زياد عبد الفتاح الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 4735 - 2015 / 3 / 1 - 23:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منظومة الغرب واسترتيجية الارهاب والفوضى الخلاقة... ( كيف ولماذا يتم إستخدام هذه الاستراتيجية ؟؟)
لقد أصبح الارهاب بكل أشكاله ( ولاسيما في العقدين الاخيرين) سمة رئيسية من سمات هذا العصر الذي يُمكننا أن نسميه ليس فقط بعصر الامبريالية والعولمة والهيمنة على شعوب العالم الثالث , بل أيضاً بعصر الارهاب , ونقصد به الارهاب الذي تُعاني منه الشعوب والدول في العالم الثالث وخاصة في العالم العربي والشرق الاوسط بهدف اضعافها وتقسيمها وتفتيت مجتمعاتها والهيمنة على مقدراتها وثرواتها والتآمر على وحدتها واستقلالية قرارها الوطني .
وإذا إستعرضنا مختلف أشكال الحروب والتطرف والارهاب الذي تمت ممارسته على شعوب العالم ولا سيما في الشرق الاوسط , وسواء كان هذا الارهاب يأخذ شكل العدوان العسكري المباشر من قبل الدول الامبريالية في حلف الناتو كما حدث في العراق وأفغانستان وليبيا وبعض الدول الفريقية , أو يأخذ أشكال التمييز والعنف العنصري والاغتيالات الذي تُمارسه المنظمات الشوفينية واليمينية والكيانات العنصرية , كما يحدث للفلسطينيين العرب تحت الاحتلال الصهيوني أو كما يحدث في الاقاليم الجنوبية والشرقية من أوكرانيا من قبل سلطات كييف اليمينية المُتطرفة , أو يأخذ اشكال التطرف الديني والعنف التكفيري والطائفي كما يحدث في دول المشرق العربي والعالم الاسلامي في السنوات الاخيرة على يد الجماعات الاسلامية والتكفيرية من تنظيمات السلفية الجهادية . فإننا سنجد من كل ذلك أن القاسم المشترك بين جميع هذه الادوات والتدخلات والاعتداءات العسكرية والاساليب الارهابية بمختلف أشكالها ودوافعها ومصادرها المباشرة والمستترة أو الغير مباشرة , يُمكن إرجاعه في نهاية المطاف الى الطغمة السياسية والرأسمالية الحاكمة في دول المنظومة الرأسمالية الغربية والتي بدورها تُمثل الشرائح الطبقية العليا من رأسمالية الاحتكارات في القطاعات الصناعية والتجارية والمصرفية والتي تمتلك بدورها البنوك الضخمة والكارتيلات التجارية والصناعية الكبرى بما في ذلك شركات النفط العملاقة وشركات الصناعة الحربية , هذا الى جانب الشرائح العليا من الرأسمالية الطفيلية التي تغتني من مضاربات البورصة والاسواق المالية وتجارة الحروب والاسلحة .
وهذه الطغمة الطبقية والرأسمالية الحاكمة في الغرب تمتلك من القوى المالية الهائلة والجبروت الرأسمالي ما يُمكنها ليس فقط من السيطرة على النظام الديمقراطي والسلطة السياسية في دول المنظومة الغربية , بل يُمكنها أيضاً من السيطرة على طبيعة وتركيبة القوى السياسية والاجتماعية والدكتاتوريات العسكرية والعشائرية العميلة التي تحكم الكثير من دول العالم الثالث ولا سيما التي تدور في فلك الولايات المتحدة والغرب وتتلقى الدعم والحماية من القوى السياسية الحاكمة في الغرب .
ففي اطار الهيمنة على النظام الديمقراطي في الدول الغربية , يُمكننا القول أن القوى الرأسمالية والشرائح الطبقية العليا في الغرب تتحكم بلا شك بسير العملية الديمقراطية والحملات الانتخابية من خلال سيطرتها على الصحافة وأهم وسائل الاعلام , وهي بذلك تستطيع أن تُقرر طبيعة الاحزاب الرئيسية التي يُفترض أن تتناوب على الحكم والمعارضة , وهي على أية حال أحزاب لا تختلف جوهريا ً فيما بينها سوى من حيث التسمية أو التصنيف الشكلي بين اليمين واليسار . ولكنها في حقيقة الامر تخضع لتأثير نفس القوى المالية والشرائح الطبقية العليا التي تحكم المنظومة الرأسمالية في الغرب . وهنالك أمثلة كثيرة على ذلك , ففي بريطانيا يتناوب على السلطة والمعارضة حزب العمال وحزب المحافظين , وفي الولايات المتحدة الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي وفي فرنسا حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية الديغولي والحزب الاشتراكي الفرنسي .....الخ
أما في اطار الهيمنة على دول العالم الثالث , فنجد أن القوى الرأسمالية في الغرب تُركز اهتمامها وفرض نفوذها وسيطرتها على الدول التي تمتلك ثروات طبيعية ونفطية هائلة , كالعراق والسعودية ومشيخات الخليج وبعض الدول العربية والافريقية في شمال ووسط القارة الافريقية , وبعض دول امريكا اللاتينية . كما تسعى قدر الامكان الى فرض نفودها على الدول التي تتمتع بأهمية استراتيجية وجيوسياسية كبيرة أو ذات وزن سكاني وعسكري كبير كالباكستان وأندونيسيا والفيليبين والمكسيك وتركيا ومصر .... ويتم ذلك من خلال عمل تحالفات سياسية واستراتيجية مع الأنظمة المنتفعة في هذه الدول .
