أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل كلفت - بورخيس كاتب على الحافة 4: بورخيس والأدب الأرجنتينى















المزيد.....



بورخيس كاتب على الحافة 4: بورخيس والأدب الأرجنتينى


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 4720 - 2015 / 2 / 14 - 00:30
المحور: الادب والفن
    


بورخيس كاتب على الحافة 4: بورخيس والأدب الأرجنتينى
(فى فصول)
تأليف: بياتريث سارلو
ترجمة: خليل كلفت
بياتريث سارلو (1942-) ناقدة أدبية وثقافية أرجنتينية. ومنذ 1978 أدارت المجلة الثقافية وجهة نظر، أثناء فترة استمرارها على مدى ثلاثة عقود، وكانت أهم مجلة للنظرية الاشتراكية في الأرجنتين وقد أُغلقت بعد تسعين عددا طوال ثلاثين عاما. تفتح مقالات سارلو الكثيرة في مجلة وجهة نظر ومجموعة كتبها إمكانيات جديدة للقراءات، أكثر مما تقدم المزيد من القوالب النظرية أو النماذج النقدية.
الفصل الثاني
4: بورخيس والأدب الأرجنتيني
يقدم إنتاج بورخيس أحد النماذج- وربما النموذج الأمثل- للأدب الأرجنتيني. إنه أدب جرى بناؤه، كالأمة الأرجنتينية ذاتها، من مؤثرات مختلفة: الثقافة الأوروپية، والتراث الكريولي، واللغة الإسپانية بلكنة نهر پلاتي. والمكان الذي يقيم فيه بورخيس، والذي اخترعه في دواوينه الشعرية الثلاثة الأولى المنشورة في العشرينات،(1) هو ما سماه بورخيس الحواف las orillas. ومنذ البداية، رفض بورخيس ذلك النوع من النزعة الريفية اليوتوپية التي كان قد قدمها ريكاردو جويرالديس في دون سيجوندو سومبرا Don Segundo Sombra (1926)، هذه الرواية الكلاسيكية التي تتتبَّع تربية صبي في بيئة تسودها أعراف وأخلاق سهول الپامپا pampas بتوجيه الشخصية الأكثر نجاحا لمعلم جاوتشي. وفي نظر بورخيس، ينبغي، بدلا من هذا، أن يكون المشهد الخيالي للأدب الأرجنتيني منطقة مبهمة صارت فيها نهاية الريف والخطوط الخارجية للمدينة غير واضحة المعالم.
وقد لعب بورخيس عل كل معاني لفظة orillas(حافة، ساحل، هامش، حدّ) من أجل خلق أيديولوچيم ideologeme (xi) قوي بما يكفي لأن يفسر شعره المبكر ولأن يعاود الظهور في كثير من قصصه القصيرة. وعن طريق هذا الأيديولوجيم خلق بورخيس أسطورة للمدينة، التي كانت في رأيه بحاجة ماسة إلى أساطير:
لا وجود لأساطير في هذه البلاد وما من شبح واحد يجوس خلال شوارعنا. وهذا هو عارنا. إن واقعنا المعيش باهر غير أن حياة خيالنا حقيرة ... وبوينوس آيرس الآن أكثر من مجرد مدينة، إنها بلد، وعلينا أن نجد الشعر، والموسيقى، والتصوير، والدين، والميتافيزيقا، الملائمة لعظمتها. هذا حجم أملي وأنا أدعوكم جميعا إلى أن تصيروا آلهة لتعملوا على تحقيقه.(2)
وفي تلك الأعوام في بوينوس آيرس، كانت لفظة orillas تصف أحياء الضواحي الفقيرة التي كانت تقع في جوار قريب إلى سهول الپامپا التي كانت تحيط بالمدينة. وكان الأوريّيرو (ساكن الحواف) orillero هو المقيم في تلك الأحياء، التي كانت تُعتبر عادة فظة وفي كثير من الأحيان عنيفة، وهو الذي حافظ على كثير من أعراف وأنماط سلوك ماضيه الريفي القريب. وكان الأوريّيرو يعمل في مشروعات نصف ريفية نصف حضرية مثل محلات الجزارة، التي احتاجت إلى كثير من مهارات اليد العاملة الريفية واستخدمتها. وكان يعرف كيف يستخدم سكّينا مثل أجداده الجاوتشو، وكان يواصل، كما تمضي السيرة قائلة، استعماله كسلاح في المبارزات. وقد تمثل نموذج أكثر أسطورية للأوريّيرو في الكومپادريتو compadrito، هذه الشخصية التي صارت شهيرة فيما بعد من خلال أغاني التانجو. وينتمي النموذج الأصلي للأوريّيرو إلى التراث الثقافي الكريولي، فيما قبل وصول المهاجرين الإيطاليين والأوروپيين الآخرين إلى الأرجنتين. غير أنه، كما أقرّ بورخيس نفسه متهكما، فإن أبناء المهاجرين الإيطاليين الذين نجحوا في أن يصيروا مندمجين في الثقافة الكريولية كان بوسعهم أيضا أن يطمحوا إلى أن يكونوا كومپادريتو compadritos. على أنه بحلول الزمن الذي بدأ بورخيس يكتب فيه، كان الأوريّيرو [سكان الحواف] orilleros والكومپادريتو يفقدون سماتهم الأكثر عدوانية وتميُّزا ممتزجين في ثقافة شعبية مشتركة. وعندما يستدعي الحواف، يكتب بورخيس عن العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر والعقدين الأولين من القرن العشرين أكثر مما يكتب عن العشرينات والثلاثينات. ومدركا لهذه الإزاحة الزمانية، يستخدم الزمن الماضي ويُورد تواريخ تشير إلى شيء ما جرى فقدانه، ولم يعد من الممكن لاسترجاعه:
يا شارع سيرانو،
أنت لم تعد نفس ما كنتَ في زمن العيد المئوي [لاستقلال الأرجنتين]
كنتَ في ذلك الزمن سماءً أكثر وأنتَ الآن مجرد مبانٍ(3)
وفي نظر بورخيس، تملك الحواف سمات إقليم خيالي، فضاء في الوسط بين السهول والمنازل الأولى للمدينة، موقع طوپوغرافي حضري- كريولي، موضَّح في الصياغة التي صارت الآن كلاسيكية باعتباره الشارع الذي بدون رصيف على الجانب الآخر sin vereda de enfrente. وتتسع الحدود بين المدينة والريف عند الحواف عندما تصير هذه الأخيرة فضاء أدبيا. وفي الوقت نفسه تصير هذه الحدود مسامية. ومشهد الحواف يتميز بامتدادات خلاء من الأراضي البور والجدران الطينية ذات التجاويف [التي توضع فيها الزهريات والتماثيل]، ببروز الشبابيك المزخرفة وأسيجة السينا- سينا cina-cina وزهر العسل، بالباحات التي تكسر المدى اللانهائي للسماء:
الباحة، التي تتحدى السماء
الباحة هي المنحدر
الذي تصب السماء في المنزل تحته(4)
وتأتي العربات الصيفية carros del verano إلى الحواف تفوح منها رائحة السهول. كما أن الجدران القرنفلية الفاتحة، والزرقاء السماوية، والمطلية بالجير الأبيض للمنازل الريفية هي أيضا ألوان الحواف. وفي الحواف، وبصورة غير ملحوظة، تصير ال پولپيريا pulperí-;-a [مطعم ومشرب ريفي]، دكان بقالة almacén، ويصير تقاطع طريقين ريفيين ناصية شارع.
