أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمرو محمد عباس محجوب - إزالة الفقر: السودان نموذجاً (1-8) مداخل أولية















المزيد.....

إزالة الفقر: السودان نموذجاً (1-8) مداخل أولية


عمرو محمد عباس محجوب

الحوار المتمدن-العدد: 4729 - 2015 / 2 / 23 - 17:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما كتبت "الرؤية السودانية: اطار عام للرؤية" وكجزء من قضايا الوضع الإنتقالي: قضايا التغيير الإقتصادي والإجتماعي، تناولت الفقر وقضاياه في حوالى اكثر من 50 صفحة. وجاء الكتاب عاماً، لأن الكتاب حاول تقديم "الإتجاه نحو إطار عام للرؤية، يوضح حاجتنا لها والعناصر التي ربما نود النظر إليها حين نبدأ بذلك ولتوضيح كيف نصل هناك... لكنه يحاول أن يلم بشكل شمولى وينظر في القضايا العاجلة التي تحتاج لمعالجات في اتجاه الرؤية " (عمرو محمد عباس محجوب: الرؤية السودانية: اطار عام للرؤية، دار عزة للطباعة والنشر، الخرطوم، 2013 ).

عندما بدأت رحلة البحث عن قضايا الفقر، والتي اهتم فيها بمحاولة النظر في النظريات التي قادت التدخلات المحلية والعالمية لتصميم إستراتيجيات الحد من الفقر، التي تعتمدها غالبية المنظمات الدولية والصناديق العالمية، وتفرضها على حكوماتنا كجزء من برامج التكيف الهيكلي. ألم بهذه الإستراتيجيات، كيفية صياغاتها، بنياتها وغيرها، بل وشاركت في بعض الاحيان في نقاشات خيارات لدول أثناء عملي مع منظمة الصحة العالمية. كان مدخلى تفحص هذه النظريات، إخضاعها للنقد الموضوعي وكيفية فك الارتباط بين الإستراتجيات المفيدة في تخفيض الفقر وصناعة الفقر نفسة من سياسات هذه المنظمات.

ترينا التجارب الماثلة من عدة دول أنها لم تتقدم إلا بالتصدي لقضية الفقر "ركزت ماليزيا بعد الإستقلال على محاربة الفقر، حيث كانت نسبة الفقر في ماليزيا ما يقارب 70%، وعملت على تخفيضه في الثمانينيات إلى 30%، وتم تخفيضه في بداية الألفية إلى حوالي 5%، ووصل في سنة 2010 حوالي 3.4% وتنوى ماليزيا لتخفيضه إلى 1% ونسفه نهائياً".

برنامج إزالة الفقر السوداني ليس معزولاً عن الرؤية العامة للوطن، ولايمكن تحققها إلا إذا تحقق شرطي الانتاج والتوزيع واستند على مفهوم العدالة الاجتماعية. هذه المقالات مكرسة ومعدة لكي تبين وتدلل إن إزالة الفقر هو المدخل لأي تنمية حقيقية للوطن. نسب الفقر والفقراء عار على الوطن إذا سكتنا عن إزالتة، وتفاخرنا ابناءوه بالتصدق عليهم او إعتبرناهم عبئاً علينا. الفقر والفقراء أيضاً "مقطورة" لن نستطع قيادة شاحنة الوطن للإمام إذا لم ندخلهم دائرة الحياة ألآدمية ونجعلهم جزءاً من الفعل، المساهمة والابتهاج.

برغم أن هذه المقالات عن الفقر في السودان، إلا أن منطلقه هو الرؤية، أي أن حتى ما طرح فيها جزء من توجه لوضع اقدام الوطن في طريق المستقبل. ربما تستطيع الدولة إذا أجتزأت ما طرح أن تحقق بعض النجاحات في إزالة الفقر، لكنها لا تضمن استمرارها. لذلك اعاود الحديث عن ما سبق وأن طرحته في كتابي: الرؤية السودانية: انتاج الفشل و نحو إطار عام من تطوير مفاهيم الوصول لرؤية. (اصل هذا الكتاب نشرت كاملة https://independent.academia.edu/AmrAbbas3)).

