حميد المصباحي
الحوار المتمدن-العدد: 4719 - 2015 / 2 / 13 - 19:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الإنسان العربي,يعيش جوعه الغريزي للتحولات السياسية,التي افتقدها مند زمن بعيد,على المستويين الإجتماعي العام والثقافي,لقد عايشت الأجيال الحالية,صدى التاريخ الأروبي وهو يرخي بظلاله على الداكرة الجماعية لجيل ما بعد الإستعمار,وهو يصارع لاكتساب شرعية النضال السياسي ضد الأنظمة العربية التي احتوت قدماء المساهمين في حروب التحرير التي عرفها العالم العربي,لكنها كانت دائما تبخس نضالهم قيمه البطولية,باعتبار أن مواجهة الإستعمار كانت أكثر شراسة وقداسة من مواجهة أنظمة الحكم سواء,كانت عسكرية أو مدنية,مما ولد عنفا في بعض اللحظات حتى ضد هده النخبة,التي بدت وكأنها تبحث عن مكانة مطلقة بنضالها غير المسبوق في التاريخ العربي,وهنا احتد الصراع ووصل أوجه مع ظهور الفكر الإشتراكي وتشبع النخب الجديدة به,لتخلق لنفسها مبررا إيديولوجيا طبقيا هذه المرة,بل ذهبت إلى اعتبار التحرر لايكتمل إلا بالقضاء على العدو الطبقي الدي تحالف مع الإقطاع والرأسمالية الهجينة التي لم تكن تدافع عن حرية الأوطان,بل عن حرية الكسب الإقتصادي والمالي وحتى الرمزي الثقافي,لتحتكر باسم الوطنية والوطن ثروات الوطن العربي وتتصرف فيها مقتسمة إياها مع الإستعمار,ولازالت هده الإحترابات الخفية متحكمة في التنافس على السلطة في كل المناطق العربية,وإن تدثرت بصراعات دينية أو عرقية أو عقدية في شكل تنافس على مراكز السلطة كمصدر للإثراء ومراكمة الثروات,إنها آلية نشيطة,يخفيها الخصوم حتى عن بعضهم ولا يعلنون عنها إلا في فترات تطول أو تقصر,لكنها حاضرة سرا في لاشعورهم الثقافي والسياسي,بل إن الديمقراطية في عالمنا العربي,لم يدافع عنها إلا كوسيلة تضمن تقنين الإستفادة من الرأسمال الرمزي المراد تقاسمه بدون الإحتكام إلى القوة والعنف,ولدلك لم تترسخ عميقا في الوجدان العربي,ولم تتحول بعد إلى ثقافة ونمط عيش في مختلف نواحي الحياة االفردية والجماعية بعد,هي وسيلة لتدبير اقتسام الأدوار ودرجة القرب من السلطة ومراكز القرارات السيادية المتحكمة في توزيع الثروات والمكتسبات المؤهلة لها وبها في الوقت نفسه ربما بسبب هده الدوافع تعطلت الحداثة واستبعدت العقلانية في تدبير الشؤون السياسية والإقتصادية وحتى الشخصية,مما كرس في المجتمعات العربية العودة القوية للفكر الماضوي والسلفي الباحث عن النقاء والطهرانية المفتقدة في الصراعات ضد الحضارات الأخرى وأنماط العيش المختلفة عن المنشود العميق في الوجدان العربي الإسلامي وغيره من الإنتكاسات نحو الماضي كحل ومهرب من العجز عن تبني الفكر النقدي المنفتح على المستقبل أكثر من الإلتفات إلى الماضي والإستعانة به في مواجهة متاعب الحاضر وأزماته الثقافية والسياسية وحتى الحضارية,فعندما تعود الأجيال الحالية إلى الماضي تدكر المسيطرين وأبطال تحرير الأوطان بأنهم لايساوون شيئا أمام جهابدة الفكر السلفي الذين لاتقدر تضحياتهم المؤسسة للامة بما قدموهم في مواجهة المستعمر,بل إنهم يصرخون في وجوههم بأنهم انحطوا لدرجة القبول بقيم الغزاة والدفاع عنها باسم التحضر والتقدم,وهنا يضعف تيار داخل هدا الجيل,وهو المدافع عن قيم التقدم إد يجد نفسه مرغما على الدفاع عن انتمائه الإشتراكي الذي لايمكن أن يكون إلا حداثيا حتى في صيغته الإشتراكية ومهما كانت قوة رفضه لمحتكري الوطنية والتحرر