ومن ذاكرة لبوينوس آيرس ليست تقريبا ذاكرته، يحرض بورخيس ضد المدينة الحديثة هذه المدينة الجمالية بدون مركز، المبنية بالكامل على القالب المصمم لهامش. وما كان بديهيا بالنسبة لمعاصريه يصير غير ملحوظ في شعر بورخيس في العشرينات. وكان اثنان من أبرز معاصريه، هما الروائي آرلت والشاعر خيروندو، مفتونين بحركة "الجديد": القطارات وعربات الترام، والمباني العالية، وبلوكات المدينة. أما بورخيس فيقوم، على النقيض، بإعادة بناء شيء ما من المحتمل أنه لم يوجد مطلقا، شيء كان من الممكن، لهذا السبب ذاته، تحويله إلى حنين. والحقيقة أن حواف الأدب المهددة يمكن أن نلقاها في أي ناحية من المدينة، على وجه التحديد لأنها أطراف بدون مركز. ويمكن تحديدها بحركة المتسكع flâneur، الذي يهيم على وجهه بلا هدف عبر الضواحي النائية والأحياء البرجوازية الصغيرة الأكثر ألفة، محدِّقا بابتهاج إلى الماضي الذي ينبسط أمام عينيه في المباني والمشهد:
هناك زمن كان فيه هذا الحي صداقة،
نزاعا بين صور من النفور والمودة، مثل أمور الحب الأخرى؛
غير أن ذلك الإيمان يتواصل بالكاد
في بعض المآثر الغابرة التي سوف تموت:
في الميلونجا التي تستعيد إلى الذاكرة النواصي الخمس،
في الباحة مثل وردة ثابتة تحت الجدران المتسلقة،
في اللافتة غير المدهونة التي تعلن، ما تزال، زهرة الشمال،
في الرجال الذين يلعبون الجيتار والورق في المخزن العام،
في الذاكرة الساكنة للرجل الأعمى. هذا الحب المبدَّد هو سرنا المُحْبَط.
هناك شيء ما غير مرئي يأخذ الآن في الاختفاء من العالم،
حُبُُّ ليس أوسع من لحن.
الحيّ يغادرنا الآن، والشرفات الرخامية الصغيرة المتينة
لا تضعنا وجها لوجه، مع السماء(5)
وفي إحدى مقدماته الكثيرة ل مارتن فييرو، العمل الرئيسي للأدب الأرجنتيني في القرن التاسع عشر، يؤكد بورخيس أنه "تتمثل وظيفة من وظائف الفن في توريث أمس وهميّ لذاكرة البشر".(6) وهذا الأمس الوهمي هو أيضا، أو ربما بصورة أساسية، مكان يستبقيه بورخيس من الريف، لأنه يفضل "تلك الشوارع الطويلة التي تفيض على الأفق، حيث تزداد الضاحية فقرا بصورة متواصلة وتمزق نفسها إرَبًا في الخارج بعد الظهر".(7)
وقد حرر بورخيس الحواف من الوصمة الاجتماعية للكومپادريتو، الذي كان يسمَّى أيضا في بعض الأحيان الأوريّيرو، وبدلا من النظر إلى الحواف على أنها حدود يمكن منها فقط القفز إلى العالم الريفي ل دون سيجوندو سومبرا، يتلبث بورخيس هنا ويصنع من الحافة إقليما ومجازا. وقد اختار أن يقيم مكانا في ذلك الهامش، مدركا على نحو ما أنه يمكن العثور هناك على صورة شفرية للأرجنتين. ولعل هذا هو الذي يفسر امتناعه عن الاعتراف بالإحياء الجاوتشي الذي بشر به ريكاردو جويرالديس في دون سيجوندو سومبرا، ويفسر كذلك ضعفه إزاء شاعر ثانوي من بوينوس آيرس، إيباريستو كارييجو Evaristo Carriego، الذي كتب بورخيس عنه مقالا في طول كتاب، وهو منشور في 1931.
ولم يكن بوسع بورخيس إلا أن يهتم بكارييجو. ذلك أنه عند كارييجو، ربما بطريقة خرقاء، يمكن العثور على موضوع نظر إليه كتاب النخبة في تلك الفترة على أنه هامشيّ. وفي العقد الأول من القرن العشرين، كان مركز المجال الثقافي يشغله ليوپولدو لوجونيس والحداثة modernismo، شعر غنيّ بالصوت والقافية، في صورة غريبة (مجلوبة) مبنية على نسق محكم الصنع من المدركات البصرية واللمسية والموسيقية، استلهمت الپرناسية والرمزية الفرنسيتين، وڤ-;-يكتور هيجو Victor Hugo ووالت ويتمان Walt Whitman. ورغم أن الحداثة (وشاعرها الرئيسي روبن داريو Rubén Dario) كانت أصيلة للغاية في قدرتها على الجمع بين مختلف المؤثرات الجمالية وعلى مزجها في نغمة جديدة مميزة ومشهد ثقافي جديد مميز، فإنها كانت، بحلول العشرينات، قد استنفدت إمكاناتها الكامنة، وذَوَتْ جِدَّتُها لتصير جزءا مما كان يمكن النظر إليه على أنه التيار الأدبي الرئيسي. وقد عارض كتاب الطليعة التيار الأدبي الرئيسي وأبدوا احتقارهم له: كانت الحداثة قد صارت حركة راسخة وطيدة ينبغي الإطاحة بها.
وكان بورخيس معاديا بشدة للحداثة وللوجونيس، وسيكون شعره ذاته مختلفا تماما عن ممارساتهم. و، إذا كانت الحداثة مركز النسق الأدبي، فقد اعتبر بورخيس أن كارييجو كان على وجه التحديد على الهامش: كاتب كان قد حاول أن يكون حداثيا modernista، فقط ليتوصل في وقت لاحق، في اثنتيْ عشرة قصيدة عن الضواحي، إلى شكل معتدل من العاطفية كان استباقا لأغاني التانجو النوستالجية لأوميرو مانثي Homero Manzi.