ولكي تضمن الطغم السياسية والامبريالية الحاكمة في الغرب استغلال ميزانيات دولها وشعوبها في الانفاق العسكري وشن الحروب العدوانية لما تدره عليها هذه الحروب من أرباحٍ خيالية على حساب دافعي الضرائب من الطبقات الوسطى والعاملة ولكي تتابع استغلال ونهب ثروات الدول الصغيرة والنامية في العالم الثالث , لذا فهي تعمل جاهدة بالتعاون والتنسيق مع حلفائها وعملائها في العالم من أجل التحكم والسيطرة على موازين القوى العالمية بكافة السبل المُتاحة بما يضمن لها السيطرة والهيمنة المطلقة على المسرح السياسي العالمي . وقد لجأت في سبيل ذلك الى شن الحروب العدوانية ودعم المنظمات اليمينية والدينية المتطرفة والجماعات الاسلامية التكفيرية لنشر الارهاب والعنف والفوضى والدمار الشامل والصراعات الداخلية المسلحة من خلال زرع الفتن والنزاعات العرقية أو القبلية أو الطائفية حيثما وأينما أتيح لها ذلك , وخاصة في العالم العربي والشرق الاوسط . وهي تهدف من وراء ذلك ليس فقط إضعاف شعوب ودول هذه المنطقة والهائها بصراعات داخلية ونزاعات اقليمية وبالتالي إبعادها عن أولويات النضال والتحرر الوطني في مواجهة أعدائها الحقيقيين من الامبرياليين والصهاينة , بل تهدف أيضاً الى تضليل الرأي العالمي وإثارة قلق ومخاوف شعوب الغرب الرأسمالي من خطر الارهاب والتطرف الاسلامي لتبربر الانفاق العسكري لمحاربة الارهاب وشن الحروب والتدخلات العسكرية بكل أشكالها . سواء كانت تدخلات عسكرية شاملة تم شنها تحت شعار محاربة الارهاب وتنظيم القاعدة كما حدث في غزو أفغانستان عام 2001 . أو كما حدث في غزو العراق عام 2003 بحجة إسقاط " النظام الدكتاتوري" في العراق قبل وقوع أسلحة " الدمار الشامل " التي في حوزته بيد تنظيم القاعدة والجماعات الارهابية . أو حتى من خلال تدخلات عسكرية محدودة إقتصرت على استخدام سلاح الطيران كما حدث في ليبيا عام 2011 . هذا عدا عن الاعتداءات الجوية التي لا تعد ولا تُحصى والتي تقوم بها طائرات عسكرية من دون طيار وتحصد معها آلاف الارواح من المواطنين الابرياء .
ولكن مع ظهور الازمات الاقتصادية الخانقة في الولايات المتحدة وأوروبا وعجز ميزانياتها عن خوض حروب واعتداءات عسكرية مباشرة , ومع تنامي الضغط الذي يُمارسه الرأي العام في الغرب والمعارض بشدة لهذه الحروب والاعتداءات , فقد بدأت استخبارات المنظومة الغربية في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ولا سيما مع بدء ثورات الربيع العربي بتبني استراتيجية جهنمية جديدة ومُدمرة بالاعتماد على عملائها وحلفائها في الشرق الاوسط . وتقوم هذه الاستراتيجية على دعم وتمويل وتسليح ونشر أعداد هائلة من الجماعات الاسلامية المتطرفة واستخدامها ليس فقط للقيام بعمليات إرهابية في مناطق متفرقة من العالم , بل لممارسة الارهاب والقتل والتفجيرات والعنف الطائفي والدمار الشامل في أجزاء عديدة من العالم العربي وعلى نطاق واسع . وقد لجأت المنظومة الامبريالية في الغرب لهذه الاستراتيجية المُدمرة في الشرق الاوسط تحت مجموعة من العوامل والاعتبارات , من أهمها :
أولاً : تجنب التدخل العسكري المُباشر في المنطقة مع شعورها بالخطر على نفوذها ومصالحها الاستراتيجية بعد اندلاع الثورات والانتفاضات الشعبية في تونس ومصر واليمن والبحرين .... والتي نجحت باسقاط النظام التونسي ثم نجحت بعد ذلك في مصر باسقاط نظام مبارك وهو أكبر وأشد الانظمة العربية فساداً وعمالة وولاءاً للغرب والكيان الصهيوني . لذا استخدمت الاسلام السياسي الممول خليجياً والجماعات التكفيرية المسلحة ليس فقط لحرف وإجهاض هذه الثورات , بل أيضاً لنشر الدمار والخراب والفوضى الامنية في المنطقة على نطاق واسع .
