أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - أوجه اللاعقلانية في السياسة السورية















المزيد.....

أوجه اللاعقلانية في السياسة السورية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1321 - 2005 / 9 / 18 - 12:19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في العقد الأول من حكمه، نجح الرئيس حافظ الأسد في بناء نظام ممانع للتغيير، استطاع البقاء ثلاثة عقود، متجاوزا تهديدات داخلية وإقليمية ليست هينة. لكنه دفع مقابل ذلك انغلاقا مطردا وافتقارا لآليات تغيير ذاتية. فتثبته على هاجس البقاء، دفع النظام إلى تطوير النظام حساسيته حيال مصادر الخطر المحتملة: كان يسحقها ما استطاع (كل ما اعتبره مخاطر داخلية)، ويتكيف معها حيث لا مناص (المخاطر الخارجية)، لكنه كان كتيما حيال تجديد دمائه وترقية قدرته على التلاؤم. لقد بنى مؤسس النظام آلة حكم متينة، لكن ليس صناعة حكم متكاملة. إنه مثل صاحب الحرفة الماهر الذي يتقن عمله، لكنه يأخذ أسرار حرفته معه.
وليس إلا طبيعيا أن كان الاهتمام بانفتاح النظام محدودا بالنظر إلى أن الرهان الذي تطلع إليه، وفاز به، هو البقاء في السلطة "إلى الأبد"، كما كان يتردد ثلاثا كل يوم على ألسنة تلاميذ المدارس السورية. ولم يكن من المفاجئ أن يكون مفهوم النظام للبقاء سكونيا وليس ديناميا، منشغلا بإقصاء وضرب أي منافسين داخليين محتملين لا باستيعابهم أو تطوير طاقة النظام على التفاعل والتجدد ضمن ظروف متغيرة. وليس ثمة ما يشير إلى أن العهد الحالي يتبين أهمية وجود آليات للتصحيح الذاتي أو إجراءات تعديلية تدخل قدرا من المرونة على النظام وتحسن لياقته وتحد من تصلب مفاصله. بل إن ما أفضى إليه مؤتمر حزب البعث الأخير من توحيد وتركيز السلطة دلت على أن نظام الحكم السوري يعمل بجد على إغلاق الباب أمام إبداعية قطاعات من المجتمع السوري أشكالا سلمية وعلنية لتملك المجال العام والمشاركة فيه. هذا دون أن يقترح عليهم أي بديل، ودون أن يشعر أصلا بأن عليه، بحكم احتلاله للدولة، أن يقترح عليهم أشكالا مناسبة من العمل العام. بإغلاق نافذة المشاركة يغلق النظام على نفسه نافذة آمنا للتجدد والانفتاح والتغيير. هذا مسلك يجمع التطرف واللاعقلانية.
اليوم تتواتر حوادث واختلالات تدل على أن النظام الموروث يدفع ثمن احتكاره المطلق للسلطة عجزا متفاقما عن التكيف. فما كسبه في مجال تركيز السلطة وإطلاقها يخسره في مجال فرصه في الدوام. وإذ نجح في تحصين نفسه وحمايتها من بيئة اجتماعية يعتبرها غير ودودة، ومن بيئة إقليمية متقلبة فقد أمسى، ضحية نجاحه بالذات. وإذ استطاع تحطيم المبادرة الفردية والاجتماعية المستقلة فقد أصيب بالعدوى، وبات هو ذاته عاجزا عن المبادرة وتجديد الذات.
نريد من ذلك أن سد النظام أبواب التغيير أمام المجتمع السوري أفضى إلى سد أبواب التكيف أمامه هو بالذات. وهو ما يظهر على شكل "أخطاء"، ومزيج من الاندفاع المتهور والشلل المقعد، وتفكير سياسي مرتجل يجمع بين الانفصال عن الواقع وفقدان الاتساق الذاتي. نريد كذلك أن افتقاره على آليات تغيير ذاتية تمكنه من تجديد شبابه هو الثمن الذي يدفعه لنجاحه في تعقيم المجتمع المحلي واستئصال إرادة التغيير وروح المبادرة منه. إن الباب الذي يمكن أن تأتي منه الريح العاصفة هو ذاته الباب الذي يأتي منه الهواء المنعش. وقد يكون الاختناق ثمنا للإفراط في تطلب الحماية والأمن.
يكتمل مشهد الانغلاق حين ينضاف الافتقار على آليات تعرف مستقلة على المشكلات الاجتماعية والوطنية إلى الافتقار إلى آليات التغيير الذاتية. فهنا أيضا وقع النظام ضحية التسييس المفرط للمعرفة والمعلومات والإعلام وسعيه لاحتكارها والاستئثار بها. لقد نجح في ذلك بالفعل، لكن نجاحه ارتد عليه على شكل تدن مريع في المستوى الفكري والثقافي لطاقم الحكم بقض وقضيضه.
غياب آليات التغيير والتعرف يتجسد في معادلين جهازيين، الأمن والإعلام، يضمن فعلهما المتضافر كبت الرأي والتعبير الحر من جهة، والتجمع والانتظام المستقل من جهة أخرى، ما يتكفل ببقاء البلاد تحت ما سميناه غير مرة خط الفقر السياسي.
يثير هذا الشرط جملة من الأسئلة المشروعة: كيف يمكن وضع سياسات ناجعة ومتماسكة في ظل تدن ديناميكي لقدرة الفاعلين السياسيين المحتملين على استقبال المعلومات ومعالجتها وتحليلها؟ ودون إعلام حر ونقاش عام حر وآمن وجامعات مستقلة ونظام تعليمي غير محتكر لصالح تيار إيديولوجي سياسي بعينه..، من أين للمجتمع السوري أو للنظام ذاته أن يكون صورة مناسبة عن الوقع الذي يعيش فيه؟ ومن أين له أن يطور سيطرته على واقع لا يعرفه أو يحوز صورة مزيفة عنه؟ وكيف لا تنفلت شروط حياته مستقلة عنه وتتدنى سيادته على الواقع حين لا يستطيع تسمية الأشياء بأسمائها واستقلاب أو تمثل الواقع؟
وبمصادرة هوامش الحراك العام المستقل، ألا تدفع البلاد دفعا نحو دوائر التطرف والإرهاب والعنف، تجسيدات اللامعقول السياسي؟
لا تستطيع الدول والمجتمعات أن تعيش خارج التغيير في عصرنا. والمسألة ليست بحال فيما إذا كنا سنتغير أم لا، بل فيما إذا كنا سنحاول السيطرة على التغيير والتحكم به وضبط مفاعيله والتمرس بقيادته ومواجهة مفاجآته والإفادة من ثماره المحتملة، أو سنقطع الدروب في وجهه، ما يقود عمليا إلى الانجراف في مجاريه ومعاناة آثاره المفككة. إن أمواج العولمة الاقتصادية والإعلامية والثقافية والسياسية تضرب بقوة متزايدة شاطئ نظامنا السياسي غير المرن. وتفاعل ديناميكية العولمة مع جمود النظام السياسي يثير قلقا متصاعدا بخصوص صيغ التغيير المحتملة وآثارها على الكيان الوطني والوحدة المجتمعية. وبعد احتلال العراق استقرت مسألة التغيير ضمن إشكالية داخل/ خارج، التي تعكس راهنية مطلب التغيير من جهة، واستعدادا انفعاليا وغير نقدي لتقبل أي تغيير حين يمتنع التغيير عقلاني من الداخل من جهة أخرى. هنا أيضا لا يشعر النظام بأن عليه أن يقترح مخرجا عقلانيا من شرط يزداد حراجة وتغذية للتشوش والأوهام والمطامع والمخاوف، المزيج الانفجاري الأخطر.
الخلاصة التي يصل إليها المراقب العقلاني كل مرة هي أن اللاعقل يقودنا بثبات قدري نحو المحتوم. قبل أكثر من ثلاثين عاما كتب ياسين الحافظ عن "اللاعقلانية في السياسة العربية"، كاشفا تعارض مناهج السياسة العربية مع أهدافها، وتوغّل عرب المشرق، أكثر وأكثر، في مسار الهزيمة والتعفن. اليوم اللاعقلانية لا تقود إلى الهزيمة والفشل في تحقيق الأهداف، بل إلى الانحلال، وربما تحطم الكيان السياسي ذاته. قد يقال: أليس هذا عادلا من وجهة نظر التاريخ، ما دام هذا الكائن يضيف إلى الفشل في تحقيق أهدافه تدهورا مترقيا في قدرته على التكيف؟ ربما، غير أن التاريخ قلما يبالي بالأثمان الإنسانية.





