فارس خليل ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 4734 - 2015 / 2 / 28 - 14:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يبدو أن الوقت الذي نحن بحاجة إليه لتطهير الموصل من براثن "منظمة" داعش الإرهابية لا يعدو أكثر من الوقت الذي تتطلبة فترة التدريب الأساس لتخريج دورة من المقاتلين القادرين على خوض حرب المدن ضمن السياقات العسكرية الأمريكية .
فنحن نذكر أن مدة التدريب في مراكز التدريب العسكري للجيش العراقي السابق كانت ثلاثة اشهر من الاعداد البائس والذي يمكن ان يختزل الى شهر واحد من الاصطفاف والهرولة الغبية, في حين ان فترة الستة اشهر هي المعدل الطبيعي للتدريب المقاتلين المشاة في الجيش الأمريكي الذي يبدو أنه قد تولى مهمة تدريب مقاتلين من العرب السنة وهم على كل حال من ابناء المؤسسة العسكرية والامنية العراقية السابقة والتي ستتكفل بمهمة اقتحام الموصل ,التي ستكون سريعة ,كون تكتيك داعش العسكري يتجنب خوض اي معركة دفاعية خاسرة، لذا سيؤثر الانسحاب الى الاراضي السورية حتماً, بعد ان اقتربنا من حسم ملف الحرس الوطني والذي كان حجر عثرة بين الحكومة العراقية والاحزاب الممثلة للعرب السنة!، والذي يعني بدورة حسم الملف السياسي في محافظة الأنبار ,الملف الاكثر تعقيداً في الساحة العراقية .
وستكون تلك القوة المقاتلة اليد التي ستثأر بها القبائل العربية السنية مثل (الجبور , البو فهد ,البو نمر ,العبيد.. الخ)بصورة غير مباشرة من قتلة ابنائهم ممن هم من ابناء بعض العشائر المتورطة بالدم السني في المحافظات الغربية.
ان حسم هذه الملفات العالقة بين اقطاب الحكومة العراقية سيعزز من مكانة المحافظات والاقاليم على حساب سلطة الحكومة الاتحادية؛ وسيفسح المجال واسعاً لانخراط الفصائل السنية المسلحة في المؤسسة الجديدة(الحرس الوطني)، ما سيجعل داعش مكشوفة من الداخل الى الخارج بسبب مشاركة تلك الفصائل في صفوف المقاتلين الذين يتم اعدادهم لخوض تلك المعركة. نعم إن انصهار أعضاء تلك الفصائل في هذه القوة المقاتلة لن يكون بإسم فصائلهم ,لكن سيكون لتلك الفصائل الدور الاكبر في رسم معالم الخارطة السياسية في المنطقة الغربية بعد تأسيس الحرس الوطني وجلاء داعش من محافظة الموصل.
فنحن امام مشهد سياسي جديد تكون فيه الغلبة والكلمة المطاعة لمن حمل السلاح والخاسر الاكبر فيها ,القيادات السنية التي اشعلت نار الفتنة في المحافظات الغربية ولجأت الى الخارج تاركين محافظاتهم في حالة من الفوضى والسخط العارم على تلك القوى والشخصيات التي بدأت تتبادل الاتهامات من اربيل وانقرا وعمان ,حول من تعاون مع داعش وادخلهم الى تلك المحافظات.بغرض التسقيط السياسي ومحولة حجز مقعد ما في المرحلة القادمة والتي على مايبدو ستكون لتلك القيادات الجديدة ,والمتحالفين معها من اجل ازاحة القيادات القديمة التي ستحاول اللجوء الى التكوينات العشائرية وبعض التشكيلات العسكرية للحفاظ على بعض المكاسب دون جدوى, فالمشهد الجديد لا يحتمل التنوع ما يعني صراعاً محتوماً بين تلك القيادات الجديدة التي دخلت المعترك السياسي من خلال فوهة البنادق (وهذا يعني الكثير) وبين القيادات التقليدية القديمة بعد (جلاء) داعش من الموصل والمحافظات الغربية ذات البعد القبلي والعشائري أي ازدياد حالة الاستقطاب والفرز في صفوف المنطقة الغربية ,ولجوء تلك القيادت القديمة الى الدعم الخارجي لاعادة توزيع مناطق النفوذ هناك.
