أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - آريين آمد - كش وطن..... شهيد















المزيد.....

كش وطن..... شهيد


آريين آمد

الحوار المتمدن-العدد: 4721 - 2015 / 2 / 15 - 11:29
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


هذه الرواية خليط من أفكار وجودية لسارتر وعبد الرزاق الجبران، وهي تطبيق عملي لسيل الأفكار التي روج لها الأخير في كتابه مبغى المعبد، ولا غرابة أن تبدأ الرواية بعبد الرزاق الجبران وتنتهي به.
رواية كش وطن هي تجربة متعلقة بالذات وتحرير الأنا ولا يهم إن جاءت من خلال ممارسة القوادة في مبغى. خلاصة اليوم الأول لهذا التجربة كانت توافد الزبائن وتوافد الـ (تفضل) مع بعض السطور من مبغى المعبد، هذه اللذة رسخت بداخل القواد فكرة إن الاصطلاحات بما لها من معنى نفسي عميق قد تفوق كل الاعتبارات اليومية التي يستهلكها العقل البشري. بطلنا المثقف كان محملا بأفكار تجعله يقول (أنا قواد بإنسانيتي وبناءا على ذلك يجب أن أكون عظيما).
يقول عبد الرزاق الجبران (مارست البشرية زناها في الزواج أكثر من المبغى.!! هذه هي الحقيقة.. دائما مرة وقاسية، تأخرنا عليها كثيرا.. مازالت البشرية تتماهى مع خديعتها، في عقلها وفي كهنوتها على حد سواء.. الغريب في التاريخ، إن المبغى وحده كان حقيقيا، لأنه وحده كان صادقا في حقيقته.. لا يواري عورته).
رغم إن الرواية تدور حول المبغى، إلا أن الكاتب اكتفى بقصة امرأة واحدة رغم تعدد العاهرات، بأسمائهن الجديدة التي اختارها القواد بعناية فائقة مستعينا بإحدى قصص عبد الستار الناصر، وكان يمكن للراوي توظيف قصص اخرى لترسيخ نفس الفكرة أو توسيعها، فالمبغى مليء بالقصص، لنساء عرفن درب العهر مرغمات لا مختارات، إلا أن الكاتب اكتفى بقصة بلقيس، واستطاع من خلال قصة واحدة أن يقول الكثير، أن يفكك العلاقة المأزومة بين الوطن وأبنائه، بين الوطن وبيننا، فجميعنا نحب هذا الوطن لكننا نمقت أفعاله بنا بنا، وبلقيس زوجة الشهيد، قالت الكثير وأنصفت، فهي كانت تشعر بالتمزق لممارسة العهر وأخبرت قوادها، وفي الحقيقة أخبرتنا نحن والمعنيين، فليست بلقيس وحدها من تقول ذلك (أنا أموت يوميا، بدأت روحي بالتآكل والضمور التدريجي، أنا اقتل كل يوم بيد وطني، وطني الذي سلبني كل شيء ولم يبق مني سوى هذا الجسد الذي تحول إلى سلعة تتناولها شهوات الرجال، أنا واحدة من النساء اللواتي أكلتهن الحروب، تلك الحروب المقدسة التي تلتهم الرجال وتلقي بزوجاتهم في الطرق المعبدة بالتوحش، لقد ذهب زوجي شهيدا بمقاييس الوطن ليخلفني ورائه عاهرة بموجب نفس المقاييس).
الشهداء أكرم منا جميعا.... أما نحن أرامل الشهداء فلا حصة لنا في تلك الكرامة.
الوطن هو قوادي الأول، هو صاحب المبادرة تحولت على يديه من زوجة شهيد إلى عاهرة، انه صاحب الترخيص، الوطن حولني إلى سلعة.
الوطن قواد قاسي يحترف الإسقاط فقط، وما عدا ذلك لا شان له به.
لقد تبرا الجميع من أرثك أيها الشهيد، الكل تعاملوا معه بمفهوم المقايضة، نزعة المقايضة الوطنية كانت عقدا محله الجسد، وما دمت أرملة فذلك يعني إنني في نطاق الإباحة، شيء مباح للاشتهاء، اللقمة مقابل الجسد، هذا هو قانون الزمن الداعر الذي سنه وطني لكي يمارس قوادته اللاأخلاقية.
في هذا الموقف التراجيدي جدا... لم يكتفي الشهيد بل يستمر في تعذيبنا... عذرا أيها القواد الشريف لم اقصد أهانتك فأنت لا تشبه الوطن.
هذه الرواية نجحت في إيصال شكل العلاقة الغريبة التي تجمع العراقيين بوطنهم، إنهم يحبون وطنهم كثيرا ويضحون من اجله كثيرا لكن الوطن لا يحبهم ولا يحميهم ولا يحتضنهم، انه يتركهم ويتخلى عنهم فرائس سهلة للموت أو للغربة أو للضياع أو للجوع، وفي أحسن الأحوال للمبغى، ومن تفحص الكتابات على الحائط في مبغى قوادنا الإنساني تتكشف لنا نوع الحوارات الذاتية التي يمارسها العراقي عندما يكون صادقا ومتحررا من أي رقيب... وسأقتطف بعضا من تلك الكتابات:
كلكم تحت حذائي.
الحياة سوء فهم متبادل.. من يقرا هذه السطور عليه أن يؤمن بذلك.
كلنا حمقى... نامي أيتها العاهرة لنشهد الرب على حماقتنا عساه يفهمني كما تفهميني أنت.
اللعنة عليك ياعضوي لقد خيبت أمل البشرية.
بعد ما أروح انتخب... تدري ليش... لان شلت الحاء من كلمة حزب.
قولي احبك كي تزيد وقاحتي.
غدا سأمضي إلى الجبهة... ربما سيكون مسقط راسي هناك.
