|
قتلوا فطرتنا وتلقائيتنا فانتبهوا ياأهل مصر
سوسن أحمد سليم
الحوار المتمدن-العدد: 4722 - 2015 / 2 / 16 - 15:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
غادرت بلدي مما يقارب السنتين ، والسبب في ذلك أن سوريا ، تبدلت بها الأحوال ، إلى أسوأ حال عرفته فيها منذ وعيت على هذه الحياة ، حيث الموت بالمجان ودون إثبات جرمٍ يستحق من مات ، عليه الموت ، ولاتستطيع مهما حاولت التحري ، أن تتعرف إلى شخصية أو هوية القاتل ، مالم تكن بالصدفة أو بمقادير ، حاضراً وترى بأم عينك مايجري ، كل فرقةٍ وهبت نفسها للموت ، تلقي بالتهمة على الفرقة الأخرى ، ويضيع مابين تلك الفرق التي لم نعد نستطيع لها عداً ، شعب طيب أعزل ، كل ذنبهِ أنه خُلِقَ على هذه الأرض ، ومهما ادعى المتقاتلون دفاعاً عن أرض وعرض ، أو طلباً للحرية ، ومن ثم ظهور أسباب أخرى لفرق أخرى كرفعها إسلامية ، فالهدف واحد ، الكل يريد تفكيك كيان وبنية البلد ، وتمزيق نسيجها الشعبي ، ليحقق لنفسه مصلحة من خلال التغلغل ضمن تلك الشروخ التي يحدثها بمدفعيته متعددة الأشكال ، من حرب إعلامية ونفسية ، إلى استخدام السلاح بكل أشكاله وأنواعه . والحرب على أرض وسيادة ، ماهي إلا صورة مصغرة لحرب أكبر ، هي الحرب على الحياة بكل تفاصيلها ، حيث يصيب الشلل بشكل كامل أو جزئي ، كل مفاصل الحياة ، من أمنها لقمحها لمائها لدفئها لدوائها، وكل المستلزمات اليومية اللازمة كحق طبيعي للإنسان ، تلك التي بات الشعب يفقدها جزءا فجزءا ، حتى أتت على أغلب احتياجاته الضرورية للبقاء . الحرب تأكل الأخضر واليابس ، وأهم خضار تجتثه هو القلوب الخضراء المحبة التي لاتعرف الغل والحقد والكره ، قلوب تعايشت عقوداً ولم تدرك فيما بينها إلا المحبة والود والاحترام ، لم أكن أعرف في بلدي نزعات طائفية / وأعتذر هنا لكل كلمة تعبر عن الطائفية أو التحزب ، فأنا إنما أذكرها للبيان / أو مذهبية أو عرقية أو دينية واضحة للعيان رغم أن الفسيفساء السورية لاتخفى على أحد ، لايخلو الأمر من حالات فردية أو ظواهر غالبا ما تُفنى من لحظتها / وأتحدث هنا عن علاقة أفراد الشعب ببعضها / إلى أن أتت هذه الحرب ، ودُسَّ سم التفرقة الدينية بكل مللها ونحلها ، والمُسْتَهدفُ واحد ، هو الشعب ، وتفكيكه بزرع الخوف بين أفراده ، من بعضهم البعض ، ليسهل الدخول عبره إلى أهدافٍ سياسية . لما دخلتُ مصر ، كنتُ أشعر بغربةٍ واغتراب ، ليس من السهل أبداً أن تستبدلَ مكانك وأهلك / مع جل الاحترام لمصر وأهلها / غير أن البدائل بلغة علم النفس ، تعتبر إشكالاً حقيقياً ، ومنعطفاً صعب المرور في الحياة ، فكيف لو كنتَ تستبدلُ أماً ماشبعتَ بعدُ من لبنها ، هي الأوطان كذا ، يصعب استبدالها ، وخصوصا في مراحل متقدمة من العمر ، هي ولادةٌ جديدة تحتاج الكثير من العناية ليكبر طفلها وينسجم مع الحياة خارج رحم أمه ، وحدثَ أن التقيت في إحدى الحافلات العامة بعد فترة من وجودي في مصر ، سيدة وضح لي أنها سورية من لهجتها وهي تحدث الجالس بجانبها ، رغماً عني رقص قلبي فرحاً ، فبادرتها بالكلام ، عادةً في أي تعارف جديد ، كنا نسأل المقابل في سوريا ، من أي أنت ،هذا السؤال التقليدي في أي مكان ، وماأجمله هنا في مصر ، حين يُتبع بعبارة " أجدع ناس " إلا أننا وكلينا ، تحدثنا في الكثير طيلة طريق لمدة ثلاث ساعات ، ولم تجرؤ إحدانا أن تسأل الأخرى ، من أين أنتِ ، خشية الحساسية المفرطة التي زُرِعَت رغماً عنا ، ودونَ قناعتنا بها ، فينا ، في معرض الأحداث التي لاأطلق عليها سوى أنها غريبة ، في بلدي . أصدقائي في سوريا ، يكادوا يكونون صورة مصغرة لتلك الفسيفساء التي أفخر بها ، كما يفخر كل سوري صادق في انتمائه لهذه الأرض وهذا الشعب ، لم ننتبه يوماً للاختلاف لاأنا ولاهم ، ولاأذكر أن حديثاً دار بين أحد منا عن دينه أو مذهبه أو طائفته أو انتمائه ، وحين يمر ذكر لضرورة بيان ، كان يمر دون انتباه له ، فهو في سياق حديث لايعني أكثر من مناقشة تضمنته أو استدعت ذكره بعيداً عن النعرات والفرقة والاختلاف ، من بين أصدقائي ، صديقة وُلِدَتْ في عائلةٍ علوية ، ووُلِدتُ أنا في عائلةٍ سنية ، / وكلانا من غير قصدٍ منا / أحن إليها كما أحن إلى أحد أفراد أسرتي ، إضافة لما يربطني بها من عرى الصداقة الوشيجة التي لم تستطع الحرب بكل لعناتها أن تغيرها أو تدخل خللاً فيها ، مازلنا إلى اليوم نتكلم عبر الهاتف ، نطمئن على بعضنا ونتبادل الحديث عن أحوال وطنٍ جريح وأهله ، في معرض حديثنا آخر مرة من أيام ، كانت تسألني عن ابنتي وهي تعلم أنها مخطوبة ، وفي ذكر خطيبها ، قالت لي : " أذكر أنه من عند.... " وابتلعت باقي الكلمة والكلام ، ومرت فترة صمتٍ أحسسناها كلانا ، ثم قلتُ لها : حبيبتي لمى ، لقد قتلوا الفطرة والتلقائية فينا ، لم نكن لنتوقف عند هذه الترهات ، ولم أكن لأبادر بأي ردة فعلٍ لو أكملتِ كلمتك ، غير ماعهدتِ مني ، مايربطنا أكبر . كانت كلمة من عندنا ، كلمة عادية نتداولها حين نعرف أن إنسانا ينتمي بالولادة لما ننتمي إليه ، خطيب ابنتي ، وُلِدَ في عائلةٍ علوية ، ولم يقف الانتماء الغير المقصود ، في وجه الحب . واليوم ، مصر أصبحت بلدي الثاني ، وربما بلد العرب الأول في أحداث هذا الربيع الذي لم يزهر إلا حسرة وأسى في قلوبنا ، تتعرض لهذه الهجمات ، وبغض النظر حقيقية أم مفبركة ، فما عدنا نستطيع إلا اليسير من التمييز بين الحقيقة والوهم ، لكن الأكيد ، أن ليس أقباط مصر المقصودين ، ولامسلميها ، القضية ليست قضية أقباط ومسلمين ، هي ككل قضايا الغل والمصالح التي تذهب بأصحابها للفتك بالبلدان وأهلها ، هدفها الوصول إلى تفتيت النسيج المصري ، بحيث يخشى الجار القبطي من جاره المسلم ، والعكس صحيح ، وتكون فتنة تشعل حرباً أهلية ، يسهل من خلالها الوصول لسيادة هذا البلد ، ولو بشكل غير مباشر ، مع أنه مباشر . أهلي المصريين ، مصر اليوم ظهر العرب ، ولو بتنا نقول كلمة عرب مجازاً ، لكنها ظهر هذه المنطقة المستهدف كيانها اليوم ، لو وقعت ستحترق المنطقة بمن تبقى فيها ، لاتلتفتوا للنزاعات هذه ، إلا بتوطيد محبتكم ، وبتماسككم على أرضكم ، لاتصدقوا أن جيرانكم المسيحيين يريدون بكم سوءاً ، أو جيرانكم المسلمين كذلك ، صدقوا ماتقاسمتموه من قمح وحب في هذا البلد الكريم الحيي ، ولاتدعونهم يُفْقِدونكم فطرتكم وتلقائيتكم . قتلوا فطرتنا وتلقائيتنا ببث الخوف والذعر فانتبهوا ياأهل مصر .
#سوسن_أحمد_سليم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة ليست قصيرة
-
نوستالجيا
-
فتاةُ الشرق
-
دعابات قاتلة
-
غمامة الإبداع
-
حكاية ..
-
ثكلى
-
ابن الشآم
-
سوريون
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|