ولاغرابة ان تلجاْ تلك القيادات للاستعانة بقوى اقليم كردستان كورقة ضغط مقابل بعض التنازلات وغض البصر داخل البرلمان وخارجة عن استطالة الاقليم على المنطاق العربية مما سيثير استياء العرب السنة على تلك القيادات القديمة التي افلست في هذه اللحظة تمام الإفلاس عند الشارع السني,وستحاول القوى السنية الجديدة جاهدة تخفيف حالة التذمر في تلك المناطق على تلك الاعتداءات الكردية المتكررة من خلال الحليف الأمريكي الذي يراهن دائما على الاقوى والذي سيدفع بدوره الى تجميد التمدد الكردي على القرى والقصبات العربية ودفع القوى السنية الجديدة الى فتح ملف المناطق المختلطة والمتنازع عليها(نعم سنسمع هذا الاسطلاح قريبا) بين المحافظات الغربية من جهة ومحافظات الوسط و الجنوب من جهة ثانية لتحقيق المكاسب في الأماكن التي يمكن أن تتحقق فيها,وذر الرماد في عيون أبناء المحافظات الغربية وإلهائهم عن التمدد الكردي في الشمال,وكلما إزدادت وتيرة الصراع الأمريكي الإيراني في المنطقة كلما برزت هذه الورقة على السطح ليتبعها فيما بعد ورقة المياه في الصراع القادم بين بغداد وأربيل والأنبار.
كردستان ستنجو هذه المرة ايضا وبمزيد من المكاسب التي حققتها قيادتها السائرة بقوة في مخطط تقسيم المنطقة الذي يعني (كياناً كردياً) في الافق ,بعد الضمانات الأمريكية والتركية لإقامة ذلك (الكيان) الذي يضم بين جنباته أكراد إيران والعراق وسوريا والنفاذ الى البحر المتوسط على أن يتخلى هذا (الكيان) عن أكراد الدولة التركية (الحليف الستراتيجي الثاني لأميركا في المنطقة) والراعي الإقليمي الأول لهذا الوليد الجديد, ,مقابل الدور الكردي في تمزيق وحدة الاراضي التي سيتمدد فيها والمكاسب النفطية والفرص الاستثمارية الكبيرة للشركات التركية والاميركية وتعويض اوربا بالغاز الكردي الرخيص عوضاً عن غاز روسيا الرخيص في حالة نشوب صراع اممي مع الاخيرة.
لكن معضلة كركوك ستؤرق الجميع مما يعني بعض اللين من الجانب الكردي لحكومة بغداد لتحييد القيادات الجديدة للعرب السنة في هذه المحافظة التي ستكون فتيل الصراع القادم بين الاكراد والعرب السنة عما قريب,فكركوك ليست لأحد كركوك لكل العراقيين وهذا ما لاتستطيع ان تستوعبة أربيل فرائحة النفط تسكر عقول سياسييها وتثير أطماعهم. وهنا ستنجح أربيل مرة اخرى في تكبيل العرب السنة في هذا الصراع من خلال استقطاب أغلب الاقليات الإثنية في المحافظات الشمالية الى جنب المشروع الكردي بعد التجربة المريرة لتلك الاقليات علي يد مقاتلي داعش والعشائر المتحالفة معها,فالعرب السنة الخاسر الأكبر في هذا الصراع.
لذلك ستحاول تلك القوى السنية تعويض تلك الخسائر على حساب ركوب اي مغامرة لضرب الجسد الشيعي الرخو المتمثل بالاحزاب الشعية التي لا تعي معنى الدولة وفن إدارة الصراع وتوجيهه,هذا الأمر الذي سيدفع بالقوى السياسية التي وقفت خلف الفصائل الشيعية المسلحة الى ضرب جدار ناري حول المنطقة الخضراء بعد ان اصبح الحرس الوطني يطوق عملياً جزاء من بغداد,هذه الفصائل المسلحة التي ستزيح شيئاً فشيئاً الأحزاب والقيادات الشيعية القديمة من خلال الانتخابات القادمة وفرض هيمنتها على الشارع العراقي الذي يدين بالكثير لها إبان أزمة الموصل وتحرير المناطق المغتصبة من داعش وسط تخبط مخجل للأحزاب والقوى الشيعية التي قادت المشهد الشيعي منذ عام 2003 حتى سقوط الموصل وافتضاح الفساد الكبير الذي ينخر مؤسسات الدولة العراقية التي تهيمن عليها هذه الأحزاب المتربحة من الأزمات,والتي عمقت بسياساتها الطبقية التفاوت الطبقي بين أعضاء هذه الأحزاب ممن ينتمون الى البرجوازية العقارية والفئات البيروقراطية المهيمنة على مقدرات البلد من خلال جسد الدولة ومؤسساته لإعادة تقسيم الريع النفطي لصالح تلك الفئات والشرائح الطفيلية العفنة وسط بؤس وحرمان يضرب بأطنابه عامة الشيعة في العراق. ما سيضعهم عاجلاً ام أجلاً وجها لوجه أمام القوى الممثلة للفصائل الشيعية المسلحة التي تسعى الى أخذ استحقاقها السياسي وبما يناسب دورها وتأثيرها في الشارع بعد تعثر المؤسسة العسكرية المتكرر والذي توج بسقوط الموصل وفساد المؤسسات الحكومية التي تأمل بها المواطن من الطائفة الشيعية خيرا لرفع بعض الحيف الذي لحقه في الحقب الماضية.
