|
إعدام فرعون سينمايًا
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4731 - 2015 / 2 / 25 - 23:44
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
العداء للحضارة المصرية لا يتوقف ، سواء من الإسلاميين أو من العروبيين (المصريين بالاسم فقط) ونظرًا لقاموسهم المعرفى الفقير، فإنهم يُردّدون مُـغالطات التراث العبرى فى الديانة العبرية (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) عن (فرعون الطاغى) وأعتقد أنه لو أنهم قرأوا كتابًا واحدًا فى علم المصريات ، أو علم اللغويات ، لعرفوا أنّ النطق الصحيح هو (بر- عا) ومعناه فى اللغة المصرية القديمة (البيت الكبير) أو مقر الحكم ، وسيعرفون (لو قرأوا) أنّ العدالة الاجتماعية لم تتحقق فى العالم القديم ، إلاّ فى مصر القديمة ، باعتراف علماء علم المصريات ، أمثال برستد وأدولف إرمان، ونوبلكور، وأنـّـا رويز، وجان يويوت إلى آخر قائمة هؤلاء العلماء. وعندما أعلنتْ إيران أنها سوف تـُنتج فيلمًا بعنوان (إعدام فرعون) انقسمتْ الثقافة السائدة فى مصر حول هذا الخبر، فرآه ناصريون فرصة لتصفية حساباتهم مع الرئيس السادات الذى استقبل الشاه رغم عداء عبد الناصر له. والسادات زار القدس وهى من المحرمات العروبية. كما أن الإيرانيين (فى مهرجان المُزايدة) وصفوه بالخائن. والساداتيون ضد الفيلم (ليس من منطلق قومى أو الاعتزاز بجدودهم المصريين القدماء) إنما لأنّ قاتل السادات أطلق النظام الإيرانى اسمه على أحد شوارع إيران. أما الإسلاميون فإننى أكتفى بشهادة أ. منتصر الزيات (محامى الإسلاميين) الذى كتب إننا لو استقدمنا من أعمارنا ما استدبرنا لما قتلنا السادات. دون أن نعتبر الإسلامبولى (قاتل السادات) مخطئـًا (المصرى اليوم 26/7/2008) وهذه الشهادة تضعنا أمام ملحوظتين : الأولى أنّ سيادته يعترف بالاشتراك فى قتل السادات حيث صيغة الجمع ((لما قتلنا السادات)) فإذا كان هناك منفذون فهناك مخططون. الثانية الإصرارعلى أنّ الإسلامبولى لم يخطىء عندما قتل السادات. ومعنى ذلك أنّ كلامه يحمل تناقضًا داخليًا. وهذا التناقض له سوابق تاريخية لدى الأصوليين. أما الدفاع عن الإسلامبولى فهو خط ثابت لديهم. وقد عبّرعنهم أ. ضياء رشوان عندما تحدث عن تطور الإهتمام الناصرى بالإسلام الكفاحى ((فقد ترجمتْ هذه الكفاحية الإسلامية نفسها حركيًا فى مجموعة أحداث هامة. كانت قمتها هى إغتيال الرئيس السادات على يد الشهيد خالد الإسلامبولى ورفاقه)) (الناصرية والإسلام – مركزإعلام الوطن العربى صاعد – عام 91 ص 80) وما معنى إطلاق صفة الشهيد على الإرهابى الذى يقتل المختلف معه ؟ ألا يؤكد هذا الموقف على أن الإسلاميين يُصرون على طريق العنف الدموى؟ والشىء المُـلفت للنظر أنّ العروبيين والإسلاميين لم يهتموا عندما أطلق النظام الدينى الإيرانى اسم الإسلامبولى على أحد شوارع إيران بعد إغتيال السادات. فلماذا صمتوا كل هذه السنوات ؟ ولماذا لم يعترضوا على إطلاق اسم السادات على أحد الشوارع الرئيسية فى إيران ؟ وعندما أذاعت الفضائيات أنّ مخرجًا مصريًا سيخرج فيلمًا بعنوان (إمام الدم) توقفتُ أمام العنوان. ولأننى أعتبره من المخرجين المتميزين قلت فلأهمس له برأيى : أعتقد أن المقصود بإمام الدم هو الخومينى ومعه الآيات الذين استولوا على السلطة بعد الإطاحة بحكم الشاه ، وأغرقوا شوارع وميادين وسجون إيران بالدم ، وقتلوا الحلفاء قبل الخصوم. كما شهدتْ بذلك كل منظمات حقوق الإنسان العالمية . وقد تم تسجيل أسماء ما يزيد عن ألفىْ سجين ورد وقوعهم ضحية لموجة الإعدامات السياسية السرية فى الفترة من يوليو 88 ويناير89 (كتاب انتهاكات حقوق الإنسان فى إيران من عام 87 – 90 وهو من مطبوعات منظمة العفو الدولية) وأوضح آية الله يزدى رئيس الهيئة القضائية أنّ أعضاء جماعات المعارضة مثل منظمة مجاهدى خلق الإيرانية ، مدانون بصورة جماعية ((بشن حرب على الله)) و((بالفساد فى الأرض)) ومن ثم فهم معرضون للحكم عليهم بالإعدام)) (صحيفة إطلاعات 30/5/90 ) كما أنّ الآلاف من المعارضين السياسيين تم إعدامهم فى السنوات الأولى بعد وصول الآيات الى الحكم عام 79 (المصدر السابق ص 10) فإذا كان الآيات أغرقوا المجتمع الإيرانى بالدم ، وهى حقيقة لا يمكن إنكارها ، فإنّ عبد الناصر أدى دورًا رئيسيًا فى وصول الآيات المتعطشين للدم إلى السلطة فى إيران منذ فبراير63 والتفاصيل حكاها رجل المخابرات فتحى الديب فى كتابه (عبدالناصر وثورة إيران – مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام عام 2000) فذكر إنشاء محطة إذاعة باللغة الفارسية موجهة إلى شعب إيران من القاهرة (ص33 ،135 كمثال) ووافق عبد الناصرعلى إنشاء معسكر لتدريب الإيرانيين على ((التدريب العسكرى والفنى. وإمداد قيادة الحركة التحررية ببعض الأسلحة الخفيفة والقنابل والذخيرة والمتفجرات. واستعداد ج.ع.م (أى مصر) لتدريب أى أعداد من (المناضلين) الإيرانيين. وكان برنامج التدريب يشمل : قتال الصاعقة وحرب العصابات. استخدام لاسلكى. استخدام مفرقعات الخ)) (ص 103 ،104 ،116 كأمثلة) هذا بخلاف المبالغ المدفوعة نقدًا بعضها بالدولار وبعضها بالجنيه الاسترلينى وبعضها بالفرنك الفرنسى وبعضها بالفرنك السويسرى (ص 28، 76، 94) بخلاف الإقامة والمصروف الشهرى لأتباع الخومينى المُـقيمين فى مصر تمهيدًا للإطاحة بنظام الشاه. وكل ذلك من أموال شعبنا المصرى ، وليس من جيب عبد الناصر الخاص بطبيعة الحال . وعن علاقة عبد الناصر بالخومينى كتب فتحى الديب ((بادر الخومينى فور وصوله إلى أرض طهران من ملجئه بفرنسا – وبمنتهى الصراحة – أنه يعلنها لجميع أبناء الشعب الإيرانى ، أنه ومنذ بداية الحركة النضالية للثورة الإيرانية كان على إتصال مباشر ومستمر مع عبد الناصر الذى لم يتردّد فى دعم وتقديم كل احتياجات (الثورة) الإيرانية)) (مصدر سابق ص 145) واعترف بهذه العلاقة الكاتب الناصرى العتيد أ. عبد الحليم قنديل فكتب ((عارض عبد الناصر بشدة حكم شاه إيران وقدّم أوفر دعم مُمكن لحركة الخومينى (الثورية) منذ بداياتها القوية سنة 63)) (الناصرية والإسلام ص63) إذا ربطنا كل ذلك بموقف أمريكا التى لم تتدخل لصالح الشاه ، خاصة النفوذ الكبير لأمريكا فى إيران وأنّ ضباط أمريكا داخل جيش إيران بلغ عددهم عدة آلاف. كما أنّ عضوًا فى تنظيم خومينى اعترف بأنّ مندوب المخابرات الأمريكية إتصل به وأخبره أنهم على علم تام بنشاط ( المعارضة الوطنية) للتخلص من الشاه. وأنّ أمريكا استنفدت أغراضها منه نظرًا لعدم موافقتها على أسلوبه فى (ضرب الشعب) وأنّ أمريكا لن تتدخل فى خطة وأسلوب التحرك (الوطنى) الإيرانى وعدم التدخل