أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - هادي العلوي: الابداع الحر - معارضة أبدية -3 من 11















المزيد.....

هادي العلوي: الابداع الحر - معارضة أبدية -3 من 11


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1318 - 2005 / 9 / 15 - 11:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لم يكتف هادي العلوي في نقد كل شئ، بل ووظف الرؤية النقدية للتراث العربي بدء من الجاهلية وانتهاء بالمعاصرة كما وجدها في شعر الهجاء، باعتباره الصيغة الأكثر صدقا في التعبير عن خلجات النفس والضمير. فقد جمع أواخر حياته (ديوان الهجاء) بوصفه التعبير التاريخي المتنوع عن الروح النقدي العربي في تناوله مختلف مظاهر الحياة. ووضع هذه الحصيلة في فكرته عن أن التاريخ العربي يبرهن على أن "الهجاء اقرب إلى الفعل الثوري من المديح بكل أشكاله ومضامينه". وهي فكرة وضعها في استنتاجه العام القائل بأن "أدب الدفاع هو أدب التبرير حتى في موضع الفعل الثوري. أما الهجاء فهو أدب النقد اللقاحي المنوط به تعميق مشروعية المؤسسة الجديدة ومساعدتها على إنجاز مهمتها". ذلك يعني انه رفع النقد الدائم إلى مصاف المرجعية الضرورية بالنسبة للمثقف بوصفه شعار الإبداع الحقيقي.
إن الإبداع الحقيقي بالنسبة لهادي العلوي هو موقف لا مهادنة فيه ولا يقف عند حد وحدود، أوله الدولة وآخره المقدس. بحيث جعله ذلك يرفع النقد إلى مصاف الثورة. لهذا اعتبر منهج "الثوري الهجّاء أنبل من الثوري المدّاح". وهي فكرة استنتجها من تأمل الأبعاد الفعلية في موقف المثقف من الواقع والسلطة انطلاقا من أن المدح سواء من "داخل الثورة أو خارجها" لا يفترض دفع الثمن، بينما يلازم الهجاء دفع الثمن الفردي والحياتي. من هنا قلة الهجاء بين الشعراء وكثرة المديح بينهم.
وإذا كانت هذه الصيغة الظاهرية تعبيرا عن موقف العلوي من إدراكه الخاص لدور الأديب في الحياة الاجتماعية والسياسية، فإن باطنها يقوم في مستوى تعبيره عن حقيقته بوصفه فنا أدبيا أصيلا صادرا عن الذات الشاعرة، غير متأثرا باعتبارات المصانعة والمصلحة. وفي هذا بالذات تكمن وظيفته الاجتماعية والسياسية التي تجعل منه "أدبا ملتزما". مما يجرده عن الشتم الشخصي المحض ويجعله انتقادا واعيا لحالة ما.
إن رفع الهجاء إلى مصاف النقد وجعله مرجعية على الظاهر ومعيارا على الباطن، بما في ذلك في تقييم ما اسماه بالعمل الثوري، هو إشارة إلى تحديد المضمون الدائم للمواقف والأحكام. وهي صفة طبعت ظاهر العلوي وباطنه. وفيها فقط يمكننا رؤية تماسكه الفعلي وتجانسه الدائم، الذي حصل في أواخر حياته على نموذجه الارقى في الفكرة الصوفية القائلة بان الحرية الحقيقة تقوم في التحرر من رق الاغيار. ووضع هذه الفكرة في ممارسته الشخصية وجعلها شعاره العملي في الموقف من كل ما يدور حوله وفيه، وتجاه كل ما يبدو له حجر عثرة، مهما كان نوعه سياسيا أو فكريا أو عقائديا، أمام التحرر الفعلي. فقد أشار في أحد أعماله (خلاصات في السياسة والفكر السياسي الإسلامي) إلى أن ما يعنيه أولا وقبل كل شئ هو الكشف عن مآثر تاريخنا وخطاباه دون انحياز أو مسبقات عقائدية، مع الاستعداد دوما لتقبل التكفير من الأضداد والنقائض في أي مسألة يختلفون عليها.