وبمجرد وضع كارييجو مقابل لوجونيس فإن كل الهيراركيات الجمالية- الأيديولوجية التي كانت تنظم الأدب الأرجنتيني من قبل كان من الممكن قلبها رأسا على عقب. وكان القضاء على لوجونيس يمثل إحدى المهام التي طبق عليها بورخيس، باقتناع كبير، تهكمه النقدي، بادئا بنصوصه الأولى في العشرينات. وكان مقال/ كتاب إيباريستو كارييجو Evaristo Carriego فصلا رئيسيا في هذا النضال الأدبي. كما يتعرف بورخيس عند كارييجو على نص- أسبق pre-text، بالمعني الأكثر أدبية للكلمة. ذلك أن كارييجو هو النص السابق لنصوص بورخيس نفسها، فقد كتب شيئا لم يكن ليكتبه بورخيس، غير أنه كان شيئا يحتاج إليه بورخيس كنقطة انطلاق نحو إعداد نظرية للأدب الأرجنتيني. والحقيقة أن أغنية الحي La cancí-;-on del barrio لكارييجو نص- أمّ ur-text سريّ، وفرضية ضرورية بالنسبة للشعر المبكر لبورخيس.
وبطبيعة الحال فإن سيرة بورخيس عن كارييجو تمثل أيضا نصا- أسبق من نواح أخرى(8). ففي مقدمة أضيفت بعد ذلك بخمسة وعشرين عاما، يبوح بورخيس بأحد الدوافع التي تشكل أساس ذلك الكتاب. لقد أراد أن يعرف، بمعنى بيوجرافي وأدبي، ماذا كان يقع خارج المنزل العائلي لطفولته في حي پاليرمو Palermo :
ماالذي كان يوجد، في الوقت نفسه، على الجانب الآخر من القضبان الحديدية؟ وأية مصائر سوقية وعنيفة كان يجري التنفيس عنها هناك بالخارج على بعد خطوات قليلة مني، وفي الحانة التي يملأ جوها الدخان أو في الأرض البور الخطرة؟ وماذا كانت صورة حي پاليرمو، أو كم كان يمكن أن يكون حي پاليرمو جميلا لو كان على تلك الصورة؟(9)
ويمثل تاريخ پاليرمو، الذي يؤلف الفصل الأول من الكتاب، نصا- أسبق لتاريخ تضافرت فيه بعض صور الحواف والكومپادريتو، التي كان بورخيس قد اشتغل عليها بالفعل، مع تفاصيل كانت وظيفتها الوحيدة شعرية. ويبدأ الفصل الثاني "حياة لإيباريستو كارييجو" Una vida de Evarsto Carriego، بعرض المفارقة المتمثلة في "أن فردا يرغب في أن يوقظ لدى فرد آخر ذكريات كانت لا تنتمي في يوم من الأيام إلا إلى فرد ثالث": إنه يبدأ، بعبارة أخرى، بالمناقشة نقديا لفكرة السيرة ذاتها. وعلى هذا النحو فإن منطقا ذاتيا على وجه الحصر يربط معا "وقائع" حياة كارييجو مع الوقائع التي نسبها بورخيس إليه والتي تستحيل إلى ذكريات لبورخيس. أما الفصلان التاليان (ومن المفترض أنهما عن قُدّاسات مهرطقة Misas herejes وأغنية الحي La cancí-;-on del barrio، وهما مجموعتان من قصائد كارييجو) فإنهما يحفلان بإشارات صريحة وخفية إلى الأساطير الثقافية للضواحي ويعطيان وزنا لتأكيد بورخيس أن كارييجو يجب أن يُقرأ كشاعر للحواف. وعلى هذا فإن مقال/ كتاب إيباريستو كارييجو إنما هو محاكاة لسيرة، غير أنه مكتوب باعتباره فصلا في تاريخ أسطوري لبوينوس آيرس و، في الوقت نفسه، كبيان (مانيفستو) أدبي، وإن كان تهكميا وملطفا. ولم يتخلَّ بورخيس في يوم من الأيام عن هذا الكتاب وعلى مدى ثلاثة عقود من الزمن استمر في أوقات فراغه في إضافة صفحات وتصديرات واقتباسات أخرى باللغة الإنجليزية، وسرود قصيرة جدا، ورسائل- تتصل جميعا بموضوعها بطريقة ملتوية للغاية.
وهذه السيرة أيضا هي عمل رجل هياب، كما وصف بورخيس نفسه بعد ذلك بعدة أعوام، عندما نشر عمله تاريخ عالمي للعار. والشخصية "بورخيس" الذي يؤلف هذا الكتاب إنما هو محض اختراع مثل كارييجو، أما الطوبوغرافيا الخيالية للضاحية، الحد بين مدينة الطبقتين العليا والوسطى ومدينة الكومپادريتو، فإنها مرسومة باعتبارها أحد فضاءات أدب بورخيس ذاته. وبعيدا عن أن يكون سيرة، ومن الواضح أنه ليس كذلك، يمثل إيباريستو كارييجو نصا- أسبق pre-text وبحثا: المجلد الأول عن "تيلون" Telö-;-n الضواحي ذلك الذي يخترعه بورخيس تحت قناع بوينوس آيرس. وفي هذا المجلد، كما في موسوعة تيلون، يمكن بطبيعة الحال أن يجد تصور للفن مكانا له. وسوف يعلق بورخيس في وقت لاحق بقسوة إلى حد ما على البناء الأسطوري والأدبي للحواف والكومپادريتو. وفي تذييل تقرير برودي يشجب بورخيس الفانتازيا المحكمة الصنع لقصته القصيرة البوينوس آيرسية porteñ-;-o(xii) النموذجية جدا "رجل الناصية الوردية"_ فهي"أثر أدبي خيالي extravaganza أشهر مما ينبغي"، كما يكتب بورخيس. غير أن القصائد المكتوبة في العشرينات، وهذه القصة، و إيباريستو كارييجو، كانت لحظات ضرورية في تطور كتابته، ورغم أنه يرفض الكثرة الباروكية المسرفة للكوتشيِّيرو cuchilleros [المقاتلين بالسكاكين] في إنتاجه المبكر، فإن بورخيس لم يبتعد بنفسه بصورة كلية مطلقا عن "الأيديولوجيم" الذي صاغه في العشرينات، والذي كانت له أصالة كونه أرجنتينيا بعمق دون الوقوع في المصيدة القاتلة لأيٍٍّ من النزعة القومية الأدبية التقليدية أو الواقعية الأدبية.
إذا حاول المرء إنكار الوجود المستقل لأشياء مرئية وملموسة، فإنه يمكن أن يتوصل بسهولة إلى هذا الاستنتاج عن طريق التفكير: الواقع أشبه بتلك الصورة لأنفسنا التي تظهر من كل مرآة، محاكاة موجودة بسببنا، تأتي معنا، تُلوِّح لنا ثم تغادر، غير أنه يمكن دائما العثور عليها إذا ذهبنا نبحث عنها.(10)
ويستند هذا الإعلان المثالي للإيمان، الذي كتبه بورخيس عندما كان عمره يزيد قليلا على العشرين، إلى مجاز يركز على مفهوم المحاكاة. ويخترع الأدب، بصورة خاصة، تلك الفضاءات التي تكمن قوة إقناعها في الوهم الذي تخلقه، وفي النص (الذي يفرض ما يحب بورخيس أن يسميه، مستشهدا ب [صمويل تيلور] كولريدج [Samuel Taylor] Coleridge، "الإرجاء الإرادي لعدم الإيمان"): ليس "كارييجو" والحواف بهذا المعنى محاكيات لشاعر أقل شأنا أو لبوينوس آيرس، بل بالأحرى لما يكتبه بورخيس و، قبل كل شيء، للمكان الذي كان يكتب فيه. وتقوم حقيقة تلك الشخصية وذلك المكان، على وجه التحديد، على أساس الاختراع.
