محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 4728 - 2015 / 2 / 22 - 13:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في السياسة كما في المجتمع , تجري أحكام عقلية وأخلاقية علي حساب مسطرة مصالحك الفردية المتماسة مع منظومة القيم والأخلاق الفردية لتتماس مع نصوص وأحكام وقواعد الدستور والقانون , ولاتخرج عنها مطلقاً , وإذا تجاوزت تلك الحدود , يتم تطبيق منظومة العقوبات علي الخارجين عن دائرة الدستور والقانون , إلا أن الخروج علي مسطرة المجتمع فتجري أحكامه علي الخارجين عليها بطريقة شبه آلية مباشرة , لأن الخروج علي القانون يتم خلسة ومن الممكن التحايل عليه , أما نصوص المجتمع وأحكامه وقواعده المتمثلة في الأعراف والتقاليد والعادات والموروثات الدينية والإجتماعية فيصعب الخروج عليها , نظراً لأن المجتمع لايسامح ولا يعفو ولا يغفر , ولديه ذاكرة صلبة تتوارثها الأجيال عن سير وتاريخ وصنائع المنتمين لمجتمع من المجتمعات , وخاصة الشرقية ولذلك فإن لائحة العداءات والمخالفات والجزاءات الإجتماعية تكاد تكون ثابتة ولايجري عليها التغيير إلا خلال فترات زمنية طويلة حسب قوة وتأثير التغييرات التي تطرأ علي المجتمع .
أما في السياسة التي تعمل علي تنظيم شئون ومصالح المجتمع والدولة , فإن التغيير قد يطرأ بصفة مستمرة وتتغير معه النظرة إلي تقييم مصالح المجتمع /الدولة علي حدٍ سواء , ولذلك فإن الخارجين علي لائحة مصالح الدولة / الوطن , تتغير , ولذلك فإن لائحة العداءات مجازاً , تتغير حسب المجريات والمعطيات السياسية علي أرض الواقع في تفعيل الدور السياسي علي شرط مصالح الوطن / المواطنين . فيصير إعادة ترتيب لائحة العداءات متوجب علي هذا الشرط .
في حالة الشأن المصري بوجه خاص , والعربي والدولي بوجه عام , أري أن لائحة العداءات صارت متقلبة بدرجات شديدة في التسارع والتحول , ومثالها علي سبيل المثال , قطاع غزة الذي تحكمه منظمة حماس , التي يتم تصنيفها حسب بعض الرؤي الدولية علي أنها منظمة إرهابية , وكانت مصر الدولة / المواطنين , تتعامل مع الملف الغزاوي رسمياً علي إعتباره ملف أمني , وشعبياً علي إعتباره ملف ذو أبعاد دينية في غالب الأحيان , وأحيان كثيرة بأبعاده القومية العروبية الناصرية , وبعد صعود تيار الإسلام السياسي إلي سدة الحكم في مصر , تم التعامل مع قادة حماس علي اعتبارهم ممثلين دوليين وتم استقبالهم لدي الدولة المصرية إستقبال رسمي يليق بممثلي الدول , وتم فرش البساط الأحمر في المطارات حال استقبالهم .
