أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سليمان جبران - -هذيك الأيّام-: المدرسة الأولى... البيت!














المزيد.....

-هذيك الأيّام-: المدرسة الأولى... البيت!


سليمان جبران

الحوار المتمدن-العدد: 4729 - 2015 / 2 / 23 - 00:26
المحور: سيرة ذاتية
    


"هذيك الأيّام": المدرسة الأولى... البيت!

سليمان جبران

كثيرون من الأجيال السابقة كانت مدرستهم الأولى تحت السنديانة. مارون عبّود مثلا. أمّا نحن في البقيعة فلم ندرك ذلك النوع من المدارس. وعينا وفي قريتنا مدرسة حتى الصف الرابع. "وما بالقليل ذا اللقبُ" ! أذكر أنّ تلاميذ كثيرين من القرى المجاورة كانوا يؤمّون قريتنا، على الأقدام طبعا، في الصحو والمطر، لمواصلة تحصيلهم. يبدو أنّ الفضل يعود للمسكوب، الروس يعني، في إنشاء هذه المدرسة، في تلك القرية الصغيرة في الجليل. حتى والدي حكى لنا غير مرّة أنّه تعلّم نصف الصفّ الأوّل في مدرسة القرية، ولم يواصل "تحصيله" لنشوب الحرب العالميّة الأولى !
سبقني إلى المدرسة، وتحصيل العلم، أخواي الأكبر مني. كلّ واحد منّا كان يحفظ ما يتعلّمه الأكبر منه. في اللغة العربيّة والحساب بوجه خاصّ. لذا كانت مدرستنا الأولى هي البيت. ونعم المدرسة ! كلّ ما يتعلّمه الكبير لا بدّ من انتقاله إلى الأصغرين سنّا. خصوصا أبيات الشعر؛ السلاح القاطع في "المساجلات الشعريّة". أمّا الوالد فكان يحضر المساجلة، حضورا سلبيّا. ينشرح صدره لحضور المباراة سماعا. يفرح لمن ينتصر، خصوصا إذا كانت الغلبة للأصغر. لكنّه لا يقدر على القيام بوظيفة الحكم بيننا. المساجلة نجريها في محفوظنا من الشعر في اللغة الفصحى. لا هي في العتابا ولا القرّادي، مجال اختصاصه.
قبل دخولنا المدرسة، كنّا قد حفظنا الكثير الكثير من الشعر في البيت. سماعا أحيانا، دونما فهم لبيت الشعر، أو لطريقة كتابته حتى. وإلا كيف سيصمد الواحد منّا في المساجلة الشعريّة؟ حتى بعد أن كبرنا، وصرت معلّما، كان أخي الأكبر منّي يتحدّاني في المساجلة، ولا أغلبه إلا إذا احتلت عليه ببيت من الشعر "ذاتي"، يقبله رغم ركاكته، لأنّ الوزن فيه لا غبار عليه. لا بدّ لك من الإتيان ببيت من الشعر، بحيث يبدأ بالحرف الذي انتهى به بيت خصمك. ولا يجوز الإتيان ببيت "محبوك"؛ يبدأ وينتهي بالحرف ذاته. الأبيات عند أخي كانت مسفطة جاهزة، كلّ حرف وله أبيات محفوظة حاضرة. لكنّها في ذهني لم تكن مسفطة، كما عنده. هكذا كنت أبتكر أبياتا كلّما انحشرت، والمسكين كان يكشفني مرّة، وأخدعه مرّات !
كان في بيتنا، لحسن حظّنا، بعض كتب تدريس العربيّة، جاء بها إلينا الوالد من لبنان. كانت سفرات "التهريب" إلى لبنان عمل الوالد الأساسي. لم يكن يحبّ الأرض والعمل في الأرض، ويفضّل عليها التهريب. هكذا زوّدنا الوالد بكتاب "منتخبات أدبيّة"، وأكثر من جزء من كتاب "المشوّق". هذه الكتب كانت إنجيلنا اليوميّ، يقرأ فيها أخواي، خاصّة الشعر، ومعظمه للشعراء اللبنانيين، ونحفظه جميعنا، سلاحا قاطعا في المساجلات الشعريّة. من هذه المراجع، حفظنا الكثير الكثير من الشعر.
لا أرغب في العودة اليوم إلى هذه الكتب، لنقل بعض ما حفظناه منها حرفيّا. يكفيني ما أمتاحه من الذاكرة. وإلا كنت مؤرّخا لا كاتب ذكريات من الماضي. ما زلت أذكر، مثلا، أبياتا من الشعر، عرفت كبيرا أنّها لرشيد أيوب في وصف الثلج، والحنين إلى وطنه لبنان:
يا ثلج قد هيّجت أشجاني/ ذكّرتني أهلي بلبنانِ
بالله عنّي قلْ لجيراني/ ما زال يرعى حرمة العهدِ

