|
نماذج من عجائب التراث العبرى
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4729 - 2015 / 2 / 23 - 21:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يمتلىء التراث العبرى فى الديانة العبرية (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) بالعديد من النماذج الخارقة لقوانين الطبيعة، مثل شق البحر، والطوفان والحوت الذى بلع يونس الخ، ولكن الأكثر إثارة أنْ تبدأ قصة الخلق العبرية بأنْ قتل الأخ أخاه (قابيل وهابيل) وكذلك نجد رغبة القتل كامنة فى نفوس أشقاء يوسف . الأب كان اسمه يعقوب ولكن الرب العبرى ظهر له وخاطبه قائلا ((لا يُدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل يكون اسمك إسرائيل)) ويختلط العلم بالخرافة عندما نقرأ أنّ يعقوب بعد أنْ أقام مذبحًا ((دعاه إيل إله إسرائيل)) فما سبب حقد الأشقاء على شقيقهم الصغير (يوسف) الأب هو السبب إذْ جاء فى النص العبرى ((وأما إسرائيل فأحبّ يوسف أكثر من سائر بنيه)) لماذا؟ لمجرد أنه ((ابن شيخوخته)) وتتمادى الخرافة بعد أنْ حلم يوسف حلمًا وحكاه لإخوته. بعدها يقول النص ((فازدادوا بغضًا له)) ثم حلم الحلم الذى مهّد لمحاولة قتله. قال إنّ ((الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا ساجدة لى)) فنهره أبوه وقال له ((ما هذا ؟ هل نأتى أنا وأمك وإخوتك لنسجد لك إلى الأرض؟ فحسده إخوته)) بعد ذلك تأتى تفاصيل خطة القتل ، إذْ أثناء رعيهم للغنم رأوا يوسف ((فقال بعضهم لبعض هو ذا صاحب الأحلام قادم . فالآن هلمّ نقتله ونطرحه فى إحدى الآبار ونقول وحش ردىء أكله)) (تكوين- إصحاح 37) وفى القرآن أكله الذئب (يوسف/ 17) وهكذا يُعلمنا النص (الدينى) أنّ أبناء الأنبياء مفطورون على الكذب لمجرد التستر على جريمتهم . وكما كذب إبراهيم مرة على ملك مصر ومرة على أبيمالك ملك فلسطين وادعى أنّ زوجته هى أخته كذلك فعل إسحاق (أبو يعقوب) عندما كذب على أبيمالك ملك فلسطين إذْ إدعى أن زوجته هى أخته وبذات المُبرّر الذى ساقه إبراهيم ، أى ((خشية أنْ يقتلوننى بسببها)) (التوراة السامرية – الإصحاح 26) وعندما رأى الأخوة قافلة متجهة إلى مصر، قال يهوذا لإخوته ((ما الفائدة أنْ نقتل أخانا ونـُخفى دمه. تعالوا فنبيعه للإسماعيليين.. فسحبوا يوسف وأصعدوه من البئر وباعوا يوسف للإسماعيليين بعشرين من الفضة)) وهكذا انتقل النص من (القتل) إلى (البيع) كأنه سلعة. وبعد أنْ ذكر كاتب النص أنهم باعوه للإسماعيليين ، إذا به يقفز قفزة واسعة ليقول ((أما المديانيون فباعوه فى مصر لفوطيفار خصىّ فرعون رئيس الشـُرط)) (يقصد رئيس الشرطة) وهنا يجب تسجيل أنّ البرديات والجداريات المصرية ، كما خلتْ من ذكر اسم (يوسف) فليس بها ذكر لاسم (فوطيفار) ومع مراعاة أنّ تلك البرديات والجداريات سجّلتْ أحداثـًا أقل شأنــًا من شخصية يوسف الذى إدعى التراث العبرى أنه أصبح وزيرًا فى