|
داعش ...والجذور المؤسسة
رياض حسن محرم
الحوار المتمدن-العدد: 4725 - 2015 / 2 / 19 - 20:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بينما ظهرت أول الجماعات التكفيربية المتطرفة فى صدر الدولة الإسلامية بدئا بالخوارج الذين ذهبوا الى تكفير "على بن أبى طالب" نفسه لقبوله التحكيم ليتمأسس ذلك الفكر فيما بعد على يدى "أحمد بن حنبل" ثم تطويره بواسطة "إبن تيمية" الذى وصف بشيخ الإسلام وأسس لأشد الأفكار التكفيرية فى الفقه الإسلامى، وكمنت بذرة التكفير لسنوات طويلة وعاودت الظهورفى طبعات جديدة خلال بضعة قرون الى أن وجدت من يجددها فى القرن العشرين بالقارة الهندية وهو "أبو الأعلى المودودى" مستخدما المصطلحات الأربعة (الألوهية والعبودية والحاكمية والربوبية) التى نقلها "سيد قطب" الى المنطقة العربية مؤصلا لتلك الأفكار فى "معالم فى الطريق" وحولها الى منهج عمل إستخدمته كافة التنظيمات التكفيرية فى بلدان العالم الإسلامى وعلى رأسها تلك التى إستخدمت العنف فى مصر إبتداءا من تنظيم "صالح سرية" وهو من قاد عملية "الفنية العسكرية" ومرورا بتنظيمات "التكفير والهجرة" و "الجماعة الإسلامية" و"الجهاد الإسلامى" وعشرات التنظيمات من "المرجئة" الى "الناجون من النار" ف"الشوقيون" و"طلائع الفتح" وغيرها، وبعد ذلك ومع بدء الجهاد ضد السوفييت فى أفغانستان نشأ تنظيم "القاعدة" باندماج بين المال الخليجى والفكر الجهادى المصرى وتمدد فى الكثير من الدول الاسلامية الى أن ضرب ذلك التنظيم ضربته الإنتحارية فى قلب أمريكا لينتهى الأمر باحتلال أفغانستان وضرب وتشتيت القاعدة لتتحول الى بؤر عنقودية قاعدية فى فضاء العالم الإسلامى ليأتى الإحتلال الأمريكى للعراق بقبلة الحياة للقاعدة والإحياء الجديد لها على يد "أبو مصعب الزرقاوى مؤسسا لتنظيم "التوحيد والجهاد" الذى سرعان ما تحول الى " الدولة الإسلامية فى العراق" والذى يعد النواة الحقيقية لتنظيم داعش بشكلها الأكثر عنفا ودموية وطائفية على مدى التاريخ الإسلامى متبنية نهج الذبح علنا فى الفضائيات والعمليات الانتحارية والسيارات المفخخة، ومع إندلاع الورة السورية فى 2011 وجد هذا التنظيم الفرصة سانحة للتمدد فى سوريا معلنا الحرب المقدسة ضد "النظام النصيرى الكافر" و الحرب على نظام الأسد والجيش السورى الحر والتنظيمات التكفيرية الأخرى وعلى رأسها "جبهة النصرة" مسقطا بيعته للقاعدة ومعلنا قيام "الدولة الاسلامية فى العراق والشام (داعش)" وقيام دولة الخلافة بقيادة "أبو بكر البغدادى". نشأت الوهابية فى شبه الجزيرة العربية على فكرة بسيطة مفادها أن المسلمين عاشوا ستة قرون من التخلف والجهل والضياع منذ وفاة إبن تيمية الى أن ظهر للوجود "محمد بن عبد الوهاب" الذى أحيا الدعوة الاسلامية الصحيحة من وجهة نظره وأعادتها الى الطريق الصحيح متبنيا نهج الجهاد فى تحافه مع "آل سعود" على قاعدة "الدم الدم..