لصالح الشاه. واستعداد أمريكا للتعاون ومساندة الحكم (الوطنى) وتقديم الدعم للقوات المسلحة الإيرانية. وأنّ المخابرات الأمريكية على استعداد لتأمين إتصال سرى بين القيادات (الوطنية) خارج إيران وداخلها. وكتب رجل المخابرات المصرى فتحى الديب أنّ أمريكا بعد أنْ اعترفت بنظام الخومينى تخلــّتْ عن صديقها وحليفها الشاه المخلوع ورفضت قبوله لاجئـًا سياسيًا. وحذت حذوها كل الدول الغربية (مصدر سابق ص89، 130، 143) . ولا أتصور أنّ فيلمًا مصريًا (يُكتب له البقاء ويحقق النجاح الفنى) يُناقش علاقة عبد الناصر بإمام الدم. ويرد على فيلم إعدام فرعون ، دون أنْ يربط موقف عبد الناصر من جدوده ملوك مصر (الفراعنة وفق التعبير العبرى) حيث أعلن فى دمشق يوم 9/3/58 أنّ الدعوة إلى الفرعونية دعوة استعمارية وكرّرها أكثر من مرة (خطب عبد الناصر- مصلحة الاستعلامات ص 55، 468) ودون أنْ يربط (أى المخرج المصرى) العداء الإيرانى (للفراعنة) بعداء الثقافة السائدة فى مصر لجدودنا المصريين. فهذه الثقافة لا تكف عن إتهامهم بالظلم والطغيان. وكمثال واحد فإنّ أ. أحمد بهجت عندما يتناول بعض رؤساء الدول الطغاة مثل صدام حسين كان يُشبهه بالطاغى الأكبر (فرعون) (أهرام 18/8/90 ، 1/9/90 ، 17/1/91 ، 29/5/94 ، 5/8/94 ، 19/2/99 ، 8/3/99 ، 13/3/99) والأمثلة فى أرشيفى عديدة ، ولكننى أخشى التكرار. فكبار كبار المُـتعلمين من تـُطلق الثقافة المصرية السائدة عليهم (المثقفين المصريين) يقفون على نفس الأرضية العبرية المُعادية لجدودنا المصريين القدماء ، ويرتكبون نفس الجريمة التى ارتكبها معدو الفيلم الإيرانى عندما شبّهوا السادات الطاغى بالفرعون. وإذا كان عبد الناصر هو الذى عيّن السادات ليخلفه فى حكم مصر، وإذا كان السادات هو صاحب مدرسة (ديموقراطية المفرمة) فإنّ عبد الناصر فعل ما فعله الخومينى وآياته ، حيث اعتقل الحلفاء قبل الخصوم ، بل وبعضهم مات من التعذيب (قتل الماركسيين المؤمنين بما يُسمى " المشروع الناصرى" مثل شهدى عطية الشافعى – نموذجًا) وإذا كان الفيلم الإيرانى ينطلق من مرجعية دينية عبرية معادية لجدودنا المصريين ، فكيف سيُعالج المخرج المصرى هذه الاشكالية ؟ وهل سيعتمد السيناريو على لغة العلم أم سيكتفى بلغة السياسة ؟ وهل سيتنفس برئة (مصرية) أم برئة (عبرية) ؟ ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نماذج من عجائب التراث العبرى
-
الإخوان والاستعمار: تاريخ الخزى والعار
-
أول سيدة تُمنح وسامًا عسكرًا
-
الإرهاب الدينى والمغالطات السائدة
-
أوهام الوحدة العربية ووقائع التاريخ
-
حرق الكتب وحرق البشر
-
مثقفو الأربعينات والجامعة العربية
-
غياب التعريف العلمى لمعنى الدولة
-
المؤسسات الكهنوتية وتهمة ازدراء الأديان
-
انعكاس الثقافة القومية على الاحتفالات الشعبية
-
الاعتزاز القومى وأسماء الأشخاص
-
رواية (ما باحت به ساره) والوحدة العربية
-
تاريخ الجزية : وصمة عار على كل الغزاة
-
التماثل الطوباوى بين البشر
-
الفلسفة المثالية والفلسفة المادية
-
الإمام محمد عبده : ما له وما عليه
-
مصطفى كامل ولطفى السيد
-
انتفاضات شعبية بلا نتائج ايجابية
-
رفاعة الطهطاوى : ما له وما عليه
-
نماذج من رموز الفكر المصرى (5)
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|