أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عامر سليم - القصر.... بين الوهم والقهر















المزيد.....

القصر.... بين الوهم والقهر


عامر سليم

الحوار المتمدن-العدد: 4728 - 2015 / 2 / 22 - 10:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اول مايفعله الطغاة المتجبرون هو ان يبنوا لهم قصرا كبيرا مهيبا يرهبون به المحكومين ..وما علينا الا ان نتذكر اشهر * قصور الطغاة في التاريخ لنتأكد.. حتى في الخطاب الديني فان لله عرشا (رب العرش العظيم ) وهو الرديف للقصر انشأه ليبرهن لعباده عظمته وسطوته وقدرته وقهره الجبار.. وتقليدا لهذا العرش تفنن وكلاءه على الارض ببناء الصروح الدينيه المعماريه الضخمه والكبيره لتؤدي نفس الغرض..(مكه ,الفاتيكان ,الجوامع والكنائس والمعابد المبالغ بحجمها ,مراقد الانبياء والائمه ...الخ).
تم توظيف هذا الرمز ايضا في الادب الروائي فقد اختار محفوظ في روايته (اولاد حارتنا) وصف ( المنزل الكبير) المحاط بالحدائق والاسوار العاليه والذي كان مقرا للجبلاوي .. رمزا للوهم والخرافه التي يخلقها الانسان ليروي ظمأ خوفه وحيرته ويفرضها على نفسه بالقوه والتعليم القسري ناشدا التفسير والخلاص وراحة المصير..
في حين كان ( القصر) في رواية كافكا (وهو محور موضوعنا) والتي تحمل نفس الاسم.. رمزا واضحا لقهر هذا الانسان في كل زمان ومكان..يسرد لنا المؤلف المعروف بغرائبيته قصة بطل الروايه ( ك ) الذي يصل الى قريه بلا اسم وفي طرف تلك القريه وعلى مرتفع فيها يقبع ذلك الصرح الضخم...القصر
يدعي ( ك ) بطل الروايه انه قدم للعمل بناء على رغبة القصر..ولكنه لايستطيع الوصول اليه ومقابلة موظفيه هناك ليباشرعمله وتلبية توجيهاتهم... حيث تجابه محاولاته العديده بالرفض..تشغلنا تلك المحاولات الفاشله وعدميتها... حتى تبدأ الاسئله تؤرقنا ونحن نغرق في قراءة تفاصيل الروايه ... ماهو هذا القصر؟ من هم موظفوه الذين يديرونه وماهي مراتبهم؟ لماذا ذلك الاصرار العنيد على احترامهم وطاعتهم بلا نقاش؟..لماذا لايستطيع ( ك ) دخول القصر بل ولا حتى الاقتراب منه؟ ما سرالحصانه والقداسه الغريبه التي يصنعها القصر لنفسه ولا يتوانى عن استخدام كل الحيل والخدع ليبعد بطل الروايه من الدخول اليه؟ واخيرا من هو( ك ) الذي لايعرّف الا بهذا الحرف؟..يرى اغلب قراء ونقاد الروايه بان القصر هو رمز لسلطة السماء (الدين) التي يجب طاعتها دون نقاش او شك او حتى اثارة الاسئله حولها ومحاولات الوصول اليها! انه نوع من استلاب التفكير والاراده والذي يؤدي الى الاذعان والخضوع.. قد يكون هذا ما يعنيه كافكا... ولكنني احسست وانا اقرأ محاولات البطل الخائبه وسعيه المحموم للوصول الى القصر ما هي الا نوع من القهر الذي يلازم الانسان منذ ولادته وحتى مماته ليتعايش مع اشكاليات الحياة والوجود والغايه والمصير.
في حين سمح محفوظ لبطله الاخير (عرفه) بدخول المنزل الكبير لايمانه بأن العلم بجرأته وقوة حجته وتأثيره يستطيع ان يكشف ويفسر لنا الكثير لو اعتمدناه منهجا بعيدا عن الدين الذي يكبل الانسان ويحد من حرية تفكيره.... بقى بطل كافكا حتى نهاية الروايه عاجزا عن الوصول الى القصر ربما لأيمانه بأن المحاولات نفسها ماهي الا ذلك القهر الذي يسلب ارادتنا ويكبل حريتنا .. وان الانسان بذاته وتفكيره وحريته وارادته لايحتاج الى القصر ليقرر وجوده وغايته ومصيره وهذا ماذهب اليه الوجوديون ايضا في فلسفتهم.
