عرف "النظام" في العلوم التطبيقية وسيما في علم الحاسوب بانه مجموعة البرمجيات التي تقدم خدمة الية سريعة متكاملة فيما بينها اثناء الاداء للحصول على نتائج سريعة يمكن توثيقها والرجوع اليها بيسر وتعمل هذه البرامج بصورة مستقلة عند الحاجة اليها او متداخلة ضمن عمل برامج اخرى لانجاز بعض العمليات الثانوية في خدمة المسار العام للنظام.
ويتفق الجميع على ان كلمة " نظام System:" تعني مجموعة برامج تخدم غايات متعددة وهذه البرامج مهما اختلفت مجالاتها فهي تصب نحو التطوير وخدمة المجتمعات وتقديم حياة افضل.
وفي الاقتصاد سمي نظام اشتراكي ونظام راسمالي وكلاهما قام على اساس البرامج الموضوعة ضمنيا لتحقيق الاهداف التي يسعى اليها كل منهما وفي كلا النظامين تاسيس برمجي واسع لخدمة المجتمعات التى أمنت بالرأسمالية او الاشتراكية.
وفي نظم السياسة ظهرت وقامت انظمة ديكتاتورية وليبرالية وعنصرية وديمقراطية نتج عن نشوئها مجموعة من التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية باختلاف المراحل حيث انهارت دول وتغيرت خرائط على الارض وكانت كل هذه الانظمة محصلة التفاعل العلني المفتوح اوالسري المستتر بين نظريات فلسفية واحزاب او منظمات أمنت بتلك الفلسفات واتخذتها منهجا لعملها نحو تحقيق غاياتها كما هو واضح في العلاقة بين الفلسفات الميكافلية و العنصرية والماركسية من جهة وبين الحركات الفاشية والنازية والشيوعية من جهة اخرى . ان قيام الانظمة السياسية وانهيارها مرتبط بمدى انفتاحها وتفاعلها مع الانظمة الاخرى. وقد ينشا قيامها او انهيارها سريعا . لقد كان عمر النازية قصيرا رغم نشوئها سريعا وكان عمر الاتحاد السوفياتى اطول نسبيا رغم قيامه ببطء وقد تنهار النظم الديمقراطية الغربية وينظر لها بمنظار اخر عندما يصبح تفاعلها مع الانظمة الاخرى قائما على اسس غير متكافئة حيث يصبح تعرية الاهداف امرا سهلا على الانظمة الاخرى خاصة عندما تتقاطع المفاهيم السائدة وتتضارب مع المصالح ويكشف كل عما يسعى اليه.
وفي القضية العراقية يجب على الدارسين والمحللين ان يسموه نظام صدام حسين بدلا من نعته بالنظام العراقي او الحكومة العراقية لانه لم يشهد التاريخ المعاصر انظمة مستهجنة قامات بحصيلة تفكير شعب باكمله فاذا قلت النظام الناصري او الساداتي فانت تتحدث عن مرحلة في تاريخ الحياة السياسية في مصر ولم يكن بالامكان ان تطلق تسمية النظام المصري لا على مصر ولا على كل مرا حل الانظمة السياسية التي تولت السلطة فيها فلا يرتبط نظام بصورة ابدية مع الدولة .
ولم ياتي نظام صدام حسين " Saddam Regime" من تفكير وفلسفة الشعب العراقي لان حزب البعث اصلا لم يكن حزبا عراقيا ولا نتاج عقلية عراقية بالرغم من القناعة التامة ان الفكر لايعرف حدودا جغرافية لكن الذين اسسوه وعملوا على تصديره للعراق كانت غاياتهم خلق المضاد للحزب الشيوعي الذى وجد مناخ له في جنوب العراق في ظل انحسار الاحزاب القومية والوطنية في الوسط .
صدام حسين بالتالي كان احد الذين انخرطوا بهذا الحزب وكان عمر الحزب عشرة سنوات فقط فهل يعقل ان صدام حسين قد استوعب كل فلسفة الحزب وامن به ووبرامجه الغامضة التى لم تعلن ابدا عدا مقالات مؤسسه في كتابه " في سبيل البعث" ( حيث وظفت لاحقا فصوله نحو محور القضية الفاسطينية فقط) والتى لم تكن سوى تنظيرا مبشرا به ؟ ام لانه كان فقيرا معدما يحلم بحياة مترفة بالانتماء الى حزب برجوازى.
الحرمان الذى عاشه في طفولته واحساسه بالعوز جعله يلتحق في صفوف الحزب في سنين مبكرة من شبابه اضافة الى خزين من العقد النفسية المتجذرة فيه ورغبته المبكرة في الحصول على "بندقية وفرس" كما تحث بذلك صديق صباه الاذاعى و الشاعر العراقى المغمور "ابراهيم الزبيدى" الوحيد الذى نجا مبكرا من قبضة صدام .
تطورت هذه الرغبة الى رغبة جامحة بالانتقام من الاخرين كانت مستقرة في عقله الباطني اضافة الى بعض الامراض والعقد النفسية الاخرى التي تجلت على تصرفاته لاحقا كالغدر وعدم الثقة بالاخرين والاستعداء الحاد للثقافة.
