أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام عابد - العلمانية التي نريد..!















المزيد.....


العلمانية التي نريد..!


هشام عابد

الحوار المتمدن-العدد: 4730 - 2015 / 2 / 24 - 23:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"أكبر هدف سجله الغرب على العالم الإسلامي هو
إلصاقه الإرهاب بالإسلام والمسلمين" (هشام عابد)

ما المشكل في أن يكون الأشد تدينا وحرصا على الأخلاقيات والسنن والفرائض أشد الناس علمانية وحداثة وانفتاحا وتسامحا وعقلانية..؟ ومن شوه المسلم الأصيل والمسلم الحقيقي ووضعه في صورة المنافق والمتشدد والإرهابي والمنغلق والرجعي..؟ وهل الدين عائق للحداثة والتحديث والعلم والمعرفة أم أنه دعامة أساسية له بالنسبة للعالم الإسلامي..؟ وهل في استطاعة العالم الإسلامي خلق حضارة جديدة مبنية على العقل فقط في مختلف شؤون الحياة وبعيدا عن نطاق الدين..؟
1- أسباب النزول:
قبل كل شيء لا بد من التذكير بأصول الأشياء وأسباب النزول؛ أول هذه الأمور "التحريف" الذي شاب الديانة المسيحية وذلك لإيجاد السياق التاريخي للعلمانية؛ حيث علينا أن نعلم أن العلمانية بالنسبة للدول المسيحية، جاءت كتصحيح لوضع فاسد استحال معه دواء، بعد أن تيقنت تلك الدول والكيانات أنها ديانة محرفة وتتوفر على كتب كثيرة حد التناقض والتضارب (إنجيل متى، مرقص، يوحنا، بولص...). كما أن العلمانية بالدول الغربية جاءت نتاج للوضع الذي كانت تعيشه تلك البلدان في العلاقة بين الكنيسة والشعب والعلماء، هذه العلاقة التي شابها صراع مرير، صراع كانت فيه الكنيسة عن طريق الإكليروس وصكوك الغفران والفساد داخل المنظومة الدينية المسيحية طرفا في الصراع، فكانت النتيجة عرقلة هذا الدين وتلك المؤسسة الدينية للعلم وللعلماء وقهرت الشعب وأثقلت كاهله بالأتاوى وصكوك الغفران.
الأمر الثاني أن علاقة الدين المسحي بـ "العلم والعلماء" كانت علاقة حرب وتضاد، (ولنا في حادثة جاليليو جاليلي وإعدامه من طرف الكنيسة بسبب قوله بمركزية الشمس ودوران الأرض خير تمثيل..) أما الدين في العالم الإسلامي فقد كان حافزا على الخروج من عصر الظلمات إلى عصر العلم والنور وبالتالي عصر الحضارة والمدنية والتقدم. بمعنى أن الدين جاء لدعم العلم وتشجيع العلماء وإشاعة نور الوعي والثقافة ، فشتان مابين النموذجين... إذ الأمر يختلف بين دين يدفع بأهله للتخلص منه لأنه محرف وعليه قيمون فاسدون ويحارب العلم والعلماء. ودين بمثابة طاقة حضارية تأسس عليها تاريخ أمة وجاء نورا وتنويرا للعالمين.
ثالث هذه الاختلافات الجوهرية، وهو شيء يختلف بين الإسلام والمسيحية ألا وهو مسألة " الوساطة" في الدين بين العبد وربه، فهي غير موجودة في الإسلام. بمعنى أنه ليس في الدين "إكليروس" بين العبد وربه، كما في المسيحية، بل هي علاقة مباشرة. الأمر مختلف عندنا فالقرآن كله يتحدث بالوحي وبـ "قل" إلا في خطاب وطلب العبد من ربه فهو خطاب مباشر "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم.." غافر، الآية 60. بمعنى أن الدين واضح ومنذ البداية لحسم إقحام الدين في كل صغيرة وكبيرة وفي كل مرة باسم حفظ حقوق الشرع وحقوق الله. بل كل الأمور الحياتية والدنيوية متروكة للتفاوض والنقاش بشأنها عن طريق التدبير الدنيوي العادي الذي يتطلبه كل صراع أو نقاش أو اختلاف. وهذا معناه أنه علمانية في أقصى مفاهيمها جودة وتمثلا وأهمية. (وهنا نستحضر حادثة تلقيح النخل المعروفة في عهد الرسول صلى الله عليه والتي وضح فيها أنه جاء ليبين لهم أمور دينهم أما الدنيا فمطروحة بين أيديهم للاجتهاد والإبداع).
