أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الوهاب عتى - العِلمانية و تدبير الإختلاف في المجتمع















المزيد.....

العِلمانية و تدبير الإختلاف في المجتمع


عبد الوهاب عتى

الحوار المتمدن-العدد: 4730 - 2015 / 2 / 25 - 22:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كل نظام سياسي ديموقراطي يصبو في المقام الأول إلى التدبير السليم للتعددية الثقافية و الدينية في المجتمع في إطار مبدأ إحترام الحريات الفردية و الجماعية في أماكن تفاعل أفرادها، مثل أماكن الشغل، المدرسة، أماكن إعادة التربية_السجون_، المستشفيات، إلخ، و ذلك بغية تجاوز الإختلافات و المصاعب التي قد تواجه المجتمع الغير المنسجم و المتعدد الأطياف، و بالتالي التمكن من بناء ديموقراطية إجتماعية يستمتع بها كل المواطنين على الرغم من إختلاف مذاهبهم و إديولوجياتهم السياسية.

إن الدولة الديموقراطية التي هي تجسيد لسيادة المواطن داخل المجتمع، تعتبر بمثابة السلطة العليا التي تسمو فوق كل المؤسسات الإجتماعية الأخرى المدبٍرة للعادات و التقاليد الدينية و مختلف فلسفات الحياة، فهي تدافع و تراعي مبدأ المساواة بين الأفراد بإعتبارهم أشخاص ذوي حقوق و عليهم واجبات، مستقلين في تفكيرهم، و أحرار في تحديد نوعية الحياة التي يتوخونها طبقا لفلسفتهم الخاصة، و ليسوا مجرد آلات ميكانيكية ذات معرفة نسبية يتم تشحينها حسب المبتغى و في ظروف معينة. مما يتحتم عليها ( أي الدولة) العمل بجدية على سَن القوانين المناسبة التي تمكن من تنمية هذه الإستقلالية الفكرية و الأخلاقية. فلا يمكن لها أن تقف مكتوفة الأيدي عندما يتم إنتهاك المبادئ الأساسية المنظمة لحياة الإنسان (كرامة الإنسان، الحق في إمتلاك الإسقلالية في تسيير الذات) من طرف جهة معينة تحت أية ذريعة سياسية كانت أو دينية أو ثقافية.

هكذا، فمحاولة التدبير العقلاني و الملائم للتنوع الثقاقي و الأخلاقي و الديني في المجتمع الذي لا يجب أن ينظر إليه بمثابة هاجس خوف أو تهديد، بل على العكس من ذلك، فهو منبع للتنمية و محفز أساسي لتقوية الديموقراطية و ضمان إستمرارية المجتمع، يعتبر واحدة من أهم التحديات التي تعيشها الأنظمة السياسية في كل دول العالم، و مما لا شك فيه، فهذا التحدي سيستمر لوقت أطول.
إن كسب رهان معركة التعايش السلمي في مجتمع متعدد الأطياف و التوجهات و بالتالي الإستمتاع بممارسة الديموقراطية بشكلها الطبيعي هو أمر يرتكز بالأساس على إحترام المبادئ و القيم الكونية التي تقوم على حماية كرامة و حرية الفرد، و ذلك عن طريق الحوار و الإحترام اللازم بين الجميع، بإضفاء مبدأ حيادية المؤسسات العمومية أثناء معالجة الإختلافات الإديولوجية و الدينية و الثقافية المتواجدة بالمجتمع. فأية ديمقراطية محتملة تتطلب تطبيق مبدأ المساواة في معاملة المواطنين بغض النظر إلى إعتقاداتهم و ممارساتهم اليومية أو ميولاتهم الجنسية. غير أنه و من أجل الوصول إلى تحقيق هذا المُراد، يجب في المقام الأول، تحقيق مبدأ العِلمانية كنظام سياسي للحكم في الدولة، إذ لا يمكن الحديث عن ديموقراطية حقيقية و لا عن مواطنة كاملة دون الأخذ بعين الإعتبار بمبدأ الفصل بين الديني و السياسي، آخذين بعين الإعتبار تشعب العلاقة بين القوى الدينية و القوى السياسية كل مرة أكثر في المجتعات الغير المنسجمة.