وأخيرا كش وطن.... وهي العبارة الوحيدة التي تصرف بها القواد بمهارة بعد أن أضاف إلى الكلمة الأولى فيها ثلاث نقاط. وهو عنوان الرواية التي سأقرها منذ الآن بدون النقاط الثلاثة....عملا بالأمانة العلمية ومخالفة لوصية الميت.
يلاحظ في هذه الرواية توظيفا جيدا للرمزية، فصورة الملك فيصل الأول كان معلقا في المبغى، يتفرج على الزائرين، فهل يمكن أن يكون المبغى هنا رمزا لعراق مصغر، فيه يتم ممارسة البغاء بصور مختلفة وأمام أنظار الملك المؤسس لدولة العهر، والمندهش مما وصل إليه هذا الوطن على أيدي أبنائه وأيادي الغرباء. فقد بات العراقيون يمارسون الحياة بأعضاء اصطناعية مستوردة، لأنهم تعرضوا إلى بتر أحلامهم وبعد ذلك تم رميهم في سلة المنافي. هناك رمزية اخرى جميلة ومؤلمة وقاسية وغريبة، من خلال مقاتل فقد عضوه التناسلي في ساحة المعركة، لكنه تركه منتصبا هناك في كبرياء لا تليق إلا بالعراقيين... العراقيون الذين عادوا من ساحات المعارك بعد أن فقدوا هناك أشياء عزيزة عليهم لا تقل معزة عن العضو الذكري، فكم من أحلام ماتت في تلك الحروب العبثية، وكم من صراخات ضاعت وسط أصوات المدافع والقنابل والاطلاقات.... فمن يحصي صراخاتنا؟ أحلامنا الضائعة؟ من يجمع أشلائنا؟ من يجمعنا من المنافي ؟؟؟؟
كنا نغافل الظروف ونشاكسها بطرق ملتوية في سبيل تمرير ذواتنا باتجاه الحياة، كان ذلك قبل أن تسرقنا الحروب وتقذف بنا إلى أعماق الانهيار والتهاوي حيث التهمنا الوطن بشراهة استثنائية، التهمنا ثم تقيأنا في اقرب مزبلة تاريخية، لقد تعامل مع طيبتنا بلؤم شديد، أقول طيبتنا واقصد بها غبائنا.
في هذا الوطن، نحن أمام سلسلة من الخبث والهزائم التي لم تنتج سوى العهر... لهذا فان أفضل عمل فيه هو القوادة لكن في معناها الإنساني...
استطيع أن أقول إن الرواية مكتوبة بلغة وجدانية رفيعة، نقرأ مثلا (أنا حضور مؤقت، يمكن لي أن اصف حضوري بأنه نهاري، أنا في الليل اختلف كثيرا عن النهار)... أنا كائن نهاري يحييني الضوء ويقتلني الظلام... لماذا نحن في زمن اللاطمأنينة؟
أو نقرأ، فأما اليتم فلا تقهر، أترى يارب، علينا أن نذهب إلى الهند لكي نجد تطبيقا لهذه الآية. يبدو إن آياتك لم تعد فعالة في هذا الوطن، إنهم يعبدون البقر ورغم ذلك يقومون بمعالجة صغارنا، أما نحن فنكتفي برفع أيدينا بالدعاء.
رغم إن سارتر كان يعني بـ (الآخرون هم الجحيم) حضورهم الطاغي علينا التي تمنعنا من ممارسة فرادنيتنا وحريتنا، إلا الكاتب يفسر مقولة سارتر بطريقة اخرى، فهو يراهم جحيما عندما يغيبون، هم غير موجودين الآن لذلك أنا كائن منفي.... وهو تصرف لا يقلل من المقولة فالليل موحش على الوحيدين كثيرا.
بعض الإجابات يتركها المؤلف لنا بذكاء لنختار ما يناسبنا... وأمام سؤال الطفل محمد الذي شفي قلبه في الهند بفلوس قوادنا الصعلوك.... عمو أنت ما هي مهنتك؟؟؟؟ فقد اخترت أنا الإجابة التالية...(أنا نبي قواد).
الأحكام الجاهزة لن تتغير مهما كان الدفاع جيدا، ورغم إجادة القواد الدفاع عن نفسه في المحكمة واعترافاته الصريحة... أنا قواد ... لا أنكر هذا الشيء، إنسانيتي قادتني إلى ذلك، ذاتي العليا دلتني على هذا الطريق، تحقيق وجودي حتم علي أن أكون في هذه المنطقة، ألا يحق لي أن أحقق ذاتي بالطريقة التي أراها مناسبة لإنسانيتي!!!!
هنالك شيئا واحدا في تاريخنا يمثل الحقيقة انه المبغى.
أنا قواد صريح، وهذا يعني إني اختلف عن غيري من القوادين المقنعين، إن رجل الدين قواد مقنع وأنت أيضا سيادة القاضي قواد مقنع.
ليس في قاموس الوجوديين شيء اسمه الندم... فالوجودي يفعل ما يريد ويريد ما يفعل وهذه أساس فلسفة سارتر.... ترجمها قوادنا في المحكمة معلنا.. أنا لا أؤمن بالندم، ربما أؤمن بأشياء مقاربة مثل الخيبة أو الخسارة أو التلاشي. .. الخطايا الجميلة لا يجوز الندم عليها، الرب لا يقبل بذلك، هل يندم من كان يقدم السعادة إلى الآخرين. أنا من دعاة الحياة، ودعاة الحياة لا يمسهم الندم ياسيدي... أنا حالة التجرد الإنساني من قيم الخطيئة المتداولة، أنا متشبع بالبراءة فكيف اندم.
لكن حكم القاضي جاء منسجما مع قانون مكافحة البغاء (الإعدام شنقا حتى الموت)...
بعد الحكم جرى كل شيء بانسيابية تامة، الجميع يعرفون المطلوب منهم، الشيء الوحيد الذي لم يخطر ببال القواد أن يكون عبد الرزاق الجبران هو من يقوم بلف حبل المشنقة على رقبته، ورقابنا طالما رأينا المبغى أكثر عفة وطهرا من المعبد.