تطور مفاهيم اسباب الفقر

تنتمي دراسات الفقر إلى العلوم الإقتصادية، الإجتماعية، الانثربولوجيا، السكان، الخدمات وغيرها، وقد كانت جزءاً من إهتماماتنا في مجالات الرؤية الصحية الخاصة بالإنفاق الصحي والتغطية بالخدمات. ولكي اتمكن من تناول القضية كان لابد لي من الرجوع إلى الكتابات التي تجيء تحت عنوان التنمية الإقتصادية والعناوين المتفرعة منها التنمية البشرية، التنمية الإنسانية وغيرها مما سيرد لاحقاً. لقد كنت محظوظاً أنني وجدت في مكتبتي ثلاثة كتب للاقتصادي المصري البارز جلال امين اولهما "العولمة" اصدار عام 1999، "خرافة التقدم والتخلف"، إصدار عام 2005، "كشف الاقنعة عن نظريات التنمية الإقتصادية" إصدار عام 2007، وجميعها تتناول قضايا التنمية الإقتصادية. ومن ثم قرأت عدداً كبيراً من المقالات والكتب المتعلقة بنفس الموضوع.

اتبعت منهجاً معتمداً في الكتابة، عند تناولي موضوع التنمية الإقتصادية وهو "مراجعة ادبيات الموضوع" من مصادر ثقة في المجال، أساسها أنني من خارج الدائرة الإقتصادية، لكن كان لازماً على أن اتطرق للموضوع إذا اردت تناول مشكلة الفقر. أيضاً رجعت لكتابات كثيرة عن اسباب سقوط الدولة الإشتراكية في نموذجها السوفيتي، والتي بدأت في الاتسام بالموضوعية بعد مرور اكثر من عقدين لتسبر جوهر الاخطاء في هذه التجربة التي كانت أملاً في جوانب كثيرة منها وكارثية في جوانب اخرى.

كان هذا دافعي للتوغل في تأريخ نظريات التنمية الإقتصادية وتقديمها كمراجعة اكاديمية أساسية، كتوطئة لفهم تطور البحث عن اسباب الفقر بتطور هذه النظريات. وسوف احاول جاهداً أن اقدم صورة موجزة وسهلة الفهم للقارئ العادى، على إعتبار أن فهم اصول المشكلة سوف ينير لنا الطريق نحو تلمس الحل. إن الغرض للبدء من الاسباب هو التوجه للغرض الأساسي للمقالات وهو "تقديم تصور سياسي في الأساس ليقود لإستراتيجية رؤيوية ومن ثم لنماذج عملية".

من مقولة ارسطو "الفقر هو مولد الثورات والجريمة" إلى قولة سيدنا علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه- "لو كان الفقر رجلاً لقتلته"، تواجد الفقر وأسبابه واحدة، تكدس الثروة في أيدي قلة، وآلياته متنوعة. ولأننا معنيون بالفقر في العصر الحالي، فإننا سوف نعود الي التحليلات المنطلقة من أن "الرأسمالية هي التي تصنع الفقراء". لقد تطورت الرأسمالية وحدثت فيها تغيرات كاسحة، حاولت فيها تخفيف حدة التفاوتات، لكن أصلها لم يتغير. أخذت اشكالاً معدلة عند تحول المجتمعات القبل رأسمالية، بفعل عوامل الارتباط بين اقتصادياتها والرأسمال العالمي، ضغوط هائلة من المؤسسات المالية، التدخل المكشوف وتدبير الانقلابات وغيرها، أن تعيد كافة الإقتصاديات في العالم انتاج الفقر وإن بنسب مختلفة حسب درجة العدالة الإجتماعية في نظام الدولة.

دور الدولة في التنمية الإقتصادية

في الخمسينات والستينات سادت في النظرية الإقتصادية تبنيها للدور الأساسي للدولة في النمو الإقتصادي ودور التخطيط الشامل. كان هذا متوافقاً مع الدور الكبير للمعونات الخارجية مما يستدعي تدخلاً قوياً من الدولة، ايضاً ظروف الحرب الباردة التي سمحت بنشوء دول وطنية قوية. في ظل هذه الاجواء طرحت اهمية تراكم رأس المال كشرط للتنمية، وتم غض النظر عن اهمية التعليم، القضاء على الفساد او الاستقلال الإقتصادي والسياسي.