من المستعمر,هنا تميل الكفة لصالح الإنغلاق والردة,مما يعمق لدى الطرفين جوعا غريزيا للتغيير وحتى التقارب بين متنافسين,يدركان مسبقا أنهما يتربصان ببعضهما وينتظران الفرصة المناسبة للفتك ببعضهما سياسيا وحتى جسديا,من هنا تتقوى حركات الإسلام السياسي,وتربح معركة الهيمنة الإيديولوجية على المجتمعات العربية بعد أن فشلت في السيطرة العسكرية عليها من خلال الإنقلابات العسكرية أو الثورات الإجتماعية,بل منها من حقق السيطرة الفعلية وتملك السلطة لكنه فشل في إحداث التغيير,كما حدث في السودان وأفغانستان,مما دفع الحركات الإسلامية إلى تغيير استراتيجيتها والعودة إلى الفكر الدعوي,إلى أن بدأت سلسلة الإحتجاجات في العالم العربي,فاستفادت حركات الإسلام السياسي من الوضع وأحسنت استغلاله,فانتصرت على كل الحركات السياسية الأخرى,سواء باعتماد القوة كما حدث في ليبيا أو الإحتكام لصناديق الإقتراع كما حدث في تونس ومصر وحتى المغرب,ولا أحد ينكر أن حركات الإسلام السياسي تعاملت بتاكتيكات ناجحة مع الأوضاع العربية,وعرفت كيف تكثف تحركاتها السياسية والدينية,وتضبط قواعد اللعبة دون أن تخرقها في أحيان كثيرة إدا كان دلك في صالح مشروعها,القائم على الإستجابة لجوع التغيير العربي بكل الوسائل المتاحة والإمكانات المتوفرة لديها,وهي كثيرة,أحسنت تنويعها على المدى المتوسط والبعيد,وزادها قوة نجاح التجربة التركية والإيرانية,كما انضاف إلى ذلك ضعف اليسار العربي,الدي تلاشت شعاراته,وهزلت حصيلة حكمه في العديد من الدول العربية,سواء كان متحالفا مع اليمين أو الجبهات القومية التقدمية,أو حتى اليسارات البعثية التي تحسب عادة على اليسار العربي,أو ما عرف بالإشتراكية العربية,هده هي عوامل قوة حركات الإسلام السياسي,فمنها الداخلي,وهو طبيعة المجتمعات العربية وكيفيات تدبير السلطة لشؤون المجتمع,وجوع النخب السياسية للقرب من أية سلطة وتحويل أخطائها إلى عثرات يمكن السيطرة عليها,والدفاع المستميت عن نخبة انتهى دورها مع رحيل الإستعمار,وكان عليها أن تتعالى عن الصراعات السلطوية وترحل بعيدا عن الحسابات الصغيرة لتضمن خلود أسمائها في تاريخ التحرير,دون طموح في توريث رأسمالها النضالي لأبنائها وأسرها,مما عمق شعورا بالحيف في كل المجتمعات العربية وسمح للقديم بالإستمرار في صيغة سياسية,كان الإسلام السياسي هو التعبير الصادق عنها,رغم مناوشات اليسار وأحلامه الكبيرة,التي يبدو أنها كانت ولازالت أكبر من إمكاناته الحركية والسياسيةوحتى الإيديولوجية التي نخرها الرفاق بتعثراتهم وضبابية اختياراتهم السياسية,التي اختزلت في اشتراكية يمكن تحقيقها عن طريق مثقفين نبلاء وسياسيين أثرياء متعالين عن الواقع وحالمين بزعامات أكثر سلطوية من الأنظمة الحاكمة نفسها,ينقصهم تواضع العلماء وبساطة المناضلين,ولدلك ملهم الشباب وضاق درعا بخطاباتهم المتعالمة,والمترفعة حتى عن أقرب الناس إليهم حزبيا وإيديولوجيا,وفي الجهة المناقضة أدرك زعماء الإسلام السياسي هده الحقيقة,فجالسوا البسيط وارتدوا قبعات الدراويش وسترات بدون ربطات عنق,وتحدثوا لغة الناس البسطاء واقتربوا منهم بدون ابروتوكولات الحداثيين الجائعين للتميز لأنهم حديثوا النعمة بالثراء والسلطة أيضا,وهنا لابد من إضافة أن زعامات الحركات الدينية أحسنت قراءة نفسية الشارع,والجماعات الثقافية وتجاوبت معها بصدق دون منطق الإخفاء,ليبدو اليساري والحداثي كرجل دولة يخفي أكثر مما يبدي.