#آريين_آمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آيات شيطانية هدرت دم سلمان رشدي
- الحرب ... يا للغباء
- داعش في نينوى أسئلة وحلول
- المهمة المستحيلة لفرانكشتاين في بغداد
- العراقيون بدون وسيط
- التفكير خارج الصندوق
- - التحولات في دول الربيع العربي قد تكون الأصعب والأطول في ال ...
- استخدام القوة في عمليات المعلومات الكيمياوي السوري أنموذجا
- هل تقرأ امريكا ما يكتبه المثقفون العراقيون؟؟؟
- حتى انت ياهادي جلو مرعي؟؟؟؟؟
- احمد القبانجي لم تزده ظلمات السجن الا القاً
- احمد القبانجي... إشارات لم تلتقط جيدا
- العقلانية في الشعائر والطقوس محاضرة للمفكر احمد القبانجي في ...
- المنهج الهيرمنيوطيقي للمثقفين محاضرة للمفكر احمد القبانجي في ...
- كيف نعرف الدين الحق؟؟؟؟ محاضرة للمفكر احمد القبانجي في 2/11/ ...
- اعرف نفسك محاضرة للمفكر احمد القبانجي في 20/10/2012
- العقلانية في الفقه محاضرة للمفكر احمد القبانجي
- العقلانية في الاخلاق محاضرة للمفكر احمد القبانجي
- العقلانية في عصر الحداثة محاضرة للمفكر احمد القبانجي
- الاسير


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - آريين آمد - كش وطن..... شهيد