وبهذه الطريقة، يُرسي بورخيس أسس أدبه عن طريق معارضة مفهومين سائدين. وقد قيل في كثير من الأحيان، كما أن هدفي هنا هو أن أبين، أن الكتب الأولى لبورخيس، ومقالاته في المجلتين الطليعيتين پروا Proa ومارتن فييرو Martin Fierro (انظر الفصلين 7 و 8)، تدلّ على قطيعة مع لوجونيس والحداثة modernismo. ذلك أن الكتب والمقالات تجيب على السؤال عن كيف نكتب بعد لوجونيس وفي معارضة له. ويبدو لي أن هذه النقطة واضحة بصورة كافية، و، لهذا، أفضل أن أنتقل إلى نقطة أخرى: إنني أعتقد أن بورخيس يقترح أيضا أدبا يكون مختلفا عن الرواية الريفية دون سيجوندو سومبرا لجويرالديس.
صحيح أن بورخيس لم يجعل جويرالديس مطلقا موضوعا لألعاب الإرهاب الأدبي التي لعبها على لوجونيس. ذلك أن جويرالديس كان إلى جانبه في الحركات الطليعية للعشرينات، وأدار پروا مع بورخيس، وقد اعترف جويرالديس غالبا، في أحد مقالاته المفرطة في المديح، بأن بورخيس كان بين أولئك الكتاب الشبان الذين كانوا يملكون رسالة تمثلت في إصلاح وتجديد الأدب الأرجنتيني. ومع ذلك فإنه يمكن إثبات أن بورخيس رأى نفسه بعيدا جدا حقا عن المبادئ الجمالية التي تشكل أساس دون سيجوندو سومبرا. وكان لا مناص من أن تبدو جاوتشية gauchismo جويرالديس، في نظر بورخيس، مركزة بصورة مفرطة. ومثقلا بالتفاصيل الريفية الدقيقة التافهة، ومليئا بأوصاف مهام الجاوتشو، وبالغ الاحترام والتبجيل في موقفه إزاء الكوستومبرية costumbrismo، كان لا مناص من أن يكون جويرالديس روائيا إشكاليا في نظر بورخيس.
وفي "الكاتب الأرجنتيني والتراث" El escritor argentino y la tradciό-;-n ، يقدم بورخيس نوعا من الدفاع عن دون سيجوندو، بعد قراءة مدققة، ويوقظ شكوكنا:
يقول لنا القوميون إن دون سيجوندو سومبرا هي النموذج لكتاب قومي؛ غير أننا إذا قمنا بمقارنتها بأعمال التراث الجاوتشي، فإن أول شيء نلاحظه يتمثل في الاختلافات. ودون سيجوندو سومبرا مليئة بالاستعارات من نوع لا صلة له بالكلام الريفي غير أنها تشتمل على قدر كبير من استعارات الأوساط الأدبية الراهنة في مونمارتر Montmartre. وكما هو الحال مع القصة الخرافية، فإن من السهل أن نجد في هذه القصة تأثير كيم Kim ل [راديارد] كيپلنج Kipling [Rudyard]، التي كانت أحداثها تجري في الهند والتي كانت، بالمقابل، مكتوبة تحت تأثير هكلبري فين Huckleberry Finn ملحمة الميسيسيپي لمارك توين Mark Twain. وعندما أُبدي هذه الملاحظة فإنني لا أرغب مطلقا في التقليل من قيمة دون سيجوندو سومبرا؛ بل أريد، على العكس، أن أشدد على حقيقة أنه لكي يكون لدينا هذا الكتاب، كان من الضروري لجويرالديس أن يستدعي التقنية الشعرية للأوساط الفرنسية في زمنه وأعمال كيپلنج التي كان قد قرأها قبل ذلك بأعوام كثيرة؛ وبعبارة أخرى فإن أعمال كيپلنج ومارك توين واستعارات الشعراء الفرنسيين كانت ضرورية بالنسبة لهذا الكتاب الأرجنتيني، لهذا الكتاب الذي، وأكرر، ليس أقل أرجنتينية لأنه تقبل مثل هذه المؤثرات.(11)
والحقيقة أنه لا سبيل إلى دحض هذا الدفاع المبالغ فيه إلى حد ما عن دون سيجوندو، غير أنني أود، لهذا السبب على وجه التحديد، أن أفحص هذا التأكيد في سياق المقال بكامله. وقبل هذا بفقرات قليلة كان بورخيس قد طرح تأكيده الشهير والمعروف جيدا، "انطلاقا من جيبون" d’après Gibbon، فيما يتعلق بغياب ذكر الجمال في القرآن(xiii)، وهو غياب كان مبررا حيث أن محمدا كان على ثقة من هويته العربية. ورأى بورخيس، مبالغا إلى حد تحويل حجته إلى مفارقة، أن عدم ذكر الجمال كافٍ لإثبات عروبة القرآن. ويسمح له هذا المثال بالتعبير عن توقه إلى أدب أرجنتيني متحفظ في استعماله للون المحلي. ولا يقف بورخيس عند هذا الحد بل يواصل لينتقد كتبه الأولى ("الجديرة بالنسيان والمنسية") التي كانت تغص بالكومپادريتو، والجدران الطينية، والضواحي الرثة. وبعد هذا مباشرة يأتي الدفاع المقتبس أعلاه عن دون سيجوندو.
وليس من الصعب أن نفكر في هذا على أنه تناقض، غير أنني أفضل أن أنظر إليه على أنه حجة إضافية، تحتوي على قدر كبير من السفسطة، في سجال بورخيس مع النزعة القومية الأدبية. ويأخذ بورخيس نصا يمثل في نظر القوميين "جوهر" الأرجنتين، ويبين أنه في الحقيقة ملقح تماما بإشارات عبر ثقافية كثيرة. كما أن التهكم الذي تنطوي عليه عبارة "العصابات المعاصرة في مونمارتر"، التي لم يكن بورخيس مرتبطا بها، هو مجرد مفتاح من المفاتيح الكثيرة التي تقودنا إلى الاعتقاد أن بورخيس، بدلا من تقديم دفاع عن دون سيجوندو، ينظر إلى هذه الرواية، أيضا، على أنها نص- أسبق pre-text، مستخدما إياها في حجة سجالية حول النزعة القومية. وهو يمتدحها، غير أن الحجج التي تسبق وتتلو ذلك المدح تميل إلى حد كبير إلى إضعاف مدحه.
