أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن خضر - محمود شقير ومديح النساء..!!














المزيد.....

محمود شقير ومديح النساء..!!


حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)


الحوار المتمدن-العدد: 4730 - 2015 / 2 / 24 - 15:46
المحور: الادب والفن
    


الروائي المُحترف كالساحر لا يشكو ندرة وبراعة الحيل السردية المفاجئة، ولا القدرة على إخفاء أوراقه الرابحة حتى الفصل الأخير. ولا يهم، في الواقع، ما إذا فعل ذلك بطريقة واعية، أم نجمت البراعة عن حس شحذته سنوات الكتابة، والقراءة، والتدريب، والتجريب. وهذا ما يمكن أن يُقال بعد الانتهاء من قراءة "مديح لنساء العائلة" رواية محمود شقير الجديدة.
تمثل الرواية الجزء الثاني بعد "فرس العائلة" في مشروع لكتابة سيرة تؤرّخ لعائلة ممتدة منذ أوائل القرن العشرين في فلسطين، ويغطي الجزء الثاني سيرة العائلة ما بين النكبة في العام 1948 وحصار بيروت في العام 1982. ولكي تكون سيرة لفلسطين والفلسطينيين، أيضاً، لم تكن لتتحقق دون استدعاء ثلاثة أبعاد: تاريخية، وسوسيولوجية، وسياسية.
التاريخ الذي حكم وتحكّم بمصائر أناس، فقلبها رأساً على عقب، لأسباب تتجاوز قدرتهم على التصوّر، وتفوق إرادتهم على مقاومة التغيير. والمُستجدات (تقنية كانت أم فكرية) التي تبدد نسيج وقيم العائلة الممتدة، والسياسة التي تترافق مع، وتُسهم في تبديد، القيم والتصوّرات التقليدية السائدة في زمن ما قبل النكبة.
وقد استدعى محمود شقير الأبعاد المذكورة في سياق تقنية سردية تشبه لعبة المرايا المكسورة المتقابلة، حيث يتفتت الوجه الواحد، وتنعكس ملامحه، في مرايا الآخرين، فيرى الفاعل الروائي نفسه ناظراً ومنظوراً إليه. وهذه التقنية سينمائية، وتختزل، عادة، تحت عنوان "النظرة"، وتنوب عين الراوي (الكاتب) في الرواية عن عين الكاميرا.
والواقع أنني لم أتمكن مقاومة الإحساس، على امتداد الرواية، التي تبلغ مائتين من الصفحات، بأن اللجوء إلى هذه التقنية مصدره الرئيس أن شقير أنفق نصف قرن، تقريباً، في كتابة القصة القصيرة، وبهذا المعنى نجم خيار المرايا المكسورة عن غريزة القاص، فكل شظية من المرآة تمثل قصة قصيرة، تملك بهذا القدر أو ذاك إمكانية الاستقلال كنص منفرد، ولكن النفس "الروائي"، الذي وسم مجموعات قصصية سبقت مثل "صورة شاكيرا"، و"ابنة خالتي كوندوليزا" (وهي روايات في الواقع) هو الذي أبقاها كوحدات عضوية أصغر في نص كبير واحد وموّحد.
أما الإحساس الثاني، الذي لم يغادرني حتى الفصل الأخير، فكان الخوف من ضياع ما يُطلق عليه بالإنكليزية metanarrative)) أي حكاية الحكاية، الناظم الخفي للعمل السردي، الخيط الذي لا نراه ولكنه يحكم ويضبط إيقاع الحكاية الكبيرة، ويحكم منطقها، وهي في حالة "مديح لنساء العائلة" قصة فلسطين والفلسطينيين على امتداد ثمانية عقود في القرن الماضي، شهدت فلسطين العثمانية، والانتداب البريطاني، والنكبة، وتشكيل المنفى، والاحتلال، وظهور المقاومة (حتى نهاية حصار بيروت).
هذه هي الحكاية الكبيرة، ولكن حكايتها تتجلى في شخصية الفاعل الروائي، الذي يقوم بدور الراوي. وثمة، في الواقع، ما يبرر الاهتمام بهذه الشخصية. فقد شاء شقير، أو شاء حدسه السردي، ألا يتمكن الراوي من الإنجاب، وهي مسألة إشكالية وشائكة في عائلة بطريركية، يسمها تعدد الزوجات، والاحتفاء بالمواليد الذكور، ناهيك فحولة ذكورها.
يعمل المذكور كاتباً في محكمة للأحوال الشخصية، ولكنه يحلم بكتابة مسرحيات وسيناريوهات أفلام، وعلى الرغم من استقالته من الوظيفة إلا أنه لا يحقق نجاحاً يُذكر في الكتابة الأدبية، حيث يستعصي عليه التعبير، ويحتار ما بين الفصحى والعامية، ويمارس في الأثناء دور مصحح في جريدة، أو بائع تذاكر في مسرح خاص.
نكتشف في الفصل الأخير أن الفاعل الروائي هو الراوي نفسه، وأن ما يرويه هو ما كتبه من سيرة العائلة، التي أوصاه الأب بحفظ ميراثها، وكتابة حكايتها. وهذه، بقدر ما أرى، حكاية الحكاية: حضور السيرة العائلية كفعل من أفعال الكتابة، بعد محاولات كثيرة بائسة.
الراوي تقنية شائعة في فنون السرد. ولكن الصلة بين سيرة العائلة، التي يُراد لها أن تكون سيرة لضياع شعب وفقدان وطن، وفعل الكتابة، الذي تجسّده الرواية نفسها، يعيد التذكير بموضوع الإنجاب. فالنصوص أولاد، وبنات، أصحابها. وبهذا المعنى يُنجب الراوي، إذا كتب.
ولعل في هذه الحيلة السردية، التي اتضحت ملامحها في الفصل الأخير، تكمن أهمية وجدارة "مديح لنساء العائلة". وإذا شئنا التفكير في هذه الدلالة بطريقة أوسع فلنقل: إن ما فيها يعيد التذكير بما كتبه محمود درويش منذ زمن بعيد "من يكتب حكايته يرث أرض الحكاية".
ما مضى لا يعود، ولا يُستعاد، بل يستدعي الحاضر بعض أطيافه، وأشباحه، لأسباب تخص الحاضر نفسه. ولنلاحظ، هنا، أن رواية شقير تنتمي، في التاريخ الأدبي للفلسطينيين، إلى ما بعد زمن الهبوط من الجنة، وأرض البرتقال الحزين، في السردية البطولية، التي أخرجتها أسباب موضوعية كثيرة من التداول. ولا يمكن لاستدعاء ماض كهذا، وسمته تقلبات كثيرة، أن يتأتى إلا في صورة شظايا لمرايا مكسورة.
وفي هذا ما يفسر العلاقة التي نسجتها حكاية الحكاية بالحكاية الكبيرة، أو السيرة العائلية: المشكلة كيف يروي الفلسطينيون حكايتهم ليصبحوا جديرين بأرضها. لا تعود الحكاية، هنا، ولا تُستعاد، إلا باعتبارها تمريناً في فنون الكتابة واللغة، على خلفية واقع تحلل فيه الماضي، الذي نُشفق منه على ضحاياه، ولا نستطيع التماهي معه، فنحن أبناء الحاضر، والحاضر زمن آخر. وربما كان من الممكن للعلاقة الدلالية بين السيرة العائلية وفعل الكتابة، أن تكون أقوى بكثير، لو كان الفاعل الروائي شخصية نسائية، وجاءت السيرة على لسان امرأة، ليكتمل مديح النساء.



