|
مازق الفكر الديني ومازق الناس بسببه
مسَلم الكساسبة
الحوار المتمدن-العدد: 4737 - 2015 / 3 / 3 - 00:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مشكلة ومأزق الناس مع الفكر الديني والذي هو مأزق الفكر الديني ذاته بالمناسبة تكمن في عدم قابليته للتطور والتجدد او لنقل رفض السدنة والاوصياء عليه بالسماح له وللناس ان يتعاطوا معه كأي فكر ، وسحب صلاحية التجديد والإحياء وإعادة النظر بتعاليمه من الناس انفسهم والأتباع وإيكال هذه المهمة لهؤلاء السدنة والأوصياء ، هم من يقررون اذا كان هذا الجانب او تلك المسألة أو الطقوس والتعاليم في هذه الناحية أو تلك ممكن اعادة النظر بها ام لا ، وهؤلاء لهم صلاحيات لا يملكها الناس العاديون الذي يطبق عليهم ذلك الفكر والذي ليس امامهم الا الامتثال والتطبيق..ولهم تسميات وأوصاف في كل دين ، فهم عندنا في الاسلام الفقهاء والمفتون مثلا وقس عليه.
أي فكر يجعل من مهامه الهبوط على ارض الحياة والناس والتشريع لهم ولحياتهم التي من طبيعتها المرونة والدينامية حيث التغير والتطور هو سنتها الأزلية الأبدية ، فيجب ان يتناغم من تلك الطبيعة ويتخلى عن قداسته فيخضع لسنة التطور والتغير ذاتها ما دام هبط على الارض وبين ايدي الناس ، التغير الذي قلنا هو سنة الحياة ذاتها والناس أنفسهم ، وإلا صار عبئا على الاتباع ومعيقا لتقدمهم وسبب تعقيد لحياتهم وعبئا يضاف لأعبائها الجمة ، واضطروا آخر الأمر لتركه والتخلي عنه مكرهين عاجلا ام آجلا ..
أما اذا كان مفروضا على رقابهم بالجبر بحيث لا يملكون التخلي عنه بإرادتهم ، ومتمتعا بالقداسة من اي نقاش او تطور في نفس الوقت –وهو شأن الفكر الديني في مجمله- فإنه سيتسبب باعاقة الحياة كحياة وإصابة الناس بالأمراض العقلية والنفسية والتوحش كناس ..وهو مأزق الناس اليوم مع الفكر الديني بالمناسبة.. ومأزق الفكر الديني ذاته مع ذاته .. وتحوله من كونه معينا لهم لعبء من أعباء حياتهم. وهو سبب ما نلحظه اليوم من فتن وفوضى وقتل وحروب غامضة عبثية..بسبب الضغط الذي يولده تناقض تعاليمه مع سياقات الحياة الجارية والمتدفقة تطورا وتقدما مقابل تناحته وجموده .. ما يؤدي في النهاسية الى صراع نفسي ومعرفي لا يلبث الا ان يتجلى على شكل صراعات عنيفة تتجه نحو الذات والآخر كما نلحظه في مجتمعاتنا اليوم.
ففي هذا الفكر انت امام يقينيات باتنة ونهائية وفكر معصوم لا يخطئ ولا يلحقه العيب والنقصان ، وانت إما تؤمن به ككتلة مصمتة وإلا فأنت كافر به جملة وتفصيلا ولا ثالث لهما .. كما ان مهمة مراجعته او التجديد فيه قلنا محضورة عليك محصورة ومتاحة فقط للسدنة والأوصضياء ، وعليك ان تنتظر دائما زمنا ومعاناة الى ان تفرض سياقات الحياة شانا ما لكي تجبرهم ان يقدموا تنازلا طفيفا ويفتوا بأمر بات أصلا من مفردات ذلك السياق وتجاوزهم بزمن أفتوا بذلك أم رفضوه ..ما يوقع الناس في حيرة وفصام.
ولكي لا يظل الكلام في العموميات دعونا نعطي امثلة ، فإذا لاحظنا مثلا كانت البنوك والموسيقى والتصوير محرمات قطعا ومن الكبائر في الاسلام في حين أن سياقات الحياة العملية والاقتصادية والثقافية فرضت هذه الامور ،بينما على الجانب المقابل لم يهيء الفكر الديني نفسه لهذه المتغيرات قظل يرفضها رغم انها فرضت ذاتها على واقع الحياة وانتهى .. وبنفس الوقت لم يطرح حلول وبدائل أو لنقل لم يبن سياق الحياة بوحي من تعاليمه ولم يساعد وهو يفترض المقدس والمدعوم من الله الذي جاء به على ذلك او بالاحرى لم تبن سياقات الحياة وفقا لتعاليمه وأوامره بالتالي بتنا امام مأزق للناس وللدين نفسه معا ، البعض طاوع تيار الحياة ولم ينتظر اذن السدنة والأوصياء .. فاستفتى قلبه ومشى، لكن كثير من الناس ظلوا ينتظرون فتيا أو حلا في امور بنت الحياة سياقتها بناء عليها واعتمدتها دون ان تنتظر فتاوى أو فقها يرى فيها رأيه ما أدى لإرباك وتعطيل للحياة وإضرار بحياة ومصالح الكثير من الناس بانتظار ما يقوله السدنة والاوصياء والذين اضطروا اخيرا تحت ضغط سياق الحياة للعودة وتحليل ما سبق وحرموا . وهكذا في امور كثيرة .. وهي هنا مجرد امثلة لمجمل ما يجري من تفاعل بين تلك الافكار وسياق وتيار الحياة المتدفق والذي سنته التطور والجريان.