كانت دون سيجوندو سومبرا، في نظر بورخيس، رواية كريولية بصورة بالغة الوضوح. والحقيقة أن غزارة الإشارات المحلية انتقصت من "طابعها الأرجنتيني" بدلا من إثباتها، إذ أنها كانت مستعملة بإفراط. كما أن التواتر وروح الاكتفاء الذاتي اللذين قدم بهما جويرالديس ما لدى الجاوتشو من تراث أدبي، وتجارب، ومعرفة، كان يتعارض مع ما اعتبره بورخيس السمات الأرجنتينية الأساسية: كان التحفظ والكتمان غائبين عن العرض الأسلوبي والسردي. والحقيقة أنه توجد في دون سيجوندو سومبرا خيول أكثر من أن تسمح لنا بأن نأخذ بجدية دعاواها كنص قومي.
ويهيئ بورخيس الطريق لباقي حجته، ويقودها ببراعة إلى استنتاجها الأيديولوجي- الجمالي، عن طريق ترك رواية جويرالديس جانبا وعرض المسألة بطريقة مباشرة وعامة:
ماهو تراثنا الأرجنتيني؟ أعتقد أننا يمكن أن نجيب عن هذا السؤال بسهولة وأنه لا توجد مشكلة هنا. وأعتقد أن تراثنا كله ينتمي إلى الثقافة الغربية، وأعتقد أن لنا حقا في هذا التراث، أكثر من الحق الذي قد يكون لسكان هذه الأمة الغربية أو تلك. وأنا أستدعي هنا مقالا بقلم ثورشتاين ڤ-;-يبلين Thorstein Veblen، عالم الاجتماع الأمريكي الشمالي، حول بروز دور اليهود في الثقافة الغربية. وهو يتساءل عما إذا كان هذا البروز يسمح لنا بأن نحدس شيئا بشأن التفوق الفطري لليهود، ويجيب بالنفي؛ ويقول إنهم بارزون في الثقافة الغربية لأنهم يعملون داخل تلك الثقافة، وفي الوقت نفسه، لا يشعرون بأنهم مرتبطون بها بولاء خاص.(12)
ويضيف بورخيس أن نفس الشيء ينطبق على الآيرلنديين وعلى الأمريكيين الجنوبيين بوجه عام: "إننا يمكن أن نعالج كل الثيمات الأوروپية، أن نعالجها بدون غيبيات". إن نسيج الأدب الأرجنتيني محبوك بخيوط كل الثقافات؛ ويمكن أن يكون وضعنا الطرفي مصدر أصالتنا الحقيقية. إنه لا يقوم على اللون المحلي (الذي يقيد الخيال بالمعيار التجريبي) بل يقوم على القبول الصريح للمؤثرات.
وهذا على وجه التحديد هو ما يحققه بورخيس في كتابه الأول من القصص، تاريخ عالمي للعار، مستعملا موادَّ مستعملة، روايات أوروپية لقصص شرقية، أو حيوات قطاع الطرق والأشقياء المسلحين الأمريكيين الشماليين، أو أحداثا لا وزن لها تقريبا تتعلق بقراصنة صينيين، أو أنبياء من الفرس، أو أمراء حرب يابانيين. وقد جاء تاريخ عالمي للعار، المنشور في 1935، في أعقاب كتاب بورخيس عن كارييجو؛ وكان يضم اثنتي عشرة قصة قصيرة سوف يصفها بورخيس في وقت لاحق بأنها "تمارين رجل كان هيابا". (وربما هيابا بحيث لا يكتب قصصه الخاصة به، إلى حد أنه استخدم حبكات من مصادر متنوعة لكى يؤلفها- ومع ذلك جريئا بما يكفي لأن ينشر مجموعة بالغة اللانمطية والأصالة). وضمن الثقافة الغربية ورواياتها عن الشرق، يمضي بورخيس باحثا عن قصص طرفية هي غريبة على التراث الأدبي العظيم وهي تكشف، في بعض الحالات، عن ولعه بالنوع البوليسي من الكتابة أو حبه لروايات المغامرات. ومصادره كتب ثانوية أو غير مشهورة (باستثناء الحياة على الميسيسيپي Life on the Mississippi لمارك توين) يعيد كتابتها بحرية كاتب طرفي يعلم أنه يكتب في أطراف العالم.
وهو يختار ثيمات غريبة مجلوبة بكل وضوح إلى حد أن السؤال عما إذا كانت أو لم تكن غريبة على ثقافة نهر پلاتي إنما هو سؤال لا معنى له تقريبا. وعلاوة على هذا فإن هذه الثيمات تمرّ بعملية إضفاء للطابع الكريولي الشفاهي تستبق بطريقة ذكية القصة الأخيرة في الكتاب، والقصة الأولى لبورخيس عن الكومپادري compadres، "رجل الناصية الوردية" Hombre de la esquina rosada (وهي ذاتها إعادة كتابة ل "الرجال حاربوا" Hombres pelearon، وهو نصّ موجز للغاية كان قد نشرو قبل مارتن فييرو بأعوام).
وسوف يحاول بورخيس إثبات أن البُعْد/ الابتعاد distance، إذا جرى تصوره كإزاحة جغرافية وثقافية وجمالية، وإذا جرى افتراضه كحق أمريكي لاتيني، لا يجعل القصة ممكنة فحسب، بل يخلق الشروط اللازمة لمتعة القارئ. ومرة أخرى تغدو دون سيجوندو سومبرا هدفا لتهكم بورخيس في القصة القصيرة "الإنجيل حسب القديس مرقص" El Evangelio segú-;-n Marcos، المكتوبة بعد ذلك بعدة عقود في 1970. وهنا يعطي بورخيس الشكل القصصي لنفس الأطروحة النظرية. ففي مزرعة ماشية في ناحية خونين Junin، في سهول الپامپا، قُرْبَ نهاية العشرينات [من القرن العشرين]، يقطع فيضان طريق السفر على رجل من بوينوس آيرس فيُبقيه عند آل جوتري Gutres، وهي أسرة من العمال الريفيين:
في البيت كله، لم تكن توجد فيما يبدو مادة للقراءة سوى مجموعة من أعداد المجلة الزراعية Farm Journal، ودليل في الطب البيطري، وطبعة فاخرة من الملحمة الأوروجوايية تاباريه Tabaré، وتاريخ لماشية شورت هورن في الأرجنتين Una Historia del Shorthorn en la Argentina، وعدد من القصص الجنسية erotic أو البوليسية، ورواية جديدة اسمها دون سيجوندو سومبرا. وقد قرأ إسپينوزا Espinosa، محاولا بطريقة ما أن يملأ الفجوة التي لا يمكن تفاديها في فترة ما بعد الغداء، فصلين من هذه الرواية على آل جوتري، التي لم يكن أيّ من أفرادها يعرف القراءة والكتابة. ولسوء الحظ، كان رئيس العمال من قبْل تاجر ماشية، وقد فشلت أعمال البطل، وهو تاجر ماشية آخر، في إثارة اهتمامه. وقال إن العمل خفيف وإن تجار الماشية كانوا يتنقلون دائما مصطحبين حصان حَمْل كان يحمل كل شيء يحتاجون إليه، وإنه لو لم يكن تاجر ماشية، لما كان بوسعه أبدا أن يرى أماكن نائية مثل لاجونا دي جوميث Laguna de Gό-;-mez، ومدينة Bragado، وانتشار أسرة نونييث Nú-;-ñ-;-ez في تشاكابوكو Chacabuco.(13)
ويتمثل ما يحققه بورخيس بهذه القراءة ل دون سيجوندو على العمال الزراعيين المياومين peons، في نهاية المطاف، في إعادة تأكيد حرية أو، بالأحرى، ضرورة الامتزاج الثقافي. ولا يحصل آل جوتري على أيّ متعة من رواية جويرالديس، لأنهم يمكن أن يدركوا أنه لا يوجد هنا أيّ اختلاف بينها وبين عالمهم الريفي. أما الإنجيل الذي يقرأه إسپينوزا عليهم فيما بعد، فإنه، على العكس، يفتنهم بقصة هي في الوقت نفسه مليئة بالمعجزات وبما هو غرائبي. ونتيجة لهذا فإنهم، بالتصرف كقراء فعالين بصورة مأساوية، يعيدون تمثيل ذلك النص في مزرعة الماشية estancia عن طريق صلب الرجل الذي رواه عليهم. ولهذا فإن انفعالات آل جوتري تحركت ليس بالتشابه بل بالاختلاف. وتثبت هذه الحكاية الرمزية المشئومة عن قوة القراءة أن الاختلاط عبر الثقافي يمثل، في رأي بورخيس، إحدى الإستراتيجيات الإبداعية الضرورية لتحرير الابتكار الأدبي من دعاوى الواقعية والروتين التكراري للتجربة اليومية.