إذن فأحد أهم أسباب تنزيل العلمانية والتخلي عن الدين كانت الوساطة واحتكار الدين وتقييد العلم والهيمنة عليه، واحتكار العلاقة مع الله باسم صكوك الغفران. كما جاءت جوابا على تشوش الدين وتحريفه.. فكانت حتمية التخلص منه، وكان من الأوجب ومن المنطقي أن تكون الحضارة البديلة حضارة عقل وبشر وإنسان.
2- الحسم:
الإشكال في رأيي يتمثل في ماذا نريد نحن من الحداثة وما استعداداتنا لها..؟ وهل حداثة العرب والمسلمين تكون بالانفصال عن الدين أم من خلال الدين وبتوظيفه وإقحامه في القضايا المجتمعية والسياسية والاقتصادية... إن المسلمين إلى اليوم لم يستطيعوا إيجاد الإجابات المتراكمة على الدين منذ قرون، ولم نرهم يكثفون من مؤتمراتهم وندواتهم في العالم الإسلامي لتدارس أنظمة الحكم في العالم الإسلامي كما كان في السابق في العهود الأولى من سجالات ومدارس فكرية لتطويق اليومي وإيجاد أجوبة تواكب تسارع المستجدات.
ثم إن الحضارة الإسلامية بخلاف الغربية قامت على الدين وعلى إطاره الأخلاقي المقيد، لأن الحكمة في ما فائدة الانتصارات العلمية إن وصلت درجة الوقاحة وتجاوزت حدود الأخلاق وحماية الإنسانية.
الدين الإسلامي كان حافزا لقيام حضارة كبيرة جدا دامت إلى حدود اليوم مشعة نابضة بالحياة. والأمر المحير هو كيف لدين ساهم في إنشاء حضارة عالمية أن يكون سببا من أسباب التخلف الآن كما يدعي البعض ويحاجج على أن العلمانية هي النموذج الأمثل. الغريب والمغرب مثال على ذلك أن الإسلام لا يطبق إلا في بعض نواحيه والتي ترتبط بالعبادات بالدرجة الأولى وعلى المستوى الشكلي فقط. بمعنى لا وجود لدولة دينية إلا في الدساتير وعلى الورق فقط.
ثم لنفترض أن الدين عائق وأن العقل هو قاطرة البشرية الإسلامية الجديدة وتم التخلي عنه بالشكل اللائكي العلماني هل هذا البديل الجديد سيضمن حقا تحولنا إلى دول متقدمة ونووية وباختراعات وطائرات وبأنواع السيارات وبالجامعات العالمية وبانتشار البحث العلمي والثقافة والوعي والنظام ونسبة التحضر والقوانين والتوزيع العادل للثروات.. هل سنصبح من دول العالم الأول أم سنضل حداثيين ومواطنين عالمين لكن من الدرجة الثانية والثالثة كما نحن الآن أو ربما بشكل أفظع.
ولنفرض أيضا أن اللادينيين أو العلمانيين أو العصرانيين أو اللبراليين الذين توحدهم النظرة للدين الإسلامي كدين عليه أن يركن في الرفوف ويدع الناس تتقدم..! هل ستحل المشكلة، أم سنسقط في مشكلة أكبر تتعلق بالهوية..؟
إننا نرى أن المشكلة داخلية أكثر منها خارجية: إنها تكمن في عدم القدرة على المواكبة، وعدم القدرة على الإجابة على الأسئلة المطروحة، عدم القدرة على التوفر على جبهة موحدة، تنافس الغرب ونموذجه. إنه أيضا عدم القدرة على الموازنة بين مغريات العالم المادي الليبرالي والانضباط لتعاليم الدين والأخلاق. إنه عدم القدرة على إعطاء النموذج المقابل أو المنافس للنموذج الغربي المتألق والحاصد أكثر فأكثر للإعجاب والاستقطاب. وإنه أكثر من هذا وذاك عدم القدرة على الحسم.