وإذا رجعنا للأديان وأخذنا نماذج من تعاليمها وطقوسها نجد الجمود المطبق يلفها فإذا رجعنا لصفة الصلاة مثلا أو صفة الصيام او الحج ...الخ نجدها هي ذاتها حينما كان الناس لا شغل لهم الا هي وهي نفسها اليوم بعدان اصبح الناس مشغولون لاذفانهم لذلك تركها مرغما كثير من الناس رغم التهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور؟ لانه لا خيار لهم اما ان يتركوا اعمالهم واسباب رزقهم واما يضحوا بها فكان ان استأذنوا ربهم وهم على قناعة انه اعظم من ان يفرض هكذا فرض جامد مصمت من بدء الخليقة حتى منتهاها باق كما هو لا يتبدل ولا يتغير ، وتقبلوا حكمه فيهم وانصرفوا لحياتهم وأعمالهم.
اذ في الاسلام مثلا ليس من المنطقي والمعقول ان الصلاة ماكنة دائرة من طلعتها لمغيبها تصحي الناس من نومهم في الليل وعلى مدار الساعة في النهار حتى تعود وتصحيهم في الليلة التالية دواليك..حتى ان العامل الذي يشتغل 12 ساعة في اليوم في احر النهار يترك العمل ويجد سويعات للراحة ريثما يعود له لكن في الصلاةفلا توجد استراحة 5 صلوات مزعة على 24 ساعة ولا يجوز لك ان تؤديها مرة واحدة مثلا لتفرغ باقي وقتك وتنام دون ان تصحوا في الفجر
ومن ذلك مثلا فالكثير من طقوس وتعاليم الاديان وشعائرها هي هي كما فرضت حينما كان عدد سكان الارض بضعة ملايين كما هي اليوم وسكان الارض مليارات عديدة هي هي مثلما كانت عندما كان الناس يعيشون في بحبوحة من الوقت والأرض كما هي اليوم والناس يكادون يختنقون لضيق الوقت وضغط الحياة. هي ذاتها حينما كان الناس لا شغل لهم الا هي وهي نفسها اليوم بعدان اصبح الناس مشغولون لاذقانهم ، لذلك تركها مرغما كثير من الناس رغم التهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور؟ لانه لا خيار لهم اما ان يتركوا اعمالهم واسباب رزقهم واما يضحوا بها ليتعبدوا ويضيفوها لما لديهم من اعباء الحياة الهائلة .. فكان ان استأذنوا ربهم وهم على قناعة انه اعظم من ان يفرض هكذا فروض جامدة مصمتة من بدء الخليقة حتى منتهاها باق كما هو لا يتبدل ولا يتغير ، وتقبلوا حكمه فيهم وانصرفوا لحياتهم وأعمالهم.
بالتالي أي فكر في علاقته بالبشر والحياة وتفاعله معهم امامه ثلاث احتمالات وأمام كل احتمال نتائجه :
- اما ان يكون خاضعا لسنة التطور والتجدد فيُحذف منه ويُضاف اليه ويُعدل عليه بالتالي يتاح له الاستمرار - واما يتعرض للاضمحلال بسبب عدم الملاءمة بالتالي الفناء والترك.
- وإما عومل كفكر كامل وصالح لكل زمان ومكان ولا ينبغي لا تجديده ولا التخلي عنه-ماهو حاصل بالفعل في كل الأديان- فالنتيجة هي ان يؤدي لإعاقة تطور اتباعه ومعتنقيه ويصيبهم بشتى الامراض العقلية والنفسية ويرتد على شكل ضغط داخلي فيؤدي للصراعات والفتن بين الاتباع انفسهم وبينهم وبين الأغيار.
وهو ما يحصل اليوم داخل بعض المجتمعات التي يفرض عليها فكر غير قابل للتطور وإعادة النضر بتعاليمه وأوامره.
#مسَلم_الكساسبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نموذج اخر من التفكير -التكفيري-
-
رسالة الى همج العصر :
-
الوَلي والعاصية .. كيف آمن اليتيم بالإقطاعي وكفر بأمه وإخوته
...
-
كيف آمن اليتيم بالإقطاعي وكفر بأمه وإخوته ..
-
شطرنج اون لاين ..؟!
-
الأمة ، من ربيع ضد الاستبداد والفساد.. الى ؟؟؟؟؟ ...... متى
...
-
قرون وأحلاف ..
-
الربيع العربي إلى أين ..عَود على بدء..
-
عبرة من التاريخ ، عين على الحاضر .
-
أزمة وجودية ومنعطف خطير ..!
-
مقاربة أخرى نحو دولة الحداثة والإصلاح ..
-
فنتازيا على الأرض أغرب من الفنتازيا ..
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(12-3 )
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(12-2 )
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(12-1)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(11)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(10)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(9)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(8)
-
حول حديث الملك لمجلة ذي اتلانتك الأمريكية.......(7)
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|