لقد أراد العلوي القول بأنه على استعداد دائم لمواجهة تكفيره من جانب الآخرين، كما انه مستعد لمواجهة من ينقمون عليه من أفكار. وهو استعداد فكري وأخلاقي رفعه إلى مصاف المنهجية العلمية والعملية في الموقف من التاريخ. وهو تلازم يشير إلى طبيعة الارتباط بين "الأنا" و" التاريخ" في فكره ومواقفه العملية. إذ اعتبر الموقف من التاريخ هو نفس الموقف من الأنا، كما أن الموقف من الأنا هو الوجه الآخر للموقف من التاريخ.
وهي منهجية وضعها في فكرته عن ضرورة إزالة مبدأ القداسة في فهم التاريخ والتعامل معه. بعبارة أخرى، انه أراد القول، بأن التاريخ هو ماضينا ومن ثم لا قدسية فيه. وهي رؤية تجعله اقرب إلينا ومصدرا من مصادر وعبنا الذاتي القومي والثقافي الحقيقي. كما انها أسلوب تمحيص المعاصرة ونقدها. بل انه وجد في الخضوع لمبدأ القداسة في فهم التاريخ أحد أسباب إخلاءه للمؤرخين الغربيين كي يبحثوا فيه على هواهم.
وليس مصادفة أن يتناول العلوي في مجرى استعراضه تاريخ النبوة والخلافة الصفات العادية الملازمة لصيرورة الدولة والنشاط السياسي مثل الكذب والخداع والغش والرشوة والاغتيال والتجسس والغدر وما شابه ذلك في أعمال الجميع بما في ذلك في سلوك النبي والخلفاء الراشدين وغيرهم. ولم يجد في ذلك نقصا فيهم. على العكس! لقد وجد فيه جزءا من الدهائيات الدنيوية (السياسة العملية)، التي تجد في هذه الأساليب ضرورة من اجل مبادئ أعلى وارفع. أو على الأقل انها جزء من تاريخ واقعي عادي لا معنى لرفعه إلى مصاف المقدس، انطلاقا من انه لا قدسية في التاريخ بحد ذاته.
وجسّد العلوي رؤيته هذه في كتابه (الاغتيال السياسي في الإسلام) الذي أثار في وقتها جدلا واتهامات عديدة ضده. وهو كتاب لم يحتو على قيمة علمية أو فكرية بحد ذاته. إذ لا جديد فيه على الإطلاق سواء من حيث الشكل أو المضمون. بل انه يتسم بنوع من الاستعراض يثير الملل بسبب كونه لا يتعدى اكثر من جمع لأحداث متشابه لا يتغير فيها سوى أسماء وأيام تتعلق بكيفية اغتيال هذا الشخص أو ذاك. وهي معلومات مستمدة بأكملها من كتب التاريخ المعروفة. الا أن قيمته تنبع من منهجية محاربة التقديس للتاريخ في كل مراحله دون استثناء. بمعنى سعيه لجعل التاريخ جزء من تتابع وتسلسل الأحداث العادية والكبرى التي تتضمن كل نوازع الوجود الإنساني.
ذلك يعني انه أثار ذهنية ونفسية معينة تتسم بقدر هائل من الحساسية والانفعال شأن الكثير من الكتب المشابهة له مثل كتاب طه حسين عن الشعر الجاهلي وكتاب نقد الفكر الديني لصادق جلال العظم وكثير غيرها ممن اتسم بقدر كبير من الركاكة العلمية والفجاجة الفكرية. فقد كان اغلب هذه الكتب تطفلا على العلم الناقص وأنصاف المتعلمين الذين كان وما يزال يعج بهم العالم العربي. الا أن العلوي، شأن طه حسين، عمل بنفس القصد الساعي إلى ردم الهوة التي حفرتها في ذاكرة العرب والمسلمين أوهام القداسة. وهي حالة تعكس كبر الأوهام وسعة الجهل لا كبر الإبداع وسعة المعرفة. الا انها قضية واقعية وقيمة العمل فيها ومواجهتها هي مواقف اقرب إلى الفعل الحر منها إلى الإبداع الحقيقي، أو انها اقرب إلى الإبداع المعنوي منه إلى الإبداع العلمي. وقد تكون ضرورته الجزئية في ذلك مع انه لا يصنع يقينا عقلانيا وحرية مبدعة.