ثانياً : الحد من تمدد نفوذ الجمهورية الاسلامية الايرانية من خلال جبهة المقاومة وتحالفها مع النظام السوري في قيادة هذه الجبهة الداعمة للمقاومة اللبنانية والفلسطينية , وذلك بإطلاق الجماعات التكفيرية السنية المسلحة في المنطقة وتصعيد العنف والصراع الطائفي بين السنة والشيعة لكي يؤدي الى خنق النفوذ والدعم الايراني لجبهة المقاومة بأسلوب طائفي .
ثالثاً : اسقاط النظام السوري المتحالف أقليمياً مع الجمهورية الايرانية ودولياً مع روسيا الاتحادية والصين , لما يُشكله ذلك من خطر مباشر على اختلال موازين القوى الاقليمية والدولية في غير صالح الغرب . وبذلك أصبح إسقاط النظام السوري هدفاً رئيسياً للغرب من خلال توظيف الجماعات المسلحة للاخوان المسلمين وتنظيمات القاعدة والسلفية الجهادية تحت غطاء ما يُسمى بالثورة السورية وذلك بالتعاون مع الاستخبارات السعودية والقطرية والتركية والاردنية وقوى 14 آذار في لبنان .
رابعاً : إضعاف النفوذ الروسي في المنطقة من خلال ضرب وإضعاف النظام السوري , مع العمل على تهديد الامن القومي الروسي في حال سقوط سوريا كلياً أو جزئياً بيد الجماعات الاسلامية من تنظيمات القاعدة المُختلفة . وهي تنظيمات يُشارك فيها أعداد كبيرة من المقاتلين والقيادات الشيشانية منذ اندلاع الازمة السورية عام 2011 . وهذه الجماعات الشيشانية المسلحة على اتصال وتنسيق كامل مع الجماعات الشيشانية المُتطرفة في مناطق القوقاز الروسية , والتي تُنفذ بين فترة وأخرى اعمال إرهابية في مناطق مختلفة من الجغرافيا الروسية .
خامساً : توجيه هذه الجماعات المسلحة ليس فقط لاضعاف وتقسيم وتفتيت مجتمعات المنطقة طائفياً وقبلياً وعرقياً , بل أيضاً لاستهداف جيوش الانظمة العربية في سوريا ولبنان والعراق ومصر وليبيا واليمن ...الخ من خلال الاعتداء عليها واستنزافها في معارك داخلية بهدف إنهاء الصراع العربي الاسرائيلي وتحويله الى صراعات داخلية وإقليمية وطائفية لا نهاية لها .
سادساً : نهب وابتزاز الثروات النفطية ولا سيما في سوريا والعراق وليبيا من خلال سيطرة الجماعات المسلحة على بعض آبار ومصافي التكرير وحتى بعض موانئ التصدير , حيث تقوم هذه الجماعات بدورها ببيع النفط المسروق بأسعار زهيدة جداً لتركيا والدول الاوروبية المتآمرة ومن ثم استخدام عائداتها لشراء المزيد من الاسلحة من هذه الدول ومن الكيان الصهيوني لكي تستخدمها لمزيد من العنف والارهاب والدمار والفوضى الامنية في المنطقة .
إذاً يُمكننا القول أن القوى السياسية والطبقية الحاكمة في الغرب قد وجدت في استراتيجية الارهاب والتطرف الاسلامي والجماعات التكفيرية المسلحة ضالتها المنشودة لكي تُوظفها من وراء الستار وبالتعاون مع عملائها وحلفائها في الشرق الاوسط من أجل تحقيق جملة من الاهداف الاستراتيجية التي لا تستطيع تحقيقها من خلال تدخلاتها العسكرية المباشرة .
#زياد_عبد_الفتاح_الاسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