|
هادي العلوي - التاريخ المقدس هو تاريخ الحق 4 من 11
ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)
الحوار المتمدن-العدد: 1319 - 2005 / 9 / 16 - 12:03
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يفترض نفي المقدس من وجهة نظر العلوي تأسيسا نوعيا جديدا له بما يمكن دعوته بمبدأ نقد الوقائع بعين الحقائق. من هنا نقده للعقيدة وتراث الماضي في مدارسه ومواقفه واستنتاجاته وأحكامه، ونقد الحاضر في مختلف حركاته الفكرية والسياسية من قومية وإسلامية وشيوعية وليبرالية، ونقد المستقبل بالعمل على تحقيق ما دعاه بمشروع المشاعية الشرقية (العراقية). ذلك يعني أن إزالة مبدأ القداسة لا تعني بالنسبة لهادي العلوي نفيه. لقد كان الروح النقدي بالنسبة لهادي العلوي ليس أداة لتثوير الوجدان فحسب، بل وأداة لرفعه إلى مصاف الرؤية العقلية المجردة والمتسامية. دون أن يخلصه ذلك من الولع في طوباوية جديدة وجد فيها الصيغة الأكثر سموا لنقد الواقع ومبدأ القداسة. وهي مفارقة ميزت شخصية العلوي وإبداعه النظري والعملي. فقد كان همه الكبير تجاه التاريخ والواقع يدور في فلك النقد العقلي العارم لمبدأ المقدس الزائف والموهوم والمزعوم والمستند إلى هراوة السلطة أو العقيدة أو كليهما، أي عندما يصبح المقدس جزءا من آلية السلطة في تحكيم استبدادها الشامل، أو جزءا من آلية الرؤية العقائدية في قمع المعارضة أو التنكيل بالفكر الحر وحملته. وهو الأمر الذي جعله مرة يقول، بأن "العقيدة شر ما يملكه أهل العلم. وهي الرقيب الداخلي الذي لا يقلّ سوءا عن الرقيب الرسمي والمسئولة عن تكوين الوجدان القمعي للأفراد ومصادرة حرية الضمير". وهي فكرة توصل إليها في مجرى تفتح العقيدة (الشيوعية) في وجدانه الذي أوصله إلى حقيقة مفادها أن العقيدة أيا كان شكلها ومحتواها ومضمونها هي قيد على العقل والضمير والوجدان. انها تمتهن ما يسعى إليه وتسحق ما يستنبطه ويستظهره من حقائق متصيرة في مجرى معاناة بناء المثقفية، أي الأنا المثقفة. ولا تعني الأنا المثقفة أو المثقفية بالنسبة للعلوي سوى ما أطلق الحلاج عليه يوما عبارة "أنا الحق". بمعنى الأنا الناطقة بلسان الحقيقة. وهو لسان لا يمكن بلوغه دون ابتلاء قلب المثقف بمعركة المواجهة الدائمة مع المقدس المزعوم والموهوم في دعاوى الجميع من دول وسلطات وأحزاب وجماعات وأفراد وأفكار وتراث، وبحث في ماض ومعاينة في حاضر وتأملا في مستقبل، أي في كل مظاهر الوجود والعدم! إذ لم يكن نقد الماضي والحاضر والمستقبل سوى الصيغة العقلية لتفحص مثقفية المثقف. وهو مضمون ما كان يمثله العلوي في مواقفه من كل شئ. بمعنى أن حججه العقلية ومواجهته العنيفة ضد مختلف مظاهر المقدس الزائف لا تعني بالضرورة ارتقائها إلى مصاف التأسيس العقلاني لمنظومة الفكر الفلسفي والاجتماعي. الا انها كانت تتمثل عناصره الكبرى، وبالأخص النزعة النقدية والبعد الإنساني والغاية المتسامية والفردانية الفاعلة بمبادئ البدائل المعقولة. وهي عناصر كانت تعمل وتتفاعل عند العلوي من خلال وحدة البعد الإنساني والغاية المتسامية في آرائه ومواقفه وأحكامه. من هنا نراه يؤيد حركة الشعوبيين من حيث رؤية أبعادها الطبيعية. بمعنى رؤية ما فيها من "يقظة ضمير لدى أهلها" لأنها كانت "رد فعل طبيعي يصدر عن الإنسان السوي في أي ظرف مماثل". فالإنسان السوي لا يمكنه قبول امتهان حريته وقوميته وانتمائه أو الإقرار بدونية أي من مكوناته الجوهرية. والشيء نفسه يمكن قوله عما تناوله من شخصيات مثيرة للجدل ومفاهيم في "قاموس التراث" العربي الإسلامي من اجل إعلاء فكرة ما دعاه باللقاحية، أي الحرية التي لا تقيدها سلطة ولا يستعبدها شئ آخر. كما وجد في العقيدة الشيعية التي يجاهر بالانتماء الوجداني والعقلي لأهلها، كيانا متناقضا لأنها "تجري في العاطفة الدينية مع أبي ذر، وفي الاقتصاد مع