الهدم الهدم"، فى تشابه متطابق مع منهج داعش فى تدمير المساجد والحسينيات الشيعية والمزارات والأضرحة الصوفية حتي قام الوهابيين بتدمير مقابر آل البيت والصحابة وإجتثوا الأضرحة والقباب والمزارات وإقاموا الدولة السعودية على الأفكار الوهابية المتشددة التى تقوم على فرض المذهب بالقوة مستخدمة السيف وجماعات "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر" بوصفها القائمة على دفع المسلمين بالقوة لعبادة الله على طريقتهم وبقاء نطاق الفتوى فى "آل الشيخ" أبناء وأحفاد إبن عبد الوهاب، ومستخدين الرجم العلنى فى الساحات وقطع رؤوس من يعتبرونهم مرتدين عن الدين وجلد العصاة فى مشاهد مقتطعة ومنقولة من ممارسات القرون الوسطى ومتطابقة مع ما تفعله داعش بالمخالفين لها وبأصحاب العقائد الأخرى، ولكن تجديد الوهابيين لم يكن من العمق النظرى بما يستقيم أن يشكل وحده مرجعية كاملة للمنشغلين باأفكار الجهادية التكفيرية فجاءت كتابات المودودى وقطب لتسعفهم بالإجابات الكبرى على أسئلتهم، كان يكفيهم من الوهابية إجتهاداتها العملية وأساليبها فى إقامة دولة دينية وإلاّ تحولوا الى مجرد عصابة تقوم بعمليات إرهابية وتصبح جاذبيتها لقطاعات واسعة من الشباب أمرا محدودا فى النهاية، الفرق بين القاعدة وداعش أن الأخيرة ذهبت مباشرة الى تطبيق أفكارها على الأرض وإقامة دولتها فى منطقة محددة يستطيع راغبى الجهاد التوجه اليها، كما أنها فى موقف مغاير سعت الى جذب وإستقطاب عديد من الفتيات المسلمات فى طور الشباب والقاصرات "هواة المغامرة" من جميع دول العالم "بعكس تنظيم القاعدة الذى يتحفظ كثيرا على حجم مشاركة النساء" ( أذكر أننى شاهدت فى الثمانينات أثناء عملى بسيناء الجنوبية أن التقيت بكثيرات من السائحات الأوروبيات اللائى قررن البقاء فى سيناء والإرتباط بشباب من البدو وممارسة حياة بدوية بسيطة تعتمد على الرعى وجمع الحطب وحلب الأغنام وبعد مدة قصيرة سرعان ما مللن من هذا النمط وعدن أدراجهن)، ونجحت فى تجنيد شباب مسلم غير ملتزم بالمعنى الحرفى "وحديثى الدخول فى الاسلام" من أوروبا "من هواة استعمال الأسلحة وقطف الرؤوس" والذين انغمسوا فى الغرب فى متع الحياة من موسيقى ومخدرات وجنس للعمل فى صفوفها بما يمتلكونه من خبرات الكترونية حديثة وإجادة التصوير وإتقان اللغات مستندة على بعض المسلمات غير المعقدة ومنها: أولا: الأصل فى الحياة الحرب وليس السلم والجهاد بمفهومه الأصيل يعنى وجوب القتال مابقى الكفر فى أى منطقة على الأرض وليس للكفار الاّ خيار من ثلاث (الإسلام أو الجزية أو القتل). ثانيا: الأصل فى الكافر تحليل دمه وسبى نسائه وأطفاله وأخذ ممتلكاته عنوة وقهرا وأن اليد العليا هى للمسلم وأن الله فضله على العالمين. ثالثا: الأصل فى الجهاد ليس دفع الغزو أو التضييق على المسلمين فى عباداتهم بل هو وجود الكفر أصلا وأن المهمة الأبدية هى إجبار الآخر على الدخول فى الإسلام وتطبيق شرع الله على الأرض. رابعا: إن الديموقراطية والعلمانية والماركسية وجميع المذاهب الغربية والوضعية والبرلمانات كفر بواح حيث أنها تحتكم الى رأى الأغلبية وليس شرع الله وأن السيادة للدساتير والشعب وليس لله وحده. خامسا: الولاء للمسلمين والبراء من الكفار فيعتبر التوظف او الخدمة فى جيوش الطواغيت أو تلقى العلم فى مدارسهم وجامعاتهم وحتى مخالطتهم بسلام دون مقاطعة أو تعنيف كفرا منهى عنه ويصل الأمر الى تحريم اقامة علاقات ديبلوماسية مع دول الكفر أو أى تبادل تجارى معهم أو الإنتماء لمنظمات دولية أو معاهدة مواطنيهم فهو صورة من صور الكفر يجب قتاله ومحاربته. سادسا: من لا يكفر الكافر