عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4723 - 2015 / 2 / 17 - 01:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لقد أستبدل الإسلاميون محور الدين وهدف الرسالة من المحورية الأساسية الإنسان ومصيره الوجودي المرتبط بوظيفة الإستخلاف والأستعمار والتعارف وكلها قضايا بشرية وجودية محضة إلى المحورية المصطنعة وهي تقديس العمل العبادي وتقديمه حتى على المصير الكوني, ومن أن يكون العمل العبادي والشكلية التدينية مجرد ممارسة تهذيبية ترتقي بالإنسان نحو التعاطي الموضوعي مع قضايا الإنسان لخدمة الإنسان إلى جوهرية مركزية في هدف الدين ,هذا التغيير جعل من العمل الديني اليومي محور الحياة وأهملت وهمشت قضية الإنسان وكأن الإنسان مسخر بخدمة الدين وفكرة الرب .
تناقضت التجربة السياسية مع هدف الرسالة(إنما يريد بكم البسر ولا يريد بكم العسر) التيسير وفتح أبواب الحياة من فهم الرسالة المبني على قاعدة الأقلي المحذور وتوسيع دائرة المباح وتنويع الأسباب التي تترجم قدرة الإنسان على تصحيح الإنحرافات والعودة للمسار المستقيم وأكثر من مرة ولأبسط الأسباب ,في حين أن النهج السياسي الممارس كتجربة يحاول أن يقلص قدر الإمكان مساحة الأكثري المباح وتحويل المساحات التي تركها الدين مفتوحة للتصحيح إلى حدود تقيدية لا يمكن النفاذ إليها بالطوعية الذاتية وربطها بقواعد قانونية تتصل بالظاهر السلوكي وتنسى أن الدين والإيمان أصلا علاقة خفية غير منظوره .
الدولة عندما تحل محل الدين في تنظيم العلاقة بين الإنسان والإنسان ستكون عاجزة عن بسط القاعدة الدينية بحقيقتها لأن من فعل الدولة أن تستخدم السلطة المقرونة بالالتزام المستندة إلى قوتها بينما الدين يستند على التقوى والخوف من الله ومحاولة كسب الرضا والثواب وهذه الأمور مثالية روحية لا تتماهى مع موقع القوة والإلجاء الذي تمارسه السلطة وأدواتها ,الوفاء بالعقود مثلا قيمة أخلاقية متى ما بنيت على الحس الديني ستكون أقوى في فاعليتها أما لو أستندت للقانون الوضعي الذي تفرضه الدولة سيتحول إلى شطارة وتسويف ومراوغة ومحاولة القفز على الحق والقانون وهذا مثال واحد من كم هائل من الأمثلة الحياتية .
إن تحويل الدين إلى قضية سياسية يعني تجريد الإنسان من سلاحه الروحي وإفراغ ذات الدين من قدرته في قيادة المجتمع نحو الفضيلة لو ترك له التعامل الحر الأختياري بعقلية الطواعية والمراقبة الذاتية للإنسان على مجمل علاقاته السلوكية والحسية والتصرفات البينية بدلا من الخلط المتعمد بين ما هو بشري محض وبين ما هو ديني والذي يهدف أصلا لإفشال مشروع الرسالة عندما لا نترك حدود ما بين ما لله وبين ما لقيصر .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