ويمكن أن نفهم "فونيس القوي الذاكرة" Funes el Memorioso على أنها إطار قصصي للاستعباد الذي يكون لتجربة مباشرة على خطاب. ويؤكد بورخيس أن فونيس يملك ذاكرة لانهائية غير أنه عاجز عن التفكير: "أن نفكر يعني أن ننسى الاختلافات، وأن نعمم، وأن نقوم بتجريدات. وفي العالم الحافل لفونيس، كانت هناك تفاصيل فحسب، مباشرة تقريبا في حضورها".(14) والأدب، على وجه التحديد (وبصورة نوعية)، ممارسة رمزية تُحْدِث قطيعة مع الطابع المباشر للذاكرة، والإدراك، والتكرار. ويتعامل الأدب مع ما هو متجانس، وهو يقطع، ويلصق، ويقفز على أشياء، ويمزج: عمليات لا يستطيع فونيس القيام بها بمدركاته الحسية ولا، بالتالي، بذكرياته. وعند بورخيس، نجد الذاكرة الحقيقية مرتبطة بصورة عامة بالنسيان.
وإيرينيو فونيس Irineo Funes، مثل بورخيس، ساكن من سكان "ضاحية أمريكية جنوبية فقيرة"، محكوم عليه بأن يبقى أسيرا لمادة تجربته. ومغلقا داخل عالم لا توجد فيه مقولات بل مجرد مدركات حسية، يكون على فونيس أن يحاول القيام بمهمة مستحيلة، من بينها فن التصنيف، وهو في كثير جدا من الأحيان موضوع تهكم بورخيس، كما هو الحال في "اللغة التحليلية لجون ويلكنز" El idioma analí-;-tico de John Wilkins. وبالفعل، يخترع فونيس نظاما لكلمات مصممة لتحل محل سلسلة لانهائية من الأعداد، وهي كاشفة للغاية في آن معا للقوة الملغزة لذاكرته ولعدم جدوى المهمة:
قال لي إنه في 1886 كان قد اخترع نظاما جديدا للعدّ، وإنه في غضون أيام قليلة جدا كان قد تجاوز رقم أربعة وعشرين ألفا. ولم يُدوِّنه، إذ أن أيّ شيء كان يفكر فيه مرة واحدة لم يكن يضيع من ذاكرته أبدا. وكان أول حافز له، فيما أعتقد، انزعاجه من واقع أنه لا مناص من أن يحتاج الثلاثة والثلاثون جاوتشو المشهورون في تاريخ أوروجواي(xiv) إلى رمزين وكلمتين(xv)، بدلا من كلمة واحدة وحيدة ورمز واحد وحيدة. ثم طبق هذا المبدأ العبثي على الأعداد الأخرى. وبدلا من سبعة آلاف وثلاثة عشرة، كان يقول (على سبيل المثال) ماكسيمو پيريث Má-;-ximo Pérez؛ وبدلا من سبعة آلاف وأربعة عشرة، السكك الحديدية El Ferrocarril؛ وتمثلت أعداد أخرى في لويس ميليان لافينور Luis Meliá-;-n Lafinur، أوليمار Olimar، الكبريت azufre، السِّباتي los bastos، الحوت la ballena، الغاز el gas، المِرْجَل la caldera، ناپليون Napoleon، أجوستين دي بيديا Agustí-;-n de Vedia. وبدلا من خمسمائة، كان يقول تسعة. وكان لكل كلمة رمز، نوع من العلامة؛ وكانت الكلمات الأخيرة في السلسلة معقدة جدا. حاولت أن أشرح له أن هذه الراپسودية من التعبيرات غير المترابطة كانت تمثل على وجه التحديد، النقيض المباشر لنظام عددي[...] ولم يفهمني فونيس أو رفض أن يفهمني.(15)
ويوزع بورخيس تهكمه على مستويين. من جهة، هناك إشارة جلية إلى نظام "كلمات بدلا من أعداد" يستعمله المقامرون ووكلاء المراهنات في ألعاب اليانصيب السرية وغيرها من ألعاب المراهنات- وهذا ما يضع اختراع فونيس في السياق الثقافي الأكثر تفاهة. ومن جهة أخرى، يكشف عن صعوبات الترجمة من شفرة إلى أخرى. ويحاول فونيس أن يترجم، وهو يعبر عن اقتناعه بأن النظم تمثيلات تامة لما تمثله. ويزعم بورخيس النقيض على وجه التحديد: أن نترجم يعني دائما أن نفقد، وأن نضع الشيء في غير موضعه، وأن نحوِّر المعنى، وإذا لم يكن هذا مفهوما فإننا نقع في مصيدة إيمان ساذج بالتطابق المطلق بين اللغات. وفي مواجهة النظم (الأنساق) العلاماتية (السيميوطيقية) والواقع، يمكن أن يبزغ أمل في أن يكون التمثيل والنقل الأمين ممكنين.