لكن لدينا في دولتين إسلاميتين كبيرتين نموذج على الجميع تتبعه بعناية يتمثل في دولتين حسمتا في توجههما الإديولوجي الذي أخذ موقفا واضحا من الدين: تركيا العلمانية، وإيران الشيعية. فتجربتي تركيا وإيران مهمة للنقاش وللقراءة وللمقارنة وللتحليل لأنهما يتضمنان واحدة من أهم النقاط الصعبة والخطيرة في الأمة الإسلامي ألا وهي القدرة على "الحسم". طبعا نقصد هنا الحسم في الخيار الإيديولوجي: العلمانية بالنسبة للأولى والأصولية ودولة الفقيه بالنسبة للثانية.
وبالنسبة للمغرب..! هل هو علماني أم دولة خلافة أو إمارة مؤمنين، أم هو كل ذلك في نفس الآن..؟ فهو يعد أكبر دولة إسلامية في استهلاك الخمر وثاني دولة في الدعارة ويحتل نفس الريادة في تصدير الحشيش، وهو أولى الدول في حصد جوائز حفظ وتجويد القرآن، والأبناك الربوية والمضاربات العقارية تستحوذ على رواتب الموظفين، واللغة الفرنسية السائدة في الإدارة والمعاملات، بلد ألف ولي ولي والزوايا العامرة بالشيوخ والمريدين، ودولة في مصاف الدول المدنية النامية في الخطابات الرسمية، وبطائق الشرفاء الذي يجب توقيرهم واحترامهم، والزاوية البوتشيشية والطريقة الحمدوشية والحضرة العيساوية، وفتاوى زمزمية ، ودروس دينية في قنوات وإذاعات رسمية، وخطب جمعة مسكوكة ومخزنية... فلا هو دولة دينية ولا هو دولة لائكية هو بين البينين، وهو بذلك نظام توليفي توفيقي.
بالنسبة للمغرب مفكران كبيران وضعا بصمتهما الفكرية في الموضوع؛ الأول عبد الله العروي الذي تحدث عن التاريخانية وعن حتمية ركوب قطار الحداثة العالمي. والثاني المرحوم محمد عابد الجابري الذي تحدث عن ضرورة التشبث بالتراث والانطلاق منه. بينما أروم أنا إلى القول بضرورة الارتماء في أحضان العلم، ولا شيء غير العلم.
لكن هذا يجرنا للحديث عن هل المرور إلى الحداثة والدولة العصرية يستوجب منا الارتماء في أحضان العلمانية والنموذج اللبرالي الغربي..؟
3- هل العلمانية أو الغرب هو الطريق الحتمي للحضارة..؟
لنفترض أننا وبقرار جماعي تخلصنا من الدين وأصبح للشواذ حقوقا، والخمر مباحا على قارعة الطريق، والدين أسكن في الجوامع، وحتى نداء الصلاة عبر الآذان أقبر لكي لا يزعج السكارى الذين ينامون في وقت متأخر..! وتوزعت القبل في الميتروهات والأماكن العمومية، وتم التخلص من الحرف العربي الذي يذكرنا بالجهل والتخلف والماضي..! من سنكون آنذاك..؟ إنني أكاد أجزم أننا سنزداد تخلفا لأننا لسنا الغرب. سنتحول إلى حيوانات تتناسل وتفترس وتمارس الجنس بحيوانية والسكارى سيملئون الشوارع أكثر، وستتطور جرائم القتل لتصبح منظمة، وسنصبح مسخا مشوها بدون جذور، لقطاء التاريخ استعروا من تاريخهم التليد واتبعوا موضة العصر. سنصبح مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة في مجتمع العالم الغربي المتقدم، ذيل الحضارة العالمية، جماعة من البشر هجينة لا عمق تاريخي لها.