غير أنه، و عند الحديث عن العِلمانية كمبدأ أساسي لأي نظام حكم ديموقراطي في مجتمع غير متجانس، فإننا لا نتحدث فقط عن مبدأ الفصل بين الدين و الدولة كما يدعي البعض، بل نتحدث عن نظام حكم سياسي عام و مركب، بإعتباره الإطار القانوني الذي يؤطر لحيادية الدولة إتجاه تسيير الشأن الديني، و بالتالي ضمان الفرد كافة حقوقه و حرياته دون النظر إلى توجهاته السياسية و الدينية، و لا إلى مركزه الإجتماعي. مما يعني وجوب فهم العِلمانية في الإطار العام القائم على حيادية الدولة في تسيير الشؤون الدينية قصد التمكن من معاملة المواطنين بعدالة تامة و بدون إمتيازات.
العِلمانية في كل حال هي إضفاء الطابع الرسمي للدولة في واجبها السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي و الثقافي في القيام بمهام إحترام الحقوق الفردية لكل مواطنيها و العمل على منع الصراعات التي قد تنتج عند إختلاف المفاهيم أو محاولة جماعة معينة تحديد السياسة العامة للدولة، أو عندما يحاول البعض تسيير الشؤون الداخلية في المجتمع وفقا مبادئ دينية محددة. و بالتالي فهي الأداة التي تسمح بإحترام مواطنيها بطريقة عادلة و بشكل متساوي دون النظر إلى إنتماءاتهم الدينية أو الثقافية أو اللغوية أو الجنسية، أو إلى مبادئهم الأخلاقية و نظرتهم إلى العالم، الشئ الذي يساهم على تقوية حس الإنتماء للمجتمع من طرف الفرد. "العِلمانية، إذن، هي نوع من الحكم السياسي الذي يرتكز على مبدأين أساسيين: المساواة في معاملة المواطنين و حرية الوعي"، كما يقول الكاتبان خوسلين ماكلير و شارلس تايلور Jocelyn Maclure & Charles Taylor في كتاب "العِلمانية و حرية الوعي"، (2010).

فإحترام مبدأ المساواة بين الأفراد و حماية حرية الوعي بإعتبارها مسألة متعلقة بكرامة الإنسان المبنية على الإعتراف بحريته و إستقلاليته المعنوية كمصدر وحيد لكل الحقوق و الحريات، و كذا إحترام حرية تغيير و إعتناق الدين الذي يريده مناسبا تعتبر من أهم الأهداف التي يصبو إليها كل مؤمن بالعِلمانية كنظام سياسي. لأن الديانات هي بمثابة أنظمة عقائدية و تعليمات روحانية ترتكز على علاقة الفرد بالإله، و هي متغيرة و قابلة للدراسة و التطوير تماشيا مع الزمان و بمراعاة المكان، قصد ملائمتها مع الأوضاع الإجتماعية المعاشة لدى فئة أو ثقافة معينة. و هذا التطوير يعتبر بمثابة المحفز الرئيسي لإستمرارية هذا الدين أو ذاك. بالتالي فإن الأخذ بفكرة أن "الدين الإسلامي" مثلا (أو كيفما كان هذا الدين) صالح لكل زمان و مكان هو أمر خاطئ و لا أساس له، بإعتبارها فكرة مبنية على الفكر المطلق الذي لا يعترف بالإختلاف، منتجا بالتالي ما يسمى بالحكم الأصولي أو الإستبدادي، كما يقول "إرنيست جينيرErnest Gellner".

في الأخير يمكن القول أن إرساء الدولة العلمانية هي الأساس الأول لتحقيق نمو أكبر للمجتمع، حيث تعمل على المساهمة في تطوير الإبداع والبحث في كل المجالات، و كذا المساهمة في التعايش و الإحترام بين الجميع.



#عبد_الوهاب_عتى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أساس إستمرارية المجتمع، الثقافة!
- المؤسسة التعليمية... الحق في التعليم و المعرفة
- العِلمانية ، العَلمانية و الديموقراطية


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الوهاب عتى - العِلمانية و تدبير الإختلاف في المجتمع