يا ثلج قد ذكّرتني الموقدْ / أيّام كنّا حولهُ ننشدْ
نعنو لديه كأنّه المسجدْ / وكأنّنا النسّاكُ في الزهْدِ

كانت المقطوعتان أعلاه، ولم أحفظ أنا غيرهما، بخلاف أخويّ، عزيزتين عليّ جدا، أفرح الفرح كلّه حين أسبق مناجزي إليهما. الإيقاع فيهما كان يهزّنا جميعا، والموقد المذكور في الأبيات كنّا نتحلّق نحن حوله أيضا، والحرف الأخير كان الدال، حرف "الحشر" في المساجلة بيننا عادة !
لا أنسى أيضا، وكيف لي أن أنسى، "لغة الأجداد". هي قصيدة تعلّمها أخي في درس المحفوظات، وعرفت كبيرا أنّها للشاعر حليم دمّوس. أذكر: كانت في "الحارة"، جنوب التوتة الأزليّة، غرفة صغيرة، استأجروها لأحد الصفوف. فكنت أتعمّد المرور أمام باب الغرفة/الصفّ، رجاء أن يلمحني الأستاذ من الداخل، فيناديني باسمي لأدخل. أدخل متظاهرا جهلي ما يراد مني، فيسارع الأستاذ إلى مطالبتي بإلقاء "لغة الأجداد" على تلاميذ الصفّ. ما زال في الذاكرة بعض أبيات من تلك القصيدة رسبتْ فيها عميقا، منذ الأيّام البعيدة تلك:
لا تلمْني في هواها / أنا لا أهوى سواها
ما لقومي ضيّعوها / فدهاها ما دهاها
غيَرُ الدهر توالتْ / ومشتْ نحو ذراها
عصفت عن جانبيها / فتداعى جانباها
لست وحدي أفتديها / كلّنا اليوم فداها
فأعيدوا يا بنيها / نهضة تحيي رجاها
هذه هي الأبيات التي بقيت معي منها حتى هذه الأيّام. أتلو أبيات القصيدة، كما حفظتها، مسرعا دونما توقّف. وإذ ينقطع نفسي في أحد أبياتها، أتنفس مسرعا وأتابع تلاوتها، كأنني عدّاء ماراثون. يصغي الأستاذ إلى إلقائي فيضحك ملء فيه، ويعجب التلاميذ في الصفّ أيّما إعجاب، وتطول قامتي شبرينِ. وإذ أنهي ما معي من محفوظ القصيدة، يطبطب لي المعلّم معجبا على ظهري، وأخرج من الصفّ إلى الحارة تحت التوتة مسرعا. لا تسعني أرض ولا سماء!
لا أتمنى لتلك الأيام الناشفة، جيبا وبيوتا، العودة. وإن تكن عزيزة عليّ اليوم. لكن، ألم نغالِ هذه الأيّام في الاتجاه المعاكس؟!

[email protected]



#سليمان_جبران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو أُسلوب عصري، وسليم
- أثر الفراشة
- ألفاظ -خلافيّة- في اللغة المعاصرة
- تصحيح الصحيح!
- من باب الترفّع عن المحكيّة
- الأرقام العربيّة والهندية
- كيف صرت معلّما!
- هوامش للغتنا المعاصرةِ
- الاختلاف سيّد الأحكام!
- الأستاذ الياس
- سليمان جبران:على هامش التجديد والتقييد في اللغة العربيّة، مج ...
- مات وعينه على سحماتا
- كيف تقول كلّ شيء يا أبو مازن
- يا أصحاب العربيّة، كونوا على حذر!
- سليمان جبران: كيف نترجم מ-;-ת-;-ח-;-ם ...
- لائحة الدفاع!
- أحمد فؤاد نجم و شعر المحكيّة
- كيف نقول Traffic Jam او פ-;-ק-;-ק-;- بالعر ...
- ...علمتَ شيئا وغابت عنك أشياءُ!
- حكاية الفيل والنملة


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سليمان جبران - -هذيك الأيّام-: المدرسة الأولى... البيت!