مصر. كما أنّ حكاية ( الخصىْ ) إدعاء باطل فيه إسقاط لعادة عبرية إعترف التراث العبرى بها ، وليست مصرية ، باعتراف علماء المصريات والآثار. عاش يوسف فى بيت فوطيفار ((وأنّ الرب بارك بيت المصرى بسبب يوسف . وكان يوسف حسن الصورة وحسن المنظر)) بعد ذلك ينتقل النص إلى موضوع (الغواية) فقال إنّ ((امرأة سيده رفعتْ عينيها إلى يوسف وقالت اضطجع معى)) وهنا يُلاحظ العقل الحر أنّ كاتب النص يفتقد أدنى حظ من الخيال ، لأنه لا توجد سيدة فى العالم كله ، مهما بلغ بها التهتك والفحش ، بل وحتى الهوس الجنسى تلجأ إلى ذاك اللفظ المباشر (اضطجع معى) لمن ترغب فى إغوائه. وبينما النص القرآنى يتفق مع التوراة فى المعنى ، إلاّ أنه وصف المشهد بصورة غير مباشرة أقرب إلى الوصف الأدبى فقال ((وراودته التى هو فى بيتها عن نفسه وغلــّقتْ الأبواب وقالت هيت لك.. إلخ)) (يوسف/ 23) ولكن كاتب النص التوراتى يعود فيُصر على المباشرة فقال ((فأمسكته بثوبه قائلة اضطجع معى)) وتتكرّر الكلمة مرة ثالثة بعد أنْ هرب يوسف منها واشتكتْ أهل بيتها قائلة ((انظروا قد جاء إلينا برجل عبرانى ليُداعبنا . دخل إلىّ ليضطجع معى)) (تكوين- إصحاح 39) والقرآن أخذ على عهدته تبرير فعل هذه السيدة المُتهتكة لأنّ جمال يوسف لا يمكن مقاومته. ولكى تـُقنع باقى السيدات اللائى لسّنّ عليها ذكر النص ((فلما سمعتْ بمكرهنّ أرسلتْ إليهنّ واعتدتْ (أى أعدّتْ) لهن مُتكئا وأتتْ كل واحدة منهن سكينــًا وقالت اخرج عليهنّ فلما رأينه أكبرنه وقطعنَ أيديهنّ وقلن حاشَ لله ما هذا بشرًا إنْ هذا إلاّ ملاك كريم)) (يوسف/ 31) لهذه الدرجة فقدتْ السيدات عقولهنّ وتحكمتْ فيهن (لوثة عقلية) تحتاج لكبار علماء النفس لتحليلها ، وكل هذا بسبب (جمال يوسف) والسؤال الذى تتغافل عنه الثقافة السائدة البائسة : إذا كان يوسف بهذا الوصف فإنّ تلك السيدة معذورة فى فعلتها ، وبالتالى لماذا كان لومها بعد أنْ وضعتْ المشيئة الإلهية أمامها هذا ((الملاك الكريم)) ؟ إنّ قصة (الغواية) فى التراث العبرى سبق للأدب المصرى القديم معالجتها . ومن حـُسن الحظ أنّ البردية ضمن برديات (أنستاسى) و(ساليي) وأنّ كاتب القصة اسمه (إينانا) الذى أضاف اسمىْ كاتبيْن آخرين من زملائه هما (حورى) و(مريمييت) وكاتب القصة عاش فى عهد مرنبتاح سيبتاح ثم عاصر عهد سيتى الثانى . والقصة بعنوان (حكاية الأخوين أنوب وباتا) الأخ الأكبر (أنوب) والأصغر(باتا) وتدور حول زوجة أنوب التى حاولتْ غواية باتا ولكنه رفض إلى آخر تفاصيل القصة المكتوبة بخيال ساحر، حيث البقرة تـُحذر باتا من غضب أنوب . والأشجار تتكلم. كما تكرّرتْ قصة (الغواية) فى تراث اليونان، حيث البطل الإغريقى هيبولتيوس العفيف الجميل. وفى رحلة صيد كانت معه العذراء أرتميس (المقابل لديانا) وبلغ من اعتزاز هيبوليتوس بصحبتها الإلهية أنْ ترفــّع عن حب النساء مما جلب عليه المصائب ، لأنّ ذلك