بل نريد حينها من العباقرة والمنظرين للأطروحة العلمانية في تشعبها وتنوعها أن يطرح مشروعه البديل لنعرف برنامجه وحلوله للمعضلات المجتمعية. ذلك أن مشكلة الثورات الفاشلة أنها تكون مجرد قطيعة وثورات دون تقديم للبدائل الحقيقية فتصبح مجرد فوضى وحرب أهلية ليس إلا، تؤدي إلى نكوص أكثر منه إلى تطور. لأن التأسيس للثورات والخطط والبرامج البديلة وتحقيق المطالب وإيصال البلاد إلى بر الأمان أهم وأصعب من الثورات نفسها.
وهل من الضروري على الدول العربية وقدرها أن تأخذ من الآخرين وتستعير منهم نماذجهم الأصيلة النابعة من مخاضهم..؟ ولماذا ضرورة التقليد..؟ أليست دليلا على جمود العقل الإسلامي عن إنتاج نموذجه الأصيل هو الآخر..؟ بمعنى طرح سؤال "هل التحديث يعني بالضرورة التغريب..؟"، أي اعتبار الاقتداء والأخذ عن النموذج الغربي ضرورة وحتمية. وهل الحداثة تعني الاستغناء ضرورة عن الدين للانطلاق في رحاب التقدم والتطور..؟
ألم تثبت اليابان أنه ليس للحداثة وجها وحيدا بل أنماطا وأشكالا مختلفة تتلون حسب الأمم والشعوب والحضارات. فالإنسان الياباني يتقلد المراتب الأولى في صنوف الاختراعات والإبداعات والصناعات والتجارة العالمية. لكن هذا لم يمنع الإنسان الياباني من الحفاظ على هويته وتقاليده وشخصيته ونظامه الأسري وحياته العامة ونمط عيشه.. بل حتى مسألة الدين غير مطروحة بتاتا على جدول أعماله. والدليل أن معظم الناس لا يعرفون أي الديانات يدين بها الشعب الياباني ولا درجة تدينه؛ ما يعرفون هو أن اليابان قوة اقتصادية عالمية كبرى.
إن لنا في التجربة اليابانية النموذج الأمثل على قدرة الشعوب على الاحتفاظ بهويتها ونسقها التاريخي الأصيل مع الوصول إلى الريادة العالمية في العلم والفكر والثقافة والرقي.. الأمر الذي حققته كيانات أخرى نامية مثل أندونيسيا والهند والنمور الآسيوية ودول إسلامية أخرى مثل العراق وإيران وفلسطين وتركيا... هذه البلدان يميزها عن باقي الدول الإسلامية الأخرى، أن العلم بها ارتقى وارتفع رغم اختلاف وتباين طبيعة التدين فيها. العلم رفع قدر العراق وإيران المتحاربتين إيديولوجيا حد الموت، وتركيا وأندونسيا المسلمة حتى دون أن يكونوا عربا يعرفون حراكا وتنمية اليوم. وفلسطين المحتلة يشهد لها العالم بدرجة تعلم وثقافة ووعي أهلها.. وفي طهران العاصمة الإيرانية وحدها أزيد من 30 جامعة لا نجدها في دولة بكاملها.. إنه النموذج الحضاري دون عناء النظر إلى الدين كمشكل أو كقضية... بل الأساس هو التوجه نحو العمل والعلم والمعرفة والإنتاج دون الرجوع لمشاكل عمر وعلي ومعاوية والحسن والحسين التي دفنت معهم ولا يتشبث بها إلا الهاربون من التاريخ والحاضر، والذين يخبئون فشلهم وعقم فكرهم من خلال العودة إلى هاته الحلقات المفرغة. إن هذه التجارب أثبتت أن "التحديث لا يعني بالضرورة التغريب"..
وأخيرا أطرح أسئلة من قبيل: هلا نستطيع تقديم نموذجنا دون أن نكون مضطرين أن نختار نموذج اللائكية أو غيره..؟ أليس اختيارنا ما لدى غيرنا هو أصلا دليل على ضحالتنا الفكرية وعقمنا الحضاري والفكري الذي أصبحنا عليه الآن..؟ هل أخذوا منا هم نموذجنا الإسلامي لما أرادو التطور والنهضة بداية من القرن 15م..؟ أم أنهم هضموا حضارات العالم القديم وأبدعوا حضارتهم الأصيلة-حضارة أروبا الغربية-..؟ تلك أسئلة محرجة تضل مطروحة علينا ومؤجلة الجواب.