عزا جلال امين صعود نظرية "الدولة المتدخلة" إلى أن الدول الاوربية كانت قد فرغت من إصلاح ما دمرتة الحرب واعتمدت على افكار الإقتصادي الانجليزي جون مينارد كينز (مؤسس النظرية الكينزية من خلال كتابه -النظرية العامة في التشغيل والفائدة والنقود 1936)، والتي عارض فيها النظرية الكلاسيكية التي كانت من المسلمات في ذلك الوقت.

من أهم ما تقوم عليه نظرية كينز أن الدولة تستطيع من خلال السياسات الضرائبية، المالية والنقدية أن تتحكم بما يسمى الدورات الاقتصادية. النظرية الكينزية كانت توكل للدولة مهاماً أساسية في إدارة دفة الإقتصاد القومي، وأدت لازدهار فكرة "دولة الرفاهية" القائمة على الافكار الكنيزية والإشتراكية والتي عنت الدولة المسئولة القائمة بالمسئوليات الإجتماعية تجاه مواطنيها. سمح هذا النمو بتوفر الفوائض المالية والتي رأت وجود دول للتعامل معها ضرورة قصوى. شملت نظرية دور الدولة تطبيقها فيما طرحتة الدول الإشتراكية من طريق التطور اللارأسمالي.
يتغير دور الدولة والاهمية النسبية لوظائفها في العصور المختلفة مع تغير التشكيلات الإجتماعية. فمن تدخل واسع في النشاط الإقتصادي وتنظيمة ودعمة مع بداية عصر الرأسمالية التجارية وبدء نشوء الدولة القومية، تراجع تدخل الدولة (خاصة المتقدمة) في عصر الثورة الصناعية وتفرغت الدولة للمهمة الإستعمارية. فوائض الإستعمار سمحت بقيام النقابات وتحقيق إنجازات ودرجة أكبر من الديمقراطية السياسية.

عندما نمت القوى الإنتاجية للدولة فوق الطاقة الإستهلاكية للدولة الوطنية والاسواق الخارجية، اصبح إعادة توزيع الدخل لصالح الطبقات الدنيا ضرورة لتحريك الإقتصاد، فازدهرت الدولة الكينزية، الروزفلتية أو دولة الرفاه من الثلاثينات إلى ستينات القرن الماضي. صاحب هذه الفترة أيضاً قيام دول وطنية قوية في ظل الحرب الباردة، تميزت بالخطط الخمسية، قوانين حماية جمركية، انجاز مشروعات البنية الأساسية. تبنت بعضها الافكار الإشتراكية واعطتنا مصر الناصرية، الهند، اندونيسيا، تنزانيا حتى سودان الفريق عبود.

لم تستمر هذه الحالة طويلاً فمع تكرار فترات الكساد الإقتصادي عقب ارتفاع اسعار البترول عام 73-1974 وارتفاع معدلات التضخم، ظهر عامل جديد سوف يكون تأثيره حاسماً، ما عرف باسم "الشركات متعددة الجنسيات". مع ارتفاع اسعار العمالة في الدول المتقدمة، توفرت فوائض مالية كبيرة، خاصة ماعرف بفوائض البترودولار، وانتهاء اعمال إعادة بناء اوربا، بدأت الشركات في البحث عن اسواق جديدة.

دشن هذا عصر تصاعد ما اسمي "اليمين الجديد" والتي قامت على نظريات الحرية الإقتصادية، اضعاف دور الدول في التحكم في اسعار السلع، الاجور والتوزيع. مع وصول التاتشرية والريجانية إلى الحكم تواردت إلى ادبيات وكالات الامم المتحدة المصطلحات المعبرة عن المرحلة "التثبيت الإقتصادي والتكييف الهيكلي"، افكار الداروينية الجديدة "البقاء للاصلح" واعاد الصندوق والبنك الحياة لنظرية التساقط .