أما هادي العلوي فقد أراد من وراء رؤيته الحرة ونقده لفكرة ونفسية القداسة المغلفة لتاريخ العرب والمسلمين القول، بأن تاريخ الإسلام هو أيضا تاريخ الكذب والغش والخداع والرشوة والاغتيال والتجسس والغدر وما شابه ذلك، شأنه شأن كل تاريخ سياسي. كما كان الحال بالنسبة لكتاب طه حسن في نقده للدس والكذب والغش والخداع في "الشعر الجاهلي". وليس اعتباطا أن يعتبره العلوي "الرائد الأكبر، بعد اطلاعه على مناهج الغربيين، كما تجلى في كتابه (في الشعر الجاهلي) الذي هز التاريخ المقدس للمرة الأولى في عصرنا الحاضر". وليس مصادفة أيضا أن يرفعه مقارنة بالعقاد إلى مصاف الذرى. إذ وجد في طه حسين رجلا قريبا إلى المظلومين مع انه بقى في دراساته الإسلامية ضعيفا من وجهة النظر العلمية، بينما كان العقاد يجري "في الوادي المقدس"، وشخصياته سماوية لا تتآلف مع مطالب البحث في التاريخ السياسي. ذلك يعني أن الإشادة بالموقف النقدي الداعي إلى إزالة "مبدأ القداسة" في الموقف من التاريخ يهدف إلى إرجاع التاريخ إلى نصابه الواقعي ومساره الضروري بالنسبة للوعي الاجتماعي.
إن نقد مبدأ القداسة تجاه تاريخ النبوة وخلافة الراشدين وإبراز الوقائع المتعلقة بحالات الاغتيال السياسي هو ليس فقط نقد "التاريخ المقدس" بل ونقد ظاهرة الاغتيال السياسي نفسه. وهو موقف جره إلى نقد فكرة المقدس في كل ما لا صلة جوهرية لها بالحق والحقيقة. فنراه على سبيل المثال يورد الحادثة المروية عن سلمان الفارسي عندما طلبوا منه الإقامة في القدس للتبرك بها وحصول ثواب الموت فيها حيث أجابهم "أن الأرض لا تقدس أحدا. وإنما يقدس كل إنسان عمله". انها مجرد نفي لهذا النوع من المقدس بمقدس الفكر الحر المقيد برؤية إنسانية متسامية.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هادي العلوي- من الأيديولوجيا إلى الروح 2 من 11
- هادي العلوي المثقف المتمرد 1 من 11
- الديني والدنيوي في مسودة الدستور - تدين مفتعل وعلمانية كاذبة
- الدستور الثابت والنخبة المؤقتة
- أورليان الجديدة وأور القديمة – جذر في الأصوات وقطيعة في الأن ...
- الحداد الرسمي لفاجعة الكاظمية = مأتم ابدي + ثلاثة أيام
- جسر الأئمة أم طريق المذبحة المقبلة للانحطاط السياسي العراقي
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية-6 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 5 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 4 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 3 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 2 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 1 من 6
- حق تقرير المصير- في العراق – الإشكالية والمغامرة
- هوية الدستور الحزبي ودستور الهوية العراقية؟
- أشكالية الانفصال أو الاندماج الكردي في العراق-2 من 2
- إشكالية الانفصال أو الاندماج الكردي في العراق+1 من 2
- الخطاب القومي الكردي في العراق - التصنيع العرقي 2 من 2
- الخطاب القومي الكردي في العراق - الهمّ الكردي والهمّ العراقي ...
- مرجعية السواد أم مرجعية السيستاني? 9 من 9


المزيد.....




- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...
- نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا ...
- -لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف ...
- كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي ...
- الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص ...
- ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
- مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
- إيران متهمة بنشاط نووي سري
- ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟ ...
- هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - هادي العلوي: الابداع الحر - معارضة أبدية -3 من 11