نعم.. ! إن المشكلة في البديل الذي يقدمه "الطابور الخامس" الذي يشتغل بالمجان لصالح القيم والنماذج الحضارية للآخر بدل أن يصنع لنفسه على الأقل نموذجه الخاص والأصيل الذي سيعوض الحضارة الإسلامية والدين الإسلامي بعد تغييبه عن أن يكون محرك ووقود الأمة الإسلامية، ماذا سنسميها بعد ذلك العربو-أمازيغية، أو المسلمون الجدد، أو الغربيون الجدد، أو المعتنقون لحضارة العالم، أو الدول النامية الجديدة. أو العلمانيون العرب أم ماذا..؟ حتى صعوبة التسمية توضح الهوية المرتبكة التي سيكون عليها العالم الإسلامي القديم في ظل الوضع الجديد الذي سيملأ الأرض نورا و عدلا بعدما ملأه الإسلام تخلفا و إرهابا ورجعية..!
ثم ما هي معوقات الحداثة بالعالم الإسلامي..؟ هل هي الدين أم نحن (الإنسان في العالم الإسلامي الفاشل والفاسد)..؟ إنه هروب للكثير من النخب "الحداثية والعلمانية" إلى الأمام. كما هو الحال بالنسبة للنخب "الأصولية والدينية" التي تتهم بهروبها إلى الوراء والعيش على ماضي الأجداد والسلف الصالح. في حين أن العالم الإسلامي معه إلى اليوم وفي زمنه الراهن لم يعش بعد "تاريخه الحاضر".
السؤال اليوم: هل استطاع العالم الإسلامي اليوم أن يصنع نموذجه العالمي في التحديث والحداثة..؟ مرة جمهورية ومرة جماهيرية ومرة سلطنة ومرة مملكة ومرة اشتراكية و مرة دولة فقيه ومرة علمانية... هي إشكالية بنيوية وتاريخية، وستظل قائمة، لكن هناك بعض من الدول حسمت مثل إيران التي اختارت دولة الفقيه، وتركيا التي اختارت العلمانية، والمغرب الذي يعد نموذجا للأنظمة التوفيقية بقيادة الملك/أمير المؤمين. لكنه يضل توجها وحسما سيجيب التاريخ عن مدى صموده وثباته ومدة صلاحيته.
4- العلمانية التي نريد..؟
رأيي المتواضع، يتمثل في أن "العلمانية" التي ينبغي للإسلام الانخراط فيها وينادي بها، هي علاقة الإسلام بـ"العلم والمعرفة". هي علمنة الحياة في الأمة الإسلامية أي ربط الحضارة والكيان والوجود الإسلامي بالعلم ولا شيء غير العلم. لأن الدين سائر منذ قرون على التأطير الوجودي والأخلاقي والإنساني في الفضاءات الإسلامية في العالم. فما على هذه الأمم والكيانات المسلمة إلا الاهتمام بالشق العلمي والعالِم من الوجود والكيان الإسلامي الذي أصابه الخلل والتلف.
إنها علاقة الأمة بالعلم والدولة والسياسة وليس علاقة الأمة بالدين وحده كما يدعي ويرجع الأصوليون الأمر للدين الذي لا يتبلور ويمشي على رجليه في الشوارع والطرقات وفي الإدارات والمعاملات والقضاء والأمن والعدل، كما كان في زمن السلف الصالح. ذلك النوع من الدين لن يعود لأنه ببساطة ذلك الزمن نفسه لن يعود.
إن الدين مجني عليه، ومقحم دوما في الصراعات التي أساسها سياسوي واقتصادي واجتماعي، وهو بريء من الجميع ويتمنى أن يتركه الجميع في حاله وقد سئم أن يكون شماعة لمن لا حجة وقوة له على أرض الواقع الحاضر. مثله في ذلك مثل الحكومة التي لا زالت وإلى عهد قريب جدا تتذرع بعدم تساقطات الأمطار في تقييم حصيلتها الحكومية، أو الفريق المغربي الذي كان من المعروف دوما أن التحكيم لم يكن جيدا أو حرارة الملعب أو جودة الأرضية في تبرير الخسارة.