بعد عزل الرئيس المصري المنتخب علي شرط التوائم مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة , تغير الموقف الرسمي من حماس , وانقسم الموقف الشعبي حولها بدرجة كبيرة , وتم التعامل معها شعبياً علي اعتبارها منظمة إرهابية تعمل ضد مصر والمصريين , وإشارة قادتها والمنتمين إليها بأصابع اليد الأربع في تعبير لموقعة رابعة العدوية , بالقاهرة , والتي تم تصفية العديد من اعضاء الإخوان المعتصمين بعد توجيه الإنذارات إليهم مرات عديدة , وإعلان منظمة حماس العداء للجيش المصري والدولة المصرية , وصدور حكم إحدي المحاكم المصرية بتصنيف كتائب القسام , علي أساس أنها كتائب إرهابية , بالرغم من أنها حسب رؤية التيار القومي العروبي الناصري , كتائب مقاومة وتمثل الزراع العسكري لمنظمة حماس , والتي هي في ذات الوقت يتم تصنيفها علي أنها الزراع العسكري لجماعة الإخوان المسلمين . وبذلك يري البعض تنظيم حماس وإسرائيل علي درجة واحدة من العداءات , وآخرين يرونها تأتي في المرتبة الثانية بعد إسرائيل , إلا أن البعض يضعها في مرتبة متقدمة لتحتل رقم (1) في لائحة العداءات تليها إسرائيل , ثم الولايات المتحدة , ثم دول ومنظمات أخري ثم الجماعات الدينية.
من الواضح أن الثوار كانوا يضعوا نظام مبارك في مرتبة أولي بلائحة العداءات , يليه نظام تل أبيب ثم الولايات المتحدة الأمريكية , ثم تيارات الإسلام السياسي , وهذا التصنيف قد يكون متماس مع رؤية الليبراليين , إلا أن اليسار بصفة عامة يضع تل أبيب وأمريكا في خانة واحدة أولي, ثم يأتي نظام مبارك , ويتماس اليسار المصري مع الإخوان وحماس علي اعتبار أن القدس وفلسطين بصفة عامة قضية العرب المركزية , وتحرير القدس وفلسطين بمثابة قضية لاتعلوها أي قضية حتي وان كان ذلك علي حساب الشأن الداخلي المصري , لأنه حسب رؤيتهم , فإن حماية حدود مصر تأتي من الشمال الشرقي حيث تل أبيب , ويبرر ذلك العداء الديني الموروث لليهود في القرآن والأحاديث والسيرة , والمأثورات الدينية . بجانب التاريخ المكلل بالهزائم للأنظمة العربية بداية من العام 1947 / 1948 , والعام 1956 , 1967 , وحرب الإستنزاف , وحرب أكتوبر 1973 , التي قال عنها الرئيس المصري الراحل أنور السادات أنها حرب تحريك , وليست حرب تحرير , بدلالة الحصول علي سيناء كاملة من خلال مفاوضات ومعاهدات السلام بين مصر والدولة العبرية .
مايهمنا ويشغلنا في هذا الشأن هو رؤية الثوار الأبطال الأحرار في ترتيب لائحة عداءاتهم , والذين يكادوا يعتقدوا أنهم خرجوا من ثورة 25 يناير خاليين الوفاض , وبلا أي ثمار تعود بالنفع والمصلحة علي المجتمع والدولة حال كون المؤسسة العسكرية ممثلة في الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هي التي تحكم وتهيمن وتسيطر علي كافة مقاليد الأمور بمشاركة كافة الأجهزة الأمنية وعلي الرأس منها الشرطة المدنية التي خرج عليها الثوار في يوم عيدها في 25 يناير 2011 , ومازالت الشرطة تمارس كافة الإنتهاكات ضد المجتمع / الشعب , وهذه الرؤية لها صدي واسع ومشهود علي أرض الواقع المصري / الإجتماعي , بالتزامن مع عودة رموز الحزب الوطني المنحل بصورة فجة تتميز بالعناد , وكأنه إنتصار لمنظومة مبارك الأب والإبن والأسرة والحزب والدولة , ولذلك فإن لائحة عداءات الثوار الخارجين عن دوائر الجماعات الدينية , ودوائر الدولة ممثلة في منظومة الحكم والسلطة المصرية التي تري نفسها ويري معها غالبية المصريين أنها في حالة حرب مع الإرهاب الديني الذي أخذ صورة حرب مع الإرهاب الدولي لتتعدي حدوده إلي خارج حدود الدولة المصرية سواء كان في ليبيا أو تركيا أو قطر وغزة ( حماس) , بجانب الصراع مع تنظيم الإخوان في الداخل وداعش في الخارج ..