فأي مخرج من هذه الأزمة التي طالت,و دامت أكثر مما ظنته النخب العربية؟
1_نخبة التردد
صراعات الحداثة و التقليد,ثنائية,لا يبدو أنها قابلة للحسم,فكلما انتصرت الدولة للحداثة,تصدى لها المجتمع بتقليديته, التي تبدو له أصالة,و وواجبا دينيا إسلاميا,تستغله الحركات التي تهدد الحداثة مصالحها,أما إن مالت الدولة تجاه التقليد,بدأت الحركات اليسارية,تتحرك,فتتحالف مع الفكر الليبرالي,و بذلك يجد رجالات السلطة في العالم العربي,مبررا لعدم الحسم,و هنا تنشط آليات,صون السلطة و العمل على استمرارها,و كأنه إنجاز سياسي,هو الأهم,فتضيع رهانات التنمية و الحرية و العلمية.
2_نخبة المغامرة
و هنا تنشط فئات,ثورية,لا تثق في زعامات المعارضة التقليدية,بكل اتجاهاتها,فتختار التحرك بعيدا عن التمهيد الإستراتيجي و الثقافي,المغالي في الإنتظار و الإستعداد الطويل الأمد,فتحتد المواجهات من جديد,و تنتقل من الفكري الثقافي إلى المواجهات الجسدية,كما حدث في مصر,عندما تسللت حركة الإخوان,إلى الثورة و سطت عليها,واضعة الجميع أمام الأمر الواقع حتى قبل الإنتخابات,و بعدها اعتبرت نفسها السلطة الشرعية الوحيدة,التي عليها محاسبة الكل و التخلص من كل الخصوم السياسيين الذين صاروا في عرفها و شرعها,أعداء لها,و كان على الثوار,أي أنصار الدولة المدنية النزول للشارع مرة ثانية.
3نخبة اليأس
هي الفئة الثالثة,التي اعتزلت الصراعات,و اكتفت بتأمل الأزمات,بل تعالت عليها,و منهم من حصل على الجنسية الغربية,و اعتبر نفسه مجرد سائح على أرض العروبة,لا يعنيه مصيرها و لا مآل شعوبها,تكتفي سياسيا بعدمية,تتهرب من خلالها,من كل مشاركة و تفكير في مصير المجتمعات العربية.
خلاصات
لا محيد عن إصلاح دينني,ما دام الإسلام فاعلا في مختلف التحولات التي يعرفها العالم العربي,فالحداثة,مدخلها تجديد الفكر الديني,بدون أسلمة الحداثة,أو تأويلها لتصير أصالة وهمية,كأننا أصحابها أو السابقون إليها,مما يوهم المجتمعات العربية,بأنها وصية على العالم.
حميد المصباحي كاتب روائي
#حميد_المصباحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