التعفف تسبّب فى ألم أفروديتى ، فأهاجت حبه فى قلب فيدرا زوجة أبيه. فلما صدّ محاولات غوايتها ومراودتها له عن نفسه ، إتهمته ظلمًا أمام أبيه ثيسسيوس الذى صدّق التهمة. ثم أنزلتْ الآلهة عليه العقاب إلخ (جيمس فريزر- الغصن الذهبى) بعد سجن يوسف فى القصة العبرية وقدرته على تفسير الأحلام ، ثم تفسيره لحلم ملك مصر عن السبع بقرات السمان والسبع بقرات العجاف ، والحلم الثانى عن السبع سنبلات إلخ ليصل يوسف فى تفسيره إلى حكاية السنين السبع (الحسنة) تتلوها سنين الجوع ، ويكون الحل فى (التخزين) ((ثم قال فرعون ليوسف أنظر قد جعلتك على كل أرض مصر. وخلع فرعون خاتمه من يده وجعله فى يد يوسف)) أما فى القرآن فإن يوسف هو الذى حدّد وظيفته ((قال اجعلنى على حزائن الأرض إنى حفيظ عليم)) (تكوين- إصحاح40، 41والقرآن – يوسف من 43- 55) إنّ حكاية اقتراح يوسف عن تخزين الغلال ، تصطدم مع تاريخ الحضارة المصرية ، إذْ أنّ جدودنا المصريين القدماء توصلوا لتخزين المياه ، فكيف يستعصى عليهم تخزين القمح ، وكيف لم يُقكروا فى هذا الحل؟ لقد ذكر عالم المصريات الكبير (برستد) انّ الملك سنوسرت الثانى فى سعيه لضم النوبه نهائيًا إلى مصر، شقّ لأسطوله طريقــًا بين صخور الشلال الأول. فلما جاء من بعده الملك سنوسرت الثالث ، فإنّ المهندسين شقوا مناطق الشلال ، فى أصعب مناطقه الجرانيتية لمسافة 260قدمًا بعرض 34قدمًا وعمق 26قدمًا وسُمى هذا الممر المائى (طريق سنوسرت الجميل) وأنّ آمنمحات الثالث إهتم بأمور الرى . وأصدر أمرًا لحامية قلعة (سمته) بأنْ تقيس فى جهتها أقصى ارتفاع لمياه النيل . وتم ابتكار طريقة لرى الوجه البحرى أطالتْ مدة ريه ، بواسطة فتحة فى سلسة جبال ليبيا بجهة الفيوم.. إلى أنْ يقول ((وما يزال الجزء الشمالى الغربى لهذا الإقليم خازنــًا للمياه ومعروفــًا ببركة قارون ، وهو منخفض على مسطح البحر بنحو140قدمًا. وقبل حكم الأسر كان فيضان النيل يعم إقليم الفيوم محوّلا إياه إلى بحيرة عظيمة. فلما أتى ملوك الأسرة 12فطنوا إلى تخزين كمية مياه عظيمة فى تلك الجهات وتصريفها وقت التحاريق، فشيّدوا على الفتحة سابقة الذكر سدودًا عظيمة لحجز المياه فى البحيرة الفسيحة ، تاركين فى الوقت نفسه قطعة كبيرة فى الأرض للزراعة. وقد بدأ هذا المشروع ملوك الأسرة 12ولكن الفضل الأعظم فى إنجازه يرجع إلى آمنمحات الثالث الذى أطال السد العظيم حتى بلغ نحو27ميلا طولا فأكسب بذلك أراضى زراعية تبلغ مساحتها 27 ألف فدان . ويتخيل الزائر لهذا الجسر العظيم جلال المجهود الإنسانى الذى رفع شأن تلك الأراضى المنخفضة التى غمرتها المياه قديمًا ، ولذلك قال استرابون أنّ الملك آمنمحات الثالث هو الذى حفر هذه البحيرة المعروفة عند مشاهير الجغرافيين والسائحين ببحيرة موريس (قارون) وقد وافق استرابون هيرودوت. وأنّّ المصريين كانوا يرْوون أراضيهم من مياه تلك البحيرة. ولكثرة عناية