#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لن ينجح تصدير الديمقراطية من أميركا للعرب؟
- تسمية الأشياء بغير أسمائها: الإعلام محصنا ضد الحقيقة
- خوض الحرب السابقة
- إصلاح سوريا ولبنان للإصلاح بينهما
- سياسة الفرط والبعثرة: إعادة احتلال الميدان العام في سوريا
- من أين يأتي التغيير؟ جدليات الداخل والخارج في -الشرق الأوسط-
- السيف والندى: تأملات سياسية
- في تضاعيف المسألة الإرهابية
- الإسلاميون ومبدأ الشرعية المتساوية
- علمانية في العالم الاجتماعي أم في عالم المثل؟
- علمانية وإسلامية وديمقراطية في السجال السوري
- حقائق وزير الحقيقة البعثي
- الانحلال حلا: تأملات لا عقلانية في الشرط العربي
- البعثية السورية: من الإرادوية إلى الإداروية
- استعصاء
- وحيدا على قيد البقاء المطلق: حزب البعث في أسر السلطة
- هايل ابو زيد: آخر ضحايا نظام الاستثناء الأمني
- كلام على هيبة الدولة
- بين السلطة والإخوان: لا بديل عن التفاوض
- مخرج عقلاني من وضع مقلق


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - أوجه اللاعقلانية في السياسة السورية