من الدولة القومية إلى العولمة

مع التقدم المذهل في قوى الإنتاج، تطور التكنلوجيا وتشبع الاسواق المحلية نشأت الشركات العالمية. ترافق مع هذا تقدم اليمين الجديد لاجراء تحولات كبرى في دور الدولة. لجمت الحركة النقابية، خفضت الضرائب على الشركات وزادت البطالة، وعادت بشدة الدعوات لحرية الإقتصاد، التجارة وتنقل رأس المال، أي عكس دولة الرفاه. وبدأت في هدم الحواجز التي بنيت عبر السنوات وبدأ العمل في تكوين منظمة التجارة العالمية، والجات، ومع تطور الشركات العالمية، بدأ الحديث عن العولمة. عملت الدول الغربية منذ منتصف السبعينات على تفكيك الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية عن طريق ارهاقة اقتصادياً وابتزازة ايديولوجياً، وبالنسبة للشركات كانت هذه المنطقة تمثل سوقاً ضخماً وغنياً.

إرتفعت ايضاً دعوات، نبيلة ومهمة، لتقوية المجتمع المدني على حساب الدول وحماية حقوق الانسان من إعتداء الدولة، لكنها كانت تستعمل كاسلحة في اضعاف دور الدولة الوطنية، مع صمت تام عن الحقوق السياسية في الدول التي تفتح ابوابها للشركات العالمية. أثرت الشركات العالمية على مجتمعاتها الاصل باضعاف القدرات التفاوضية للعمال والفقراء وذلك بنقل العمليات الإنتاجية إلى دول اخرى، ادخال التكنلوجيا محل العمال وغيرها. أما في الدول النامية فقد دخلت الشركات المجال السياسي سواء بالتهديد بسحب الإستثمارات او الافساد السياسى، الرشاوي المالية وخلق طبقة تعتمد في وجودها عليهم.

انتشرت هذه السياسات كالوباء في مختلف انحاء العالم متكئة على الغطاء الايديولوجي الفج "النظام العالمي الجديد" ولتبرير العولمة كحتمية تأريخية، وليست إرتباطاً بين المصالح سادت اطروحات "نهاية الايديولجيا" والتي استندت هي نفسها على ترويج العولمة، الاستهلاك، رفع معدلات التنمية ومحاولة فرض قيم ثقافية للحضارة الاوربية على العالم. أيضاً تم الترويج "لنهاية التأريخ" كانتصار نهائي للرأسمالية. (صاحبها فرانسيس فوكوياما في مقاله الشهير "نهاية التاريخ" تقوم النظرية على ثلاثة عناصر أساسية. الديمقراطية المعاصرة، الصراع التاريخي المتكرر بين " السادة" و"العبيد" والعنصر الثالث أن الاشتركية الراديكالية أو الشيوعية لا يمكنها تتنافس مع الديمقراطية الحديثة، وبالتالي فإلمستقبل سيكون للرأسمالية أو الاشتركية الديمقراطية).

كان هذا إيذاناً بمعاودة ظهور وصف "الدولة الرخوة" (الدولة الرخوة تعبير استخدمه عالم الاقتصاد السويدي جنار ميردال في أواخر الستينات في كتابة (بحث في أسباب فقر الامم) للاشارة إلى استعداد معظم حكومات الدول النامية للفساد، تجاهل حكم القانون، تغليب مصالح افرادها الخاصة على المصلحة العامة. والذي يستدعي "الدولة الفاشلة" في تطورها الموضوعي (خصائص الدولة الفاشلة: مجموعة من المؤشرات أهمها: فقدان السيطرة على جزء من الأراضي الخاضعة للدولة، وفقدان التفرد في حق استخدام القوة، وانهيار جزئي أو شامل في تقديم الخدمات الأساسية، وتعطل كامل أو جزئي لعمل مؤسسات الدولة والفشل في إلزام أجزاء من الشعب بتنفيذ قرارات الحكومة المركزية وانتشار الفساد بشكل لا يعود خاضعاً للسيطرة، وانتشار الهجرة الجماعية أو التشرد داخلياً وانتشار الجرائم المنظمة وغير المنظمة واختراق القانون بشكل جماعي وعدم القدرة على التفاعل مع الدول الأخرى كعضو فعال في المجتمع الدولي).