فليترك الجميع الحديث عن الدين أو باسم الدين أو مناقشة يقحم فيها الدين ليتم الحديث عن الحاضر عن المعامل والاستثمارات والنظام ونظم الحكم والعدالة والاستثمار والعمران والتقدم والصناعة والفلاحة والبحث العلمي، ومحاسبة ومتابعة الفاسدين. أي كل ما له علاقة بالحاضر والمعيش المباشر للأمة.
وأتحداكم أيها الفقهاء والعلماء والعلمانيون واللادينيون والحداثيون والزمزميون والعياشة والخبراء والباحثون والأصوليون والسلفيون.. أن تتحدثوا فقط عن منجزاتكم العلمية والسياسية والاقتصادية على أرض الواقع دون الهروب إلى الوراء أو الأمام، أن نتحاسب ها هنا والآن، كل في ميدانه ومسؤوليته عن الحصيلة والصراع والتقاتل فيها وحولها ولا شيء غيرها. أكيد أنه في ظرف 5 سنوات سيقفز المغرب إلى مستوى ملحوظ في كل القطاعات صحة وتعليم وقضاء وأمن وغيره. "ما تقولي لا عمر ولا أبو بكر ولا عبو العيدي ولا أمازيغ ولا عرب ولا شيعة ولا ... الدين بيننا وبين الله الذي سيحاسبنا. آجي نتحاسبو على الخدمة ديالنا كل واحد في مجاله وموقعه ومسؤوليته المنوطة به وترك كل الصراعات البيزنطية والأزلية المنتمية للماضي". فلنعش الحاضر ونهتم ونخطط للمستقبل هذا هو التقدم والتطور والنماء وصناعة الحضارة.
إن الهروب من مناقشة هذه الأمور لدليل على الفشل والضعف والتخلف والفراغ، ودليل على أن العيب فينا وفي منطقنا للتفكير، ودليل على أننا ما زلنا خارج التاريخ، وبالتالي لا زال أمامنا الكثير من القلاقل والاضطرابات وربما الدماء للوصول إلى الزمن التاريخي الحقيقي لا المزيف. الذي نكون فيه ندا للآخر لا في خانة المقارنة الدائمة معه.
ولدعاة العلمانية أقول أنها موجودة منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. حين يقول "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". ومن كان يعبد محمد فمحمد قد مات بعد أن قدم رسالته الأمر واضح وبسيط. بقي لنا التشبث بتلك الأخلاق و 5 صلوات والسلم والسلام والعلم الذي لا يستوي فيه الذين يعلمون والذين لا يعلمون... أما الدنيا فقد ترك لنا أمر تدبيرها وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
ومنذ المرحلة الاستعمارية والمغرب بل والأمة الإسلامية كلها تقريبا تعيش شيئا أكثر من العلمانية وبعيدة كل البعد أن تكون دولا دينية. إذن وإذا كان الأمر كذلك فلنقفل هذا الموضوع ونواجه أنفسنا وضعفنا وجهلنا وتخلفنا وفشل مخططاتنا ونواجه مصيرنا المتخلف الذي لا يستطيع ركوب قاطرة الدول المتحضرة والمصنعة والمتقدمة لأن هذا هو المشكل الحقيقي الذي يهرب منه الجميع لأنه لا يستطيع مواجهته وإيجاد حلول له إلا بالنقاشات البيزنطية والمواضيع الجانبية التي تهرب بالأفراد والجماعات والدول بعيدا عن إيجاد مخرج للمشاكل البنيوية المزمنة.
العلمانية التي على الجهلة من العالم العربي والإسلامي الجاهل والفاسد في معظمه: هي أنك حين تبحث عن أي شيء باللغة الفرنسية أو الإنجليزية أو غيرها عن موضوع كيفما نراه تافها فإنك تجد المئات والآلاف من المواضيع حوله، وتجد من يهتم به ويصور عنه الكثيرون أفلاما توثيقية علمية تفيد بالكيفية المبسطة أو العلمية جميع العموم وجميع الباحثين عن تلك المعلومة أو ذلك الشيء المبحوث عنه وتفاصيله الدقيقة وثمنه وخصائصه... هذه هي العلمانية التي علينا تعلمها واقتباسها والاهتمام بها وأخذها عن الغرب الكافر بالله..!