آمنمحات الثالث بإقليم الفيوم اعتقد القوم أنّ مشروع رى ذلك الإقليم يرجع تاريخه على الأقل إلى مشروع الجسر العظيم الذى أقامه ذلك الملك . وقدّر المهندسون حديثا كمية المياه التى كانت تـُحتجز فى بحيرة الفيوم وقتئذ فوجدوها ضِعف حجم مياه النيل أسفل إقليم الفيوم لمدة مائة يوم)) (برستد- تاريخ مصر منذ أقدم العصور إلى العصر الفارسى- ترجمة حسن كمال- مكتبة الأسرة- عام 1999- من ص 184- 192) ذاك ملخص قصير(ومن مرجع واحد من بين عشرات المراجع تحت يدى) عن قدرة جدودنا على هندسة الرى وبناء خزانات المياه وإنشاء البحيرات الصناعية لمواجهة تقلبات النيل ، فهل الشعب الذى تمكن من ذلك ونجح فيه ، يعجز عن تخزين القمح؟ إنّ التوجه الأيديولوجى يختلف عن لغة العلم لذلك كتب أ. شفيق مقار أنّ ((سجلات التاريخ توقفنا على أنّ المصريين القدماء لم يعرفوا نظام صوامع الغلال وتخزين الغلال من أقدم العصور فحسب ، بل وعرفوا أيضًا تخزين المياه. أما الحبوب كالذرة والشعر والقمح فهذا ما كان المصريون يفعلونه منذ عهد المملكة القديمة)) ثم نقل عن عالم المصريات الألمانى الكبير أدولف إرمان ما يلى ((فى نهاية الحصاد كان مستخدمان من مستخدمى المزرعة هما (كاتب الصوامع) و(كيّال الغلال) يأتيان وبعد أنْ يؤدى كل منهما عمله ، يُكيّل الكيال أكوام الغلال ويقوم كاتب الصوامع بتسجيل ذلك)) وأضاف إرمان ((ذكر العهد القديم على ألسنة الخارجين من مصر عندما جاعوا فى القفر وافتقدوا قدور اللحم والسمك وغيره مما كانوا يأكلونه فى مصر بالمجان. وأنّ المصريين زرعوا مختلف الخضروات والقثاء والبصل والثوم والبطيخ إلخ)) وكان تعليق أ. شفيق مقار((فالمصريون كما نرى لم يكونوا فى حاجة إلى عبد عبرانى من البدو الرحل الرعاة كيوسف ليُعلمهم (حكمة) تخزبن الغلال فى سنين الوفرة. ليكون لديهم احتياطى منها فى سنين الشح. وهم الذين أعطوا أول حضارة عرفها التاريخ عندما تعاملوا فى وطن مستقر مع النيل وعرفوا أهمية السياسة الزراعية وسياسات أخرى)) (قراءة سياسية للتوراة- رياض الريس للكتب والنشر- عام 91- ص 89) ولأنّ الثقافة المصرية السائدة البائسة والمنحطة مولعة بالتراث العبرى، لذا أخرج يوسف شاهين فيلم (المهاجر) عن شخصية النبى العبرى (يوسف) بعد موافقة الأزهر على السيناريو. وكتب على تتر النسخة المصرية أنّ قصة هذا الفيلم لا علاقة لها بقصة يوسف التراثية ، بينما كتب على تتر النسخة الفرنسية أنّ قصة الفيلم عن يوسف فى التراث الدينى. وهذا التناقض وهذه اللا مبدئية أعمته عن قول الصدق، وجعلته يتجاهل (قانون الاحتمالات) أى افتراض وجود إنسان مصرى واحد يعرف ويُجيد اللغة الفرنسية. بطل الفيلم اسمه (رام) يُمثل شخصية يوسف بن يعقوب، أى أنه يحمل كل خصائص رعاة الغنم فى بيئة صحراوية جافة حيث القحط المُنعكس على مجمل الشخصية القومية ، ومع ذلك أعطاه خصائص شعبنا المصرى ، فبجانب خفة الظل والمرح