لقد اختار صادم حسين لنفسه نظامه السياسي المغلق عند حدوده الفردية هو وبعض المعتاشين الى جواره من حثالات الشخصيات ويمكن تسميته نظام بالنظام الكارنوي وهذه تسمية استنبطها لكم نسبة الى نظام "دورة كارنو" المعروفة بعلم الثرموداينمكس الحراري والتى يعرفها الاخوة المهندسين والفيزيائيين حيث لا يعرف هذا النظام اي انفتاح مع المحيط الخارجي مطلقا لان الانفتاح يعني تعطل النظام .
نظام كارنو اذن موجود في كل دار تملك ثلاجة او مجمدة للاستخدام المتزلي وبشكل عام في كل معدات التبريد وحفظ الطعام وهذا نظام اشد من اي نظام استبدادي في العالم ومكوناته هى الضاغطة " كومبريسر" ومجموعة الانابيب الناقلة "تيوب نت " ثم غاز كلوريد الامونيوم ( معذرة لورود كلمة غاز هنا فهي كلمة ممقوتة في عالم السياسة ستقض مضاجع الكثير لاجل طويل واخرهم الرئيس الروسي بعد احداث مسرح موسكو) .
يعمل نظام كارنو على انجاز شغل ميكانيكي في الضاغطة لتحقيق قوة دافعة تساهم في تسخين غاز كلوريد الامونيوم السائل وبالتالي تبخيره مما يساهم في خفض حراة المحيط الداخلي للثلاجة او المجمدة (بالمناسبة اوقف صدام حسين جولاته التفتيشية لمعرفة ماذا تحتوي مجمدات الشعب العراقي وذلك منذ 12 عاما بعد ان كان سببا في تحوليها الى صناديق لخزن الملابس).
المهم ان نظام صدام حسين يشبه تماما نظام كارنو فهو نظام مغلق والا بماذا تفسر عدم انفتاحه على تجارب الشعوب وعلى باقي الدول وعلى عدم التفاعل معها ؟ والانكفاء الاعمى عن كل ماهو انساني؟
اذن كيف له اذن ان ينفتح على المعارضة التي تسعى لاسقاطه كما حلم العض بذلك ؟ وهم ليسوا بموضع لوم لان النفس البشرية تعيش وتستمد ديمومة وجودها بالامل مهما كانت ضألته وهم سعوا منطلقين من حسن سجاياهم وسلوكهم المثقف الواعي مختلفين مع الاخرين مهما بدت المعادلة للتةفيق صعبة للغاية.
اذن بماذا تفسر اتصالات بعض الشخصيات المعروفة خارج العراق به منذ 12 عاما ولم تحصل على اى وعد او نتيجة؟اليس هذا اثباتا انه لايقبل الانفتاح مطلقا على تجارب وطروحات الاخرين ولا يسعى الا للاختيار الذى يجد فيه قناعات مهلهلة او شخصيات مستكينة لا ثقل لها.
وعودة الى نظام كارنو نجد ان اي خلل في عمل الضاغطة او الانابيب او الغاز سوف تؤدي بصورة مؤكدة الى توقف نظام كارنو عن اداء عمله فاذا كنت قادرا على ان تتخيل ان هذه الضاغطة هي راس النظام في كارنو فهي تعني صدام حسين نفسه في نظامه والانابيب الناقلة هي كل الوسائل القمعية التي يستخدمها صدام من قوى حزبية ممقوته تلاحق وتسلب حرية ابناء الشعب وتتسلي بقتل الابرياء وتسلط الضغط على الشعب العراقي الذى اصبح مثل الغاز في نظام كارنو تماما.
الفارق الوحيد ان نظام كارنو كان لخدمة البشرية واسعادها وجعل سبل تلبية احتياجاتها اسهل واسرع ومهما سخنت الانابيب او اشتدت معاناة الغاز فالضاغطة لن تتوقف الى حين ان يصيبها العطل او تتوقف بفعل مؤثر خارجي مثل قطع التيار الكهربائى عن الضاغطة لهذا استنبط العلماء فكرة المسيطر الحراري " كونترول" والذى يسمى بلغتنا اليومية فى العراق "الاوتومتيك" وغايته ايقاف عمل الضاغطة لفترات زمنية بينية محدودة تلافيا لاندثارها بزمن قصير.
اني اهمس لكل من قد يثق او يحلم بان يجد اذنا صاغية عند هذا النظام ان يتأنى وان يفهم ماذا يعنى نظام كارنو . فصدام يحتاج الى جعل المعارضة باتصاله بها الى مجرد "مسيطر" ينظم عمل الضاغطة في كبس الشعب ولم يعد يوجد هناك الا خياران لا ثالث لهما فاما ان يتمرد الغاز على قانون دورة كارنو ويعطل عمل النظام برمته او الاستعانة بمؤثر خارجي لانهاء النظام وايقافه .
في النهاية يجب التنويه ان الامريكيين مولعين جدا بعلم المحاكاة"Simulation" وبعد ان ادركوا ان نظام صدام حسين اصلب من اي نظام كارنوي يبدو انهم اختاروا وسيلة تعطيل النظام بفعل المؤثر الخارجي والذي هو اساسا جزء من مخطط محبك للسيطرة على العراق ومنطقة الشرق الاوسط.
فهل يدرك الشعب العراقي وتدرك كل اطراف المعارضة ضرورة تمرد ابناء الشعب جميعا قبل ان تسنح الفرصة للقوى الخارجية ان تلعب دورها وتسلط عليه ضاغطات فلسفتها الراسمالية التى لا ترحم بخططها "الكارنويية البارعة في مجال “الاستغلال" لكي تمتص ثرواته الوطنية تحت ذريعة انقاذه من النظام الكارنوى؟؟؟