ضد رغبة المؤلف ومع رغبة البطل ..امتلكتني رغبتي ( المحفوظيه ) الخاصه بصياغة مجرى اخر للروايه.. سمحت بها للبطل بالوصول الى هذا القصر والتجول بين اروقته وحجراته العديده والمنتشره في كل مكان تصورته يخرج من كل غرفه وهو اكثر قلقا وهموما بل ونادما على اقتحامها ومقابلة موظفيها ومشاهدة مايجري فيها.. حتى تمنى لو لجم رغبته وفضوله ومحاولاته في دخول القصر لانه تعرف على حقيقته وحقيقة العالم الذي يعيشه بعد ان خنقته تفاصيل القهر بأشكالها والوانها وصورها ...والتي يمكن ان نتعرف على بعضا منها لندرك عمق مأساتنا.....
اول صراخ تستقبل به الحياة..من انت ..ومن سيعطيك اسما وشكلا ولونا وعرقا و دينا و وطنا بل وحتى امراضا موروثه ...وتبقى معك طوال حياتك والتي بسببها ولسؤ حظك قد تهان او تشرد او تسلب حقوقك او تنتهي لاجئا.. وبظروف اسؤ قد تقتل جوعا او ذبحا او خنقا بالغازات او بالاسلحه الفتاكه او حرقا او تدفن حيا وكلها تفرض عليك وانت مسلوب الاراده..أو قد تكون محظوظا تعيش حياة مترفه ناعمه بلامعاناة او قهر وبدون اي جهد منك!
الثقافه والدين والمجتمع والعادات والتقاليد الذي لاتستطيع الفكاك منها..
سلطة الاب والام والاخ الاكبر التي تحاول ان تشكل تكوينك..
استعباد المرأه من قبل الاب والاخ والزوج والمجتمع واهانتها لحد الضرب والتحرش وانتهاك كافة حقوقها الانسانيه فقط لكونها امرأه وكلها تتم بقوة الثقافه الذكوريه....
سلطة الحاكم والمدرس والامام والشقي التي تحاول النيل منك واخضاعك وابتزازك.....
سلطة المناهج والتعاليم التي تحاول استغفال عقلك وتفكيرك لتطويعك....
سلطة الدوله التي تستعبدك وتحكمك بقوانينها وتجبرك على طاعتها وخدمتها وقد تكون وقودا رخيصا لحروبها ومغامراتها وخطابها وثقافتها.. وكلها تتم باسم الوطن والوطنيه...
سلطة الدول الكبرى التي تفرض ارادتها على الشعوب والدول الاخرى واحتوائها بقوة المال والسلاح..
وهكذا نستطيع ان نسترسل ونعدد كل اشكال والوان القهر الذي يقمع انسانيتنا ويمسخنا.
قهر الانسان هونتاج تحالف الطاغيه و السماء (الدين).. ونقدهما والسعي للخلاص منهما يجب ان يكون بأدراكنا بانهما وجهان لعملة واحده ..فالطاغيه والدكتاتور حتى لو اتخذ من العلمانيه او الاعتدال عنوانا له الا انه لايتوانى عن التلوّن واللجوء الى السماء عندما يستنفذ كل حيله والاعيبه في تحقيق سيطرته..خير مثال صدام فبعد حرب الخليج لجأ الى الدين ليستثمر فيه بعد ان عجزت الثقافه القوميه في تحقيق احلامه المريضه..وكذا الحال عند السكوت او التحفظ او المجامله في نقد وتعرية ثقافة السماء..بحجة الحفاظ على المشاعر القدسيه لملايين البشر او بالقفز على المقولات بطريقه تهريجيه وجبانه مثل( نقد الارض وليس نقد السماء... هو الحل!)..
عندما تفرض السماء قوانينها عليك ابتداءا من دخول المرافق الصحيه وانتهاءا بمصيرك.. وعندما يكون دين الدوله الرسمي بما يعنيه من حقوق وواجبات وقوانين وتمييز واستعباد نصف المجتمع بثقافه ذكوريه ..حينها لن تكون هناك سماء بعيده عن النقد بل ارضا يباب تعدنا بالخراب..الدين ليس شأن شخصي طالما يتدخل في كل تفاصيل حياتنا ويحكمنا ويقيد حريتنا.. والقول بأن الدين ليس له علاقه بتقدمنا او تأخرنا ماهو الا تحايل مبتذل في التبرير..فالتنميه والعداله الاجتماعيه لاتتحقق في مجتمع مشبع بالثقافه الدينيه الاقصائيه اوبالثقافه العنصريه القوميه فكلاهما تشكلان العصا التي تعيق عجلة اي تقدم ومن يقول خلاف ذلك فهو مخاتل متلون..واقرب مثال لنا الان قوم داعش فحتى لو كان هؤلاء صناعه غربيه او عربيه الا ان (تعليمات) التشغيل هو القران والسنه..فكل جرائمهم كانت قراءه امينه وصادقه لتلك (التعليمات) والتي لايمكن ان ينكرها كل منصف.