#حسن_خضر (هاشتاغ)       Hassan_Khader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجنون الألفي والأزمنة الحديثة..!!
- القفز من مركب الإخوان..!!
- لن يتجاهله المصريون ولن يتسامحوا معه..!!
- إسلاموفوبيا..!!
- الدين كهوية قومية..!!
- كيف ولدت البربرية..!!
- عن داعش والمسلسلات الرمضانية التاريخية..!!
- القديم والجديد في الاعتداء على الجد والحفيد..!!
- تونس: كل ما ينبغي أن يُقال..!!
- هذه لعبة مُقرفة، العب غيرها..!!
- جماعة الإخوان، كيف صعدت ولماذا سقطت..!!
- ولماذا يقتلك التركي!!
- الانتفاضة الثالثة إذا وقعت، وعندما تقع..!!
- فتنة الدواعش..!!
- مُراد الدنماركي..!!
- شارة رابعة في الزاوية اليمنى لصورة النعيمي..!!
- الحق على الصينيين هذه المرّة..!!
- حبات الكستناء على مائدة نوبل العامرة..!!
- جدلية العلاقة بين حجازي وفلسطين..!!
- سطو مع سبق الإصرار والترصّد..!!


المزيد.....




- تراث عربي عريق.. النجف موطن صناعة العقال العراقي
- الاحتفاء بذكرى أم كلثوم الـ50 في مهرجاني نوتردام وأسوان لسين ...
- رجع أيام زمان.. استقبل قناة روتانا سينما 2024 وعيش فن زمان ا ...
- الرواية الصهيونية وتداعيات كذب الإحتلال باغتيال-محمد الضيف- ...
- الجزائر.. تحرك سريع بعد ضجة كبرى على واقعة نشر عمل روائي -إب ...
- كيف تناول الشعراء أحداث الهجرة النبوية في قصائدهم؟
- افتتاح التدريب العملي لطلاب الجامعات الروسية الدارسين باللغة ...
- “فنان” في ألمانيا عمره عامين فقط.. يبيع لوحاته بأكثر من 7500 ...
- -جرأة وفجور- .. فنانة مصرية تهدد بمقاضاة صفحة موثقة على -إكس ...
- RT العربية توقع مذكرة تعاون في مجال التفاعل الإعلامي مع جمهو ...


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن خضر - محمود شقير ومديح النساء..!!