والفكاهة فهو (فهلوى ، حلنجى ، يضرب بالبيضة والحجر) وفق تعبيرات شعبنا. فعل المخرج ذلك مع أنّ الفيلم كله تكرار فج لأكاذيب بنى إسرائيل كما وردتْ فى التراث العبرى ، فالمصريون فى الفيلم وحوش ، وتـُعبّر وجوههم عن القسوة وفى أيديهم السياط ، والملك المصرى (الفرعون وفق التعبير العبرى) أبله. والفنان المصرى مصاب بداء اللواط (وهى عادة عبرية لم تعرفها الحضارة المصرية ومارسها العبريون بإعتراف كتبهم التى يُقدّسونها) وفى المقابل فإنّ رام (يوسف) هو الذى علم المصريين الزراعة. وركز الفيلم على قطعة أرض عجز المصريون عن زراعتها ، فإذا ب (رام/ يوسف) هو الذى يقود فريق العمل . وفى نهاية الفيلم تنجح خطته العبقرية وتتحوّل الصحراء الجرداء إلى جنة خضراء بفضل عبقرية رام/ يوسف ، فى إسقاط واضح على ما فعله الإسرائيليون فى سيناء بعد كارثة بؤونة/ يونيو67، وبالتالى فإنّ رسالة الفيلم هى : أنه لا مفر من الاستعانة بالخبرة الإسرائيلية ولا بأس من العمالة المصرية. إنّ يوسف شاهين زايد على ما جاء فى التراث العبرى الذى اعتمد عليه مُتجاهلا المراجع العلمية والمؤرخين الُذين زارا مصر ومتجاهلا علم المصريات، إذْ لا يوجد أى ذكر فيه على أنّ يوسف علم المصريين الزراعة ، وإنما كان دوره فى ذاك التراث هو تخزين الغلال فقط ، ففى القرآن ((قال اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم)) (يوسف/55) وفى شرحه لهذه الآية ذكر الطبرى ((فى قوله (أى يوسف) اجعلنى على خزائن الأرض ، قال على حفظ الطعام إنى حفيظ عليم)) (تاريخ الطبرى المعروف بتاريخ الأمم والملوك- مؤسسة الأعلمى للمطبوعات- بيروت- لبنان- ط 4 عام 1983- ج1 ص 243) وهو ذات المعنى فى التوراة – تكوين 41. يقول المثل الشعبى ((فاقد الشىء لا يُعطيه)) فإذا كان يوسف بإعتراف التوراة راعى غنم (تكوين 37:2) فكيف يُمكن مخاطبة العقل البشرى فى العصر الحديث وإقناعه بالتزوير (وهو تزوير ضد النصوص التى اعتمد المخرج عليها وضد وقائع التاريخ وضد المنهج العلمى) بأنّ راعى الغنم علم الزرّاع الزراعة ؟ وبينما هللتْ الثقافة السائدة لفيلم المهاجر، فإنّ بعض النقاد الذين يحترمون أنفسهم لأنهم يحترمون لغة العلم كتبوا نقدًا للفيلم يتسم بالموضوعية منهم الناقد السينمائى أ. أحمد يوسف الذى كتب دراسة مهمة اختلف فيها مع لغة التمجيد السائدة التى لم يهتز ضميرها ، ولم يتوقف عقلها أمام معادة الفيلم للحضارة المصرية ولا للتزوير فى التاريخ . ومن هنا كانت أهمية هذه الدراسة المنشورة فى مجلة اليسار فى العدديْن نوفمبر وديسمبر94. إنّ فيلم المهاجر تجسيد لمأساة الهجوم على الحضارة المصرية ، هجوم لم يعد قاصرًا على الميديا الصهيونية (سيسل دى ميل وستيفن سبيلبيرج وغيرهما) وإنما أتى الهجوم من فنان (مصرى) كان تاريخ السينما المصرية ينتظر منه أنْ يرد على المخرجيْن المذكوريْن، فإذا به يمشى وراءهما مُردّدًا