وبوصفها حكاية فلسفية conte philosophique حول النظرية الأدبية، يمكن فهم "فونيس القوي الذاكرة" على أنها حكاية رمزية تبحث إمكانيات واستحالات التمثيل، لأن فونيس يعاني للغاية مشكلات ترجمة المدرك الحسي، والتجربة، وذكريات التجربة، إلى خطاب. وفونيس مسحور بما كان يمكن أن يسميه بورخيس المصادفة العشوائية للتمثيل الواقعي الطابع، ووضعه ميئوس منه: يتزامن أمد ما هو مسرود (المحكي) وأمد السرد (الحكي) في خطابه بطريقة مثالية: "مرتين أو ثلاث مرات، كان قد أعاد بناء يوم كامل؛ ولم يتردد مطلقا، غير أن كل إعادة بناء كانت تحتاج إلى يوم كامل". ويجهل فونيس الحذف ellipsis ولا يمكن أن يفصم متصل continuum الزمن الذي يجري تذكره لكي ينظمه التطوير البارع الصنعة للسرد؛ فهو ليس حرا في أن ينسى، بل إنه، بالتالي، غير قادر على الاختيار. وعلى هذا النحو فإنه محكوم عليه بالتكرار، ومع أن خطابه فاتن كمسخ فلسفي فإنه لا يمكن مطلقا أن يطمح إلى الأصالة التي تحققها حرية الاختيار والرفض. ولا يمثل فونيس مفارقة بل يمثل صورة مغرقة في المغالاة للنتائج المدمرة لواقعية مطلقة وساذجة تضع ثقتها في القوة "الطبيعية" للمدركات الحسية والأحداث. وهو يجهل عملية بناء الواقع، وعلى هذا النحو فإنه عاجز عن بناء خطاب يمكن أن يحرره من عبوديته للمحاكاة memesis المطلقة. وإذا كان الزمن لانهائيا بالنسبة لفونيس (كما هو بالنسبة للرب)، فإن ذاكرته لن تواصل إحباط مساعيه. غير أن الأدب، مثل كل سرد، يقوم على المبدأ الذي لا يمكن تفاديه والمتمثل في أن الزمن يقدم حَدًّا لتمثيل ما يجري في الزمن.
ولا شك في أن بورخيس يعالج هنا مشكلة كيف نكتب بوجه عام، وليس فقط كيف نكتب في الأرجنتين.غير أنه يبدو أن كلا السؤالين يتحدان معا في القصة النظرية "پيير مينار مؤلف الكيخوته" Pierre menard, autor del Quijote. وفي هذه القصة، يُفضي التهكم والمفارقة إلى الازدواج، الذي يمثل على كل حال صيغة بورخيس المفضلة للحديث. وينتقد النص نفس المعرفة التي ينتجها. فبعد إتمام قائمة طويلة من التمارين المكتوبة التي تتصل، وإنْ بطريقة مثيرة للسخرية بصورة جلية، بالترجمة، وإعادة الصياغة، والپاستيش pastiche، اضطلع مينار بمهمة إعادة كتابة رواية ثيربانتيس، كلمة كلمة:
لم يُرِدْ أن يؤلف كيخوته أخرى- وهذا أمر سهل- بل الكيخوته ذاتها. ولا حاجة إلى القول إنه لم يفكر مطلقا في تدوين آلي للأصل؛ لم يكن يقصد أن ينسخها. بل كان هدفه العجيب هو أن ينتج صفحات قليلة تتطابق- كلمة مقابل كلمة وسطرا مقابل سطر- مع صفحات ميجيل دي ثيربانتيس Miguel de Cervantes.(16)
ويؤكد بورخيس أن فصول دون كيخوته التي استطاع مينار أن يكتبها قبل موته "أدقّ" من فصول ثيربانتيس، رغم أنها، في الوقت نفسه، متطابقة معها. فما معنى هذه المفارقة؟ يغدو من الجلي أن عزو هذه الفصول من دون كيخوته إلى مينار يُثري نص ثيربانتيس عبر الإزاحة والمفارقة الزمنية. ويجري تحطيم فكرة الهوية الثابتة لنصّ، وكذلك فكرة التأليف authorship وفكرة الكتابة الأصيلة original. ومع منهج مينار فإنه لا وجود لكتابات أصيلة، ويجري طرح الملكية الفكرية للنقاش. ويتم بناء المعنى في فضاء حدودي تتجابه فيه القراءة والتأويل مع النص وعلاقته (المبهمة دوما) بأيِّ مبرر للمعنى الحرفي والموضوعية. والحقيقة أن بورخيس يستخدم مفارقة مينار لكي يؤكد أن كل النصوص إنما هي إعادة كتابة لنصوص أخرى (في تفاعل لانهاية له للتناص والمعنى)- وليؤكد أيضا، في الوقت نفسه، أن كل النصوص تجري قراءتها على خلفية ثقافية تنظم المجرى العابر للمعنى في نموذج تاريخي:
فَلْنَفْحَصْ الفصل 38 من الجزء الأول، "الذي يتناول الخطاب الطريف ل دون كيخوته حول ". من المعروف جيدا أن دون كيخوته (مثل [فرانثيسكو جوميث] كيبيدو [Francisco Gomez de] Quevedo في مقطع مماثل ولاحق في ساعة الجميع La hora de todos) حسم الجدال ضد الحروف ولصالح الأسلحة. وكان ثيربانتيس عسكريا سابقا: إن حكمه مفهوم. ولكنْ أنْ تقع دون كيخوته پيير مينار- المعاصرة ل خيانة الكتبة La trahison des clercs وبرتراند راسل- فريسة لمثل هذه السفسطات الضبابية!...