الثوار ليسوا في حالة نسيان علي شرط مطالبهم في إعلاء شأن الدولة المدنية / دولة المواطنة / الدستور / القانون / المساواة في المواطنة وتكافوء الفرص , والعيش والخبز والحرية , إلي غير ذلك من المباديء والقيم والمثل العليا للدولة والمجتمع بأخلاقهما المدنية المشروطة علي نصوص الدستور والقوانين , وهذا لن يتأتي إلا عبر تغيير لائحة العداءات , وإعادة ترتيبها من جديد , لتكون منظومة الدولة المصرية ممثلة في الجيش والشرطة والقضاء , والمؤسسات الإعلامية , في آخر اللائحة , مع جعل العصابات الدينية الإرهابية تحتل رقم (1) في لائحة العداءات , تليها مجموعة الدول التي تسعي لإجهاض الدولة المصرية , وتضييع شعبها ..
وأود أن أوضح أن الثوار ينظروا إلي الجيش المصري , ويصفونه بــ ( العسكر ) في توصيف لايخلو من الهمز واللمز يطول المؤسسة العسكرية , ويطول قادتها في المجلس الأعلي للقوات المسلحة , وكأن مجلس المشير طنطاوي المتحالف مع الإخوان المسلمين عبر ترحيل محمد مرسي عيسي العياط من السجن إلي القصر الجمهوري ليكون رئيساً للمصريين , في حالة ردة ثورية علي مطالب وأهداف الثورة المصرية التي لم تطال مبارك وقادة دولته في الجيش والشرطة والقضاء والإعلام و مجال الإقتصاد والإستثمار , ولكن الرؤية تغيرت بعض الشيء , وليس مالايدرك كله يترك كله , خاصة في مجال السياسة والمفاوضات السياسية بين الدولة وبين المعارضة السياسية , ولنعود إلي تحديد لائحة الأهداف والمطالب السياسية ونصطف حولها ويتم تغيير لائحة العداءات السياسية من فترة لأخري حسب الظرف الزمني الواقعي بمآلاته السياسية والإجتماعية ..
وهناك من يريد أن يرسل برسالة إلي الثوار الأحرار , مؤداها أن الدولة والمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية أعلنوا الحرب علي التنظيمات الدينية الإرهابية , وبذلك فإن الوجه الآخر للعملة بوجهيها العسكري والديني , يتم محوه , ليتبقي وجه الدولة وسيحتل المجتمع الوجه الآخر للعملة التي كانت تحتلها العصابات الدينية بإعتبارها ركيزة للإستبداد والطغيان والفساد , وستكون الدولة بمؤسساتها في مواجهة سياسية مع المجتمع / الشعب , وسيعلي الشعب / المجتمع من أهدافه ومطالبه , وسترضخ الدولة/ السلطة , لمطالب وأهداف الشعب , وسيتم إعلاء دور الدولة المدنية / دولة المواطنة / الحريات الفردية / الحريات الإجتماعية / علي شرط الدستور والقانون , وسيتم إعادة ترسيم دور المؤسسات بما فيها المؤسسة العسكرية والشرطية والقضاء والإعلام إلي غير ذلك من المؤسسات .
وهنا سيتم إحالة العملة الرديئة إلي مرابع الذكري , ويقال : كانت هنا عملة تحمل وجهاً للفاشية العسكرية , ووجهاً آخر للفاشية الدينية , وتصارعت الفاشيتان , وانتصرت الفاشية العسكرية, لتعود للمجتمع من غير الوجه الآخر للعملة الرديئة , وسيحل محلها الوجه الآخر المجتمع , الذي قام بدوره بصناعة عملة جديدة تخلو من الوجه الآخر العسكري ؛ وحتماً ستعود دولة المؤسسات , والفصل بين السلطات وصولاً لدولة القانون !
مازال الوقت هو العلاج ...
.
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