الأمويين". وهو تناقض وجد انعكاسه في ممارستهم المعاصرة. بحيث وجد في حركاتهم السياسية كيانات فاسدة. وكتب بهذا الصدد يقول "الشيعة العراقيون بالمصطلح السياسي كلهم فاسدون. وهو أغنى فئات المعارضة إذا استثنينا المؤتمر الوطني". بل انه وجد فيما اسماه بالأصولية الشيعية في العراق قوة مرتبطة، شأن أطراف المعارضة العراقية العلمانية، بقواعد ثابتة في لندن وواشنطن والرياض. بحيث وجد فيها قوى "تفوقت على نظرائها في العالم السني بدرجة من الفساد لم تبلغها الا المقاومة الفلسطينية". وطبق الشيء نفسه على مواقفه من تراث السنة ومنظماتهم في العالم العربي والعراق خصوصا. فقد وجد في الأزهر مجرد مؤسسة "تمثل التدين في زيه العثماني المتأخر عن صدر الإسلام". بينما وجد في تاريخ السنة في العراق مجرد قوى مناهضة لفكرة التحرر ومتآمرة مع الغزو الخارجي واحتلال العراق. واعتبرهم جميعا قوى "متفاهمة مع الولايات المتحدة". من هنا استنتاجه الشخصي القائل، بأنه لم "ير بين رجال الدين العراقيين (الشيعة) من يصلح للحوار. انهم كلهم متفقون على خط واحد في الفساد. ومن المتعذر أن تجد بينهم رجل تقي متمسك بتعاليم أئمته وزاهد في الدنيا ويحب الخير للناس". وهو حكم ينطبق في منطق العلوي على رجال الدين السنة. بل انه وجد فيما اسماه باقتران الإسلام في العراق بالفساد واللصوصية مع كثرة ظهور القطط السمان من بين رجال الدين والقيادات الدينية أمرا يؤدي بالضرورة إلى "ابتعاد الجماهير عن تراثها وتقاليدها المحمودة وينزع يقينها بقيمها الحضارية". من هنا تنبؤه السياسي القائل بان مهمة "حرجة سوف تواجه الوطني العراقي لمقاومة مد الخيانة الوطنية والفساد المتلبس شتى العقائد والأيديولوجيات". بينما وجد في التيارات الدنيوية (العلمانية) وأيديولوجياتها العملية نظيرا لما انتقده في الحركات الدينية. إذ وجد في الفكر القومي العربي كما مثله في العراق ساطع الحصري والبعث قوة مناهضة للتحرر والحرية. إذ لم تنتج أفكار الحصري وعفلق مدا تحرريا بقدر ما أثارت صراعا ضد قوى التحرر اليسارية والليبرالية والإسلامية، كما يقول العلوي. فقد كان ساطع الحصري معاديا لثورة العشرين وعمل بكل قواه على استكمال محو المعالم الإسلامية لبغداد. بل انه وجد في الحصري صاحب النظرية التي عمل بها صدام حسين، الا وهي "أن العراقيين فريقان عرب سنة وعجم شيعة". أما ميشيل عفلق فانه كان الأب الروحي للنظام الصدامي الشاذ. في حين نراه ينتقد من أطلق عليهم لقب الافندية من الشيوعيين، ممن اسماهم بشيوعي العقيدة وليس شيوعي الوجدان. وهي تفرقة مبنية في آراء العلوي وأحكامه على أساس فصله بين "الالتزام الحزبي والأيديولوجي وبين مطالب الصراع الطبقي"، معتقدا بان "المعول في الصراع الطبقي على الوجدان لا على العقيدة". بعبارة أخرى، إن الجوهري بالنسبة للعلوي بهذا الصدد هو ليس العقيدة والمعتقدات بقدر ما هو الوجدان الخالص بوصفه القوة القادرة على تحقيق مطالب العدل والإنصاف من خلال دفع المرء إلى حلبة الصراع الاجتماعي والسياسي. من هنا قوله بان الشحاذ يعرف الشيوعية بوصفها موقفا طبقيا وليس ثقافة وأيدلوجيا اكثر بكثير من قادة الأحزاب الشيوعية العربية، حين يمد يده ويقول "من مال الله!"، متحديا أهل المال بان يعيدوا إليه حصته في المال العام الذي يستولين عليه. وهو الأمر الذي جعله يشدد على أن "افضل أعضاء الحزب الشيوعي الأميون، وأسوأهم العلماء والمثقفون"! وهو حكم واستنتاج يتعارض مع منطق الماركسية والشيوعية والتاريخ والثقافة والحق أيضا، الا انه معقول حسب قاعدة النظر إلى الوقائع بعين الحقائق. فإذا كان علماء الأمة ومثقفيها اسخف من عوامها، فإن عوامها بلا آفاق ومستقبل. ومن ثم لا يمكنهم أن ينتجوا غير مستنقع دائم لنبتات اشد رخاوة. ثم ما هي القوة والفضيلة القائمة والكامنة في الأمية والأميين؟ وهي فكرة لها مزاجها الخاص في الرؤية الدينية التي اعتبرت النبي محمد أميا، أو ما كان يعتبره بعض المتصوفة من أن المتصوف العامي افضل من المتصوف المتعلم. والمضمون واحد. بمعنى الإشارة إلى قيمة الإخلاص المتحرر من جزئية العلم المبنية على كمية معلومات جاهزة ويابسة. لقد أراد العلوي القول بأفضلية العقل الوجداني البسيط على العقل المتفنن بتبرير الرذيلة، كما وجد نموذجه على سبيل المثال في موقف من قال بان معارضتهم للولايات المتحدة في سياستها تجاه لبنان آنذاك سوف تضعهم بالضرورة إلى جانب حزب الله! وعلق على ذلك قائلا "بالتبعية يكون أوثق الحلفاء في هذه الحرب أنظمة قطاع الطرق على اختلافها". لقد أراد العلوي القول، بأن المعيار الحقيقي للحكم والمواقف بالنسبة للمثقف الحقيقي لا ينبغي أن يكون رهينة لمقاييس السياسة والسياسيين أيا كانت منازعهم وعقائدهم، بل بما اسماه بحكم التاريخ. وهي فكرة وضعها في مجرى دفاعه عن مشروعه المتعلق بإصلاح اللغة. فهو يقف في آن واحد ضد من يدعوهم بالاكليروس اللغوي ودعاة العامية. إذ اعتبر علاقته بالطرفين تخرج من تخوم اللغة إلى العمل السياسي. فالدعوة للعامية هي مشروع سياسي، بينما الاكليروس نرفضه ويرفضنا دون مقدمات! الا أن الاكليروس مع ذلك يسعى ليحّكم السياسة فينا. وهو تحكيم يجد الكثير من الأنصار الغيارى على "نقاوة الدم واللغة والتراث الذين تخصصوا في تمويل طائرات العدو بالنفط ومصارفه العديدة الجنسيات بالأرصدة". غير أن العلوي كعادته في أمور من هذا النوع، يستصغر صغار النفوس للدرجة التي يجعلهم يتلاشون في عبارته، لأنه يدرك حقيقة ما اسماه بحكم التاريخ. إذ اعتبر أن ما يقوم به في مجال إصلاح اللغة هو مشروع للتجاوز وليس للمداهنة. ومن ثم فان حكم السياسة ليس كحكم التاريخ فيه. إن هذا الموقف الوسط الذي نادرا ما نعثر عليه في آراء ومواقف العلوي جعله يقول بنفي قانون نفي النفي، باعتباره قانونا لا يفعل في مضمار اللغة. ووجد في تطورها الطبيعي وتراكم المعرفة فيها أسلوبا طبيعيا وضروريا للارتقاء والتطور. لذلك وجد فيمن يحرسها بقوة الأمر والنهي كمن يحرس ضريحا لا كيانا حيا. وبالتالي فان مشروعه بهذا الصدد هو مجرد وسيلة للإصلاح والإثراء وليس الانقطاع والإفقار.
#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)
Maythem_Al-janabi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هادي العلوي: الابداع الحر - معارضة أبدية -3 من 11
-
هادي العلوي- من الأيديولوجيا إلى الروح 2 من 11
-
هادي العلوي المثقف المتمرد 1 من 11
-
الديني والدنيوي في مسودة الدستور - تدين مفتعل وعلمانية كاذبة
-
الدستور الثابت والنخبة المؤقتة
-
أورليان الجديدة وأور القديمة – جذر في الأصوات وقطيعة في الأن
...
-
الحداد الرسمي لفاجعة الكاظمية = مأتم ابدي + ثلاثة أيام
-
جسر الأئمة أم طريق المذبحة المقبلة للانحطاط السياسي العراقي
-
العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية-6 من 6
-
العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 5 من 6
-
العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 4 من 6
-
العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 3 من 6
-
العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 2 من 6
-
العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 1 من 6
-
حق تقرير المصير- في العراق – الإشكالية والمغامرة
-
هوية الدستور الحزبي ودستور الهوية العراقية؟
-
أشكالية الانفصال أو الاندماج الكردي في العراق-2 من 2
-
إشكالية الانفصال أو الاندماج الكردي في العراق+1 من 2
-
الخطاب القومي الكردي في العراق - التصنيع العرقي 2 من 2
-
الخطاب القومي الكردي في العراق - الهمّ الكردي والهمّ العراقي
...
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|