هذا المشهد الذي يغلي ببطء ,سيستعر فجأة بعد وفاة المرجع الديني السيد (علي السيستاني) الذي يمثل بيضة القبان في حلبة صراع القوى الشيعية على السلطة وعدم قدرة المراجع (الشيخ بشير النجفي,الشيخ محمد اسحاق الفياض, السيد محمد سعيد الطباطبائي, الشيخ اليعقوبي) سد الفراغ الذي ستتركه وفاة هذا المرجع وتمزق الحوزة الشيعية في النجف الأشرف وسط استقرار حوزة قم المقدسة,ومحاولات فاشلة لتصدّر المشهد الحوزوي من مراجع عدة من داخل العراق وخارجة وإعلان الأعلمية دون جدوى,فهذه بداية عصر جديد وقيادات جديدة وأفول مرحلة القيادة الحوزوية النجفية القديمة اننا نفتتح مرحلة ستسمى على الاغلب (مرحلة ماقبل وفاة السيستاني ومرحلة مابعد وفاة السيستاني) ,فهذه الوفاة المتوقعة ستلّتحم مع عناصر السيرورة المتصاعدة في البلد والمنطقة؛لتفرز فيما تفرز قيادات دينية شيعية من نمط آخر لم نعتد عليه,مع استمرار تأثير المرشد الأعلى للثورة الإسلامية (علي الخامنئي) في الشارع العراقي من خلال دعم الفصائل الشيعية المسلحة التي تكفلت بحماية وتحرير المناطق التي سيطرت عليها منظمة داعش الإرهابية واعادة ترتيب المشهد الحوزوي الجديد لتلافي اي تقاطع محتمل مع هذا المشهد الجديد في الحوزة.
هذا كله سيفرز مشهداً كونفدرالياً على أرض الواقع تكون فيه الكلمة لحملة السلاح والذين يجوبون الشوارع.
(كيان) كردي شبه مستقل يسعى لإستكمال شروط الانسلاخ عن الجسد العراقي عند اقرب فرصة,وحرس وطني لايطيع الاّ قادته يسعى إلى الإطباق على بغداد واستغلال أي غفلة لإختراق العاصمة وإعادة ترتيب الأوراق من جديد,وأغلبية شيعية مترنحة لا يجيد من يدعون تمثيلها علم إدارة الدولة والصراع الطبقي وتوجيهه,وقيادات شيعية جديدة تحاول إزالة تلك الفئات القديمة المترهلة,بالشرعية التي منحت لها أثناء تصديها لخطر داعش ودفعه عن الجسد الشيعي خصوصاً والعراقي عموماً,وحوزة علمية علينا أن نتكيف مع واقعها الجديد.
هكذا وبعد أن أعادة الولايات المتحدة ترتيب البيت العراقي وتحديد قنوات الصراع فيه؛ستلتفت حتماً إلى البيت الإيراني محاولة إعادة ترتيبه بما يخدم الخطوة القادمة في صراعها المحتوم مع روسيا والصين.
//إيران//
قبل عدة أيام مرّ خبر مفاده قيام أجهزة الأمن الإيرانية بتفكيك خلية إرهابية في محافظة سيستان بلوشستان جنوب غربي إيران في المنطقة المحاذية لباكستان وذات الغالبية السنية,دون ان يلتفت احد لهذا الخبر,رغم مشاركة تلك المجموعة الإرهابية بهجمات مسلحة عدة على القوات الإيرانية في تلك المحافظة.