أكاذيب بنى إسرائيل ، خاصة أنّ فيلم (الوصايا العشر) للمخرج الأمريكى سيسل دى ميل يزيد الجرح إيلامًا. فهذا الفيلم تم تصويره فى مصر عام 1954 (أى بعد انقلاب يوليو 52بعاميْن) وأنّ ((مجاميع الكومبارس كانت من جنود الجيش المصرى)) (أربعون سنة سينما- تأليف الناقد السينمائى أ. مصطفى درويش- صندوق التنمية الثقافية- عام 2003- ص 101) والدرس هنا أنّ ضباط يوليو تصرّفوا مع الشركة المنتجة لفيلم (الوصايا العشر) بأحد احتماليْن لا ثالث لهما : الأول تكليف أحد المختصين بقراءة ومراجعة سيناريو الفيلم ومتابعة تصوير المشاهد ومراحل التنفيذ وبالتالى وافقوا عليه. وإما أنهم لم يهتموا أصلا (سواء بقراءة السيناريو أو الاطلاع على مضمون الفيلم ) مع إنّ هذا حق أصيل لمصر، بمراعاة أنّ التصوير تم على أراضيها. ومع ذلك سمح ضباط يوليو باستخدام جنود الجيش المصرى فى فيلم معادى للمصريين. وأيًا كان أحد الاحتماليْن فإنّ المسئولين فى تلك الفترة الحالكة من تاريخ مصر، شاركوا فى ارتكاب جريمة انتاج فيلم أمريكى تعمّد صانعوه تشويه الوجه الحضارى لمصر. وإذا كان المخرج المصرى (العبقرى) لم يُفكر فى الرد على أكاذيب سيسل دى ميل فإنّ عالمة المصريات (الفرنسية) كريستين نوبلكلور ذكرتْ فى كتابها عن (رمسيس الثانى) والذى طـُبع منه مليون نسخة فور صدوره ((عندما أرى أفلامًا مثل (الوصايا العشر) تـُصوّر المصريين وهم يدوسون فوق رقاب العبيد الساميين ، أشعر بالغضب. فهذا كذب وإفتراء)) وهكذا يظل شعبنا رهين التراث العبرى الذى يمضغه ويتنفسه متعلمون مصريون محسوبون على الثقافة المصرية، من باحثين وروائيين وشعراء وسينمائيين صدّقوا أنّ راعى الغنم علم الزرّاع الزراعة. وتحت سُعار ومقصلة الثقافة السائدة فى مصر (وفى الدول العربية/ الإسلامية) هل يمكن أنْ يأتى يوم تكون الثقافة فيه لصالح الإنسان، وليس لصالح الميتافيزيقا المعادية للتطور البشرى؟ ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإخوان والاستعمار: تاريخ الخزى والعار
-
أول سيدة تُمنح وسامًا عسكرًا
-
الإرهاب الدينى والمغالطات السائدة
-
أوهام الوحدة العربية ووقائع التاريخ
-
حرق الكتب وحرق البشر
-
مثقفو الأربعينات والجامعة العربية
-
غياب التعريف العلمى لمعنى الدولة
-
المؤسسات الكهنوتية وتهمة ازدراء الأديان
-
انعكاس الثقافة القومية على الاحتفالات الشعبية
-
الاعتزاز القومى وأسماء الأشخاص
-
رواية (ما باحت به ساره) والوحدة العربية
-
تاريخ الجزية : وصمة عار على كل الغزاة
-
التماثل الطوباوى بين البشر
-
الفلسفة المثالية والفلسفة المادية
-
الإمام محمد عبده : ما له وما عليه
-
مصطفى كامل ولطفى السيد
-
انتفاضات شعبية بلا نتائج ايجابية
-
رفاعة الطهطاوى : ما له وما عليه
-
نماذج من رموز الفكر المصرى (5)
-
نماذج من رموز الفكر المصرى (4)
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|