حسابات الفقر

عندما تناولت نظريات التنمية الإقتصادية مسألة الفقر منذ منتصف القرن الفائت "وبدلاً من أن تحدد المشكلة الأساسية بأنها عجز شرائح كبيرة من السكان عن أشباع بعض من أهم الحاجات الانسانية وأكثرها وضوحاً وبديهية"، استدعت كسبب انخفاض متوسط الدخل القومي للدولة ككل. طرحت وكالات الامم المتحدة متوسط الدخل القومي كمقياس لنمو الدول والتنمية الإقتصادية واستعملت في كافة التقارير التي اصدرتها الوكالات المختلفة.

كان تحديد هذا المقياس رداً على سؤال كيفية إدخال شرائح كبيرة من السكان في الدائرة الإقتصادية وإشباع حاجياتها الإنسانية المباشرة. أدى اعتماد متوسط الدخل القومي إلى ضم كافة الدول المتقاربة في تصنيف موحد "الدول المتخلفة"ً، "العالم الثالث" وغيرها. افترض هذا أن الدول والشعوب منتهى آمالها وطموحاتها أن تلتحق بنماذج الدول المتقدمة. وقد اعتبر أول معيار تبلغه الدولة لكي توصف بأنها حققت ارتفاعاً معقولاً هو عُشَرَ الدخل القومي للولايات المتحدة.

ورغم أن النظرية عالجت مشكلة الفقر وأن اصلاحها رهين بنمو متوسط الدخل القومي وحل مشكلة التوزيع، لكن تم التغاضي عن التوزيع بتقديم نظرية التساقط (Trickle-down theory )، والتي حدثت بالفعل في الدول المتقدمة عند بدء النهضة الصناعية، وتعني إمكانية تساقط ثمرات التنمية الي الفقراء مع تسارع الدورة الإقتصادية.

شهدت نهاية الستينات تطورات مهمة كان لها دافعان الأول: ظهور نتائج إيجابية في الدول الرأسمالية من نمو سريع وكبير وحياة اجتماعية مستقرة تحميها الدول وتتحمل تكلفتها، وايضاً التطور المذهل في نمو الدول الإشتراكية وخروجها من الحرب ككتلة متماسكة، استطاعت تحت ملكية الدولة المطلقة لادوات الإنتاج والتحكم في التوزيع أن تقدم نموذجاً يثير الاعجاب. الدافع الثاني: فشل النماذج التنموية في اغلب دول العالم الثالث وسيرها في نفس خطى الإدارة الإستعمارية مع تفشي الفساد وسوء الإدارة. أدى هذا إلى مهاجمة الاسس النظرية لنظرية روستو "مراحل النمو الإقتصادي"، وهدف زيادة الدخل القومي لعجزها البين في حل الاختلالات الهيكلية في التوزيع.

اندلاع حركة الطلاب والشباب في اوربا الغربية وامريكا، كاحتجاج على المجتمع الاستهلاكي وحرب فيتنام، دفعت بطاقة إيجابية في العالم، أساسها نقد النمط الاستهلاكي والتعاطف الانساني مع ضحايا نمو البلدان الغربية المذهل. إعيد الاعتبار لإعادة التوزيع ورفع مستوى العمالة كعوامل تؤدى لاستفادة الفقراء من التنمية. رفعت منظمة العمل الدولية شعاراً جديد "اشباع الحاجات الأساسية" والتي ايدها البنك الدولي واصدر كتابه "إعادة التوزيع مع النمو"، وباهمية خلق فرص عمل كبديل عن معيار متوسط الدخل.

هدف "اشباع الحاجات الأساسية" إلى توفير مستوى معقول من التغذية، الصحة، السكن وتوفير فرص عمل كافية ومجزية. شهدت هذه السنوات ايضاً ظهور مفاهيم "الرعاية الصحية الاولية"، "التكنلوجيا الملائمة"،"نوعية الحياة"، وبداية الاهتمام الجدي بقضية البيئة بظهور كتاب "حدود النمو" الذي اصدرتة مجموعة علماء ايطاليين من اعضاء "نادي روما"، عبر عن التاثيرات البيئية للنمو (أسس نادي روما في ابريل 1968 عن طريق رجل الاقتصاد الايطالي أورليو رتشي، وألكسندر كنگ، العالم الاسكتلندي. وتكون في البداية مجموعة دولية صغيرة من الأشخاص في مختلف المجالات الأكاديمية، المجتمع المدني، الدبلوماسي، الصناعي، وكان لقائهم في ڤ-;-يلا بروما، إيطاليا، ومن هنا جاء الاسم. حسب موقعه، يتكون نادي روما من "علماء واقتصاديون ورجال أعمال، وكبار مسئولي دول عديدة ورؤوس دول سابقين من القارات الخمس، يجمعهم اعتقاد ثابت بأن مستقبل البشرية لن يبقى ثابتاً للأبد وأن كل فرد بإمكانه المساهمة في تحسين مجتمعاتنا.(