هوامش
* بنى صدام اشهر طغاة العصر الحديث عشرات القصور الفخمه وصرف عليها اموالا هائله في حين كان الشعب بالكاد يحصل على رغيف الخبز المخلوط بالحشرات وفضلاتها بفعل أشرس حصارين في تاريخ البشريه على شعب مسلوب الاراده.. حصار الامبرياليه العالميه لانهاك وطن وحضاره... وحصار نظام فاشيستي بشع لتطويع شعب واذلاله..اصبحت قصوره الان مقرات لخلفائه وكلاء السماء وبيوت العراقيين المتهالكه ضاقت بأجيال ساكنيها!

* احدث قصور الطغاة هو قصر اردوغان الجديد الذي يحوي مئات الغرف والذي شيد على ارض شاسعه وكلف تركيا اموال طائله..قال اردوغان ان القصر رمز لهيبة تركيا ورساله للاجيال القادمه بان اجدادكم كانوا يحكمون من هذا الصرح العظيم!

* خوسيه موخيكا رئيس الاورغواي تخلى عن القصر الرئاسي وظل مقيما في مزرعته البسيطه مع زوجته وابقى القصر مجرد مكان لعقد الاجتماعات الرسميه حيث عرض بعض اجنحة القصر لاقامة المشردين والذين بلا مأوى ولم ينافسه في زهده وتقشفه سوى الزعيم العراقي الاسبق عبد الكريم قاسم الذي مات ولم يكن يملك حتى دار سكن!

* اما قصر الرئاسه التشيلي (لامونيدا ) فقد اصبح رمزا لكل الاحرار في العالم لانه شهد مصرع الرئيس سلفادور أليندي بعد ان قاوم الانقلاب الفاشي واصر على البقاء في القصروالدفاع عنه لانه يمثل رمزا لحرية وارادة شعبه في اختياره رئيسا للدولتهم.

وهكذا في كل دول العالم قصورا كتبت لنا وجوه التاريخ بين الوهم والقهر والبطوله.



#عامر_سليم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الى سامح ابراهيم حمادي...مع التحيه
- الى ليندا كبرييل....مع التحيه
- المقامات البهلوانيه......المقامه الثانيه
- مقامات الشاطر حسن البهلوان..... المقامه الاولى
- la putain (ولكن) *
- عامر .. ك
- حجي راضي يقرأ مقال!!
- نزهة المشتاق في اختراق النفاق!
- المعطف قراءه تفكيكيه بنيويه بسحاق لغوي!!
- كيف تطبخ مقالا ليبراليا أو نيوليبراليا


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عامر سليم - القصر.... بين الوهم والقهر