وتنطوي مقارنة دون كيخوته مينار ب دون كيخوته ثيربانتيس على رؤية مذهلة. وعلى سبيل المثال، كتب هذا الأخير (الجزء الأول، الفصل التاسع): "... الحقيقة، التي أبوها التاريخ، غريم الزمن، ومستودع المآثر، وشاهد الماضي، وقدوة الحاضر وناصحه، ومستشار المستقبل". ولأنه مكتوب في القرن السابع عشر، وكتبه ثيربانتيس "العلماني العبقري"، فإن هذا السرد إنما هو مجرد مدح بلاغي للتاريخ، ومن جهة أخرى، يكتب مينار: "... الحقيقة، التي أبوها التاريخ، غريم الزمن، ومستودع المآثر، وشاهد الماضي، وقدوة الحاضر وناصحه، ومستشار المستقبل". التاريخ أب الحقيقة: الفكرة مذهلة. ومينار، معاصر ويليام جيمس William James، لا يُعَرِّف التاريخ على أنه بحث في الواقع بل على أنه أصله. والحقيقة التاريخية، في نظره، ليست ما حدث؛ إنها ما نحكم بأنه حدث. أما العبارات الأخيرة- فهي پراجماتية بوقاحة.(17)
وعملية النطق enunciation تعدل كل قول. وكما شددت دراسة في اللغويات في القرن العشرين فإن هذا المبدأ يدمر وفي الوقت نفسه يضمن الأصالة كقيمة مفارقة ترتبط ب "النطق": إنه يأتي من نشاط الكتابة القراءة، غير مرتبط بكلمات بل بكلمات في سياق. وكنتيجة منطقية نهائية لهذه الفرضية، يؤكد بورخيس إنتاجية القراءة ويثبت استحالة التكرار؛ رغم أن كل نصّ يقدم تنويعا لموضوعات قليلة إلا أنه أيضا يكشف الاختلاف الجذري بينها. وما من طريقة، كما يقول بورخيس أو يقول مينار، ليكون نصّ ما مثل قرينه تماما أو مثل نسْخة دقيقة (طبق الأصل) منه. وكل النصوص، من وجهة النظر هذه، أصيلة بصورة مطلقة، وهذا ما يساوي القول بأنه لا أحد يمكن أن يطمح إلى هذه النوعية الخاصة. وبورخيس مفتون بالترجمات (وهي أسلوب آخر للنسخ، أكثر مشقة، ربما، ومستحيل في نهاية المطاف). وفي تعليقه على الروايات الهومرية كان بورخيس قد اكتشف من قبل أن "افتراض أن كل إعادة جمع للعناصر أدنى بالضرورة من الأصل إنما يعني افتراض أن نسخة العمل 9 أدنى بالضرورة من نسخة العمل H- حيث يمكن فقط أن توجد نُسَخ عمل لا غير. ويتفق مفهوم النص النهائي definitive text فقط مع الدين أو مع الإنهاك".(18)
ويتألف الأدب من نُسَخ. وتصور مفارقة پيير مينار عملية الكتابة، عن طريق حملها إلى حدود السخف والاستحالة، ولكنْ مع جعلها واضحة في الوقت نفسه. وتقدم هذه الأطروحة، التي تكونت في الطرف الجغرافي- الثقافي لنهر پلاتي، موقفا جديدا للكاتب وللأدب الأرجنتيني، اللذين لا ينبغي أن يكون على عملياتهما من الامتزاج، ومن الاختيار الحر دون "تكريسات" (إذا استخدمنا تعبير بورخيس)، أن تحترم النظام الهيراركي المعزوّ إلى أعمال أصلية أصيلة. وإذا كان لا وجود لأصالة ترتبط بالنص، بل فقط بكتابة أو قراءة نصّ، فإن دونية الأطراف تختفي ويكون للكاتب الطرفي أو الكاتبة الطرفية الحق في نفس دعوى أسلافه أو أسلافها أو المعاصرين الأوروپيين له أو لها.
إشارات
1: Cuaderno San Martí-;-n, Luna de enfrente and Fervor de Buenos Aires.
2: Jorge Luis Borges, El tamañ-;-o de mi esperanze, Buenos Aires 1926, pp. 8-9.
3: ‘A la calle Serrano’, in Indice de la poesí-;-a americana.
4:‘Un patio’, in Fervor de Buenos Aires, Buenos Aires 1923.
5: ‘Barrio Norte’, from Cuaderno San Martí-;-n, in J. L. Borges, Poemas (1922- 1943), Buenos Aires 1943.
6: J. L. Borges, Prό-;-logos con un prό-;-logo de prό-;-logos, Buenos Aires 1975, p. 94. والنص المقتبس مكتوب في 1962.
7: Inquisiciones, Buenos Aires, 1925, p. 58.
8: "يتضح أن هذه السيرة البريئة نصّ متمرد وخبيث"، كما تكتب سيلبيا موللوي: Sylvia Molloy, las letras de Borges, Buenos Aires 1979, p. 27.
9: Evaristo Carriego, Buenos Aires 1965, p. 11.
10: Inquisiciones, p. 119.
11: ‘The Argentine Writer and the tradition’, Labyrinths, London 1970, p. 216.
12: Labyrinths, p. 218. وعلى أساس هذا الاستشهاد نفسه، تقوم سيلبيا موللوي بتطوير مفهوم "طرفية (جانبية)" بورخيس في الثقافة الغربية.
13: ‘The Gospel According to Mark’,
14: ‘Funes the Memorious’, in Labyrinths, p. 94.
15: ‘Funes the Memorious’, in Labyrinths, pp. 92-3.
16: ‘Pierre Menard, Author of the Quixote’, Labyrinths, pp. 65-6.
17: Labyrinths, pp. 68-9.
18: ‘Las versiones homéricas’, in Discusiό-;-n, Obras completas, Buenos Aires 1975, p. 239.

إشارات أسفل الصفحات

* الفصل الثانى
xi: أيديولوچيم قياسا على فونيم phoneme، فيلوسوفيم philosopheme، سيم seme: أصغر وحدة قابلة للفهم من الأيديولوجية- المترجم.
xii: لفظة porteñ-;-o صفة تشير إلى أولئك وُلدوا أو نشأوا في بوينوس آيرس، المدينة- المرفأ، وتشير توسيعا إلى الخصال الإيجابية والسلبية لسكان تلك المدينة.
xiii: الحقيقة أن القرآن لا يخلو، كما يزعم بورخيس، من ذكر الجمل، فقد ورد لفظ "الجمل" وهو الكبير من الإبل والحبل الغليظ وبهما فسرت الآية 40 من سورة الأعراف، كما وردت ألفاظ "جمالة" (جمع جمل)، و"الإبل" (وهي الجمال ولا واحد لها من لفظها)، و"الناقة" (الأنثى من الإبل والمراد بها ناقة صالح)، و"البعير" (وهو ما يصلح للركوب والحمل من الدواب، كالجمل والناقة)، و"الأنعام" (جمع: نعم، ومنها الإبل)، في عشرات الآيات؛ راجع الألفاظ المعنية في معجم ألفاظ القرآن الكريم، الصادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الجزء الأول 1989، الجزء الثاني 1990.- المترجم.
xiv: في الأصل الإسپاني: "الثلاثة والثلاثون الشرقيون" J. L. Borges, Ficciones, Madrid, 1987, p. 129.؛ وفي ترجمة الدكتور محمد أبو العطا: "رقم ثلاثة وثلاثين في النظام الشرقي" في: بورخيس، الألف، دار شرقيات للنشر والتوزيع، القاهرة، 1998 ص. 97.
xv: في المصدرين السابقين وفي ذات الصفحتين: "وثلاث كلمات".




#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بورخيس كاتب على الحافة 3: صورة عامة لبورخيس
- بورخيس كاتب على الحافة 2: مدخل لمؤلفة الكتاب
- بورخيس كاتب على الحافة 1: مقدمة چون كينج
- أحلام مُحالة إلى التقاعد
- المثقف والسلطة بين التناقض والتحالف
- الرسوم المسيئة وتأجيج الإسلاموفوپيا
- الثورة الشعبية بين سياقين تاريخييْن مختلفين
- نحو نظرية علمية للثورات الشعبية
- زيارة جديدة إلى ثورة يناير
- العيد الرابع لثورة يناير
- الطابع القانونى للثورات
- تسييس محاكمة مبارك؟
- الثورات الشعبية عفوية بالضرورة
- انظر أمامك فى غضب
- مفهوم جديد للثورة الشعبية
- تسييس محاكمة مبارك وعصابته
- تهجير رفح المثير للجدل
- مصير الثورات الإسلامية الراهنة
- تاريخ وتحليل الثورات الشعبية فى مصر عند لويس عوض
- المسألة الفلولية


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل كلفت - بورخيس كاتب على الحافة 4: بورخيس والأدب الأرجنتينى