من اواخر السبعينات اعادت الوكالات تسمية الدول المتخلفة، والعالم الثالث ب"الدول النامية" وطبقت وصفات صندوق النقد الدولي من "التكييف الهيكلي، الانفتاح الإقتصادي والخصخصة" طوال الثمانينات. مع تنامي اعداد الفقراء وعجز النمو المفترض من تحقيق غاياتة الإجتماعية، دخل الساحة معدل جديد رفعه "برنامج الامم المتحدة للانماء" عام 1990 سمي "التنمية البشرية" لترتيب وتصنيف البلاد وضم ثلاثة مؤشرات: متوسط الدخل كمعيار للسياسات الإقتصادية؛ العمر المتوقع للإنسان عند الميلاد (تخفيض وفيات الطفال كانعكاس للحالة الصحية) ونشر التعليم (زيادة عدد التلاميذ المقيدين بالمدارس). كغيرة من المعايير تجاهل هذا المعيار قضايا التوزيع، البطالة والجوانب الثقافية والحضارية (جلال امين: خرافة التقدم والتخلف، العرب والحضارة الغربية في مستهل القرن الواحد والعشرين (القاهرة: دار الشروق،2007) ص 14-20).



#عمرو_محمد_عباس_محجوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولتيه: المصلحة الدائمة ام المباديء الدائمة
- اليمن: درب الآلام والاحلام
- الاصلاح الديني: تجارب دول الرؤية (4-4)
- الاصلاح الديني: الحركات الصوفية (3-4)
- الاصلاح الديني: تيارات الاصلاح (2-4)
- الاصلاح الديني: المصطلح والمفاهيم (1-4)
- الرؤية الاستراتيحية (7-7) أليات التوصل لرؤية
- الرؤية الاستراتيحية (6-7) الكفاءات الأساسية
- الرؤية الاستراتيحية (5-7) تجارب محاربة الفقر
- الرؤية الاستراتيحية (4-7) تجارب وضع الدستور
- الرؤية الاستراتيحية (3-7) تجارب عربية ودولية
- نداء تونس: ابدعي في التوافق
- الرؤية الاستراتيحية (2-7) ما قبل الرؤية
- الرؤية الاستراتيحية (1-7): مفاهيم منهجية
- اليمن وداعاً........اليمن أهلاً
- من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (4) دروس الثورات
- من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (3) مطالب الثورات
- من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (2) صناعة الثورات
- من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة (1) الطريق إلى ثورات الربيع ...


المزيد.....




- محاكمة مؤسس ويكيليكس: أسانج ينهي الأزمة مع أمريكا بعد الإقرا ...
- عيد الغدير.. منشور نوري المالكي وتعليق مقتدى الصدر وتهنئة مح ...
- مصر.. تقرير رسمي يكشف ملابسات قتل طفل وقطع كفيه بأسيوط
- السعودية تقبض على سوري دخل بتأشيرة زيارة لانتحال صفة غير صحي ...
- القضاء الأمريكي يخلي سبيل أسانج -رجلا حرا-
- القضاء الأمريكي يعلن أسانج -رجلا حرا- بعد اتفاق الإقرار بالذ ...
- رئيس ناسا: الأمريكيون سيهبطون على القمر قبل الصينيين
- في حالة غريبة.. نمو شعر في حلق مدخّن شره!
- مادة غذائية تعزز صحة الدماغ والعين
- نصائح لمرضى القلب في الطقس الحار


المزيد.....

- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمرو محمد عباس محجوب - إزالة الفقر: السودان نموذجاً (1-8) مداخل أولية