أو شك فى كفره فهو كافر لايضع حدودا صارمة بين الكفر والإيمان ودار الحرب ودار السلم والمعنى أن من يعتبرهم الخليفة كفارا يجب على العموم ان يعتبروهم كذلك قولا وفعلا. سابعا: الإيمان بحد الردة ووجوب قتل المرتد قولا أو فعلا أو إنكار ماهو معلوم من الدين بالضرورة ولو بأسباب ظنية حتى يستتاب ويعلن توبته، وتوسيع هذا الحد على المخالفين والمعاهدين ومن فى حكمهم. ثامنا: الشيعة بكل ألوانهم "إثنا عشرية أو إسماعيلية أو زيدية.." هم كفار قطعا ويجب قتالهم وقتلهم ولا توبة لهم ولا يعذرون بالجهل أوالشبهة. تاسعا: الخلافة ركن أساسى من أركان الاسلام مقدم على الصلاة والصوم والزكاة وكل من ينكرها أو يشكك فى وجوبها كافر يجب قتاله وعدم مهادنته، والخلافة تتم بالبيعة فقط من أهل الحل والعقد وليس بأى وسائل حديثة أخرى. عاشرا: التغيير الحق هو التغيير باليد أو بالسيف ودون عذر الناس بالجهل ولا ضرورة لتفهيمهم مكامن خطئهم وقد يأتى ذلك تجملا وليس ضرورة. ورغم أن كثير مما ذكر قد يرفضه العديد ويرون أنه ليس من صحيح الدين والاسلام بريئ منه، وذلك يذكرنى بموضوع "المراجعات" التى قامت بها الجماعة الإسلامية ثم جماعة الجهاد لاحقا، فقد إعتمدوا فى آرائهم الأولى وأدبياتهم على أفكار الفقهاء وعلى رأسهم إبن تيمية وأيضا فى نقضهم لتلك الأفكار فقد إعتمدوا كذلك على رأى نفس الفقهاء وربما نفس الكتب الأولى فى تأويلية للنص !! لعل الفرق بين السلفيين بمختلف مدارسهم وداعش أنهم يتفقون معا فى المقاصد عموما ولكنهم ينكرون على داعش التعجل فى التطبيق وعدم تهيأة الأرض بشكل كاف قبل تنفيذ المشروع الإسلامى ولتوسعها فى العنف والتكفير دون الأخذ بالظروف وتأجيل الصدام المباشر بالطواغيت، يمكن إعتبار أن داعش تمثل السلالة النقية لوهابى نجد الأوائل والخلاف من وجهة نظر البعض أن داعش بإعلانها لدولة الخلافة الإسلامية إنما تنتقص من شرعية حماة حمى الحرمين بوصفهم الممثلين الحصريين والوحيدين لدولة الخلافة على الأرض، بل أن البغدادى بإدعائه النسب للرسول وكونه قرشيا يستوفى من شروط الخلافة أكثر من ملوك السعودية، وفى هذا تلبيس لشرط الإمامة فى الفقه الشيعى.
#رياض_حسن_محرم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجماعات الإرهابية فى ليبيا .. الواقع والمآلات
-
اليمن على شفير الصوملة
-
الراسمالية المتوحشة.. وما بعد العولمة
-
دولة الرفاه الإجتماعى
-
حول 18 شهرا من حكم المجلس العسكرى
-
تجاهل إضراب الحديد والصلب..جريمة
-
الحركات اليسارية فى الخليج العربى
-
ذكر ما جرى ل-ألان جريش- فى القاهرة
-
هل تكون حلب بوابة الخروج من الأزمة فى سوريا
-
صفقة -أوراسكوم- تكشف عمق علاقة النظام برجال الأعمال
-
الحراك الثورى وإنسداد الأفق
-
كوبانى وحزب العمال الكردستانى pkk--
-
الصين..الإنتقال السلمى للرأسمالية
-
ذكريات الهزيمة وعبد الناصر
-
اليسار المصرى ..الجذور..الواقع..الآفاق (الأخيرة)
-
اليسار المصرى..الجذور..الواقع..الآفاق (4)
-
اليسار المصرى ..الجذور..الواقع الآفاق (3)
-
اليسار المصرى..الجذور..الواقع..الآفاق (2)
-
جذور اليسار المصرى وواقعه وآفاقه (1)
-
ملاحظات سريعة حول مسودة مشروع قانون العمل الجديد
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|