إن العلمانية التي علينا تبنيها هي ما تظهره البرامج التوثيقية كـ"ناشيونال جيوغرافي" التي تبحث في لماذا انفجرت الطائرة الفلانية مباشرة بعد إقلاعها أو خلال نزولها.. ولماذا بقي رجل حيا ونجا من الموت ورأسه مغمور تحت المياه أكثر من 4 دقائق وهو يمارس التجديف الحر في أحد الأودية الهائجة.. وليس لماذا طلق فلان فلانة، وعطيني صاكي وأخطر المجرمين..!
العلمانية كما نريدها في بساطتها ووضوحها هي عدم إقحام الفكر الروحي و القدساني والقدري والتأويل الشعوذي للأمور والقضاء على فكر الزوايا والأضرحة والطرقية وتنقية الدين من الشوائب التي تزكيها السلطات المختصة التابعة للأنظمة المتخلفة لغرض في نفسها. علمانية لا يخضع فيها المواطن المسلم إلا لصوت الحق والقانون وقوانين العقل والعلم والأصول الحقوقية والدستورية للمجتمع المدني.
العلمانية تتجسد في البحث والاختراعات والإنتاج الفكري الذي فيه يتنافس الحداثيون والعلمانيون والليبراليون والأصوليون والسلفيون واللادينيون لإعطاء نموذجهم المجتمعي الذي ينافس ما ينتقدونه ويجلب لهم بالتالي أنصارا وحشودا وجماهيرا تتبنى نظرياتهم وإيديولوجياتهم..
إن العلمانية هي أن تدخل محرك البحث "غوغل" و موقع "يوتوب" وترى من الشعب أو اللغة التي توجد بها أكبر عدد من الشروحات العلمية والتفصيلية أو الدقيقة على أتفه الأمور التي يمكن البحث عنها من طرف الباحثين أي إخضاع أي مسألة كيفما كانت بسيطة للعلم والدراسة والتحليل والشرح والعرض العلمي... ستجد العربية والعرب والمسلمين عامة ضعيفون وأغلب منشوراتهم رقص وفضيحة وعاهرة... بينما الأمم الغربية متفوقة في كل ما يتعلق بالأمور الدنيوية الإيجابية. هذه هي العلمانية؛ التنافس في العلم وترك الترهات أو الانشغال بأبو بكر وعلي وعثمان وبنو أمية والفراعنة وصلاح الدين الأيوبي وبنو قريضة والأندلس وموسى بن نصير وصلاح الدين الأيوبي ووادي المخازن والخوارج والمعتزلة والرافضة والوهابية... علينا صناعة التاريخ اليوم لا الهروب إلى الوراء أو إلى الأمام. كلاهما فاشل: العلماني والأصولي يقع في هذا التطرف والهروب لأن كلاهما ضعيف وفاشل أما "الحاضر" لا يستطيع فعل شيء فهيرب عن وعي أو غير وعي إلى الأمام أو إلى الوراء.



#هشام_عابد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة -الحملة- بالمغرب..؟
- العرب واللباس التقليدي..!
- البترول المغربي..!
- الملك داز.. جمعوا الطريق..!
- المغرب العميق...
- الساحات العمومية بالمغرب..؟
- شخصية المدينة المغربية..؟
- واقع المدينة المغربية..؟
- النظام السوري سقط..!
- حديث النخلات...
- التهمة: حرية التعبير..!
- الفايسبوك أوصحابو حتى دولة ما غلباتو..!
- المواطن الصحفي..؟
- المغرب أجمل بلد في العالم..!
- البورجوازية المغربية؟
- إيران في الأفق...
- الثورات العربية: الثابت والمتحول؟
- مغرب الزمن الضائع...
- الحرب عند كارل فون كلاوزفيتز من خلال كتاب -في الحرب-
- قراءة في كتاب -الأمير- ل -نيقولو مكيافيلي-


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام عابد - العلمانية التي نريد..!