فقد ازداد ـ وحسب خبراء امنيين ـ نشاط جماعات إرهابية عدة في إيران وبالتحديد عند التخوم المحاذية لباكستان أمثال (جيش النصر، و جند الله، وجيش العدل) بالاضافة الى بعض الجماعات الكردية المسلحة التي تجول بالقرب من الحدود الإيرانية العراقية التركية للبحث عن موطئ قدم في قابل الايام الذي سيشهد تحركاً أمريكياً لإحداث البلبلة في الجمهورية الإسلامية ومحاولة تمزيق الدولة الإيرانية من خلال دعم بعض الجماعات المسلحة في الجنوب الغربي ذات الغالبية السنية لتشعل فتيل الأزمة؛فيتبعها قيام الأكراد في أقصى الشمال الغربي وبمحاذاة الحدود العراقية التركية إعلان التمرد وحمل السلاح وبدعم تركي صريح لن يحدث دون ان يتفسخ المشهد العراقي وضمن المنظور الأمريكي,وفقدان الشيعة السيطرة على البلاد,فقد اصبحت إيران الرقم الصعب الأخير الذي يجب أن يكسر قبل المواجهة المحتومة التي تحدث عنها كيسنجر ضد روسيا والصين معاً.
فقد صرح هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق لصحيفة الديلي سكيب النيويوركية وهو المقل للمقابلات الصحفية:"إنّ أجراس حرب عالمية ثالثة قد بدت تدق في الأفق وطرفاها هما الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا وإيران من جهة أخرى".
مضيفاً:"إن كلاً من الدبّ الروسي والتنين الصيني لن يقفَا موقف المتفرج ونحن نمهد الطريق لقوتنا ,..., وستصبح المهمة ملقاة على عاتق جنودنا، وأقصد هنا الأمريكيين والغربيين بصفة عامة،المدربين جيداً والمستعدين في أيّ وقت لدخول حرب عالمية ثالثة ".
مؤكداً:"أنّ الدوائر السياسية والاستراتيجية الأمريكية طلبت من العسكريين احتلال سبع دول شرق أوسطية ,.., فالسيطرة على البترول هو الطريق للسيطرة على الدول، أما السيطرة على الغذاء فهو السبيل للسيطرة على الشعوب,.., وبقي حجر واحد علينا إسقاطه من أجل إحداث التوازن، والمتمثل بإيران".
هل هذا يكفي لكي لانتهم بهواجس نظرية المؤامرة؟
لكني على قناعة تامة بقدرة إيران على قمع أي محاولة إرهابية لإشعال البلد ولن تقف روسيا والصين وهما الأقرب لإيران متفرجتين لوقوع حليفتهما فريسة لهذه المؤامرة التي تستهدف إقامة نظام دولي جديد على ركام روسيا والصين وإيران.
فقد صرح كيسنجر وبدون لبس في التعابير:"إن شبابنا،في الولايات المتحدة والغرب،مستعدون لأنه تمت برمجتهم ليكونوا جنوداً جيدين.وعندما يصدر الأمر لهم بالخروج إلى الشوارع ومحاربة أولئك الصينيين والروس المجانين، فإنهم سيطيعون الأوامر. من الرماد سنقوم ببناء مجتمع جديد، وسوف تكون هناك قوة عظمى واحدة فقط باقية، وسوف تكون هذه القوة هي الحكومة العالمية".
لكن هل يمكن ان نتوقع خاتمة للاحداث ؟،بالتأكيد لا؛فالأمر مرهون بمتغيرات عدة منها ما هو في سيرورة مستمرة وبحاجة الى مقالات أخر تختص به ومنها ما هو غائب عن الأنظار سيفرض منطقه عند ظهوره.ويبقى الأمر مرهوناً وبشكل كبير الى حدة الأزمة الاقتصادية العالمية وقدرة الأقطاب البعيدة عن الهيمنة الأمريكية على النجاة منها؛فهذه الأزمة لم تعد ازمة دورية لرأس المال في هروبه الى الأمام.بل إن جانباً منها أمر مصطنع يعجّل بالآثار المدمرة للأزمة الدورية لرأس المال في المرحلة الراهنة وما أسباب انخفاض أسعار النفط المصطنعة بمجهولة عن الباحثين.
#فارس_خليل_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