصادية ناجحة
وقابلة للتطبيق . ثم اختتمت بان نفض الشعب الروسي يديه من الثورة التي لم تحقق النموذج الاقتصادي
الناجح الذي يرفع المستوى المعاشي للشعب ويرفع المستوى التكنولوجي والارادي . وهكذا عادت روسيا
مجددا نحو النموذج الراسمالي .
وهذا ما حدث ايضا للثورة الصينية برغم نجاحها في توحيد الصين بالقوة فانها لم تصل الى النموذج
الاقتصادي الاشتراكي الناجح واضطرت الى الى العودة الى السوق الحرة والمبادرة الذاتية التي اثبتت
نجاحها برغم البقاء الشكلي للنظام الشيوعي .
وذلك ينطبق بحذافيره على تجربة فيتنام التي خاضت حربا ضروسا طيلة عشرات السنين وضحت بالملايين
من ابناء شعبها من اجل تطبيق الاشتراكية غير انها عادت لتطبق الاسلوب الراسمالي في الاقتصاد وبرغم
بقاء الحزب الشيوعي في الحكم .وهذا ينطبق على الكثير من البلدان بما فيه بلدان اوربا الشرقية وكوبا وغيرها
.
اما الثورات العربية أو ما يسمى بالربيع العربي تحولت بشكل دراماتيكي الى مذابح دينية وطائفية تجعل كل
مراقب يشعر بالرعب من التحولات الرهيبة ومن النهاية الكارثية التي وصلت اليها .
لم تثبت اي ثورة انها استطاعت ان تبني نموذجا ناجحا للحكم المستقر والقابل للاستمرار وان تخلق شكلا
حضاريا قابلا للبقاء واستكمال التقدم الحضاري
#عبد_الجبار_منديل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